Please Wait
5801
للاجابة عن السؤال المطروح لابد من الاشارة الى بعض النكات المهمة:
1. القوانين و التشريعات الحقيقة للاديان السماوية شيء و الاصول العقائدية شيء آخر، من هنا يطلق على الاولى التشريعات و على الاخرى العقائديات او الاصول فمن هنا نرى الاصول ثابتة غير متغير خلافا للتشريعات فانها تابعة للمصالح و المفاسد و متغيرة حسب ما يراه الباري تعالى. كذلك لا يعكس بالضرورة سلوك اتباع الديانات رؤية الدين و المذهب الذي ينتسبون اليه؛ فعلى سبيل المثال نجد بعض سلوكيات المسلمين لا تنسجم مع الشريعة الاسلامية. فاذا ما وجدنا دينا او مذهبا يبيح اتباعه التعري و الانحلال و التحرر من القيم و يبيح الغناء و سماع صوت المرأة المثير للغريزة و لم يضعوا أي قيد او شرط للحركة و السلوكيات مهما كانت، فلا يمكن بحال من الاحوال عد ذلك من التشريعات السماوية بالضرورة و انها من قيم الاديان الالهية. بل لابد من البحث عن الجذور التحريفية التي استطاعت من خلالها التوغل الى المجتمع الديني و المعارف الدينية؛ و ذلك لاننا شاهدنا الكثير من التحريفات و دخول التعاليم الخرافية و الاسطورية غير الالهية الى تلك المجتمعات و المصادر التي يفترض كونها دينية. فالمجتمعات المتحللة عن القيم الدينية و الاخلاق و العفة الاجتماعية و التي لا يهمها سلامة المجتمع الروحية و النفسية، ترى في الاحكام الالهية التي تحد من دائرة التعامل مع المرأة مخالفة للعقل المحاسب عندهم، من دون أن يأخذوا بعين الاعتبار كلمة الوحي و مدى مخالفة موقفهم هذا لمقررات الشريعية الصحيحة؛ و في المقابل تقف طائفة و اتجاه كبير آخر موقفا معاكسة للتحلل و التميع و الانحراف حيث يوجه بوصلة حركتها بالا تجاه الذي رسمته الشريعة و تتقيد بتلك القيم و المعارف السامية التي نزل بها الوحي و تجعل الفهم الديني الوحياني هو العماد الاساسي للانطلاق منها في ثقافتها و حركتها الاجتماعية و الفردية و سواء تلك الخاصة بالمرأة او الرجل او المشتركة بينهما.
2. للمقارنة بين الديانتين الاسلامية و المسيحية و معرفة نقاط الاشتراك الحقيقية و نقاط الافتراق بينهما لابد من وجود نص سالم عن التحريف كالقرآن الكريم و السنة الصحيحة و الانجيل غير المحرف لنرى هل يوجد نص في الانجيل يبيح الغناء و السماع اللهوي و الالحان المثيرة للشهوة أو لا؟
3. نحن معاشر المسلمين نعتقد جازمين بوجود العلاقة و الآصرة القوية بين الاسلام و سائر الديانات الالهية، و ان الدين و الشريعة اللاحقة مكملة و مؤيدة للديانة التي سبقتها، و لما كان الدين الاسلام خاتم الديانات و أكملها من هنا ختمت به الاديان و اعتبر شريعة عامة و شاملة لجميع المعمورة، كما في قوله تعالى " إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ"[1] و قوله تعالى: " أَ فَغَيْرَ دينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُون".[2] و لا ريب ان النظرة المنصفة تعطي للاسلام من جميع الجهات ميزة خاصة فيما اذا قورن بسائر الاديان سماوية و غير سماوية، و لا يعد ذلك مجرد ادعاء لا يقوم على دليل بل قد اثبت ذلك بالادلة و البراهين الرصينة[3]، من هنا لابد أن يكون التقدم للشريعة الاسلامية بعد نسخ سائر التشريعات السابقة.
4. بنحو موقف الشريعة الاسلامية من الغناء و الحان النساء و سماعها يتمثل في:
الف. يحرم سماع صوت المرأة اذا كان مقترنا بالالحان و الغناء أو كانت الكلمات مثيرة للشهوة.
ب. يحرم استماع الرجال لصوت و الحان النساء غير المحارم اذا كان مع الغناء او كان بقصد الشهوة و مثيراً لتحريك الغريزة.[4]
5. الانسان مركب من روح و بدن ففي الوقت الذي يجب عليه الاهتمام بالجانب البدني منه و تطهيره مما يلوثه من الاوساخ و حفظه من المكروبات و الامراض المسرية، كذلك يجب عليه الاهتمام بالبعد الروحي و النفسي و تطهيرهما من لوث الرذائل و الانحرافات، و لا ريب ان القاعدة العامة تقول ان كل لذة و شهوة تجر روح الانسان و عقله نحو التحلل و اللعب و اللهو و الغفلة و اللامبالاة، فانها تخرج الانسان من دائرة الانسانية بغض النظر عن الدين و الشريعة التي يؤمن بها، و انها تحرمه من الوصول الى السعادة الحقيقية المنشودة. و من غير المتصور قطعا وجود دين سماوي يسعى للآخذ بيد الانسان نحو الكمال الحقيقي و السعادة الواقعية و في الوقت نفسه يبيح له ما يخرجه عن الطريق القويم و يسوقه بالاتجاه المعاكس الذي تروم تلك الشريعة ايصالهم اليه. اضف الى ذلك ان شخصية حكيمة كالسيد المسيح عليه السلام لا يمكن ان يغفل عن هذه القضية المحورية.
و في الختام نقول: إن تاريخ الاناجيل الموجودة يكشف – و هذا ما تعترف به المسيحية نفسها- عن حقيقة اساسية و هي ان تلك الاناجيل كلها دونت بعد رحيل السيد المسيح (ع)، من هنا تكون المقارنة بين الدين الاسلامية الذي يكون النص الديني عنده و حياني مع نص قد تعرض لا نقطع بصدوره من السيد المسيح (ع).
[1] آل عمران، 19.
[2] آل عمران، 83.
[3] انظر المواضيع التالية: «الاسلام و العقلانية»، سؤال 1061؛ «دلایل حقانیة الاسلام»، سؤال 1245؛ «سرّ خاتمیة الدین الاسلامي»، سؤال 1473؛ «الاسلام و متطلبات الزمان»، سؤال 2174.
[4] انظر المواضيع التالية: «سماع الالحان بصوت المرأة»، سؤال 5473؛ «غناء المرأة للرجال»، سؤال 19694؛ «حکم سماع غناء و الحان النساء»، سؤال 10740؛ « تلاوة المرآة للقرآن مع وجود الاجانب»، 25490؛ «سماع الموسیقی»، سؤال 1595.