Please Wait
8322
ما یستفاد من الروایات هو: ان الحرب تقع لمدة ثمانیة أشهر، و بعد ثمانیة أشهر من ظهور الإمام (عج) تکون قد خضعت له مختلف بلدان العالم فتسود حکومة العدل الشامل کل أرجاء العالم المترامی و یتم بذلک اقتلاع جذور الکفر و الشرک و النفاق، و بذلک لا یبقى فی الأرض مکان لأی ظالم و لا تبقى أرضیة لارتکاب الذنوب و خصوصاً الذنوب الاجتماعیة، وتخرج الارض کنوزها و تؤخذ حقوق الفقراء من الظالمین و أصحاب الثروات فتوزع علیهم بشکل عادل، حتى یستغنی الجمیع إلى حدٍ لا یبقى معه مورد لصرف الزکاة و الصدقات.
إن الإیمان بظهور الإمام (عج) هو من مصادیق الإیمان بالغیب، الذی لا یمکن قبوله و التعرف على خصوصیاته و مشخصاته إلاّ عن طریق التعبد و الاعتماد على النصوص المعتبرة الصحیحة.[1] و حیث أن أغلب الأحادیث و الروایات مضى علیها زمن طویل فقد أصیبت بالعلل و الآفات و الشوائب و ذلک لأسباب عدة منها: التقیة التی کان یمارسها الشیعة، الوضع و التحریف من قبل الأعداء و المناوئین، النسیان و عدم الدقة من قبل الرواة و نقلة الحدیث، عدم وجود الإمکانات للطباعة و الحفظ و الصیانة، التلف و ضیاع المدونات، کل ذلک أدى إلى عدم إمکانیة المعرفة الدقیقة بالجزئیات و الحوادث فی الزمن السابق لظهور الإمام (عج) و الزمن اللاحق للظهور بالکیفیة التی یریدها طلاب الحقیقیة و المنتظرون. خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار وجود التعارض الغیر القابل للجمع بین العدید من النصوص التی تتحدث عن أدوار الظهور المختلفة و علیه فالجواب عن السؤال المتقدم و خصوصاً فی شقه الأوّل یکون على مستوى الظن، کما تحتاج الإجابة إلى تقسیم السؤال إلى عدة أقسام منفصلة، یجاب علیها کلاً على انفراد کما فی الآتی:
ما هی الفترة الزمنیة التی یتطلبها استقرار حکومة العدل بعد ظهور الإمام المهدی (عج)؟
یقول الإمام الباقر (ع): «... و یضع السیف على عاتقه ثمانیة أشهر هرجاً مرجاً حتى یرضی الله».[2] و على أساس الروایات التی بین أیدینا فإن ظهور الإمام یکون فی مکة، و بعد أن یلتحق به أنصاره و خاصته یتوجه إلى العراق و منه إلى الشام (سوریا الحالیة) و منها یتحرک باتجاه بیت المقدس، و بعد ذلک یتم إخضاع سائر البلاد الأخرى فی أوربا و ترکیة و الصین و أفغانستان و جمیع دول العالم، و بعد ثمانیة أشهر من الحرب و الاصطدامات تنتهی إلى استقرار حکومة العدل الشاملة، فیعم بعد ذلک الصلح و الأمن و العدل و الاستقرار جمیع أرجاء العالم بکل تلوناته و اختلافاته.[3]
و أما بالنسبة لمدة حکومة الإمام (عج) فقد وردت روایات مختلفة و متفاوتة فی تحدید تلک الفترة، منها: 19 سنة و عدة أشهر، 7 سنوات، 40 سنة، 10 سنوات و 309 من السنین التی تعادل کل واحدة منها 20 أو 40 سنة و بعد استشهاد الإمام أو وفاته بأربعین یوماً تکون القیامة قد قامت.[4] فیطوى بساط الأرض و السماء و یتم الاستعداد لیوم القیامة.
هل یبقى فقیر على وجه الأرض بعد قیام حکومة الإمام و استقرارها؟
عندما یظهر الإمام (عج) و یقیم حکومة العدل الشامل المطلق و تأخذ الحکومة استقرارها فإن الأرض تخرج کنوزها ما ظهر منها و ما بطن، لتضعها تحت اختیار الإمام (ع)، فتؤخذ حقوق الفقراء و المستضعفین من الظالمین و أصحاب الثروات، و تقسم بین الجمیع على أساس العدل و المساواة، حتى لا یبقى فقیر على وجه الأرض ثم لا یوجد فی ذلک الوقت مورد لصرف الزکاة و الصدقة. یقول الإمام الصادق (ع): «و یخطب الناس فتستبشر الأرض بالعدل و تعطی السماء قطرها، و الشجر ثمرها، و الأرض نباتها، و تتزین لأهلها».[5]
و یأمر الإمام (عج) المنادی لیعلن بین الناس من کان صاحب حاجة فلینهض و یعلن حاجته، فلا یقوم أحد من الناس إلاّ شخص واحد یقول: ائت السدان؛ یعنی الخازن فقل له إن المهدی یأمرک أن تعطینی مالاً، فیقول: له احث حتى إذا جعله فی حجره و أبرزه ندم فیقول: کنت أجشع أمة محمد (ص) نفساً، أو عجز عنی ما وسعهم، قال: فیرده فلا یقبل منه، فیقال له: «إنا لا نأخذ شیئاً أعطیناه».[6]
و یقول الرسول (ص): «استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله حتى لا یوجد أحد یقبل زکاة مال أخیه، و لا یجد الرجل موضعاً لصدقته و لا لبره بشمول الغنى جمیع المؤمنین».[7]
هل یمکن أن یوجد ظلم بعد استقرار حکومة الإمام (عج)؟
إن أهم مشخصات حکومة الإمام المهدی (ع): الصلح و الامن و بسط العدل و تلاشی الفساد و الظلم و الجور و الجرائم و هذا هو الهدف الذی کان یسعى لتحقیقه جمیع الأنبیاء، و لکن لم یکتب لهؤلاء العظماء التوفیق فی تحقیق کامل هذا الهدف و کما ینبغی فی زمانهم و زمان أوصیائهم من بعدهم. و لکن الوعد بتحقیق الصلح و الأمن و العدل کان مما وعد به جمیع الأنبیاء کما أن الفطرة السلیمة لأی إنسان على طول التاریخ لابد و أن تنتظر مثل هذه الأیام ذات الخصائص الفریدة.
إذن فما وعد الله تبارک و تعالى به و ما بشر به الأنبیاء و الأوصیاء المعصومون - و لن یخلف الله وعده - لابد و أن یتحقق و لا یمکن أن یزرع الله و أنبیاءه هذا الأمل فی نفوس الناس و یجعلهم فی بحبوحة الانتظار و التربص دون أن یحقق لهم ما وعدهم به، و بهذه الخصائص الفریدة النادرة.
بل من الممکن أن یکون تحقق مثل هذا الیوم العظیم هو الهدف من خلق الإنسان. إنه الیوم الذی تنعم به جمیع الأمم بالوحدة تحت لواء التوحید، مع القضاء الکامل على الکفر و الشرک و النفاق.[8]
و إن الأحادیث و الروایات التی تشیر إلى هذا الأمر کثیرة جداً، و من جملتها ما روی عن الإمام الحسن العسکری (ع) حیث قال لولده (عج): «أی بنی کأنی أراک و قد نزل علیک نصر الله، و فرج الله عنک، و قد بلغت ذروة العظمة... و فی ذلک الوقت یتنفس صبح دولة الحق و تنحسر ظلمة الباطل. فیکسر بک ظهر الظالمین، و یرفع بک شعار الدین، و تضیء آفاق العالم و یعم الصلح و السکینة، من أقصى الأرض إلى أقصاها... و یعز أولیاءک و ینصرهم، و یخذل أعداءک و یذلهم، و لا یبقى أحد على الأرض من الظالمین و المجرمین، و الطغاة و المنکرین، و الأعداء المخالفین المعاندین، و توکل على الله «وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِکُلِّ شَیْءٍ قَدْراً»،[9]».[10]
هل توجد صورة من صور الذنوب و المعاصی بعد استقرار حکومة الإمام؟
إن الطمع و الحرص من أهم العوامل التی تدفع الإنسان لارتکاب الذنوب و المعاصی. و ذلک من خلال إحساس الإنسان بالحاجة إلى متاع الدنیا من جانب و میله إلى المال و الثروة من جانب آخر.
عندما ینال الإنسان الکفایة من المال و الثروة، و یحصل على القدر الکافی من العزة الاجتماعیة و الحفاظ على ماء الوجه و المکانة، و تکون نظرته و تصوراته إلهیة، و لا یبقى لمتاع الدنیا قیمة بالنسبة إلیه و یصل إلى حد الیقین بأن کل ما وعد الله به عباده حق و صدق حتى مع إعراض الآخرین و وقوفهم فی وجه تحقق ذلک - إلاّ أنه یتحقق فی نهایة الأمر - و إذا توصل إلى الیقین بوقوع یوم المعاد و الوقوف أمام الله للحساب و المسألة، و إن الجنة و ما فیها من نعیم دائم لا یمکن أن تقاس بالدنیا و زوال ما فیها. عند ذلک لا یبقى فی نفسه دافع و لا هدف لارتکاب المعاصی و اقتراف الذنوب، خصوصاً أن بعض الروایات، و جمع من المحققین تشیر إلى أن عمر الشیطان ینتهی فی زمن حکومة الإمام (عج) و إن هذا اللعین سوف یذبح فی بیت المقدس، على ید النبی الأکرم (ص)، فلا یبقى أثر لوساوسه و إغوائه و حبائله.[11]
إضافة إلى العوامل الأخرى التی لا حصر لها مثل وجود حکومة العدل الشاملة التی لا یمکن الإفلات من قبضتها العادلة، و سلامة المحیط و ما فیه من أمن و أمان و استقرار، و عدم قبول الذنب و المعصیة بین عموم الناس فی ذلک الوقت، کل ذلک یمنع وقوع الذنوب و یحول دون وقوع المعاصی إذن فالهدف مفقود، و المانع موجود، و لذلک فلا یصدر الذنب و لا یقع العصیان، و لدینا الکثیر من الأحادیث و الروایات التی تشیر إلى هذا الأمر، و من جملتها:
یصف الإمام الصادق (ع) هذا المقطع الزمنی فیقول: «و یذهب الوبا و الزنا و شرب الخمر و الربا و تقبل الناس على العبادة و المشروعات و الدیانة و الصلاة فی الجماعة و تطول الأعمار و تؤدى الأمانة و تحمل الأشجار و تتضاعف البرکات و یهلک الأشرار و یبقى الأخیار».[12]
و یطلق الرسول (ص) و عداً صادقاً بالکیفیة التالیة: إن الله یرفع البلاء بالمهدی، و یملأ قلوب العباد بالطاعة و العبادة، و یعم العدل الجمیع، و یمحق به الکذب و الکاذبین: «یَمْحَقُ اللَّهُ الْکَذِبَ وَ یُذْهِبُ الزَّمَانَ الْکَلِبَ بِهِ یُخْرِجُ ذُلَّ الرِّقِّ مِنْ أَعْنَاقِکُم».[13]
المصادر:
1- القرآن الکریم.
2- الأمینی إبراهیم، دادگستر جهان "العدل العالمی"، ص388 و 447.
3- الحیدری الکاشانی، حسین، حکومت عدل گستر" حکومة العدل الشاملة"، ص225 و 301.
4- الخراسانی، محمد جواد، مهدى منتظر (عج)، " المهدی المنتظر (عج)"، ص188 و 273.
5- الکورانی، علی، عصر الظهور، ص351 و370.
6- مجموعة من الکتاب، العدل المنتظر، المقالة 1و 11.
7- الصافی الگلپایگانی، لطف الله، منتخب الأثر.
8- الصافی الگلپایگانی، لطف الله، الإمامة و المهدویة، ج3.
9- کامل سلیمان، یوم الخلاص، ترجمة علی أکبر مهدی پور، ج1 و 2.
10- المجلسی، البحار، ج51 و 52.
11- الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج14، ص160 و 175.
[1] انظر: الصافی الگلپایگانی، لطف الله، الإمامة و المهدویة، ج3، ص28-42.
[2] إلزام الناصب، ص189؛ غیبة النعمانی، ص165؛ بشارة الإسلام، ص199، نقلاً عن یوم الخلاص، ج1، ص 478، ح585.
[3] انظر: یوم الخلاص، ج2، ص470، 536؛ بحار الأنوار، ج52، ص309 و 392.
[4] یوم الخلاص، ج2، ص601 و 658؛ بحار الأنوار، ج2، ص279، و 392.
[5] بشارة الإسلام، ص71، نقلاً عن یوم الخلاص، ص639، ح882.
[6] منتخب الأثر، ص147؛ مسند أحمد، ج3، ص37؛ الصواعق المحرقة، ص164؛ ینابیع المودة، ص135، ج3، نقلاً عن یوم الخلاص، ص642 ح 894؛ راجع نفس الکتاب، ص596 و 598.
[7] إلزام الناصب، ص230؛ بشارة الإسلام، ص 256؛ یوم الخلاص، ص598، ح780.
[8] هود، 118 و 123.
[9] الطلاق، 3.
[10] البحار، ج5، ص35؛ وفاة العسکری ص49، نقلاً عن یوم الخلاص، ج1، ص530 و 531؛ کذلک انظر: نفسه، ص73، ح5 ؛ ص625، ح844.
[11] انظر: المیزان (العربی)، ج14، تفسیر الآیة 36 من سورة الحجر، ص160، 161، 175.
[12] منتخب الأثر، ص474؛ إلزام الناصب، ص228؛ الملاحم و الفتن، ص54، نقلاً عن یوم الخلاص، ج2 ص600.
[13] البحار، ج51، ص75؛ الملاحم و الفتن، ص56؛ الغیبة للشیخ الطوسی، ص114 و ...