بحث متقدم
الزيارة
5360
محدثة عن: 2011/12/18
خلاصة السؤال
لماذا یجب أن یکون الله حائزاً علی کل الکمالات؟
السؤال
نقول فی بحث وحدانیة الله إذا کان هناک إلهان و واجبا الوجود وجب کونهما متمایزین، فیکون أحدهما حائزاً علی صفة غیر موجودة عند الآخر و بالعکس ثم نقول فی النتیجة بما أن أحدهما فاقد لکمال معین موجود عند الآخر فهو إذن محتاج و ممکن، لکن هنا یُطرح هذا السؤال و هو: من الممکن أن یکون هذا الواجب لا یحتاج أصلاً إلی هذه الصفة التی یفقدها، و بعبارة اخری لماذا یجب أن یکون واجب الوجود حائزاً علی کل الکمالات؟
الجواب الإجمالي

الوحدة الحاکمة فی العالم تأبی أن نتصوّر أن یحوز الموجود علی نوع خاص من الکمال و لا یحتاج إلی أیّ نوع آخر من الکمالات.و هذا الأمر لا یمکن تصوّره إلا فی الکمالات الاعتباریة و العرفیة و غیر قابل للتحقق فی مراتب الوجود.

الجواب التفصيلي

لقد فرض فی هذا الاستدلال موجود له کل الکمالات إلا بعضها التی تمیزه عن واجب الوجود الآخر المفروض. و بناءً علی فرض السائل هو لا یحتاج إلی هذه الکمالات التی یفقدها. یجب النظر الآن إلی أن هذا الذی یمکن فرضه فی الذهن هل یمکن تحققه فی عالم الوجود و الواقع؟

الواقع هو أن الکمالات التکوینیة و الوجودیة بخلاف الکمالات الاعتباریة و العرفیة لا یمکن وجودها بدون أی ارتباط فیما بینها، أی لا یمکن أن تکون فی حد محدود و لیس بینها و بین الکمالات الأخری أیّ علاقة و ارتباط. و هذا البحث قابل للبیان و الاثبات مفصّلاً فی محله.

و ببیان آخر نحن نری فی عالم الخارج ارتباطاً بین الکمالات لا انفصال و تفکیک، بل إن کل موجود فی إنسجام مع موجودات العالم الأخری و لا یُمکن ادّعاء وجود أیّ حد دقیق یفصل کلّاً منهما عن الآخر و یفکّکه بشکل کامل. بل کلما تدرّجنا و ارتفعنا فی مدارج و مراتب الکمال سنشاهد الوحدة و الانسجام أکثر بین الکمالات المتکثّرة فی العالم.

و بإثبات هذه المقدمة المنطقیة لا یُمکن تصور وجود موجود له کل الکمالات إلا قسما منها مع عدم وجود أیّ علاقة و ارتباط بسائر الکمالات الأخری. و لکونه مرتبطاً بباقی الکمالات سیحتاج ذاتاً إلی الکمال فی خصوص هذا الکمال المفقود (و هذا الموضوع قد ثبت فی علم الفلسفة بناءً علی قاعدة إلا مکان الأشرف). فلا یمکن لهذا الموجود أن یکون واجب الوجود و إن حاز علی مراتب عالیة من الکمال. نعم، قیاساً للعرف البشری من الممکن إثارة هذا التصور المفروض فی مجال واجب الوجود.

فکثیراً ما یتفق أن یکون لشخص ما بعض الکمالات و یدّعی بأنه غیر محتاج لما یفقده من کمالات و بادعائه هذا یبقی فی جهله المرکّب. أما فی عالم التکوین فالأمر یختلف تماماً، فعلی کل حق حقیقة تکمن فی ذات الموجود، و عدم الاحتیاج لا یتحقق بصرف الادعاء به.

إذن، نقول بکلمة واحدة، أن الوحدة الحاکمة فی العالم مانعة من تصوّر موجود له نوع خاص من الکمال بشکل تخصّصی و لا یحتاج إلی الأنواع الأخری. و هذا الأمر لا یمکن تصوره إلا فی الکمالات العرفیة و الاعتباریة أو فی الفنون التکنلوجیة و غیر قابل للتحقق فی المراتب العالیة لعالم الوجود.

فقد جاء فی القرآن الکریم عن الوحدة الإلهیة هکذا "لَوْ کاَنَ فِیهِمَا ءَالهِةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ‏ِ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُون". [i]

ففی هذه الآیة جعل الوحدة الإلهیة مترتّبة بشکل مباشر علی الانسجام و عدم الاختلاف و الفساد فی عالم الوجود و نظام الخلقة . و قد اعتمد علی هذا الأصل البدیهی لیصل إلی استحالة التکثّر فی واجب الوجود حیث بیّن علّة عدم إمکان التعدد فی واجب الوجود بأحسن و أجمل اسلوب بحیث ترجع إلی هذا الأصل کل البراهین الفلسفیة التی تفوق هذا الأصل فی التفصیل و التعقید.


[i]  الأنبیاء، 22.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...