بحث متقدم
الزيارة
6210
محدثة عن: 2011/12/31
خلاصة السؤال
هل یعد صدور الکرامة على ید الشخص دلیلا جازماً على حقانیته؟
السؤال
هل یعد صدور الکرامة و الامور الخارقة للعادة على ید الشخص دلیلاً جازماً على حقانیته؟
الجواب الإجمالي

من الامور التی عجنت مع العرفان و راجت فی اوساط العافین مسالة "الکرامة" و صدور الافعال الخارجة عن العادة.

و الامر الجدیر بالاهتمام بالنسبة الى العرفان و صدور الاعمال الخارقة للعادة، هو ان صدور هذه الامور فی العرفان و وصول الانسان الى هذه المرتبة لا ینبغی أن یکون عاملا فی اغترار الفرد و حصول حالة العجب لدیه، بل لا ینبغی له الاعتداد بهذة الامور، و ذلک لانها من معطیات المراحل الاولى فی السیر و السلوک و المراتب العرفانیة الدنیا، و العارف الجلیل القدر و الراسخ القدم لا یدع لهذه الامور مجالا لتخرق قلبه و لا یتعلق بها أبداً.

و لما کان هذا النوع من القدرة على القیام بالاعمال الخارقة للعادة یشترک بین الحق و الباطل، فلا یعد ذلک دلیلا على حقانیة من یصدر عنه تلک الافعال، او حقانیة الطریق و المذهب المنتمی الیه، و لا یدل على قربه من الله تعالى، و لا یمکن اعتبار ذلک شاهدا على کون الشخص من أولیاء الله تعالى و أنه صاحب مقام کبیر عند الباری تعالى، کذلک لایعد دلیلا على عدم کونه عارفا حقا.

من هنا لابد من معرفة ذلک الشخص الذی تصدر عنه الامور الخارقة للعادة معرفة دقیقة؛ بمعنى دراسة شخصیته دراسة معمقة و دقیقة و تسلیط الاضواء على معتقداته و سلوکیاته و مدى انسجام و مطابقة تحرکاته مع دساتیر الشریعة المقدسة، لیتسنى لنا معرفة العارف حقا و تمییزه عن مدعی العرفان و السائرین على الریاضات الباطلة.

الجواب التفصيلي

من الامور التی عجنت مع العرفان و راجت فی اوساط العافین مسالة "الکرامة" و صدور الافعال الخارجة عن العادة. و نحن نعرف الکثیر من الاولیاء الالهیین الکبار قد توفرت لهم هذه الخاصیة و وقعت على ایدیهم أمور خارقة للعادة فی حیاتهم و بعد مماته، بل کان بعضم مشهورا بانه صاحب کرامة.

و یراد من الکرامة فی العرفان الاسلامیة بان الشخص قد وصل حدا من التکامل الروحی بحیث امتلک قدرة على القیام بالافعال الخارقة للعادة و یمکنه التصرف فی العالم. [1] من قبیل طی الارض، و شفاء المرضى، و تحریک شیء من مکانة بدون واسطة. فاذا کانت هذه الامور مستندة الى الاذن الالهیة و دالة على ارتباط الشخص بالله تعالى، فحینئذ یطلق علیها عنوان "الکرامة". و المرتبة العلیا لهذه القضیة تقع على ید الانبیاء و الرسل و الاوصیاء و الائمة الاطهار (ع) لاثبات حقانیة دعوى النبوة و الامامة و یطلق علیها هنا عنوان "المعجزة". [2]

و الامر الجدیر بالاهتمام بالنسبة الى العرفان و صدور الاعمال الخارقة للعادة، هو ان صدور هذه الامور فی العرفان و وصول الانسان الى هذه المرتبة لا ینبغی أن یکون عاملا فی اغترار الفرد و حصول حالة العجب لدیه، بل لا ینبغی له الاعتداد بهذة الامور، و ذلک لانها من معطیات المراحل الاولى فی السیر و السلوک و المراتب العرفانیة الدنیا، و العارف الجلیل القدر و الراسخ القدم لا یدع لهذه الامور مجالا لتخرق قلبه و لا یتعلق بها أبداً. فان الباری تعالى و لمصالح معینة یوجب سلب تلک الامور من بعض الافراد، کذلک تقتضی المصلحة اخفاء تلک الکرامة عن اعین الناس حتى مع صدورها من صاحبها.

و على کل حال فان صدور الکرامة من البعض یعد من الامور الواقعیة التی لامجال لانکارها، و من المحتم ان بعض الناس یستطیع فی حالات خاصة و بالاستعانة بالقدرات الروحیة، ادراک تلک المسائل و یشاهد اشیاء او یسم اشیاء اخرى او یقوم باعمال یعجز الآخرون عن رؤیتها و سماعها او القیام بها.

و لما کان هذا النوع من القدرة على القیام بالاعمال الخارقة للعادة یشترک بین الحق و الباطل، فلا یعد ذلک دلیلا على حقانیة من یصدر عنه تلک الافعال، او حقانیة الطریق و المذهب المنتمی الیه، و لا یدل على قربه من الله تعالى، و لا یمکن اعتبار ذلک شاهدا على کون الشخص من أولیاء الله تعالى و أنه صاحب مقام کبیر عند الباری تعالى؛ و ذلک:

الف) هذا النوع من القدرة قد تحصل حتى لمن تجرد عن أی اعتقاد او ایمان بالله تعالى، کالکثیر من المرتاضین الهنود الذین لا یؤمنون بالله تعالى و لا بیوم القیامة، و لکنهم و بسبب الریاضة المتواصلة و تحمل الاعمال الشاقة، تحصل عندهم حالة من القدرة على القیام بما یعجز عنه الآخرون من قبیل رؤیة الاشیاء البعیدة و القیام بالاعمال الخارقة للعادة مثلاً. و فی المقابل نجد هناک طائفة من الناس تحصل لهم هذه الملکة "ملکة القیام بالاعمال الخارقة" نتیجة العبودیة الکبیرة لله و الخضوع اللامتناهی لله تعالى و الالتزام باحکام و قوانین الشریعة، و تحمل الریاضات الشرعیة الصحیحة.

ب) الرکن الاساسی للعرفان و السیر و السلوک یکمن فی مدى معرفة الشخص بالله تعالى، و المراد من المعرفة هنا هی المعرفة الشهودیة و الحضوریة، و هذا ما یعجز الآخرون عن الوصول الیه و تحصیله. ثم ان هل هذه المعرفة موجودة فی نفس الشخص او لا؟، و اذا کانت موجودة ففی أی مرتبة او درجة؟، فهذا امر خارج عن علمنا و لم نعرف شیئا عنه، و انما هو مجرد حدس عندنا. [3]

ج) حقیقة العرفان نفس معرفة الباری تعالى معرفة قلبیة و شهودیة، و لا ملازمة بین القضایا العرفانیة و صدور الافعال الخارقة للعادة. فلا المعرفة العرفانیة و صدور الاعمال الخارقة للعادة تدل على کون الشخص عارفا حقا، و لا انعدام تلک الامور (معرفة المفاهیم العرفانیة و صدور الاعمال الخارقة للعادة) یدل على عدم کونه عارفا حقیقة و ذا معرفة شهودیة. [4]

من هنا لابد من معرفة ذلک الشخص الذی تصدر عنه الامور الخارقة للعادة معرفة دقیقة؛ بمعنى دراسة شخصیته دراسة معمقة و دقیقة و تسلیط الاضواء على معتقداته و سلوکیاته و مدى انسجام و مطابقة تحرکاته مع دساتیر الشریعة المقدسة، فهل هی متطابقة أو ان الرجل من اصحاب السلوکیات المنحرفة المخالفة للشریعة و من المعتمدین على الریاضات الباطلة؛ و ذلک لان ظهور الکرامة و امثالها لیست من الامور التی تستحق التعلق بها، بل التعلق بها یعد نوعا من الشرک و انه من حبائل الشیطان و مصائده. ان العبودیة الحقیقیة لله تعالى تکمن فی ان یعبده لذاته فقط لا لشیء آخر؛ فاذا شاءت الارادة الالهیة – و لمصالح معینة- ان یهبه هذه الکرامة فنعما هی، و ان شاءت الارادة سلب ذلک منه فله الحمد و الشکر و التسلیم لارادته، فلا یصح بحال من الاحوال عبادة الله تعالى طمعا فی تحصیل الکرامة و نیل تلک المرتبة، و الا سیکون الساعی لها من مصادیق قوله تعالى "   أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ" [5] .



[1] مصباح الیزدی، محمد تقی، در جستجوی عرفان اسلامی = البحث عن العرفان الاسلامی، ص 294، نشر مؤسسة الامام الخمینی (ره) للدراسات و الابحاث، قم، الطبعة الثانیة، 1387ش.

[3] در جستجوی عرفان اسلامی = البحث عن العرفان الاسلامی، ص 318.

[4] نفس المصدر، ص318.

[5] جاثیه، 23.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...