Please Wait
6191
في نهايات القرن الاول الهجري حصل تغییر هائل في بیئة البلاد الاسلامیة، فحظي العلم بمنزلة خاصة، و کان من أهم هذه العلوم هو علم الکلام الذي یبحث في الامور الدینیة الاسلامیة، و يذب عن المعتقدات الاسلامية و يبينها بنظرة جدیدة.
و کان لظهور هذا العلم عوامل داخلیة و خارجیة کثیرة. إثر ذلك حصلت اختلافات و تعدد الآراء بین المتکلمین مما إنجر الى ظهور الفرق الكلامية، أبرزها الفرق الكلامية الثلاثة: الشیعة و المعتزلة و الاشاعرة.
السؤال المطروح مع وجازته الا انه متشعب الى اكثر من محور من المحاور التي صنفت فيها مآت بل آلاف الكتب من قبل الباحثين و المفكرين الاسلاميين، فمن الصعب جداً ان نستوعب البحث في صفحات قليلة، من هنا نحاول اختصار الاجابة ضمن نقاط محددة:
الاولی:
في عصر نبي الاسلام (ص) کان المجتمع الاسلامي یسوده جو یختلف کثیراً عما کان عليه قبل البعثة المشرفة و بعدها، حیث کان المجتمع الاسلامي مجتمعاً حدیث التأسیس و کان النبي باعتباره المؤسس لهذه المدرسة حاضراً وکان الجمیع یثق به، فكان ذلك سبباً لانعدام النقاش الدیني بین المسلمین و كثرة الجدل بينهم باعتبار أن المرجعية الدينية حاضرة تجيب عن كل الاشكالات و تضع المعالجات و الحلول لكل ما يثار في الوسط الاسلامي آنذاك.
و برحيل الرسول الاكرم (ص) حصل تغير في المجتمع الاسلامي أیضاً، حيث واصل المسلمون المسيرة الطويلة التي رسم خطوطها الكبرى الرسول (ص)، فقاموا بدعوة الناس للدخول في الدين الحنيف و استمرت هذه الحالة فترة طويلة استوعبت عددا كبيرا من الاجيال، و کان لدخول المسلمین الجدد - وهم اصحاب ثقافات و ظروف مختلفة و متضادة أحیاناً- الدور الكبير في خلق مجتمع اسلامي خلیط من الوان شتى و مشارب متعددة، و کان لذلک رغم منافعة، انعكاساته السلبية قطعاً. و بمضی الزمان حصلت تغییرات في المجتمع الاسلامي، منها نشوء علم الکلام. و قد سلط الباحثون الاضواء على تاريخ نشوء هذا العلم و الاسباب التي دعت اليه ظهرت على اثرها العديد من الآراء و النظريات سنحاول الاشارة الى بعضها و بصورة مختصرة، و لكن قبل ذلک یبدو من الضروري توضیح معنی الکلام؟.
قیل إن المراد من علم الکلام:
- البحوث و المناقشات العقائدیة التي تتمظهر في الصورة التالية:
- التعلم و التعلیم.
- الاسئلة و الاجوبة.
- المناظرة و المجادلة من دون ظهور العقائد و المذاهب الکلامیة.
- البحوث الکلامیة بالصور المذکورة مع ملاحظة ظهور العقائد و المذاهب الکلامیة.
و في الصورة الاولی ینبغي ان یقال: ان تاریخ ظهور علم الکلام الاسلامي مقترن بتاریخ ظهور الاسلام، لان مثل الموارد المذکورة کانت موجودة في ذلک الزمان، بالرغم من انها لم تتسبب بظهور الفرق المختلفة لوحدة المرجعية الفكرية و عدم الجرأة علی مخالفة النبي الاکرم (ص) حتى تحت عنوان الاجتهادات التي ظهرت بعد رحيله.
و من خصائص هذه المرحلة کون البحوث فیها تطرح بصورة شفهیة و لم تدون في الغالب.
و لكن هذا العلم تحول الى مرحلة جدیدة منذ اواسط القرن الاول[1]. و اذا اعتبرنا الملاک هو المعنی الثاني فینبغي ان نجعل بدایة هذا العلم هو اواسط القرن الاول.
وقد کان للعقل والتفکر دور اساسي في هذا العلم ورغم تجنب المتکلمین المسلمین ذکر القواعد المنطقیة، و لکنهم کانوا یستخدمونها کثیراً في بحوثهم، فکانوا یصيغون مطالبهم و مواضیعهم في اطار هذه القواعد.[2]
- ان اسلام بعض اتباع الادیان الالهیة، بل کثیر من المشرکین، لیس معناه ان هؤلاء قد تخلوا عن جمیع معتقداتهم، إذ من الصعب التخلي عن کثیر من المعتقدات و الآداب القدیمة التي يؤمن بها الانسان و یأنس بها، بل قد يكون أمراً شاقاً علی البعض منهم. و کان الکثیر منهم یسعی لتاطير معتقداته بصبغة اسلامية و یجمع بینها و بین عقیدته الفعلیة. و في مقابل هذا الفریق کان المسلمون مضطرین الی حمایة انفسهم في قبال هذه العقائد الاجنبیة.
- دخول القضایا المثیرة للجدل في اوساط المسلمین، و التي کان الکثیر منها ینشأ من الخلافات السیاسیة. و من تلک القضایا مسألة خروج مرتکب الکبیرة عن الاسلام او بقائه مسلماً، أو ان امره بین الامرین. و مسألة الصفات و هل ان الله يتصف بالصفات أم لا؟ و اذا کان متصفاً، فهل ینسجم ذلک مع وحدانیة الله؟ و قضایا من هذا القبیل، حیث تسببت في نهاية المطاف بنشوء الفرق الکلامیة.
ج-ادت جمیع هذه العوامل مع اقترانها بالمحیط العلمي الذي حصل في ذلک العصر، الی تنشیط حرکة البحث و التنقیب لدی المسلمین، فکان حبهم للعلم عاملاً یدفعهم للبحث الجاد عن الالهیات و تهیئة الظروف لتطور الکلام.
و قد دفعت العلوم الاجنبیة الواردة مع اقترانها بنشوء الفرق، اتباع القرآن الی ان یسلکوا طریقاً لحمایة اصالة کلام الله، و قد سمي سلوک هذا الطریق فیما بعد- علی ما فیه من السعة – بعلم الکلام.
الثاني: سبب التسمية
ذکر العلماء و الباحثون في هذا الشأن مجموعة من التبريرات و التوجيهات للتسمية بعلم الكلام، منها:
أ – سمي بعلم الكلام لان اشهر مسألة بحثت في هذا العلم هي کلام الله تعالی و هل هو قدیم أم حادث؟.
ب- لما كان المتکلمون يرددون في ابحاثهم عبارة: الکلام في کذا... من هنا سمي بعلم الکلام.
ج-انهم اعتبروا الکلام مترادفاً مع المنطق، و ان النسبة بین هذا العلم و العلوم الاسلامیة الاخری هي کنسبة المنطق الی الفلسفة، و لذا سمي هذا العلم بعلم الکلام.[3]
الثالث: الفرق الاسلامية
من أهم الفرق الکلامیة التي ظهرت و ترکت آثارها علی المسلمین و غیر المسلمین هي الشیعة و المعتزلة و الاشاعرة. وسنسلط الاضواء عليها بشكل موجز هنا:
الشیعة:
کانت الشیعة تعتبر اقلیة قویة علی مدی تاریخ الاسلام و كانت بذرتها الاولى و نشأتها الحقيقة انطلقت على يد الرسول الاكرم (ص) و بتوجيهات منه (ص) و كان بعض الصحابة يشار اليهم بانهم شيعة علي (ع)، و رغم ان الخلافات السیاسیة و العقائدیة کانت تبدو عمیقة في بدایة تأسیس مذهب الشیعة، و لکن الشیعة عملوا علی توسعة اهتماماتهم في المجالات المختلفة بحسب مقتضیات الزمان.
و منذ أواخر القرن الاول الهجري و خصوصاً بعد واقعة عاشوراء حیث کان الشیعة في محنة و ضیق بسبب المشاکل و الضغوط السیاسیة، فقد کثفت الشیعة مساعیهم العلمیة، و كان رائد هذه النهضة العلمیة الامام محمد الباقر (ع) و هو الامام الخامس للشیعة، و وصلت الی ذروتها في عصر الامام جعفر الصادق (ع) الامام السادس للشیعة.
و من أهم اصول التشیع و الذي يعتبر المائز الاسلاسي بينهم و بین غیرهم هو مسألة الامامة. فهم یرون أن أئمتهم هم خلفاء النبي (ص) و هم معصومون، و من هنا فهم یأخذون اصول عقائدهم من هؤلاء، و منهجهم الکلامي هو ایضاً علی طبق الاصول التي وضعها لهم الأئمة (ع).
و قد صب الشیعة جهدهم و سعیهم في المباحث الکلامیة علی الاستفادة من العقل و الشرع بصورة صحیحة متوازنة، فلا تعطیل لاحد المصدرين لحساب الآخر.
المعتزلة:
في أوائل القرن الهجري الثاني ظهرت جماعة فکریة سمیت بالمعتزلة.[4] و الاعتزال لغة یعني الانزواء و الابتعاد. [5] لكن المعنى الاصطلاحي او وجه التسمية بالاعتزال لم تتضح بصورة جلية حتى الساعة حيث ذكرت مجموعة من التبريرات و التوجيهات لكنها قابلة للمناقشة و الرد. و سمي اصحاب هذا الفریق أیضاً باصحاب التوحید و العدل.
و المعتزلة جماعة فکریة تمیل الی اعمال العقل، و قد طرحوا بمرور الزمان مجموعة كبيرة من الافکار و النظريات في المجال الكلامي و هذه الافكار يمكن ان تجتمع مع افکار اخری- فیمکن ان یوجد معتزلي حنفي و معتزلي زیدي و معتزلي إمامي، بل حتی معتزلي یهودي.
وقد اعطی هذا الفریق للعقل روحاً جدیدة، و قد عرفوا عند غیرهم بانهم الذین یقدمون العقل علی کل شیئ حتی علی الشرع، وانهم یتمسکون بالعقل فحسب ویعطلون الشرع بشکل تام. ولکن الحق خلاف ذلک. فرغم ان هؤلاء یعطون للعقل مساحة واسعة في الحجیة ولکنهم یعملون بالقران والسنة، ویحملون نصوصها علی ظاهرها في کثیر من الاحیان. واختلافهم هو في کیفیة النظر الیهما، فهم یرون ان شأن الکلام الالهي اجل من ان یکون علی خلاف العقل. فهم یتفقون مع الشرع في الموارد التي لا تخالف العقل. وهذا لا یؤدي الی تعطیل المسألة الدینیة بل یشیر الی کمال المسائل الشرعیة.
انهم لم یکونوا یوافقون علی ان یکون ما امر الله مخالفاً للعقل ولذا فقد اهتموا کثیراً بالعقل. ومن المفید في هذا المجال مطالعة الاجوبة8864(الموقع8811): اصول عقائد المعتزلة، 7840(الموقع 8689): نشوء المعتزلة.
و بعبارة أخرى: صحيح أن المعتزلة تعتمد اعتماداً كاملا على العقل و العقلانية في ابحاثها، و لكن هذا لا يعني بحال من الاحوال إحلال العقل محل المسلمات الدينية و تقديمه عليها عندهم. نعم، هو يؤمنون بمرجعية العقل في الموارد التي لا سبيل للخوض فيها الا العقل و أن العقل مرجح على النقل هنا، فاذا تعارض العقل و النقل قدموا العقل، و أولوا النص اذا كان هناك مبرر للتأويل للجمع بين العقل و النقل و لينسجم النقل مع صريح حكم العقل. أما الابحاث التي تكون الكلمة فيها للوحي في بيان الرأي القاطع للدين، فلا تجد من بين المعتزلة من يرجح العقل على المسلمات الدينية الوحيانية.
الاشاعرة:
و لد الاشعري في سنة 260 هجریة في البصرة و توفي في بغداد سنة 324 او 330.
و کان ابوه یمیل الی أهل الحدیث، و لذا انسجم الاشعري منذ طفولته مع عقائد أهل الحدیث و لکنه التحق في فترة شبابه بمدرسة الاعتزال و بقي معها الی سن الاربعین، الی ان انفصل عن المعتزلة بشکل علني في سنة 300 هجریة في مسجد البصرة و أعلن عن عقائده الجدیدة، و مال مرة أخری الی عقائد أهل الحدیث.[6]
و کان النظام الاشعري منسجماً کثیراً مع المدرسة الفقهیة للشافعي و متأثراً بافکار أحمد بن حنبل. و قد ذکروا لانفصاله عن مدرسة الاعتزال اسباباً یمکن النقاش في کل منها، و من جملتها:
عدم تمکن اساتذة المعتزلي من حل اشکالات الاشعري، و طریقة التفکیر المعتزلي و اهتمامها المتزاید بالعقل، و عدم انسجام الاعتماد المطلق علی العقل بالایمان بالغیب، و لزوم ظهور تیار وسطي بین المسلمین من أجل رأب الصدع الذي حصل بین المسلمین.[7]
و یمکن ذکر طریقة الکلام الاشعري بشکل مختصر کما یلي:
- یجب قبول جمیع العقائد التي تثبتها السنة سواء في ذلك السنة المتواترة و خبر الواحد.
- یمکن ان تکون للناس الصالحین علامات و هي الکرامات و هي أمر غیر المعاجز.
- ان الاشعري یتمسک بظاهر الآیات التي توهم التشبیه لله تعالی و لکنه یری انها لا توجب التشبیه لانه یقول ان لله صورة و لکنها لیست کصور العباد، و له ید و لکنها لیست کید العباد.
- إنه یری أن عقائده هي نفس عقائد الامام احمد، و يتخذ منه إماماً مقدماً و عالماً يحتذى به[8]، و کان یقول بجواز تکلیف مالا یطاق، و انه یجوز تکلیف العاجز عن الفعل.[9]
صعود الاشعري و نزوله:
ومع افول نجم المعتزلة، ساد مذهب الاشعري في Hوساط أهل السنة، حيث تبنى المذهب الاشعري مفکرون و جدوا فیه توجیهاً کلامیاً للطریقة التقلیدیة للشرع، واستمر نشاط المدرسة الاشعرية و حيويتها حتى هجوم المغول المغول و احتلالهم للبلاد الاسلامية حيث ضعفت مكانة تلك المدرسة الى حد كبير بعد مجیئ المغول. رغم وجود اشخاص یتبنون المذهب الاشعري حالیاً ایضاً، و لكن لا يمكن بحال من الاحوال المقارنة بين الفترتين قطعا فعصر الانتعاش و الازدهار ذلك لم يعد موجوداً في الوسط الاشعري في الفترة المغولية و ما بعدها.
[1] مجلة کیهان اندیشه، العدد: 50، مقال: تاریخ وعلل ظهور علم الکلام، علي رباني الکلبایکاني).
[2] وللاطلاع اکثر حول ارتباط علم الکلام بالمنطق یراجع ترجمة مقال یوزف فان اس بعنوان: البناء المنطقي لعلم الکلام الاسلامي في مجلة التحقیقات الاسلامیة، السنة الاولی، العدد الثاني.
[3] مجلة کلیة الالهیات،مشهد، العدد: 18، مقال: الفرق الکلامیة و مسیرها التاریخي، ص169، محمود فاضل.
[4] العمرجي، أحمد شوقي، المعتزلة في بغداد و أثرهم في الحیاة الفکریة و السیاسیة، ص20، مکتبة مدبولي، 2000 القاهرة.
[5] المعجم الابجدي عربي –فارسي، ص93، اعتزل اعتزالاً (عزل) الشئ، وعنه: اعتزل العمل.
[6] فرمانیان، مهدي، فرق السنة، الاشاعرة، ص483، نشر: الادیان، 1386، قم.
[7] للاطلاع اکثر حول هذا الموضوع ودراسة الموارد المذکورة، یراجع: فرق السنة، الاشاعرة، ص485 الی 489.
[8] ابو زهرة، محمد، تاریخ المذاهب الاسلامیة، ص276، مرکز دراسات المذاهب الاسلامیة، 1384، قم.
[9] مجلة الکلام الاسلامي، العدد: 46، ظهور منافسي کلام المعتزلة، ص111، رضا نجاد.