Please Wait
12294
"الشراب"؛ یعنی کل ما یشرب، "الطهور"؛ یعنی الشیء الطاهر المطهر. المستفاد من الآیات المختلفة أنه یوجد فی الجنة أنواع من الشراب الطاهر و الهنیء و بکیفیات متنوعة، و قد عبر القرآن فی أحد آیاته بقوله «وَ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً».
و فی الإجابة عن السؤال القائل: ما هو الشراب الطهور؟ وردت ثلاثة أقوال:
1ـ قال البعض أن المراد بالشراب الطهور هو ما یشربه أهل الجنة بعد تناولهم من طعام الجنة، فیدفع هذا الشراب جمیع الفضلات الداخلیة، حیث لا یبقى إلا عرق ذو رائحة طیبة و عطر زکی، یفوح من جلودهم.
2ـ و ذهب اتجاه آخر الى أن المراد منه: هو الفوائد الروحیة و المعنویة للسیر و السلوک المعنوی و الروحی، کما روی عن الإمام الصادق (ع) ما معناه: لأن المؤمن یشرب شراباً طهوراً فإنه یعرض عن کل ما سوى الله، و لا یقبل إلا علیه. و عن الإمام الباقر (ع) أن المؤمنین عندما یشربون من هذا الشراب، فإن الله یطهر قلوبهم من الحسد حیث قال (ع): " فیسقون منها شربة فیطهر الله قلوبهم من الحسد".
3ـ و قد جمع البعض بین القولین المتقدمین فقالوا: لأن الإنسان مزیج و مرکب من التراب و الروح الإلهی فقد زید على رزقه المادی بهباتٍ و عطایا معنویة و روحیة، و بما أن الناس یختلفون فی مراتب السیر و السلوک و التکامل فإن عطاءهم و استفادتهم من ثمار الجنة و طعامها مختلفة أیضاً. و قد وصف القرآن المجید فی آیاته شراب الجنة بأجمل أوصاف مقروناً بأجمل الساقین من أصحاب الوجوه الحسنة و القدود الرهیفة و النواظر العین، یطوفون على أهل الجنة بآنیة جمیلة بیضاء لذة للشاربین، لا فیها ما یفسد عقولهم، و لا ما یعکر صفو نفوسهم، إنه شراب خالص من کل أذىً و سوء. و قد وردت آیات أخرى بتعابیر مختلفة فی وصف شراب الجنة، تصف شراب الأبراربأنه "رحیق مختوم" مصون من کل ألوان الباطل و منزه عن کل أنواع التلوث المعنوی أما المقربون فإن شرابهم من عین التسنیم و ساقیهم هو الذات الإلهیة المقدسة.
فقد روی عن رسول الله (ص) قوله: «التسنیم هو أشرف شراب فی الجنة، یشرب منه محمد(ص) و آله محمد، و أما أصحاب الیمین و بقیة أهل الجنة فیشربون من ممزوجه».
و نتیجة القول هی کما أن الناس یختلفون فی مراتبهم و درجاتهم فی الدنیا، فکذلک تتفاوت درجاتهم فی الجنة، و إن استفادتهم من نعیمها یتناسب مع استعداداتهم الروحیة و مقدار ظرفیتهم المعنویة، و لهذا السبب جاءت تسمیات القرآن و تعابیره مختلفة بالنسبة لأهل الجنة فتارة یسمى بعضهم "أصحاب الیمین" و سمی البعض الآخر بـ الأبرار و أطلق على مجموعة أخرى اسم المقربون. و کذلک فإن عطاءهم و ثوابهم یکون متفاوتاً بما یتناسب و درجاتهم فی الجنة.
"الشراب" بمعنى کل ما یشرب[1] و قد ورد فی القرآن الکریم بهذا المعنى فی قوله تعالى «یَدْعُونَ فِیهَا بِفَاکِهَةٍ کَثِیرَةٍ وَ شَرَابٍ»[2] و قوله: «هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَکُمْ مِنْهُ شَرَابٌ»[3].
"طهور" هو الشیء الطاهر[4] فی نفسه والمطهِّر لغیره[5] قال تعالى: «وَ أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً»[6].
الشراب الطهور:
یستفاد من الآیات القرآنیة المختلفة أن فی الجنة أنواعاً متعددةً من الشراب الهنیء الطاهر.[7] السوائل التی فی أنهار الجنة تختلف عن السوائل المعروفة فی هذه الدنیا و ذلک بلحاظ ذاتها و جوهرها و بلحاظ کیفیتها أیضاً. لأن ما یجری فی أنهار الدنیا هو الماء فقط و لا شیء سواه. و من الممکن أن یفسد هذا الماء اذا طال رکوده و یکتسب روائح نتنة فی بعض الأوقات، و لکن ما یجری فی الجنة من السوائل یمتاز عمّا یجری فی أنهار الدنیا بلحاظین و من جهتین. کما یستفاد من القرآن الکریم ، فقد اشارت آیات القرآن الکریم إلى أربعة أنواع من الشراب تجری فی اربعة أنهار فی الجنة.[8] نهر یجری به الماء لرفع العطش، و نهر للحلیب من أجل التغذیة، و نهر من عسل لأجل القوة و المتعة، و نهر للخمر من أجل النشاط و هذه الأنهار الأربعة خلقت بکیفیة لا یمکن أن یطالها التغیر و التبدل و الفساد بمرور الزمان.[9] و قد أشارت آیات القرآن إلى بعض أنواع الشراب هذه و أطلقت علیها عدة تسمیات کالرحیق المختوم أو التسنیم[10] أو الشراب الممزوج بالکافور[11] أو الزنجبیل.[12] وفی آیة واحدة من آیات القرآن الکریم جاء التعبیر بـ "شراباً طهوراً" فی قوله تعالى: «وَ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً»[13] فالساقی هو الله سبحانه و تعالى.
آراء المفسرین:
یمکن أن تجمع أقوال المفسرین و آرائهم فیما یخص الشراب فی الجنة ضمن نظریات ثلاث.
1ـ المراد من الشراب الطهور هو نوع شراب یتناوله أصحاب الجنة بعد طعامهم من ثمار الجنة و غذائها فیطرد الفضلات الداخلیة من أجسامهم فلا یبقى فیها سوى العرق المعطر بالروائح الزکیة الذی یفوح و ینتشر منها[14] و معنى ذلک أن الشراب الطهور هو نوع محصول مادی من نعم الجنة و ثمارها، لکنه بکیفیة عالیة و خصوصیات فریدة و لذائذ أکثر و کذلک جاءت الروایات[15] و الآیات القرآنیة فی وصف أشربة الجنة و ما یسقى فیها أهلها، فقد وصفت الشراب و الساقین بأجمل الأوصاف من حیث الهیئة و جمالها و الوجوه ونضارتها و عیونهم وما تحمل من نظرات معبرة، و کذلک الأوانی التی یحملونها و هم یطوفون على أهل الجنة فهی بیضاء لذة للشاربین، لا فیها ما یفسد عقولهم و لا یصیبهم منها الملل و السأم و الضجر.[16]
2ـ المراد من الشراب الطهور هو الفوائد المعنویة و الروحیة فی السیر و الکدح و السلوک الروحی، و قد أشار العلامة الطباطبائی فی تفسیر المیزان إلى الطهارة الروحیة لهذا الشراب الطهور و أنه ینفی کل الوان التلوث الناشئ عن الغفلة عن الله سبحانه و یزیل کل حجاب یمنع من التوجه إلى الله حیث قال: شرابا طهورا ای بالغا فی التطهیر لایدع قذارة الا ازالها ومن القذارة قذارة الغفلة عن الله والاحتجاب عن التوجه الیه.[17] کما روی عن الإمام الصادق (ع): «یطهرهم عن کل شیء سوى الله، إذ لا طاهر من تدنس بشیء من الأکوان إلا الله».[18] و جاء فی تفسیر أطیب البیان: إن الشراب الطهور یطهر قلوب الأبرار من کل الصفات الرذیلة و الأوهام الفاسدة و من کل هم و غم.[19] و قد روی عن الإمام الباقر (ع) إن الله یطهر قلوب المؤمنین من الحسد عندما یشربون من الشراب الطهور حیث قال (ع): "فیسقون منها شربة فیطهر الله قلوبهم من الحسد".[20]
و قال بعض العظماء: بما أن الاستغراق فی التوحید و کمال الانقطاع إلى الله هو طهارة تامة، فإن کل شیء لا ینسجم و هذا المعنى فإنه فاقد لصفة الطهارة، و کذلک هو الحال بالنسبة لمثل هذا الشراب الذی یسقى بید مثل هکذا ساقی فإنه یطهر الإنسان عن کل ما سوى الله سبحانه کما أن هذا المفهوم ورد فی غرر تعالیم أهل البیت(علیهم السلام) کأساس شامل و جامع[21]، فقد نقل عن الإمام الصادق (ع): إن هذا الشراب یطهر أجسامهم وأرواحهم من کل شیء سوى الذات الإلهیة المقدسة، لأن ذکر الله سبحانه و ذاته المقدسة و ذکر اسمه هو الذی یمنع الإنسان من التلوث و الانحطاط" یطهرهم من کل شیء سوى الله، إذ لا طاهر من تدنس بشیء من الأکوان إلا الله". [22]
3ـ جمع بعض المفسرین بین النظریتین المتقدمتین فقالوا:[23] لما کان الإنسان مرکباً جمیلاً من تراب الأرض و روح الله. فقد أعطی إضافة إلى رزقه المادی عطاءً روحیاً و معنویاًن و بما أن الناس یختلفون فی سیرهم و سلوکهم و تکاملهم، فإن استفادتهم من نعیم الجنة هو متفاوت أیضاً. فالبعض منهم کالأبرار فإنهم یشربون من "الرحیق المختوم" الذی یصونهم من کل ألوان الباطل و ینزههم من جمیع أنواع التلوث الروحی، و أما المقربون فشرابهم من عین التسنیم و هی قراح محض و نمیر عذب وأصیل، فقد ورد الحدیث عن الرسول الأکرم (ص) قوله: «التسنیم هو أشرف شراب فی الجنة، یشرب منه محمد(ص) و آله محمد، و أما أصحاب الیمین و بقیة أهل الجنة فیشربون من ممزوجه».[24] و الساقی هو الذات المقدسة الإلهیة «وسقاهم ربهم شراباً طهوراً»[25] و کاسها حقیقة معرفته ومحبته النفیسة «إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِی نَعِیمٍ ..... یُسْقَوْنَ مِنْ رَحِیقٍ مَخْتُومٍ».[26]
و یظهر مما تقدم أنه کما یکون الناس فی الدنیا على درجات و مراتب مختلفة من الکمال فکذلک هم فی الجنة تتفاوت منازلهم و درجاتهم و إن استفادتهم من نعیم الجنة و ثمارها تتناسب مع قدراتهم الروحیة و استیعاب ظرفیتهم المعنویة. و من هنا فقد جاءت تعابیر القرآن مختلفة فذکر أهل الجنة بعدة تسمیات و ألقاب، فسمى بعضهم أصحاب الیمین و أطلق على البعض الآخر اسم "الأبرار" و وصف مجموعة أخرى بالمقربینعند الله. و استفادة الجمیع من نعیم الجنة کل ما یتناسب و موقعه و مقامه. و من المسلم فإن نعیم الجنة و خیراتها هی مفعمة باللذة و السرور و الانتعاش، و لکن لیس بالکیفیة التی نتصورها فی هذه الدنیا.
[1] القرشی، سید علی أکبر، قاموس قران "قاموس القرآن"، ج 4 ، ص12.
[2] ص، 15.
[3] النحل، 10.
[4] قاموس قران "قاموس القرآن"، نفس المصدر، ج 4، ص 242.
[5] الفخر الرازی، التفسیر الکبیر، ج30، ص 254.
[6] الفرقان، 48.
[7] الظاهر أنه لا یوجد بحث فی خصوص أشربة الجنة من جهة طهارتها، کما هو مطروح فی هذه الدنیا، ذلک لأنه لا سبیل للنجاسة و القذارة فی الجنة و إنما القول هنا راجع إلى مراتب الکمال و الرشد.
[8] محمدT 15.
[9] مکارم الشیرازی، ناصر پیام قرآن( رسالة القران"، تفسیر موضوعی" التفسیر الموضوعی"، معاد در قران "المعاد فی القرآن" ج 6، ص 244.
[10] المطففین، 27 و 28.
[11] الدهر، 5 و 6.
[12] الدهر، 17 و 18.
[13] الدهر، 21.
[14] الفخر الرازی، التفسیر الکبیر، ج 3، ص 254؛ مجمع البیان، ج 10، ص 623.
[15] یمکن الرجوع إلى روایة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق(ع) فی نور الثقلین، ج 5، ص 32 و 33، الحدیث 30.
[16]الصافات، 45 و 47؛ الزخرف، 7.
[17] الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 20، ص 130.
[18] منهج الصادقین، ج10، ص 110؛ مجمع البیان، ج 10، ص 623.
[19] الطیب، سید عبد الحسین، تفسیر أطیب البیان در تفسیر القرآن" تفسیر أطیب البیان فی تفسیر القرآن"، ج 13، ص 327.
[20] التفسیر الصافی من الکافی، نقلاً عن تفسیر أحسن الحدیث، سید علی أکبر القرشی، ج11، ص 27.
[21] جوادی الآملی، تفسیر موضوعى قرآن در قرآن "التفسیر الموضوعی فی القرآن"، ج 5، ص 298 و 302.
[22] الطبرسی، تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 623.
[23] جوادی الآملی، تفسیر تسنیم،" تفسیر التسنیم" منشورات الإسراء، الطبعة الأولى، 1378 هـ ش. ج 1، ص 27.
[24] بحار الأنوار، ج 44، ص 3؛ علم الیقین، ج 2، ص 1253، نقلاً عن تفسیرتسنیم. و رویت بالنحو التالی" روی عن رسول الله (ص) قوله: «التسنیم هو أشرف شراب فی الجنة.یاتیهم من عال یتسنم علیهم فی منازلهم وهی عین یشرب بها المقربون رسول الله وخدیجة وعلی بن ابی طالب وذریاتهم والمقربون یشربون من تسنیم بحتا صرفا و سائر المؤمنین ممزوجا».
[25] الإنسان، 21.
[26] المطففین، 27 و 28.