Please Wait
7494
لا بد من الالتفات إلى أن آیات القرآن الکریم و الروایات الصادرة عن الأئمة المعصومین (ع) جعلت بر الوالدین و الإحسان إلیهما و احترامهما إلى جانب أصل أساسی و مهم من أصول الدین، ألا و هو توحید الله، و هذه الأهمیة تکشف عن الدور الأساسی الذی یلعبه وجود الوالدین فی حیاة الإنسان و تأثیر دعائهما المباشر فی عاقبة الأولاد، و لذلک عندما یظهر الخلاف بین الأبوین یکون واجب الأولاد الالتزام بالاحترام و التقدیر و التأدب أمام کل منهما، کما ینبغی التصرف بشکلٍ لائق و مناسب فی مثل هذه الحالة، فإن ذلک یساعد على حل الاختلافات، إضافةً إلى عدم المساس بمشاعر أیٍّ منهما، و تکدیر صفوه، لأن النبی (ص) یقول: «إطاعة الوالد إطاعة لله و أذى الوالد ».
و من الأمور الجدیرة بالذکر و الاهتمام هو أن نلتفت إلى أن أفضل طریق للسلوک و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر هو الطریق العملی و لیس الکلامی، أی أننا نعلم الآخرین الحیاة الصحیحة من خلال السلوک و العمل الصحیح کما کان یفعل أئمتنا.
و علیه یمکن أن نقترح عدة طرق لحل مثل هذه المشکلة اعتماداً على التعالیم الدینیة:
1ـ أن یتدخل الأولاد بشکلٍ مباشر، مع مراعاة احترام الوالدین و التزام الهدوء و عدم الانفعال فی علاج المشکلة و الإقدام على حلها.
2ـ دعوة من یحظى بالاحترام من قبل الوالدین للتدخل، و خصوصاً من کبار السن و أهل الحکمة و التجربة من أجل حل المشکلة.
3ـ هدایة الوالدین إلى المراکز الاجتماعیة المتخصصة لعرض المشکلة على أصحاب الاختصاص من أهل العلم و التربیة و الاجتماعیین لاقتراح الحلول المناسبة.
4ـ إذا کان الوالدان ممن یحسنون القراءة و الکتابة فبالإمکان إهداءهما بعض الکتب التی تعنى بالتربیة و التعالیم الدینیة للاستفادة منها فی هذا المجال.
و على کل حال بإمکان الأولاد دراسة المشکلة و بدافع المصلحة التدخل فی مشاکل الوالدین و إیجاد طریقٍ لحلها مع مراعاة کامل الاحترام و التقدیر لمقام الوالدین و عدم الإخلال بمکانتهما.
ذکر مفسرو القرآن الکریم و علماء النفس و التربیة عدة طرق فیما یخص سلوک الأولاد و موقفهم فی حل المشاکل التی یمکن أن تحدث بین الوالدین، و ذلک اعتماداً على المصادر الدینیة المعتبرة فاقترحوا عدة طرق للحل:
1ـ الطریقة الأولى: أن یتدخل الأولاد بشکل مباشر لحل المشکلة.
و لا بد أن یعلم الأولاد هنا أن السلوک الصحیح فی مثل هذه الحالة یکون له أثرٌ إیجابیٌ على الوالدین مهما کان مستواهم الثقافی و أیاً کانت المرحلة العمریة لهما.و ذلک لأن الأوبین مهما تقدم بهما العمر و ما یکونان علیه من مستوى ثقافی فإنهما سوف یتأثران و یتألمان لما یصدر من الأبناء من انتقاد و ملاحظات مع ما هم علیه من صغر السن و قلة التجربة و علیه فالدقة مهمة فی مثل هذه المواقف حتى لا یصدر من الأبناء ما یعکر خاطر الوالدین و یبعث الحزن و الألم فی نفسیهما. و ذلک لأن التعالیم الدینیة تؤکد أن الإساءة إلى الوالدین تساوی و تعادل نار جهنم[1]. کما أن الله سبحانه نهى عن إغضاب الوالدین و المساس بمشاعرهما "وَ قَضى رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ کِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً کَریما"[2]. و من الشروط التی یلزم اعتبارها مکانة الولد لدى الوالدین، بمعنى أن الولد علیه أن یعرف مکانته و موقعه عند والدیه، فإذا قدم نصیحته و ملاحظاته هل تقبل منه أم لا؟ و هل أن هذه النصیحة تؤدی إلى معالجة الأوضاع و تحسینها أم أن مردودها عکسی؟ و على نحو المثال لو کان فی الأسرة أربعة أولاد، فاللازم الأخذ بنظر الاعتبار أیهم أکثر محبوبیة فی نفس والدیه لتناط به مهمة المبادرة إلى الکلام و إبداء الحلول للمشکلة، لأن احتمال تأثیره على أبویه یفوق تأثیر الآخرین بمراتب لما له من حب فی نفسیهما، و هنا لا فرق بین الذکور و الإناث، وحتى لو کان الولد هو الأصغر.
2ـ الطریقة الثانیة:
دعوة بعض الوجهاء ممن یحظى بقبول و احترام الأم و الأب لیستعمل حکمته و تجربته فی حل هذه المشکلة. من الممکن أن یکون هذا الشخص من الأقارب و المقربین من العائلة، کالجد أو الجدة، أو العم أو الخال، وممکنٌ أن یکون من الأصدقاء المقربین للوالدین.
و على أی حال یطلب منه التدخل و إیجاد حل یتناسب و مصلحة الأسرة و إصلاح شأنها.
3ـ الطریقة الثالثة: هدایة الوالدین إلى المراکز الاستشاریة من أجل تلقی النصائح المناسبة من ذوی الخبرة و الاختصاص فی علوم الاجتماع و التربیة.
4ـ الطریقة الرابعة: المطالعة، إذا کان الأب و الأم من أهل المیل إلى المطالعة و قراءة الکتب، فمن الممکن تزویدهما ببعض الکتب التی تترک أثراً تربویاً عند قراءتها، أو أن ألاولاد أنفسهم یطالعون هذه الأبحاث للتعرف على طرق الحل الصحیحة و المناسبة لما یحدث من مشاکل فی الأسرة، خصوصاً بین الوالدین.
5ـ الطریقة الخامسة و هی آخر الطرق: و تتمثل بمشاهدة الأقراص المدمجة أو استماع الأشرطة المسجلة، فبإمکان الوالدین اقتناء مثل هذه الأقراص و الأشرطة التی تحتوی على آراء الخبراء و علماء الاجتماع و الإصغاء إلى محتویاتها للتعرف على طرق و معالجات المشاکل الأسریة الناشئة من اختلاف الوالدین. و بذلک یتمکنان من المبادرة إلى حل المشاکل بذاتها اعتماداً على ما یتعلمان.
و على أی حال فالأولاد یمکنهم أن یدرسوا مشاکل الوالدین بوعی و أناة و أن یضعوا لها حلولاً مناسبة على أساس ما تقدم مع الحفاظ التام على مکانة الوالدین و احترامهما، و عدم المساس بمشاعرهما بالکلام غیر المناسب، أو المواقف الانفعالیة.