بحث متقدم
الزيارة
5485
محدثة عن: 2011/09/13
خلاصة السؤال
ما المراد من قول الله تعالى فی الحدیث القدسی: "مَا مِنْ شَیْءٍ أتَرَدَّدُ فیهِ مِثْلَ تَرَدُّدی‌ عِنْدَ قَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ"؟
السؤال
ما المراد من قول الله تعالى فی الحدیث القدسی: "مَا مِنْ شَیْءٍ أتَرَدَّدُ فیهِ مِثْلَ تَرَدُّدی‌ عِنْدَ قَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ"؟ أ لیس الله اذا قال لشیء کن کان؟
الجواب الإجمالي

من البدیهی انه یستحیل على الباری تعالى طروء التردد بمعنى الشک و عدم تشخیص الخیار الافضل، و انما التردد هنا بمعنى تعظیم الله تعالى للمؤمن و شرف منزلته عند الله؛ لانه لما جرت العادة أن یتردد من یعظم الشخص فی مساءته نحو الوالد و الصدیق و أن لا یتردد فی مساءة من لا یکرمه و لا یعظمه کالعدو و الحیة، بل إذا خطر بالبال مساءة أوقعها من غیر تردد، فصار التعدد لا یقع إلا فی موضع التعظیم و الاهتمام و عدمه لا یقع إلا فی مورد الإهانة. فحینئذ دل الحدیث على تعظیم الله تعالى للمؤمن و شرف منزلته عند الله، فعبر باللفظ المرکب عما یلزمه، و لیس مذکورا فی اللفظ إنما هو بالإرادة و القصد، فمعناه حینئذ منزلة عبدی المؤمن عندی عظیمة.

الجواب التفصيلي

ورد الحدیث القدسی و بتفاوت یسیر فی أکثر من مصدر من مصادر الحدیث الشیعیة و السنیة على السواء.[1] و کذلک ورد فی الکتب الفقهیة و الفلسفیة فضلا عن الکتب الحدیثیة و کتب الادعیة، و باسناد صحیحة و قد تلقى العلماء من الفریقین الروایة بالقبول و التصحیح.

بعد هذه المقدمة المختصرة نشرع فی تحلیل الروایة و بیان المراد منها، فقد ورد الحدیث فی کتاب الکافی عن الامام الصادق (ع) عن النبی الاکرم (ص) أنه قال: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَا تَرَدَّدْتُ فِی شَیْ‏ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ کَتَرَدُّدِی فِی مَوْتِ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنِ إِنَّنِی لَأُحِبُّ لِقَاءَهُ وَ یَکْرَهُ الْمَوْتَ فَأَصْرِفُهُ عَنْهُ وَ إِنَّهُ لَیَدْعُونِی فَأُجِیبُهُ وَ إِنَّهُ لَیَسْأَلُنِی فَأُعْطِیهِ وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِی الدُّنْیَا إِلَّا وَاحِدٌ مِنْ عَبِیدِی مُؤْمِنٌ لَاسْتَغْنَیْتُ بِهِ عَنْ جَمِیعِ خَلْقِی وَ لَجَعَلْتُ لَهُ مِنْ إِیمَانِهِ أُنْساً لَا یَسْتَوْحِشُ إِلَى أَحَدٍ".[2]

و قد أثیر الکثیر من التساؤلات حول هذا الحدیث القدسی و لکن السؤال الاهم یدور حول بیان المراد من تردد الباری تعالی و کیف نسب الله تعالى التردد الى نفسه؟

من البدیهی انه یستحیل على الباری تعالى طروء التردد بمعنى الشک و عدم تشخیص الخیار الافضل؛ و ذلک لان التردد إما أن ینشأ من الجهل بعاقبة الشیء و ما یؤول الیه الأمر، و قد یکون بسبب الخشیة من عروض مانع یمنع من اتمام الفعل، و من الواضح استحالة هذین الامرین على الباری تعالى، من هنا لابد من تأویل ظاهر الحدیث و ذکر الوجوه التی احتملها العلماء فی توجیه الحدیث، منها:

ما ذکره الفاضل المقداد فی کتابه "نضد القواعد الفقهیة" حیث قال: یوجد فی تأویل هذا الحدیث وجوه:

1 ما ذکرناه من أنه لما جرت العادة أن یتردد من یعظم الشخص فی مساءته نحو الوالد و الصدیق و أن لا یتردد فی مساءة من لا یکرمه و لا یعظمه کالعدو و الحیة، بل إذا خطر بالبال مساءة أوقعها من غیر تردد، فصار التعدد لا یقع إلا فی موضع التعظیم و الاهتمام و عدمه لا یقع إلا فی مورد الإهانة. فحینئذ دل الحدیث على تعظیم الله تعالى للمؤمن و شرف منزلته عند الله، فعبر باللفظ المرکب عما یلزمه، و لیس مذکورا فی اللفظ إنما هو بالإرادة و القصد، فمعناه حینئذ منزلة عبدی المؤمن عندی عظیمة.

2 ما ذکره بعض الفضلاء، و هو أن التردد إنما هو فی الأسباب، بمعنى أن الله تعالى یظهر للمؤمن أسبابا یغلب على ظنه دنو الوفاة، فیصیر مستعدا للآخرة استعدادا تاما، و ینشط للعمل، ثمَّ یظهر له أسبابا توجب البسط فی الأمل، فیشتغل بعمارة دنیاه بما لا بد منه. و لما کان ذلک بصورة التردد أطلق علیها ذلک استعارة، إذ کان العبد الذی هو متعلق تلک الأسباب بصورة التردد و أسند إلیه تعالى من حیث إنه فاعل للتردد فی العبد، و هو مأخوذ من کلام بعض القدماء الباحثین عن أسرار کلام الله تعالى، فالتردد فی اختلاف الأحوال لا فی مقدر الآجال.

3- إنه تعالى لا یزال یورد على المؤمن حالا بعد حال لیؤثر الموت فیقبضه مریدا له، و إیراد تلک الأحوال المراد بها غایاتها من غیر تعجیل، فالغایات من القادر على التعجیل یکون ترددا بالنسبة إلى قادریة المخلوقین، فهو بصورة التردد و لم یکن ثمَّ تردد، کما ورد فی قصة إبراهیم علیه السلام لما أراه ملک الموت، فکره قبض روحه فأخره حتى رأى شیخا یأکل و لعابه یسیل على لحیته، فاستشنع ذلک و طلب الموت. و کذا قیل عن موسى على نبینا و آله و علیه السلام.

4- إنه بصورة التردد، لتعارض تحتم الموت على العباد و کراهة مساءة المؤمن، و هو استعارة أیضا.

5- أن یکون على التقدیر و الفرض، أی لو کنت مترددا لترددت فی ذلک و هو مجاز.[3]

و قد ورد ما یقارب تلک الوجوه التأویلیة فی مرآة العقول للعلامة المجلسی و شرح الاربعین للشیخ البهائی.[4]

فاتضح من خلال ذلک أن التردد المذکور فی الحدیث لا یعنی الشک النابع من الجهل او الخشیة، قطعاً.



[1] مثل  اصول الکافی، باب الرضا بموهبة الایمان؛ وسایل الشیعة، باب عدم تحریم کراهة الموت؛ مرآت العقول؛ انوار البروق فی انواء الفروق، القرافی من علماء أهل سنت و....

[2] الکلینی، الکافی، ج2، ص 349، باب الرضا بموهبة الایمان و الصبر علی کل شیء؛ العلامة المجلسی، مرآة العقول، ج 9، ص 297.

[3] الفاضل المقداد، نضد القواعد الفقهیة على مذهب الإمامیة، المتن، ص: 71-72، نشر مکتبة المرعشی النجفی، الطبعة الاولى، 1403هـ.

[4] انظر: العلامة المجلسی، مرآت العقول، ج 9، ص 8-297؛ الشیخ البهائی، شرح الاربعین، ح 35.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257244 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113244 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49732 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...