Please Wait
9783
التطور الحضاری لأی أمة من الامم یعکس الرقی الاقتصادی و الاجتماعی و الثقافی لتلک الأمة، و یکشف عن نموها و تطورها فی جمیع المجالات و على کافة الاصعدة. و المدنیة تعنی التطبع على حیاة المدینة و التخلق باخلاق ابناء المدن و آدابهم، و کذلک القبول بالنظم و القوانین و سائر الشؤون الاجتماعیة و تعاون افراد المجتمع بعضهم مع البعض الآخر فی مختلف الامور الاجتماعیة و السیاسیة و الاقتصادیة و الثقافیة و غیرها.
و ظهور أی حضارة مشروط بطائفة من العوامل المؤثرة فی نشوئها أو إعاقة حرکتها من قبیل: النظام، الامن، الوحدة و التعاون و.... و من یلاحظ الثقافة الاسلامیة یرى الاسلام الحنیف قد أولى أهمیة کبیرى لتلک العناصر فی آیات الذکر الحکیم و کلمات المعصومین و سیرتهم (ع)، و بدرجة عالیة لا نظیر لها فی سائر الادیان الاخرى. کذلک یرى المطالع للثقافة الاسلامیة انها ثقافة صانعة للحضارة و المدنیة. حیث کان للاسلام دوره الفاعل و نصیبه الاوفر فی هذه الحرکة التطوریة؛ و ذلک لان الاسلام بالاضافة الى کونه منتجا للعلم و التقنیة، قد ساعد فی نقلها الى الغرب، و قد مرت عملیة النقل هذه من خلال ثلاث قنوات:
1.التعامل بین المسلمین و المسیحیین.
2. ترجمة الکتب العربیة الى اللغات الاوربیة.
3. التدریس و اعتماد الکتب العربیة.
التطور الحضاری لأی أمة من الامم یعکس الرقی الاقتصادی و الاجتماعی و الثقافی لتلک الأمة، و یکشف عن نموها و تطورها فی جمیع المجالات و على کافة الاصعدة. و من البدیهی أن الشعوب تفتخر بحضارتها و مدنیتها على مر التأریخ. و ما هذا الا لان ظهور الحضارة و المدنیة المنسجمة و الممنهجة، یلازم التطور و الانتاج فی ثلاثة مجالات:
1. الانتاج فی الساحة الاقتصادیة لتوفیر الثروة.
2. الانتاج و التطور فی المجال الثقافی لتولید الفکر.
3. الانتاج و التطور فی الساحة السیاسیة بنحو خاص، مما یعنی انتاج القدرة.
و الجدیر بالأهمیة هنا، أنه لا یمکن الانتاج فی تلک المساحات الثلاثة اذا لم یتوفر الامن المناسب لها کالامن الاقتصادی و السیاسی و الثقافی؛ فمن الضروی إذن توفیر الحد الادنى من الامن و الاستقرار لکی تتکامل العملیة الانتاجیة.
و الحضارة الاسلامیة لکی تظهر على مسرح الوجود فی البلاد الاسلامیة لابد أن یسبقها الانتاج الفکر و الثروة المالیة و القوة العسکریة، و الا یستحیل على الحضارة ان تنهض فی البلاد. کذلک یحتاج ظهور الحضارة الى الاستقرار الامنی فی البلاد، ذلک الامن القائم على العلم المتشکل من المقولات و النظریات الامنیة. و بطبیعة الحال ما لم تتوفر العلوم الاخرى کالعلوم الدینیة و الفلسفیة و العرفانیة و... لا یمکن حصول النظریات و الافکار الامنیة، و بالتبع لم تنشأ الحضارة و لا تظهر المدنیة فی البلاد.
بعد هذه المقدمة نحاول استعراض بعض التعریفات التی ذکرت للمدنیة و الحضارة، و ما هی التعاریف التی ذکرت لها؟
التعریف الاول: ان المدنیة کلمة عربیة مشتقة من الجذر" مُدُن " بمعنى التعود على حیاة المدینة و التخلق باخلاق ابناء المدن و آدابهم، و کذلک القبول بالنظم و القوانین و سائر الشؤون الاجتماعیة و تعاون افراد المجتمع بعضهم مع البعض الآخر فی مختلف الامور الاجتماعیة والسیاسیة و الاقتصادیة و الثقافیة و غیرها. [1]
التعریف الثانی: التمدن یعنی التطبع باخلاق أبناء المدن، و الانتقال من الجهل و الامیة الى حیاة المدینة و الانسانیة. [2]
التعریف الثالث: فقد عرفها ویل دیورانت العالم الفرنسی المشهور بان: الحضارة نظام اجتماعی یعین الانسان على الزیادة من انتاجه الثقافی، و انما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادیة، و النظم السیاسیة، و التقالید الخلقیة، و متابعة العلوم والفنون؛ وهی تبدأ حیث ینتهی الاضطراب و القلق؛ لانه اذا ما أمِنَ الانسان من الخوف، تحررت فی نفسه دوافع التطلع و عوامل الابداع و الانشاء، و بعدئذ لا تنفک الحوافز الطبیعیة تستنهضه للمضی فی طریق فهم الحیاة و إزدهارها. [3]
عوامل الحضارة
ظهور أی حضارة مشروط بطائفة من العوامل المؤثرة فی نشوئها أو إعاقة حرکتها:
العلم : یعد العلم من الارکان الاساسیة لتشکیل الحضارة و ظهور المدنیة، و قد حظی العلم العلم باهتمام کبیر فی الثقافة الاسلامیة، و قد أکد القرآن الکریم على هذا العنصر بحیث جعله المعیار فی المقارنة بین الناس: " قُلْ هَلْ یسْتَوِی الَّذِینَ یعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یعْلَمُون". [4] و کذلک ورد فی الروایات الصادرة عن المعصومین (ع) الاشارة الى أهیمة هذا العامل کما فی الروایة التالیة: " أَیُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ کَمَالَ الدِّینِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَ الْعَمَلُ بِهِ أَلَا وَ إِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَیْکُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَال" [5] .
النظم : یعنی التنظیم و وضع کل شیء فی مکانه المناسب، بنحو یحصل بینها الترابط و الانسجام، و سوق المجموعة نحو هدف مشترک. و قد رکز الانبیاء من أول نبی وصولا الى خاتم الانبیاء (ص) على هذه القضیة و رکزوا کثیراً على النظام الاجتماعی و القوانین الفردیة و الاجتماعیة. تلک القوانین التی تنظم حیاة الانسان مع ربّه، و نفسه و الاسرة و المجتمع و البیئة و السلطة، مما یکون له بالغ الاثر فی التطور الحضاری.
الامن : بمعنى الاستقرار و الاحساس بالراحة الحاصل فی ظل الحکومة و الدولة و القانون، و ما لم یتوفر عنصر الامن لا یمکن ظهور الحضارة و المدنیة. و قد تعرضت آیات الذکر الحکم لقضیة الامن الاقتصادی و المالی و الحیاتی کآیات القصاص و السرقة و الآیات التی تعرضت لحفظ النفس و العرض و الجاه و نوامیس الناس، کل هذه تمثل مجموعن من القوانین الصارمة فی توفیر الأمن الاجتماعی.
الاتحاد و التعاون : یعد هذا العنصر من العناصر الفاعلة جدا فی تطور الحضارة و المدنیة، فاذا انتفى التعاون الاجتماعی بین الافراد تفککت عرى المجتمعات و عادت الى حیاة البداوة. إن المدنیة و الحضارة انما یقومان فی ظل الاجتماع و الالتزام بالقوانین، خلافا للبداوة التی تحکمها روح الفرقة و تشتت القبائل و الاقوام. و قد أکد القرآن الکریم على عنصر الاتحاد و التکاتف و التعاون و الانصیاع للحکومة الاسلامیة و نهى الناس عن الفرقة و التشتت " وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا". [6] لیکون ذلک منطلقا للتعالی و الرقی على جمیع المستویات. [7]
و هناک عوامل اخرى الى جانب هذه العوامل تساعد فی نشوء الحضارة، من قبل: الرفاه النسبی، تحرر الفکر من عقال القومیة، الاخلاق، الصبر، الحلم و....
و مع الاخذ بنظر الاعتبار العوامل المذکور یمکن القول انه لا یمکن توقع نشوء الحضارة مع انعدام تلک العوامل و العناصر الفاعلة فی نشوئها. و من یلاحظ الثقافة الاسلامیة یرى الاسلام الحنیف قد أولى أهمیة کبیرى لتلک العناصر فی آیات الذکر الحکیم و کلمات المعصومین و سیرتهم (ع)، و بدرجة عالیة لا نظیر لها فی سائر الادیان الاخرى.
فمن یلقی نظرة عابرة على مصادر الفکر الاسلامی، القرآن الکریم و سنة الرسول الاکرم (ص) و الائمة الاطهار (ع) یکتشف بان الفکر الاسلامی لا یحث المؤمنین و الصالحین على العقل و العقلانیة فقط، بل یدعو المشرکین و الکافرین و اتباع الدیانات الاخرى الى ذلک أیضا، الى الحد الذی نهى الله تعالى المؤمنین من الانقیاد الاعمى فی الایمان، بل الاکثر من ذلک اعتبر الایمان بالتوحید ثمرة العقل و اتباع العلم. [8]
إن الحضارة العالمیة هی ولید السعی و المثابرة و الجهود الکبیرة التی بذلتها الشعوب المختلفة على مر التاریخ، و کان للاسلام دوره الفاعل و نصیبه الاوفر فی هذه الحرکة التطوریة؛ و ذلک لان الاسلام بالاضافة الى کونه منتجا للعلم و التقنیة، قد ساعد فی نقلها الى الغرب، و قد مرت عملیة النقل هذه من خلال ثلاث قنوات:
1.التعامل بین المسلمین و المسیحیین فی اسبانیا، ایطالیا، و من خلال الحروب الصلیبیة و التعرف على الثقافة و الحضارة الاسلامیة فی شتى بقاع العالم الاسلامی.
2. ترجمة الکتب العربیة الى اللغات الاوربیة، فیما عرف بعد ذلک بحرکة الترجمة من العربیة الى اللاتینیة، و التی انطلقت من القرن الثامن الى السابع الهجری.
3. التدریس و اعتماد الکتب العربیة – التی دونها العلماء المسلمون او ترجموها- و الاستفادة منها فی مراکزهم العلمیة.
4. الاختلاط بین المسیحیین و المسلمین عن طریق الزواج و الاواصر الاجتماعیة، و تقلیدهم للآداب و العادات الاسلامیة و طریقة اللباس. [9]
ثم إن المسلمین و استلهاما من العناصر الاسلامیة الاصیلة و الانتفاع بالتراث و المدنیات السابقة کالیونانیة، الرومانیة، الایرانیة، الهندیة، ما بین النهرین، الصین و... قاموا بجد و مثابرة کبیرین بوضع الاسس و اللبنات الاولیة للحضارة الاسلامیة، ثم قالوا فی المراحل التالیة بنشرها و توسعیها و تکاملها حتى اضحى العالم الاسلامی و لمدة ثمانیة قرون المرجع الفکری للشعوب الاخرى. و قد لعب المسلمون فی هذه الفترة الطویلة دورا مزدوجا، فمن جهة قاموا بحفظ التراث الحضاری القدیم و صیانته عن الاندثار من خلال نقلة الى العالم الاسلامی عن طریق الترجمة و التصحیح و التطویر للافکار المطروحة فیه حیث تمکنوا من تطویر الکثیر من العلوم السابقة. و من جهة أخرى قاموا بابتکار و تجذیر بعض العلوم الحدیثة کعلم الکیمیاء التحلیلیة، و الفیزیاء الجدیدة، الجبر، المثلثات، علم الجیولوجیا، و البیئة، علم الاجتماع و فلسفة التاریخ. فعلى سبیل المثال تمکن کل من جابر بن حیان و زکریا الرازی الانتقال بعلم الکیمیاء من مجرد الدراسات المفهومیة القدیمة الى الکیمیاء التحلیلیة، و قام ابن الهیثم بابتکار فرع البصریات فی الفیزیاء. اما الخوارزمی فقام بابداع علم الجبر مما ادى الى حدوث نقلة نوعیة فی التطور العلمی و بهذا خلد ذکره فی الاوساط العلمیة. و فی المغرب الاسلامیة شید ابن خلدون قواعد علم الاجتماع و وضع أسساً علمیة لدراسة التاریخ و تحلیل موضوعاته فابتکر علمی التاریخ التحلیلی و علم الاجتماع، هذا الانبعاث الحضاری و الثقافی فی العالم الاسلامی جلب انتباه العالم الغربی و سائر المناطق الاخرى فراحت تنهل منه و تستفید من عطائه الثر فی نهضتها. [10]
اضافة الى ما مر، قام المسلمون بابتکار الکثیر من العلوم المختلفة او توسیع بعض العلوم الاخرى و تطویرها، مما کان له الاثر الفاعل فی الحضارة الغربیة المعاصرة. و خاصة علم الطب الذی یعد من جملة العلوم التی کان للمسلمین دور کبیر فی تطورها و تحکیم قواعدها، فی شتّى التخصصات کطب العیون و الجراحة، و علم النفس، حیث کانت نتاجات العلماء و الاطباء المسلمین کابن سینا هی المرجع فی الدراسات الغربیة فی هذا المجال و کانوا یفخرون بهذا العالم الاسلامی الکبیر.
و لم ینحصر الامر بعلم الطب فقط، فقد کان الحضارة الغربیة مدینة للعالم الاسلامی فی علم الکیمیاء و الفیزیاء و للرجال المسلمین النوابغ من امثال جابر بن حیان، و ابن الهیثم، و زکریا الرازی و....
و الجدیر بالذکر أن الکثیر من الامور التی تعد من عناوین و رکائز الحضارة الاسلامیة یعود الفضل فی تحققها و نشوئها الى التعالیم الاسلامیة الکلیة. و بعبارة أخرى هی حضارة المسلمین المستهلمة من القیم الاسلامیة.
انظر: موضوع الدین و الثقافة، 511 (الموقع: 674).
[1] انظر معجم: دهخدا، فرهنگ معین و فرهنگ عمید، مفردة "مدن" .
[2] فرهنگ أبجدی عربی- فارسی، ص 258، ذیل مفردة مدن.
[3] ویل دیورانت، قصة الحضارة، ترجمة الدکتور زکی نجیب محمود، المجلد الاول، ص3، دار الفکر للطباعة والنشر، بیروت، 1988م.
[4] زمر، 9.
[5] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج : 1 ص : 30، کتاب فضل العلم، الباب الاول، الحدیث4.
[6] آل عمران، 113.
[7] محرمی، غلامحسن ، نقش انبیا در پیشرفت تمدن بشری= دور الانبیاء فی التطور الحضاری ، www.tebyan-zn.ir .
[8] ولایتی، علی اکبر، پویایی فرهنگ و تمدن اسلام و ایران ، جلد 1، مرکز طبع و نشر وزارة الخارجیة، طهران، 1382.
[9] نفس المصدر، ص231.
[10] محمدی، ذکرالله، نقش فرهنگ و تمدن اسلامی در بیداری غرب= دور الثقافة و الحضارة الاسلامیة فی النهضة الغربیة ، انتشارات جامع ة الامام الخمینی الدولیة ، 1373ش.