Please Wait
8104
1. ان معنى الآیة اجمالاً هو ان کل شخص (له شعور و عقل) موجود علی الارض فانه فان، و ان وجه ربک الذی له الجلال و الکرام باق.
2. یظهر من مجموع آیات سورة (الرحمن) و من بعض الروایات بوضوح، ان الله الرحمن الرحیم فی مقام تعداد النعم التی وهبها لاصحاب العقل و الشعور.
3. ان التعبیر بکلمة (الثقلان) فی الآیة 31 من سورة الرحمن، و استعمال لفظة (من) بدل (ما) فی الآیة 26 من نفس السورة، إلی جنب بقیة آیات هذه السورة و خصوصا آیة: «فبای آلاء ربکما تکذبان» و الآیات (33 و 15 و 14 و 35 و ...) یعین المراد و المخاطب بهذه الآیات، خصوصاً آیة «کل من علیها»، لان لفظة الثقلان تستعمل فی القرآن بمعنى الإنس و الجن، و (من) تستعمل للعاقل.
4. تدل الروایة التی ینقلها جابر بن عبدالله عن النبی الاکرم (ص) بصراحة علی ان المخاطب هو الانس و الجن،حیث ان النبی (ص) یقول للناس: «الجن کانوا أحسن جواباً منکم لما قرأت علیهم (فبأی آلاء ربکما تکذبان) قالوا: لا و لا بشیء من آلائک ربنا نکذب.
5. انه توجد ادلة و شواهد کثیرة علی وجود الجن على الارض منها: المشاهدات و العلاقات المباشرة مع مختلف الاشخاص، و التسخیر و استخدام الجن أرضیا من قبل النبی سلیمان (ع) و ... کذلک الروایات الکثیرة التی تثبت ان اماکن وجودهم هو الودیان و الاماکن القلیلة السکان، و ان الجن و النسناس هم من أهل الارض. نعم، ان الآیة مورد البحث لا تدل علی انحصار حیاة الانسان و الجن على وجه الارض أو علی عدم وجود موجودات اخری فی الکواکب و السماوات الاخری، و یحتاج ذلک إلی دراسة مستقلة.
6. ذکرت آراء مختلفة حول تفسیر الآیة و المراد منها، یفید الاطلاع علی بعضها فی الاجابة عن القسم الآخیر من السؤال.
7. الإنعدام و الفناء المطلق لموجودات عالم الامکان، او الهلاک و موت عالم المادة و الاجسام، أو انقطاع و نهایة نشأة الدنیا و ارتفاع آثارها و احکامها، أو الفناء و الهلاک الذاتی و الوجودی للموجودات ... هی من جملة الآراء و النظریات المطروحة بالرغم من وجود الادلة العقلیة و النقلیة علی استحالة موت و فناء مطلق الموجودات و خصوصاً الموجودات المجردة.
8. ان الالتفات إلی معنى الفناء و مفهومه (الانعدام، التغیر، الهلاک، الانتهاء و النهایة، التحلل و الذوبان، التآکل و تغیر الصورة و الخروج عن قابلیة الانتفاع) و مراجعة الآیات و الروایات و الشهود العرفانی و البراهین العقلیة، کل ذلک أدلة و شواهد على التغییر و التجدد و التجرد...، فی کل لحظة، فناء و ولادة، حرکة و سیر، بدایة و نهایة، غروب و طلوع و ...
9. إن فناء الأشیاء و فقر الموجودات و هلاک عالم الامکان، لا یمکن ان ینجبر الاّ بالوجود و الفیض و الإحسان من قبل الذات اللامتناهیة و وجه الله الجلیل و الکریم و ان ظهور و بروز اسم (المفنی و الممیت) و (المنشئ و المحیی) لا یمکن إن یتحقق فی الوجود بغیر الموت و الولادة.
لقد تبدل ماء هذا الجدول مراراً
لکن صورة القمر و النجم مستقرة فیه
10. إن الآیات: «یسئله من فی السموات ... کل یوم هو فی شأن و ...) و التی وردت فی نفس هذه السورة (الرحمن)، و آیات اخری نظیر قوله تعالی «بل هم فی لبس من خلق جدید» و «تری الجبال تحسبها جامدة و هی تمر مرّ السحاب» و ...، هی من جملة الشواهد و المؤیدات للفهم المذکور فی السؤال.
للإجابة عن هذا السؤال نذکر ابتداءً المعنی الاجمالی للآیات 25 و 26 من سورة الرحمن، ثم نتابع الجواب فی ثلاثة مقاطع:
المقطع الاوّل: تعرض فی هذا المقطع أدلة و شواهد تبیّن المراد و المقصود من عبارة (من علیها) فی الآیة الکریمة، و أیضاً امور تتعلق بحیاة الجن على وجه الارض.
المقطع الثانی: و یتعهد هذا المقطع ببیان المعنى اللغوی للفناء و بعض التفاسیر و الآراء حول الآیة السادسة و العشرین من سورة الرحمن.
المقطع الثالث: و تطرح فی هذا المقطع قرائن و شواهد تتعلق بالتفسیر و الفهم المذکور فی السؤال (إثبات تجدد و تغیّر العالم).
یقول تعالی فی الآیتین 25 و 26 من سورة الرحمن ما معناه اجمالاً: ان کل شخص (له شعور و عقل) علی (الارض) فهو فان، و انّ وجه ربک باق و هو الوجه الذی له الجلال و الاکرام (الجمال)[1]. و بالطبع فانه لم تذکر (الارض) بشکل صریح فی هذه الآیة،لکن یستفاد من سیاق الآیات بان ضمیر (علیها) یعود إلی الارض، و یتناسب هذا أیضاً مع مجموعة الآیات الواردة فی مقام بیان و تعداد النعم التی أفاضها الله الرحمن على ذوی الشعور و العقل[2].
المقطع الاوّل: المراد من (من علیها) فی الآیة:
لقد طرحت آراء مختلفة من قبل المفسرین بخصوص سکنة الارض من ذوی العقل و الشعور، لکن یستفاد من مجموع آیات سورة الرحمن و خصوصاً الآیة «فبأی آلاء ربکما تکذبان» و الآیات الرابعة عشرة و الخامسة عشرة التی تقول: «خلق الانسان من صلصال کالفخار و خلق الجان من مارج من نار» و أیضاً الآیة الواحدة و الثلاثون: «سنفرغ لکم أیها الثقلان» حیث تحدث الآیة عن الثقلین (أی الطائفتین ذواتی الثقل و الوزن) و یستعمل القرآن لفظة (الثقلین) و یطلقها على الجن و الانس.[3] و کذلک الآیات الثالثة و الثلاثون و الخامسة و الثلاثون و ... کل ذلک یدل بوضوح علی أنّ الله الرحمن و الرحیم متوجه بکلامه إلی الإنس و الجن و فی مقام ذکر النعم المتعلقة بهما و لذلک قال: «کل من علیها...» و لم یقل «کل ما علیها» لانّّ اسم (من) یستعمل فی أصحاب العقل و الفکر و کلمة (ما) عاجزة عن بیان هذا المفهوم.
و إضافة الی ما ذکر فقد نقل جابر بن عبدالله حول سورة الرحمن کلاماً عن النبی الاکرم (ص) یدل علی أن المخاطبین فی آیات سورة الرحمن و خصوصا آیة «فبأی آلاء ربکما تکذبان» هما الانس و الجن، و هذا شاهد واضح على هذا المطلب.[4]
و على هذا فقد صرح أکثر المفسرین بانّ المراد (من علیها) هو الانس و الجن[5].
و اما ما هی المستندات و الشواهد علی وجود الجن على وجه الارض، فهی کثیرة و لکن یمکن الاشارة إلی بعضها کنموذج:
1. المشاهدات و العلاقات المباشرة لکثیر من الناس – علی اختلافهم – مع الجن.
2. تسخیر الجن للنبی سلیمان (ع) (النمل، 17) و إحضار عرش بلقیس له (النمل، 38 و 39) و عمل بعض الجن أمامه (سبأ، 12) و بناء و غوص بعض الشیاطین ( ص، 27) – الشیطان من الجن[6]- و استماعهم إلی الوحی و کلام الله (الجن، 1، الاحقاف، 32 و 31 و 29 و ...)
3. وجود روایات کثیرة و واضحة فی اثبات سکنی الجن على وجه الارض و الودیان و الاماکن قلیلة السکان، و انّ الجن هم أهل الارض، و من جملتها روایة طویلة عن الامام الباقر (ع) عن أمیر المؤمنین علی (ع) یتحدث فیها عن المخلوقات الأرضیة قبل آدم (ع) و قد جاء فی بعضها:« فلما کان من خلق الله أن یخلق آدم... ثم قال للملائکة: انظروا الی أهل الارض من خلقی من الجن و النسناس هل ترضون أعمالهم و طاعتهم لی ...»[7] حیث صرحت بکون الجن و النسناس من أهل الارض[8]. و روایات اخری تدل بشکل واضح و صریح علی سکن الجن فی ودیانهم المختصة بهم، و قد آثرنا عدم ذکرها هنا رعایة للاختصار، و یمکن الاطلاع علیها بمراجعة المجامیع الروائیة و الکتب المتعلقة بالجن[9]
و من الجدید بالذکر هنا ان الآیة الکریمة لا دلالة لها نفیا و لا إثباتاً علی حیاة الإنسان أو باقی الموجودات علی سطح الکواکب الاخری[10]. بالرغم من شمول الفناء و الهلاک لکل موجودات عالم الامکان.
المقطع الثانی: معنى الآیة:
(الفناء) لغةً له عدة معان، مثل: الزوال،الانعدام، الهلاک، الإتمام، القطع، التحلل، النهایة، المحو، العبور، التآکل، الهرم،التغییر، التحوّل الی صورة اخری، خروج الشیء عن صفته التی کانت مفیدة و قابلة للانتفاع و ....[11].
و قد ذکرت آراء و أقوال مختلفة حول تفسیر الآیة «کل من علیها فان» و المراد منها، و یحتاج استعراضها و دراستها و نقدها إلی مجال واسع، و لکن و للإجابة عن المقطع الأخیر من السؤال لابد من ذکر بعضها:
الف. إن الآیة تخبر عن الإنعدام و الفناء المطلق لجمیع الموجودات (الاعم من الاجسام و الموجودات الحیة) و خصوصاً الإنس و الجن سواء کانوا علی وجه الأرض ام فی الکواکب الاخری و السماوات، و لا دلالة فیها علی انحصار الحیاة بالکرة الارضیة، و توجد شواهد قرآنیة و روائیة کثیرة تدل على هذا الرأی، مثل الآیات: «کل نفس ذائقة الموت»[12]، « هو الاوّل و الآخر»[13] و « کل شی هالک إلاّ وجهه»[14]، «و هو الذی یبدأ الخلق ثم یعیده»[15]، «کما بدأنا أوّل خلق نعیده»[16].
و من الروایات نظیر: ما روی عن الامام الصادق (ع):« انه سئل عن المیت یبلی جسده؟ قال: نعم حتی لا یبقی لحم و لا عظم إلاّ طینته التی خلق منها فانها لا تبلی بل تبقی فی القبر...» و روی الطبرسی فی الاحتجاج فی ضمن أسئلة الزندیق للامام الصادق (ع) ان الامام أجاب الزندیق الذی سأله:
هل یفنی الروح بعد خروجه من قالبه أو هو باق؟ فقال (ع): « بل هو باقٍ الی وقت یوم ینفخ فی الصور و عند ذلک تبطل الأشیاء و تفنی ...»[17].
و یقول أمیر المؤمنین علی (ع): «هو المفنی لها بعد وجودها حتی یصیر موجودها کمفقودها و لیس فناء الدنیا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها و اختراعها».[18]
ب. ان المراد من «الفناء» فی الآیة المذکورة و «الهلاک» فی الآیة 88 من سورة القصص التی تقول: «کل شی هالک الاّ وجهه» هو موت البدن، و الخروج من الانتفاء[19]. بالرغم من عدم شمول هذه الآیات للأرواح و الموجودات المجردة، و حتی لو شملت الآیات ذلک فان هذا الحکم (الفناء و الموت) سیکون خارجاً، لان الادلة العقلیة و النقلیة تثبت بقاء الارواح و ... و کل ما هو عندالله[20]، و إضافة الی ذلک فان (الموجود) لا یمکن أن یصیر (معدوماً) أبداً، فقد اثبتت ذلک البراهین الفلسفیة و الادلة النقلیة.
ج- إن الآیة تبین انقطاع و انتهاء نشأة الدنیا و ارتفاع آثارها و أحکامها، حیث یتحقق ذلک بفناء و زوال ذوی الشعور من سکانها، و بعد هذا الفناء و الغروب یتحقق طلوع نشأة الآخرة و الانتقال من الدنیا الی العقبی، فان کلمة (فانٍ) ظاهرة فی الاستقبال بمعنی ان نهایة عمر الدنیا و کل من فیها سیحصل فی المستقبل[21].
و علی هذا فان حقیقة هذا الفناء هو الانتقال من الدنیا الی الآخرة و الرجوع الی الله، و قد فسر الفناء فی کثیر من الآیات بمعنى الانتقال المذکور.[22]
د- ان (الفناء) فی الآیة الکریمة الذی استعمل بصیغة المشتق (فانٍ) لیس معناه: الذی سیفنی فی المستقبل، لان اطلاق لفظ المشتق (فان) علی الموجودات التی ستفنی لا حقاً هو اطلاق مجازی یقیناً، فان ما هو محل الخلاف و البحث بین علماء الاصول هو خصوص استعمال المشتق فی الموارد التی تلبست بالمبدأ و الصفة سابقاً و هی الآن فاقدة لتلک الصفة، کالشخص الذی کان طبیباً سابقاً و هو الآن قد نسی علمه کله و لا یعرف شیئاً عن الطب، فهل یمکن اطلاق الطبیب علی مثله؟ أما من سیکون طبیباً فی المستقبل، فاطلاق الطبیب علیه الآن یکون مجازیاً و غیر واقعی بلا کلام. [23]
و لهذا السبب فان المعنیالحقیقی للآیة سیکون قریباً من معنی الآیة «کل شیء هالک إلاّ وجهه»[24] أی ان کل من علی وجه الارض هو (الآن و بالفعل) هالک و فانٍ و زائل.
و بعبارة اخری: إن الموجودات الارضیة التی لها شعور و عقل فهی لکونها ممکنة الوجود و بحاجة الی خالق و واهب للوجود فهی فی حد ذاتها فانیة و هالکة، و ان الموت و الفناء العالم قد القی بظلاله علیها.[25] و ان هذه النقیصة و الفقر و سواد الوجه لا یفارقها ابداً و قد استلهم الشاعر محمود الشبستری من الحدیث «الفقر سواد الوجه فی الدارین»[26] فانشد ما مضمونه:ان سواد الوجه لا یزول عن الممکن ابداً فی کلا العالمین و الله اعلم.[27]
و بالطبع فان هذا الفناء و الهلاک لا یختص بالموجودات الارضیة ذوات الشعور (الإنس و الجن) بل یشمل جمیع ما سوی وجه الله ذی الجلال و الاکرام و الخواص من اولیائه. حیث أخبرت الآیات العدیدة عن هذا الفناء و الهلاک: «کل شیء هالک الاّ وجه»[28] أو «و نفخ فی الصور فصعق من فی السماوات و من فی الارض الاّ من شاء الله»[29] أی الاّ من أراد الله بقاءه. و من الضروری ذکر هذه النکة و هی انه قد طرحت تفاسیر و آراء اخری حول الآیة مورد البحث تبعاً للمبانی المختلفة و قد آثرنا عدم التعرض لها.[30]
المقطع الثالث: الأدلة و الشواهد:
نظراً الی المطالب المتقدمة فانّه یمکننا القول بان المراد من الفناء لیس هو الفناء المطلق، و ان الآیة الکریمة تبین مبدأ و منتهی الحرکة و السیر التکاملی للموجودات و خصوصاً الانسان، و هی فی مقام بیان فناء کل الموجودات عن هویاتها الجزئیة و خروجها و عودها إلی الله و رجوع کل الفروع إلی الأصل و طلوع شمس عالم البقاء من مغرب عالم الفناء، و الصعود من درجة و مرتبة عالم المادة إلی عالم التجرد.
إن هذه الحرکة و السیر و الولادة و التفتح و الطلوع و الوصول و الانکشاف و الاشتداد و الظهور و البروز و التکامل و الترقی و تجلی الحق... لا یمکن أن یتحقق ذلک إلاّ بتحطم التعینات و التقیدات و زوال الحدود و القیود و بالتوجه من النقص الی الکمال و العودة إلی الفطرة الأصیلة و ترک و تخریب و فناء عالم المادة و نشأة الدنیا و زوال جمیع ما علیها (کل من علیها فان)[31].
إن مشاهدة توجه السافل إلی العالی، و رجوع الفرع إلی الأصل، و عودة الصورة إلی الحقیقة، و المعلول إلی العلة، لیس امراً صعباً علی من کان له قلب منّور بالیقین، فلا یعسر علیه إدراک تبدل و تغیر أجزاء العالم و یسهل علیه[32] فهم معنی قوله تعالی «فصعق من فی السماوات و الارض»[33].
ان وصول النفس إلی طبیعتها و جبلتها الأصلیة و انتقالها من عالم الدنیا إلی عالم الآخره و انجذابها إلی الحق و الدخول إلی عالم الأرواح و الاجتناب عن دار الظلمات و الحجب الجسمانیة، و الاستقرار فی جوار الحق و التشرف بمقام العندیة (... فی مقعد صدق عند ملیک مقتدر) و الخلاص من الحبس، و التحرر من السجن و الدخول فی عالم النور، ذلک هو التبدل و التغیر الذاتی (الحرکة الجوهریة الذاتیة)، التی یفیضها الرب الرحیم علی عباده، و توجد مرتبة من ذلک أیضاً مودعة فی عمق باقی الموجودات الطبیعیة.
إن مقام المادة و الحرکة هو مقام الحدوث و الموت و الاندثار و الفناء و الترک و التجدد و الانقضاء، و لهذا قال: «کل من علیها فان و یبقی وجه ربک ذوالجلال و الاکرام» فوجهه الذی هو الطهارة و النورانیة المحضة و الثبات و الدوام و الجلال و الجمال و ...، هو باقٍ و لا یقبل الفناء.
و لهذا السبب یطلق علی الفناء اسم (الولادة) فان الولادة تحصل بموت و فناء المرحلة السابقة، و اذا لم یکن الشخص قد ذاق طعم هذا الشهد فیجب علیه أن یصغی لأقوال الانبیاء و الأولیاء و یصدق کلامهم و ان کان منکشفاً بالقرآن و مشاهداً بشمس العرفان و متحققاً بالبرهان.
«کما بدأنا أول خلق نعیده و عداً علینا إنا کنا فاعلین»[34] و «بل هم فی لبس من خلق جدید»[35] و «تری الجبال تحسبها جامدة و هی تمر مر السحاب»[36].
سبحانه هو غایة کل هذه الحرکات و التحولات (فناء و فقدان مرحلة[37] من أجل الحصول على مرحلة اعلی)[38].
و ببیان آخر، ان بدایة الانسان و أصل مادته الناسوتیة فی التکوینیات قد ترک مرحلة الجمادیة بالموت و صار نباتیاً، فلو توقف فی مقام الجمادیة لا یمکنه أن یصل إلی مرحلة الکمال النباتی، و أیضاً هو لم یتوقف فی مرحلة النباتیة فقد وصل إلی مرحلة الحیوانیة، و لم یتوقف فی الحیوانیة بل وصل إلی الإنسانیة. و فی الانسانیة أیضاً مقامات و درجات لا حصر لها، فما لم یتوقف فی حد و مقام فانه سینال المقام الأعلى و یصل من حضیض النقص إلی ذروة الکمال، و انه لا ینقص بالموت فی مرتبة النقص بل یزید.
و النتیجة هی ان کل ناقص ما لم یمت من مرحله النقص و المحدودیة، فانه لا یصل إلی الحیاة الکاملة. فلا ینبغی التوقف فی أی مرحلة و مقام.
لانه اذا کان القابل تاماً فی القابلیة، فان معطی الکمال و مخرج النفوس من القوة إلی الفعل تام فی الفاعلیة، و لا مجال هناک للبخل و الامساک.
إن البذور و النطف اذا لم تمت عن حدها لا تصل إلی الفعلیة، و ما لم (تسافر) فانها لا تنضج (و تنطبخ)، (فیجب السفر کثیراً حتی ینضج (و ینطبخ) الشیء) سواء کان السیر و السفر صوریاً و هو التکامل الجسمانی أم کان معنویاً و هو تکامل الانسان و سیره الروحی.
و على هذا فان طلوع شمس الأرواح المجردة الکلیة و شمس الأرواح المقیدة بالابدان الجزئیة، یتحقق من مغرب عالم المادة و یتوجه إلی رب المشارق و المغارب فتضمحل التعینات و نشئآت الأجسام و المواد.
اذن، فهذا التوجه الجبلی و الفطری إلی الکمال المطلق، و السیر و عروج الموجودات إلی طرف المبدأ الأعلى بحکم قوله تعالی «ألا إلی الله تصیر الامور»[39] و «إلی الله ترجع الامور»[40]، و الذی هو على أساس النظام الاحسن الربانی ... ان ذلک لا یخفی علی کل من له إلمام بالآیات الالهیة و النصوص الدینیة، و ان کل من تنّور قلبه بنور الیقین فانه یشاهد التبدل و التغیر فی العالم، حیث ان الله القیوم بعد أن بین فناء الأشیاء فی سورة الرحمن بقوله « کل من علیها فان» و ... قال: «یسأله من فی السماوات و الارض کل یوم هو فی شأن»[41]، حیث ان الفناء و زوال الأشیاء و فقر الموجودات و هلکة عالم الامکان، لا یمکن أن یجبر إلاّ بجود و فیض و إحسان ذلک الثابت الباقی و الوجه الجلیل و الکریم.
ان ظهور و بروز اسم (المفنی، الممیت) و (المنشئ، المحیی) فی العالم السیال و الجاری، یتحقق فی کل آن من الآنات، و ان شراشر العالم هی فی حرکة، کمثل الماء الجاری و السیال، و ان صورة الشمس الثابتة و المستقرة فی هذا الماء هی بمنزلة وجه الله «و یبقی وجه ربک...».
و ان جوهر الأشیاء و ذاتها فی تجدد و تبدل فی کل لحظة، و هی تتحرک باتجاه صاحب الشأن و الرحمة و اللطف و تطلب حاجاتها منه (فی جمیع شؤونها) بلسان الحال و المقال و الاستعداد، و تمد إلیه ید الحاجة و ترنو إلیه بعینی الأمل «أنتم الفقراء الی الله و الله هو الغنی».[42]
و (هو سبحانه) فی کل لحظة فی خلق جدید، و مشغول بشأن من الشؤون «کل یوم هو فی شأن» بالرغم من کونه: (لا یشغله شأن عن شأن).
إن خلق عالم الوجود لم یحصل فقط فی ابتداء نشأة الدنیا، بل ان فی کل لحظة خلقاً و بدایة و لهذا فان بعض الأعلام من علماء الاسلام و التشیع استلهموا من القرآن فی قوله «کل من علیها فان»،« یسأله من فی السموات و الارض کل یوم هو فی شأن و ...» و بالاستعانة من شهود العرفان و بتبعیة البرهان، و اثبتوا الحرکة و التبدل الجوهری و الذاتی للأشیاء. الحدیث فی هنا المجال طویل الذیل.
[1] لاحظ: العلامة الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 19، ص100؛ الشهید المطهری، مرتضی، التعرف علی القرآن، تفسیر سورة الرحمن، ص 80؛ الجوادی الآملی، عبدالله، التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم، المعاد فی القرآن، ج 4، ص193؛ تحریر تمهد القواعد، ص 778؛ الطالقانی، مولی نظر علی، کاشف الاسرار، ج1، ص35؛ تفسر الأمثل.
[2] لاحظ: المیزان، ج19، ص 100؛ مجمع البیان ج 9، ص 34؛ تفسیر الصافی، ج 2 ، ص 941؛ تفسیر القمی،الأمثل و ...
[3] العلامة الشهید المطهری، مرتضی، التعرف علی القرآن، تفسیر سورة الرحمن، ص 47.
[4] العلامة الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج19، ص 103؛ الفیض الکاشانی، تفسیر الصافی، ج 2، ص 640؛ العلامة المجلسی، بحار الانوار،ج 18، ص 78 ؛ ج 63، ص 117.
[5] لاحظ: تفاسیر المیزان، الصافی، مجمع البیان، الأمثل و ... .
[6] لاحظ: مواضیع، الشیطان، الملک او الجن، قدرة الشیطان و الجن و .
[7] بحار الانوار، ج 57، ص 324.
[8] نعم، فی بعض الروایات ورد ان محل وجود الشیطان هو الهواء (لا السماء و الارض)، لاحظ: مفاتیح الغیب، ج1، ص 264 و 265.
[9] لاحظ: بحار الانوار، ج 18، ص 93 -92؛ ج 87، ص 81 – 76 و ج 39، ص 169 و 175 و 176 و ...؛( الجن فی الکتاب و السنة، إعداد.......، الجن و الشیطان، علی رضا رجالی و ...) در دست نویس موجود نیست
[10] نعم فی کون الجن موجوداً مادیاً او مجرداً (بالتجرد البرزخی و المثالی) و انه اذا کان مجرداً لا یکون له مکان و ... بالرغم من انه یتمثل بصور مختلفة ... ان ذلک یحتاج الی دراسة مستقلة، و لان السائل المحترم لم یطرح هذا الموضوع فلذا لم نتعرض له. و کذلک الکلام فی حول ذهاب الشیاطین الی السماوات و لمس السماوات و استراق السمع و... . فالکلام طویل و لا مجال للتعرض له. لاحظ: المصباح، محمد تقی، معارف القرآن، ج 3 – 1، ص 308 -312.
[11] لاحظ: کتب اللغة (مقاییس اللغة، لسان العرب، المنجد، قاموس القرآن، ...) و التفاسیر.
[12] آل عمران، 185؛ الانبیاء، 25؛ العنکبوت، 57.
[13] الحدید، 3.
[14] القصص، 88.
[15] الروم، 27.
[16] الانبیاء، 104.
[17] لاحظ: شبر، السید عبدالله، حق الیقین، ص98 و 99؛ العلامة المجلسی، حق الیقین،ص 418 و 419.
[18] نهج البلاغة، الخطبة، 186.
[19] السید عبدالله شبر، حق الیقین، ص 98.
[20] لاحظ: الدخان، 93؛ آل عمران، 169 و 170 و 185؛ النحل، 96؛ الأسفار، ج8، ص 380 و ما بعدها، الاسفار،ج 9،ص 237 و ما بعدها و 279؛ مفاتیح الغیب، ج 2، ص 633 – 640؛ معارف القرآن،ج 1،ص 445و ...
[21] المیزان،ج 19، ص 101، و لا حظ: أیضاً، الاسفار،ج 9، ص 282 و 279 و 266.
[22] تفسیر المیزان، ج 19، ص 168.
[23] لاحظ: جوادی الآملی، عبدالله، التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم، ج 4، ص 194.
[24] القصص، 88.
[25] لاحظ: العلامة الطباطبائی، المیزان، ج 16، ص 90 و 91؛ جوادی الآملی، التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم، المعاد فی القرآن، ج 4، ص 194؛ المولی السبزواری، شرح الاسماء، ص 207 و 254 و 720 و ... .
[26] الفقر، سواد الوجه فی الدارین (الدنیا و الآخرة) لاحظ: صدر المتألهین، الاسفار،ج 1، ص 69؛ شرح الاسماء ، 207.
[27] محمود الشبستری، گلشن راز (خزانة الاسرار)، البیت، 162.
[28] القصص، 88.
[29] الزمر، 68.
[30] لاحظ: شرح الاسماء، ص 720 و 364 و 296 و 253 و 241 و ...؛ شرح منازل السائرین، عبدالرزاق الکاشانی، ص 580 و 574 و 410؛ الرسائل التوحیدیة،العلامة الطباطبائی،ص 129؛ تحریر تمهید القواعد، جوادی الآملی، ص 770 ، 374 – 778؛ مصباح الهدایة و مفتاح الکفایة، عز الدین محمود الکاشانی، ص 426؛ اوصاف الاشراف، الخواجة نصیر الدین الطوسی، ص 99؛ مراحل الاخلاق، جوادی الآملی، ص401 -412؛ الاسفار،ج 9، ص 279، 277 و 266 و 280 و ... مقدمات القیصری علی فصوص الحکم، الفصول، التاسع و الخامس عشر و ...
[31] لاحظ: الاسفار ج 9، ص 281 و 266؛ مقدمات القیصری علی فصوص الحکم، الفصول التاسع و الحادی عشر.
[32] لاحظ: الشواهد الربوبیة،ج 1، ص 298 و 299.
[33] الزمر، 68.
[34] الانبیاء، 104.
[35] ق، 15.
[36] النمل، 88.
[37] رغم ان التعبیر بالفقدان غیر صحیح و کافی. فانه بناء علی الحرکة الجوهریة، لا یفقد أی موجود أی شیء، فهو واجد لکل کمالات المراحل السابقة.
[38] لاحظ: الاسفار، ج 3، ص 110 و ما بعدها، و ج 9، ص 266 و 279 و 280؛ مفاتیح الغیب، ج 2، ص 713؛ الشواهد الربوبیة، ج 1، ص 298 و 299.
[39] الشوری، 53.
[40] لاحظ: شرح الاسماء، ص 260 . 261؛ الاسفار ج 3، ص 113 – 108.
[41] الرحمن، 29.
[42] فاطر، 15؛ لاحظ: المیزان ج 19 ، ص 102.