Please Wait
13402
الرشوة لغة تعني: ما يعطيه الشخص الحاكم و غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد، و الجمع" رشا" مثل سدرة و سدر، و الضم لغة، و أصلها من" الرشاء" الحبل الذي يتوصل به إلى الماء، و جمعه" أرشية" ككساء و أكسية.[1] و هي اصطلاحاً: الوُصلة إلى الحاجة بالمُصانعة . و أصله من الرِشاء الذي يُتَوصَّل به إلى الماء . فالراشي مَن يُعطِ الذي يُعِينه على الباطل . و المُرْتَشِي الآخِذُ.[2]
أما الفقهاء فقد اختلفت كلمتهم في تحديد موضوعها، يقول السيد الخوئي (ره): لم نجد نصا من طرق الخاصة و من طرق العامة يحقق موضوع الرشوة، و يبيّن حقيقتها، غير أنه ورد في بعض الروايات أنها تكون في الأحكام، و لكنها لم توضح أن الرشوة هل هي بذل المال على مطلق الحكم، أو على الحكم بالباطل؟ بل لا يفهم منها الاختصاص بالأحكام، و إلا لما صح إطلاقها في غيرها. و كيف كان فلا بد في تحقيق مفهومها من الرجوع الى العرف و اللغة و كلمات الأصحاب.[3]
الا أنهم أقاموا الدليل على حرمتها من القرآن و السنة و العقل و الاجماع.[4]
1. الدليل القرآني
قال تعالى في كتابه الكريم: " وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَريقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُون".[5]
و الإدلاء هو إرسال الدلو في البئر لنزح الماء كني به عن مطلق تقريب المال إلى الحكام ليحكموا كما يريده الراشي، و هو كناية لطيفة تشير إلى استبطان حكمهم المطلوب بالرشوة الممثل لحال الماء الذي في البئر بالنسبة إلى من يريده.[6] و إذا حرم الإعطاء حرم الأخذ أيضا، للملازمة بينهما.[7]
2. الروايات
عد الكثير من الروايات تعاطي الرشوة من مصاديق الكفر؛ كالنبوي الشريف:" إِيَّاكمْ و الرِّشْوَةَ فإِنَّها محضُ الكفر و لا يشمُّ صاحبُ الرِّشوة ريحَ الجنَّة"[8]، و عن الامام الصادق (ع): " فَأَمَّا الرِّشا في الحُكم فإِنَّ ذلك الكفرُ باللَّه العظيم جلَّ اسمهُ و برسوله (ص)".[9]
3. الاجماع
الدليل الثالث الذي أقامه الفقهاء على حرمة الرشوة الاستناد الى إجماع المسلمين من الفريقين.[10]
4. العقل
لا ريب أن شيوع ظاهرة الارتشاء و تعاطي الرشوة يصيب المجتمع بالكثير من الاضرار، فعندما يتمكن الاثرياء من تحقيق مآربهم من خلال المال، حينئذ يوصد الباب أمام الفقراء و المساكين في تحقيق حقوقهم، و عندما لا يتحرك الحاكم و القاضي و المسؤول الا بالاتجاه الذي تشير اليه بوصلة المال، لاريب ان ذلك يعني التنصل عن المسؤوليات و سحق القوانين العامة و بالتالي هدر حقوق الفقراء و الضعفاء، من هنا نرى بعض العلماء استند في تحريمها الى الدليل العقلي كالمقدس الاردبيلي في كتابه "مجمع الفائدة و البرهان" حيث قال: يحرم على القاضي الرشوة دليله العقل و النقل، كتابا و إجماعا من المسلمين و سنّة.[11]
و في الختام نشير الى بعض فتاوى مراجع التقليد في هذا المجال:
الامام الخمیني: أخذ الرشوة و إعطاؤها حرام إن توصل بها إلى الحكم له بالباطل، نعم لو توقف التوصل إلى حقه عليها جاز للدافع و إن حرم على الآخذ، و هل يجوز الدفع إذا كان محقا و لم يتوقف التوصل إليه عليها؟ قيل: نعم، و الأحوط الترك، بل لا يخلو من قوة، و يجب على المرتشي إعادتها إلى صاحبها من غير فرق في جميع ذلك بين أن يكون الرشاء بعنوانه أو بعنوان الهبة أو الهدية أو البيع المحاباتي و نحو ذلك.[12]
اما الآيات العظام التبريزي، السيستاني و الوحيد: یجوز اعطاء الرشوة في غير باب القضاء لاحقاق الحق، و لكن لا يجوز لمن وظيفته القيام بالامر أخذها.[13]
رأي سماحة آية الله الشيخ مهدي هادوي الطهراني (دامت بركاته):
الرشوة في الاصطلاح الفقهي المال الذي يأخذه القاضي ليحكم بالباطل، و هذا المال حرام مطلقا.
أما الرشوة بمعناها المتداول اليوم فتعني أخذ المال مقابل القيام بعمل مخالف للقانون، و هذه أيضا تحرم مطلقاً.
نعم، صحيح أن أخذ الرشوة حرام مطلقا، لكن لو توقف استرجاع الحق الواقعي عليها، و كان صاحب الحق مجبراً جاز له دفع مقدار من المال لتحصيل حقه من خلال اعتماد الطرق غير القانونية.
[1] مجمع البحرین، ج 1، ص 184.
[2] ابن اثیر، النهایة، ج 2، ص 226، المكتبة العلمية - بيروت ، 1399هـ - 1979م، تحقيق : طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي.
[3] الخوئي،مصباح الفقاهة،ج1، ص 262.
[4] نفس المصدر.
[5] البقرة، 188.
[6] العلامة الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص: 52، جماعة المدرسين، قم، الطبعة الخامسة، 1417هـ.
[7] مصباح الفقاهة (المكاسب)، ج1، ص: 264.
[8] بحار الأنوار، ج101، ص: 274.
[9] وسائل الشيعة، ج17، ص: 92، الباب الخامس. الحديث الاول.
[10] النجفي،جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج22، ص 145؛مصباح الفقاهة،ج1،ص263.
[11] المقدس الاردبیلي، مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان، ج12، ص 49،مکتب الاعلام الاسلامي،قم،1403قمري.
[12] تحرير الوسيلة، ج2، ص: 406.
[13] آيةالله التبريزي، الاستفتاءات، س 999 آية الله الوحيد، منهاج الصالحين، ج 3، م 32 و آية الله السيستاني Sistani.org.