Please Wait
5918
یجب أن یکون محور التبلیغ و التصال مع الناس و فق النظریة الاسلامیة یدور حول الاخلاق، و هناک تأکیدات کثیرة في التعالیم الاسلامیة توضح لنا طرق الوصول الی هذه الاهداف. و من الضروری أیضاً الالتفات الی أن الانبیاء و الاولیاء مع کونهم اتبعوا الاسالیب العادیة للتبلیغ في أزمنتهم أو الاسالیب القدیمة، و لکن لا یمکن اعتبار الاسالیب الاخری التي ابتکرت لاحقا بسبب التطور العلمي البشري تتنافی مع سلوک الانبیاء؛ و ذلک لان التعالیم الدینیة قبل أن تتعرض الی وسائل الاتصال مع الآخرین، تعرضت الی دوافع ایجاد الاتصال و الاهداف الکامنة فیه. و نحن نعلم ان الدوافع و الاهداف لا یمکن حصرها في الزمان أو بالادوات و الآلیات التي تحققها. و سیتضح هذا الامر بصورة اجلی في الجواب التفصیلي.
حينما ينقل خبر أو رسالة، أو تدرس معلومات أو تجارب شخصية و جماعية و تنقل الی الآخرين، تتکون ظاهرة اسمها التبليغ.
و في عصرنا الحاضر حيث اوجدت الوسائل و الآليات، و کذلک الاساليب المستحدثة منظومة مترابطة، فان التعرف علی (علم الاتصالات) سيکون له دور أساسي في زيادة أثر التبليغ، و في الحقيقة فانه سوف لن يمکن اعتبار التبليغ مهارة شخصية فقط، و إنما تحولت هذه المهارة الشخصية الی علم مدون.
و يتسائل فريق من الناس: کيف ينبغی أن يکون التبليغ و الاتصال الديني في عالمنا اليوم الذي يعتمد علی العلم و الابتکارات الحديثة؟ و هل يمکن اعتبار التبليغ الاسلامي منسجماً مع التطور العلمي الهائل في مجال الاتصالات، و الذي يلقي بظلاله علی جميع مجالات حياتنا؟
و للاجابة عن هذا السؤال ينبغي أولاً توضيح العلاقة بين التبليغ القديم و التبليغ الاسلامي، فانه ربما يتوهم ان کل وسيلة و طريقة استخدمت في صدر الاسلام يمکن اعتبارها سنة اسلامية لا یمکن الخروج علیها.
و بعبارة أخری: اذا کان التبليغ في ذلک الزمان يتم بواسطة الخطباء المتمرسين، فان من اللازم ان يعد المنبر و الخطابة من الوسائل الارتباطية التي تتميز عن باقي الوسائل بصفتها الدينية المتميزة، و انه ما دام الدين باقياً فانه لا ينبغي الاعراض عن هذه الوسيلة!!.
و ربما اضطر هذا الفهم بعضهم الی التوفيق بين ما يعتبره من الطريقة الاسلامية و بين الطرق المستحدثة!!.
و لکن ینبغي النظر الی القضیة نظرة موضوعیة لمعرفة الموقف الاسلامي من هذه القضیة و ما هو الحق فيها؟
ان ما يمکن استفادته من المصادر الاسلامية، هو ان وسائل الاتصال التبليغي هي امور تتغير تبعاً للزمان و ليس فيها أي قداسة ذاتية أو انحصار. و المهم هو الهدف و الدافع من ايجاد الارتباط و التبليغ.
و من البديهي أن القائمين علی الدين لا يتمکنون من القيام بنشره من دون الاتصال بالمجتمع، و کان من الطبيعي ان يستفيدوا من جميع آليات الاتصال الموجودة في عصورهم، و لکن لا ينبغي أن يتوهم ان وسائل الاتصال المنتسبة الی عصر ما، تعتبر سنة دينية، فلا تستبدل او تغیر الا بإذن خاص من المشرع نفسه!.
و من الواضح أن تغيير وسائل الاتصال لا يمکنه ان يغير دوافع التبليغ التي کانت ثابتة علی طول التاريخ.
إن الاعلام قد یهدف الی التطوير المعنوي و المادي للحياة البشرية، کما قد یهدف الی العکس من ذلک حیث تراه یروم الی تدمير الشخصية و ايجاد الخلافات العنصرية و الصراعات الطائفية. و سوف لن يکون لنوع وسائل الاتصال تأثير کبير في تقييم هذه الاهداف الايجابية و السلبية قطعاً.
و لهذا السبب فقد کان التعرض لذکر وسائل التبليغ قليلاً في القرآن الکريم و سائر المصادر الاسلامية، و انصب الترکيز دائماً علی الاساليبب المؤثرة في تعميق الاتصال و التبليغ للاهداف و القيم النبيلة.
و فيما يلي نتعرض لذکر بعض هذه التعاليم الدينية التي لا تتوقف علی أية وسيلة:
1- ضرورة الاشتغال ببناء الذات، و ان لا نطلب من الآخرين ما لا نلتزم به. و في هذا المجال يخاطبنا القرآن بقوله:
الف- "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ"[1]
ب- "أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ"[2]
2- إعتماد أجمل أساليب الحوار مع المخاطبين، إنطلاقا من قوله تعالی: "وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا"[3]
3- الحرص علی المخاطبین و النصح لهم، بأن يقترن التبليغ دائماً بالشعور بالحرص علی المخاطبين و الخشیة علی مستقبلهم، و الا لن يعطي التبلیغ أثره المطلوب، و هذا هو المنهج الذي کان یعتمده الانبياء في حرکتهم الارشادیة: "أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ أَنْصَحُ لَكُم".[4]
4- المهم هو أصل الاتصال لا الوسيلة المعتمدة في الاتصال. يقول الامام الصادق (ع) مشیراً الی هذه الحقیقة: (التَّوَاصُلُ بَيْنَ الْإِخْوَانِ فِي الْحَضَرِ التَّزَاوُرُ وَ فِي السَّفَرِ التَّكَاتُبُ)[5].
5- عدم ثبات الاعلام: لیس الاعلام من الامور التي لا تتخلف، بل قد تقتضي المصلحة الأهم ان نتجنب نشر بعض ما نعرفه، فقد ذم الله بعض المنافقين بقوله "وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ"[6].
6- من العوامل المهمة في عالم الاتصالات هو توفير الامن للمشترکين، فمع انعدامه لا يمکن أداء وظيفة الاعلام بصورة صحيحة. يقول الله تعالي: "وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَه"[7].
7- تجنب الاستعجال في تحصیل النتیجة: في الاتصالات لا ينبغي السعي نحو التأثير الفوري و الاستعجال في تحصیل النتائج، بل ينبغي التفکير بالاهداف المتوسطة و البعيدة أيضاً.
فقد قام النبي نوح (ع) بالتبليغ ما يقارب الالف سنة لکي يتمکن بالتالي من التأثير علي مجموعة صغيرة.[8]
8- التحرز عن التعالي: ان العلاقات الايجابية الموجودة بين المؤمنين ينبغي ان تخرج قدر الامکان من علاقات الآمر بالمأمور، بأن يفرض رأيه و فهمه علی الطرف الآخر، بل وظيفة الجميع هي السير في هذا الطريق شعوراً بالمسؤولية. ففي المجتمع الاسلامي يکون جميع الافراد متحابين فيما بينهم[9]، يوصي بعضهم بعضاً بالحق و بالصبر[10]، و لهذا السبب وصف القرآن هذه الامّة بانها خير أمة اخرجت للناس[11].
9- التخصص في التبلیغ و الارشاد: و مع هذا فانه قد تمس الحاجة الي وجود فريق من المؤمنين لهم خبرة بالمفاهيم الدينية لکي يمارسوا دور المرشدين الدينيين ليستفيد الآخرون من معارفهم الدينية[12].
ان تشکيل مجاميع الاتصال و التبليغ المتخصصة هو أيضاً من الامور التي اهتم بها القرآن الکريم[13].
10- ليس من الضروري – في كثير من الاحيان- ان يستجيب المخاطبون لما نؤمن به تماماً، فلا نکرههم علی القبول بعقيدتنا – وهذا ما قد یحدث لدی البعض- ففي مثل هذه الموارد تکون وظيفتنا الاساسية هي توعية الآخرين فقط، و أما ما سيختارونه من بعد التوعية و الارشاد، فانه سوف لن يلحق الضرر بأهدافنا الاساسية[14].
11- تصینف الاهداف تصنیفا طبقیا: ينبغي ان تقيم الاهداف في التبليغ و الاعلام، و کمثال علی ذلک فانه اذا کان الهدف أمراً مقدساً تفوق أهميته نفس الانسان و أمواله، فانه يسوغ ايقاع النفس في الخطر و الدخول في ذلک المعترک و عدم الخوف الا من الله [15]. و أما في غير هذه الصورة و حين تکون روح الانسان و أمواله أکثر أهمية من الهدف الذي يمکن تحققه بالتبليغ و الاعلام النظري، فانه لا ينبغي التضحية بالنفس الغالية من أجل هدف قليل الاهمية[16].
12- ان وجود القدوة و الاسوة الانسانية التي يمکن الاقتداء بها هو من الامور الاساسية التي تعين المبلغين في الوصول الي اهدافهم. و من هنا نری القرآن الکريم يعرض الناس العظماء و يعتبرهم قدوة لآخرین، کالنبي الاکرم (ص)[17] و ابراهيم (ع)[18] و آسیة زوجه فرعون[19] و السیده مریم[20] و....
و یوصی الامام جعفر الصادق (ع) ایضا- شیعته بان یکونوا باعمالهم دعاة للناس و ذلک بالصدق و الامانه و حسن الجوار و.... قبل ان یفکروا بالتبلیغ باللسان[21].
13- رفض الاعلم الهدام: ان الاعلام الذی یکون هدفه التخریب فقط و یرمي الی تسقیط الآخرین، مرفوض من قبل الاسلام. و بناءً علی التعالیم الدینیة فانه لا ینبغی اشاعة سوء الظن في المجتمع و التجسس علی الآخرین في امورهم الشخصیة، بل لا ينبغي حتی نشر المعلومات الصحيحة التي يتسبب نشرها بازعاج الآخرين[22]. و أما نشر المعلومات الخاطئة أو (التهمة) فهو من الکبائر.
14- ان نشر المعلومات ينبغي ان يکون ملبياً لحاجة حقيقية. ان المعلومات التي تتداول فيما بين الاشخاص إما ان تکون مؤثرة مباشرة في حياتهم المادية و المعنوية، أو تتضمن ملاحظات و رسائل تؤدي الي اصلاح سلوک المخاطبين. و لکن أحياناً يکون نقل المعلومات الصحيحة و الخاطئة لا فائدة منه سوی قضاء الوقت و اتلاف العمر، و إعاقة الانسان عن القيام بأعمال أکثر أهمية. ان مثل هذه الطريقة في الاعلام و التي تتم أحياناً بتخطيط مسبق و بهدف حرف الافکار عن الحاجات الحقيقية و توجيهها نحو الحاجات الکاذبة، هي مرفوضة أيضاً من قبل الاسلام[23].
15- الاعلام ليس مهنة تجاریة. و بالطبع فانه ينبغي سد الاحتياجات المادية للاشخاص الذين يتصدون لمهمة التبليغ. و لکن يجب الالتفات الی ان الاسلام يری انه لا ينبغي الا یتخذ التبليغ مهنة کباقي المهن التي تمارس فيها مختلف الحيل من أجل زيادة الدخل الاقتصادي. و اضافة الی ذلک فانه لا ينبغي ان يکون الهدف هو جذب المخاطبين بأي ثمن کان. و من هنا نری الانبياء یرفضون المادي علی الرسالة و لما یأخذوا من الناس شیئا مقابل العلمیة التبلیغية[24]. و لکنهم مع ذلک لم يمتنعوا من قبول الهدايا من الناس[25]. ان مراجعة الموارد المذکورة أعلاه و باقي التعاليم الدينية المرتبطة بالتبليغ و الاعلام يقودنا الي هذه النتيجة و هي: انه لا ينبغي ان نتصور ان التبليغ الديني القدیم و التبليغ المعاصر هما موضوعان منفصلان عن بعضهما، لنحاول التوفيق بينهما.
نعم، ربما أمکن من وجهة نظر سيکولوجية التبليغ، البحث حول مقارنة تأثير الاساليب القديمة و الاساليب الحديثة في المجتمعات المختلفة و مع مختلف المخاطبين و الطبقات، و لکن يجب الالتفات الی ان التبليغ الديني يتأثر بالتعاليم العامة التي تقبل الانطباق علی کل الوسائل القديمة و الحديثة.
[1] الصف: 2-3.
[2] البقرة: 44.
[3] البقرة: 83.
[4] الاعراف: 62، 68، 79، 93،و...
[5] الکلیني، محمد بن یعقوب، الکافي، ج2، ص670، ح1،الاسلامیة، طهران، 1362ش. الطبعة الثانیة.
[6] النساء: 63.
[7] التوبة: 6.
[8] العنکبوت: 14، هود: 40.
[9] التوبة: 71.
[10] العصر: 3.
[11] اظر: آل عمران: 110.
[12] التوبة: 122.
[13] آل عمران: 104.
[14] النساء: 80، الانعام: 104و107، الشوری: 48.و...
[15] الاحزاب: 39.
[16] آل عمران: 28.
[17] الاحزاب: 21.
[18] الممتحنة: 4.
[19] التحریم: 11.
[20] التحریم: 12.
[21] الکافي، ج2، ص77، الاسلامیة، 1362ش. "عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ الْوَرَعِ وَ الِاجْتِهَادِ وَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَ حُسْنِ الْخُلُقِ وَ حُسْنِ الْجِوَارِ وَ كُونُوا دُعَاةً إِلَى أَنْفُسِكُمْ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُم".
[22]الحجرات: 12، و بالطبع فان المورد الاخیر ویسمی (الغیبة) في الاصطلاح الاسلامي، له استثناءات مذکورة في محلها.
[23] لقمان: 6.
[24] الانعام: 90، هود:51، القلم: 46، و...
[25] الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج3، ص299، ح4070، جامعة المدرسین، قم، 1404ق.