Please Wait
8626
استناداً إلى الآیات و الروایات یمکننا القول أن الجنة و النار التی وعد بهما الله سبحانه موجودتان فی وقتنا الحاضر و سوف یظهران بشکل کامل فی الآخرة، و سیساق الإنسان إلى مکانه الأبدی و ذلک على أساس أعماله و عقائده و أخلاقه، و قد صورت الجنة و النار بتصورات أخرى و أنحاء مختلفة، منها ما یتعلق بالحیاة الدنیا، و منها ما هو فی عالم البرزخ، و أن الإنسان تجلت له الجنة و النار فی عالم الدنیا على نحو الشهود و فی البرزخ على نحو التجلی، فکانت سبباً فی جلب السعادة و التلذذ له أو الألم و المشقة.
و من الجدیر بالذکر أن الکثیر من النظریات و الآراء المتفاوتة و المختلفة قیلت بشأن أعمال الإنسان و عقائده و أخلاقه و تأثیرها فی أحواله و أوضاعه فی عالم الآخرة، و کذلک فیما یخص الجنة و النار، و لکن یمکن القول بشکل إجمالی:
إن الجنة التی دخلها آدم وحواء(علیهما السلام) و هبطا منها إلى الأرض، و جنة و نار الأعمال التی تحیط بالإنسان، و الجنة و النار البرزخیتین کلها تجلٍیات ومثال من تلک الجنة و النار الموعودتین لا هی نفسها.
و اما کون الإنسان من أهل الجنة أو النار فمن المُسلّم أن ذلک متعلق باختیار الإنسان نفسه و ما یأتی به من أعمال.
ان الإیمان بالجنة و النار و کونهما یمثلان المثوى الأخیر للإنسان بعد یوم القیامة، و صیرورتهما و تکاملهما کل ذلک من الإیمان بالغیب، و أن العلم و الإیمان بهما لا یمکن الحصول علیه إلا عن طریق النقل المتمثل بالآیات القرآنیة و الروایات، و من هنا فهما باقیتان فی عالم الغیب ما لم یواجههما الإنسان فی الآخرة بصورة مباشرة، و کذلک یبقى ما یکتنفهما من الغموض و الإبهام إلى ذلک الیوم.
و لکن هذا الغموض والإبهام لا یرقى إلى حد الإضرار بأصل الإیمان بالفکرة، و لا یؤثر على الیقین بیوم المعاد و الحساب و ما ینطوی علیه من أحداث.
و من جملة التساؤلات و الإبهامات فیما یخص الجنة و النار هو القول: هل أن الجنة و النار موجودتان فی وقتنا الحاضر أم لا؟ و إذا کانتا موجودتین فأین هما؟ و ما هی الکیفیة التی یکونان علیها؟
هل هما أرض بوار یکون للإنسان دور فی إعمارهما و إعطائهما الکیفیة التی یکونان علیها؟ هل هما على قدر من الإعمار فیکون للإنسان دور فی إکمال ذلک الإعمار؟ أو أنهما خلقتا کاملتین و سوف یردهما الإنسان فی الیوم الآخر، أم سوف یخلقان بعد یوم القیامة؟ و ....
و للإجابة عن الأسئلة المتقدمة لا بد من بیان و إیضاح أمرین اثنین.
ألف: مدى تأثیر عمل الإنسان على ما یحصل علیه فی الآخرة.
ب: أقسام الجنة و النار و النظریات و الآراء المختلفة فیما یخص هذا الموضوع.
أ – النظریات و الآراء التی طرحت بخصوص تأثیر عمل الإنسان على ما یحصل علیه من ثواب و عقاب.
1-إن ثواب الإنسان و عقابه یحدث بصورة عقدیة تترتب على أعماله و نیاته و أفکاره فی عالم الدنیا، کما هو الحال فی الحدود و التعزیرات الشرعیة، أو ما یترتب على القوانین الوضعیة کقانون المرور و غیره من عقوبات و جزاء. و هذا یعنی أنه لا علاقة حقیقیة بین الأعمال فی الدنیا و ما یحدث فی الآخرة.
2- إن العقاب و الثواب الأخروی من قبیل تبدیل الطاقة بالمادة، أی أن هذه الطاقة التی یبذلها الإنسان فی الدنیا وهو یخوض فی أعمال الخیر و الشر سوف تتحول إلى مادة فی عالم الآخرة، و تکون سبباً فی نعیمه أو شقائه.
3- إن أعمال الإنسان و أحواله و أفکاره لها ظاهر و باطن، و فی عالم الدنیا لم یتجلى للإنسان غیر ظواهر هذه الأعمال، و لم یکن اکثر الناس على علم بالجانب الباطنی للاعمال الى ان یدخل عالم البرزخ و یحین یوم القیامة فتکشف تلک البواطن، و سوف تکون هذه البواطن سبباً فی نعیم الفرد او شقائه.
4- إن أعمال الإنسان و أفکاره و نوایاه مثل ما انها صادرة عن جوارحه و جوانحه فان لها الأثر على سیرته وباطنه فهی تحدد الکیفیة التی تکون علیها سریرته و بواطنه، وإن کان الإنسان غافلاً عن هذا التأثیر و التشکل الباطنی.
ففی الدنیا الصور الظاهریة هی المشهودة لاغلب الناس، و فی الآخرة تتجلى سیرة الانسان و تظهر بواطنه، سلوک الإنسان فی الدنیا هو الذی یحدد صورته فی الآخرة، و تجلی هذا الباطن یکون سبباً فی شقاء الإنسان او نعیمه.
و من الجدیر بالذکر أن النظریتین الأولى و الثانیة لا تنسجمان مع الآیات القرآنیة و الروایات الإسلامیة حیث لا یمکن على اساسها تفسیر الثواب و العقاب الأخرویین.
و أما النظریتان الثالثة و الرابعة فهما و إن کانتا منسجمتین مع ظواهر بعض الآیات[1] و الروایات، و یفسران بعض ما یحدث فی البرزخ و یوم القیامة، إلا أنهما قاصرتان عن تفسیر و تعلیل جمیع وقائع البرزخ و الیوم الآخر.
ب – النظریات الواردة فی تفسیر و تعلیل الجنة و النار و ما یتعلق بهما.
1- إن الوعد و الوعید الإلهی و التبشیر و الإنذار بالجنة و النار له بعد تربوی لا غیر، و لیس من اللازم أن یکون للجنة و النار وجود حقیقی، فإصلاح الناس هو الهدف من ذکر الجنة و النار، فالترغیب بالجنة و الترهیب من النار یمکن أن یحمل الناس على الصلاح و المبادرة إلى عمل الخیر و ترک الشر و الفساد، و هذا أمر کافٍ فی تعلیل ذکر الجنة و النار!!.
2- إن معنى الجنة هو عین المجتمع اللاطبقی الموحد! و إن جهنم تمثل النظام الرأسمالی، و لیس من شئ وراء ذلک، فطلاب الجنة علیهم أن یقیموا المجتمع العمالی الموحد لیوجودوا الجنة على هذه الأرض، و یبتعدوا فی الوقت ذاته عن جحیم الرأسمالیة.
3- إن الجنة موجودة فی الأجرام الأخرى فی هذا العالم، و یمکن أن نصل إلیها من خلال التقدم العلمی و التکنولوجی و اکتشاف الفضاء لنتخلص من جحیم الأرض.
4- الجنة هی التحلی بالفضائل والتخلی عن الرذائل، و النار هی التلبس بالرذائل، فعلى طالب الجنة ان یتجنب الرذائل ویتحلى بالفضائل.
و هذه الآراء الأربعة عرضت من قبل المادیین و أصحاب الفکر الالتقاطی، و هذه الأفکار تتنافى و ظاهر الآیات القرآنیة و الروایات، کما أنها لا تتفق مع أهداف الرسالات و لا تنسجم مع الإیمان بالغیب و إنزال الکتب و ... فهی إذن مرفوضة و مردودة.
ذلک لأن الجنة و النار التی تصفها آیات القرآن الکریم إنما هی بعد الموت و فی یوم القیامة و هی المثوى الأبدی للإنسان فهی لیست دنیویة و فانیة کما یقول هؤلاء.
5- إن الجنة التی أدخل فیها آدم و حواء (علیهما السلام) بعد خلقهما والتی هبطا منها إلى الأرض بعد حین هی مرحلة من مراحل الدنیا، و إلا لما خرجا منها، إضافة إلى ذلک فهی جنة لا علاقة لأعمال الإنسان فی وجودها ولا فی کیفیتها.
6- الجنة أو النار المثالیة "البرزخیة" هی تجل وظهور لبواطن أعمال الإنسان، و إن سلوک بعض الناس و أعمالهم تتجلى لأهل القلوب والنظر المعنوی قبل الموت، و للمؤمن الممتحض والکافر الممتحض بعد الموت و فی عالم القبر، و رؤیة بواطن الأعمال هذه و الاستئناس بها هی السبب فی تنعم الإنسان أو شقائه و عذاب قبل یوم الحشر و القیامة.
ان هذه الجنة و النار لکونها سابقةً للحشر و للقیامة لذلک عدت من مراحل الدنیا و مراتبها، محیطة بکل فرد و ظاهرة لأولیاء الله، أو إنها ترى فی عالم الأحلام و الرؤیا. وهذه النظریة یمکن تعلیلها و تفسیرها على أساس الرأی الثالث والرابع فیما یخص تأثیر أعمال الإنسان فی ثوابه و عقابه.[2]
7- الجنة و النار الأخرویتان: على أساس الآیات و الروایات فإن هذه الجنة و النار موجودتان فی هذا الآن، و قد شاهد النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) جزءاً منها فی معراجه[3]، و وجودها بالنحو التالی: کل إنسان یولد فسوف یهیئ له مکانان أحدهما فی الجنة و الآخر فی النار، فإذا ودع الدنیا بأعمال صالحة فسوف یتبوأ مکانه فی الجنة، و إلا فسوف یلقى فی نار جهنم.
لکن وضع هذا المنزل فی ضمن المراتب المختلفة للجنة أو النار، و کذلک کیفیة التنعم أو العذاب فیها، مرتبط بأعمال الإنسان فی عالم الدنیا.
و قد روی عن الإمام الصادق (علیه السلام) بسند معتبر انه قال: " مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً إِلَّا جَعَلَ لَهُ فِی الْجَنَّةِ مَنْزِلًا وَ فِی النَّارِ مَنْزِلًا فَإِذَا سَکَنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ نَادَى مُنَادٍ یَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَشْرِفُوا فَیُشْرِفُونَ عَلَى النَّارِ وَ تُرْفَعُ لَهُمْ مَنَازِلُهُمْ فِیهَا ثُمَّ یُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُکُمُ الَّتِی لَوْ عَصَیْتُمُ اللَّهَ دَخَلْتُمُوهَا قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ فَرَحاً لِمَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ ثُمَّ یُنَادِی مُنَادٍ یَا أَهْلَ النَّارِ ارْفَعُوا رُءُوسَکُمْ فَیَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَیَنْظُرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِی الْجَنَّةِ وَ مَا فِیهَا مِنَ النَّعِیمِ فَیُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُکُمُ الَّتِی لَوْ أَطَعْتُمْ رَبَّکُمْ دَخَلْتُمُوهَا قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً فَیُورِثُ هَؤُلَاءِ مَنَازِلَ هَؤُلَاءِ وَ یُورِثُ هَؤُلَاءِ مَنَازِلَ هَؤُلَاءِ وَ ذَلِکَ قَوْلُ اللَّهِ( أُولئِکَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِینَ یَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِیها خالِدُونَ)[4]".[5]
و على هذا الأساس فإن الجنة و النار اللتین یکونان مقراً أبدیاً للإنسان یوم القیامة هما موجودتان الآن، و لکن أفعال الإنسان و حالاته تکون مکملة للجنة و للنار و محددة لکیفیاتهما و حالاتهما، و لم یرد الجنة و النار الأخرویتین أحد قبل یوم القیامة، کما لم یشاهدهما أحد سوى ما کان من رسول الله یوم معراجه.
إذن، فجنة آدم وحواء (علیهما السلام) و الجنة و جهنم التی یشاهدها الإنسان قبل الموت فی الیقظة أو المنام أو حین الموت أو ما بعد الموت فی عالم البرزخ إنما هی الجنة او النار المثالیة و الدنیویة و هی تجلٍ وحاکٍ عن الجنة و النار فی عالم الآخرة و لیست هی نفسها.
مصادر البحث:
1- حسین الطهرانی،معادشناسی "معرفة المعاد"، ج1 و ج2، نشر العلامة الطباطبائی (رض) طبعة مشهد 1417 هـ . ق.
2- المحدث القمی، الشیخ عباس، منازل الآخرة، مؤسسة فی طریق الحق طبعة 7 ، قم 1377 هـ . ش. ص 81 – 170.
3- شیروانی، علی، ترجمه معاد شناسی "ترجمة معرفة المعاد"، تألیف جعفر السبحانی.
4- قربانی، زین العابدین، بسوی جهان ابدی" فی الطریق إلى العالم الأبدی"، شفق، الطبعة 3 قم 1372 هـ . ش.
5- رحیم پور، فروغ السادات، معاد از دیدگاه امام خمینى(قدس) "المعاد فی نظر الإمام الخمینی" (رض) مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام (رض) الطبعة 2 طهران 1378 هـ.ش.
6- الطباطبائی، محمد حسین، حیات پس از مرگ "الحیاة بعد الموت"، مکتب المنشورات الإسلامیة، الطبعة 7، قم 1372 هـ.ش.
7- الطباطبائی، محمد حسین، بررسی هاى اسلامى "دراسات إسلامیة"، الهجرة، قم، 1360، هـ .ش ص 382-354.