Please Wait
5613
للفن معان عدیدة وعلی الرغم من ان الاتصاف به یعطی للشخص الفنان نوعا من التفوق والتمیز، مع ذلک لم یتم تعریف دقیق ومحدد له. لکن بالنظر الی انه احد جوانب حیاة البشر یمکننا ان نمد الاراء والنظرات القرآنیة التی تتعلق بحیاة الانسان الی هذا الموضوع و نستنتج من مجموع تلک النظرات بان الفن الذی اقره القرآن هو مجموع سلوکیات الانسان الممیزة والمتعالیة التی لا یوجد الفن بدونها بالاضافة الی انه یجب ان یتصف بخصوصیتین اخریین.
أولا: أن یکون فی سیاق ترويج ونشر التعاليم الدينية والمبادئ الإنسانية الطبيعية، وتنبیه البشر و تذکیرهم بالقيامة وعالم الآخرة.
ثانيا: أن الفنان في أداء فنه لا يخالف الأعراف الدينية المقبولة.
یجب علینا ان نلتفت فی الجواب عن هذا السؤال الی نقطتین هامتین:
اولا: يجب أن نعلم أن القرآن الكريم ليس كتاب معجم للتعبير عن معنى ومفهوم آحاد الکلمات، أو تعليق على موضوع معين، بل انه يقدم المعايير والمبادئ التي تحكم حياة الإنسان. وبناءً على ذلك، إذا حددنا النطاق الدلالي لکلمة من خلال الرجوع إلى مصادرها بشکل تام، فعند ذلک يمكننا استخدام المبادئ العامة المنصوص عليها في القرآن لفهم وجهة نظر هذا الكتاب السماوي تجاهها.
ثانیا: یجب الالتفات إلى أن كلمة الفن هي عبارة عربیة، لذلك يجب البحث عن معناها في المعاجم العریبة.
نحن نعلم أن مجال الفن واسع جدًا لدرجة أنه لا يمكن تقديم تعريف دقيق له، وأن التعريفات التي نجدها في معاجم اللغة هي فقط عموميات حول الفن، ولا یمکن بمساعدتها تحديد مصادیق الفن بدقة. على سبيل المثال، وصف المرحوم دهخدا الفن على النحو التالي: "هذه الكلمة تعني في الواقع درجة الكمال البشري التي تشمل الوعي والبصيرة والفضل والعلم، ومظهرها يجعل صاحب الفن متفوقًا على الآخرين".
الآن، مع وضع هاتين النقطتين في الاعتبار، سنقوم بتحليل الموضوع(الفن) من وجهة نظر القرآن:
من الواضح أن للفن مجالًا واسعًا، ووفقًا لذلك، يمكن تسمية أي شخص لديه معرفة وموهبة وقدرة أكبر على فعل أي شيء أكثر من غيره بالفنان. سواء كانت هذه الموهبة والقدرة في اتجاه إيجابي أو في اتجاه سلبي أو بدون اتجاه!
نرى أيضًا أنه إذا أردنا أن نبني بحثنا على التعريفات الموجودة للفن، فإن معظم الناس هم فنانين في مجال معين، مع ذلك، اصبحت بعض الكلمات مثل "الفنان" و"الممثل" فی عرفنا العام تشير فقط إلى شريحة محدودة من المجتمع، والتي لها نشاطات في مجالات معينة؛ مثل السينما والمسرح والنحت والرسم وما إلى ذلك. لکن الأشخاص الآخرون، على الرغم من أن لديهم بالفعل الكثير من الفن، لم یخاطبوا بهذه العناوين. على سبيل المثال، لا يُطلق على المزارع الذي يتمتع بقدرات غير عادية في مجاله اسم "فنان"!
هذا لأننا نعلم أنه يمكن تقييم الفن في كل من المجالات العامة والخاصة، ويتطلب كل منها استجابة مناسبة، لذلك في فنون معينة، يجب أولاً تحديد نوع الفن بكل تفاصيله ثم البحث عن آراء الإسلام والقرآن حوله، كما في السؤال 5815، وهو سؤال حول نظرة الإسلام إلى فن النحت والرسم.
لکن للحصول على وجهة نظر الإسلام في الفن؛ بمعناه العام، يجب أولاً معرفة المعايير الإسلامية العامة، ثم القیام بدراسة كل مجال من مجالات الفن، مع مراعاة هذه المبادئ والمعايير العامة، وتقییم مطابقتها أو عدم مطابقتها لتلك المبادئ.
فیما يتعلق بالنظرة العامة للقرآن إلى الفن، ينبغي القول إنه على الرغم من عدم نزول آية أو سورة فيما يتعلق بتعريف وتفسير كلمة "الفن" والتعبير عن مصادیق الفن، ولكن بالنظر الی ان الفن جزء من حياة الإنسان الدنيوية، يمكننا اعتبار رؤية القرآن عن "العالم" وجهة نظر هذا الكتاب السماوي فيما يتعلق بـ "الفن"
کما نعلم، يمكن تقسيم السلوكيات البشرية الدنيوية بنظرة تقویمیة إلى ثلاث فئات هي "ذات قيمة" و"ضد القيم" و"عديمة القيم". من الطبيعي أن السلوك "القيّم" وفقًا للتعاليم القرآنية هو سلوك يتماشى مع مصالح الآخرة أو المصالح الدنيوية التي لا تتعارض مع تعاليم الإسلام. يمكن أيضًا البحث عن السلوك "المعادي للقيم" في الأعمال التي تتعارض صراحة مع التعاليم الدينية وتعتبر شكلاً من أشكال معارضة الله تعالی والنبي(ص). في هذه الأثناء، هناك سلوكيات أخرى بلا هدف ولیس لها دافع محدد ولا يتم تقييمها وفقًا للمبادئ الدينية، ولا يمكن اعتبارها معارضة صريحة للدين. نعبر عن هذه السلوكيات بسلوكيات عديمة القيمة التی قد تتحول في النهاية إلى سلوكيات "معادية للقيمة" لأنها تقضي على الفرص ذات القيمة للبشر.
ان انواع الفنون ایضا ليست خارجة عن هذا الإطار وتقع في أحد المجالات الثلاثة المذكورة أعلاه. ان الدافع والغرض من استخدام كل فن في هو الاکثر اهمیة فی تحديد وجهة نظر القرآن والدين تجاه ذلك الفن.
علی الرغم من ان الله قد وبخ بعض رواة القصص على دوافعهم السلبية،[1] مع ذلک فانه اعتبر سورة يوسف تحفة فنية في مجال السرد القصصي،[2] وعلى الرغم من أنه یعرف الدنیا بانها سلعة لا قيمة لها وانها سريعة الزوال،[3] مع ذلک یدعو البشر إلى التدقیق في فن الخلق وظرائفه! [4] ومع أنه یذکر الصناعات البشرية التی استُخدمت بشكل إيجابي؛ مثل بناء السفن[5] والزراعة[6] وما إلى ذلك، بخير ويعتبرها آیة علی قدرته، لأن خالق هذه الفنون، أي الإنسان مخلوق الله، لکنه تعالی یری الحرف والفنون والصناعات التی بدافع ابعاد الانسان عن الله تستحق الهلاك ونار جهنم کالقائمین بهما.[7]
کما لاحظنا، ان في العديد من الفنون، لا يمكن لنفس الفن وحده ان یکون مؤیدا بالقرآن أو مدانا، بل ان دوافع الفنانین هی التی تعتبر كمعيار للرؤية الإيجابية أو السلبية للقرآن تجاه الفن. وعلى سبيل المثال، نقوم هنا بدراسة فن من الفنون من منظور القرآن الکریم:
ان القرآن الكريم في حد ذاته لا يوافق ولا يرفض فن هندسة البناء، ولكن إذا كان الدافع وراء أداء هذا الفن هو الدافع الإلهي فانه یوافق عليه. مثل بناء مسجد للعبادة،[8] أو بيت لراحة الناس،[9] أو حتى قصر سطحه مفروش بزجاج کانه بركة ماء،[10] ليس من أجل اغراض دنيوية، بل لإظهار عدم تعارض الحضارة الإنسانية مع الدین.
ولكن إذا كان هناك دافع غیر الهی، فإن نفس فن البناء يصبح فنًا مضادًا للقيم؛ مثل القصر الذي بناه هامان بأمر من فرعون وبقصد معارضة الله تعالی،[11] وحتى لو لم يكن هناك دافع لمحاربة الله ومحاربته وان تکون البنايات مبنية فقط من أجل المتعة والألعاب والتسلية والعزة، فهذا العمل قد أدانه القرآن الکریم بشدة. [12] اللافت للنظر أن القرآن الكريم قد شكك في بناء مسجد بُني بدوافع غير دينية! [13] من ناحية أخرى، ان الله قد عاقب ودمّر الذين عاشوا في مبانٍ فريدة ومستحکمة في فترة قصيرة من الزمن،[14] حتى لا یُظن انه یمکن الامان من غضب الله باستخدام فن تقوية الأبنية.[15]
ما الذي يمكن استنتاجه من دراسة كل هذه الآيات؟ هل ان الإسلام يوافق أم یرفض فن هندسة البناء ؟!
فی الاجابة علی هذا السؤال، يجب ان نقول إنه لا ينبغي أن يُتوقع من الإسلام أن يعبر عن رأي إيجابي أو سلبي حول كل فن من الفنون، لكن الإسلام أعلن معاييره العامة ويجب على الفنانين مطابقة فنهم لها. فبعد الوصول إلى هذا الاستنتاج، إليك بعض الموضوعات التي يمكن أن تكون مفيدة لهواة الفن:
- ان الأنبياء قد جاؤوا في كل فترة زمنية بمعجزات من جنس تلک الفنون والامور التی كانت شائعة وغالبة علی اهل عصرهم لکن اکثر تفوقا وبروزا. كان للنبي موسى(ع) عصا تحولت إلى تنين. وکان عيسى(ع) یحی الموتى وکان یخلق طیورا من التراب فیجعلها كائنات حية بإذن الله. اما النبی الاكرم(ص) فانه عرض کتابا في قمة البلاغة والأدب! لا يمكن لأحد أن يواجهه.
كل هذا كان من أجل ان الأنبياء، بالإضافة إلى إثبات نبوتهم، ارادوا اسقاط ابهة الفنانين الذين استخدموا فنهم ضد القيم الانسانیة والاخلاقیة، امام قدرة الله اللانهائية فی اعین الناس.
وعندما یستفسر ابن السکیت من الامام الرضا(ع) عن سبب الاختلاف بين معجزات الأنبياء، یقدم له الامام(ع) التحليل أعلاه. [16]
- قد اعتبرت بعض الروايات طراوة القرآن بعد سنين وقرون، والاشتیاق الی تلاوته حتى بعد تلاوته لمرات عديدة، علامة على الفرق بين الفن البشري والإعجاز السماوي.[17] و حسب ما جاء فی القرآن، أنه لن يُعرض كتابًا مثله أبدًا حتی يوم القيامة. [18] يجب أن يقال إن الكتاب الذي هو ملیء بالفن لا يمكن أن لايقبل الفن! طبعا الفن الذي لا يسعى لمواجهة الله وتعاليم أنبيائه.
- ان القرآن لم يمنع استخدام الجمال والاعمال الفنية، بل انه اوصى بها في بعض الحالات.[19] اما الذین أهملوا ذکر الله بسبب اهتمامهم الشديد بالفن والمظاهر الدنيوية الأخرى فانه قد ادانهم بشدة[20] وفي بعض الحالات ابتلاهم بسخطه وعذابه کقارون.[21]
- یجب الالتفات إلى أن الإسلام والقرآن يعتبران المؤمنين اجل شأنا من ان ینخرطوا في أمور ليس لهم فیها هدف محدد. ان الله تعالی اعتبر تجنب العبث من صفات المؤمنين. [22] لهذا السبب، يمكن أن يوافق الإسلام على الفن الإيجابي، ولكنه لا یوافق علی الفن الذي يقتصر على التسلية والترفيه، أو حتى "الفن من أجل الفن".
- لاینبغی اللجوء الی شیء بمجرد اطلاق اسم الفن علیه ولا یجوز السعی الی تعلمه، لانه ربما یطلق علی الفظاظة التی تتعارض بالتأکید مع التعالیم الدینیة اسم الفن!
كان أحد اعتراضات الإمام الخميني على الشاه(محمد رضا البهلوی) هو موضوع "مهرجان الفن" في شيراز، حيث کان النظام البهلوي، یقصد من ورائه وباسم الفن، محاربة القيم الدينية.[23]
قال الإمام(قدس سره) في کلام له "قد تغیر في النظام السابق كل شيء وخاصة مضمون الثقافة والفن".[24]
وبناءً علیه، من الضروري الانتباه إلى هذه النقطة، أنه يجب على المرء في أداء الأعمال الفنية مراعاة الموازیین الشرعیة. ويجب أن يقال إن الفن الذي يقصد منه ترويج الدين ونشره، ولكن لم تلاحظ فیه الموازین الشرعیة لن یقبله الإسلام. ناهيك عن الفن الذي يسعى إلى تدمير الأسس الدينية".
يمكن الاستنتاج من كل ما ذکر، بشكل عام، ان الفن الوحيد الذي یقره الإسلام والقرآن هو الفن الذي يخدم الأهداف الإلهية والدينية السامية التي تتوافق مع الطبيعة البشرية الخالصة، دون ان تستخدم فیه الوسائل غير المشروعة، وأي فن غير ذلك، حتى لو لم يتعارض بشكل مباشر مع التعاليم الدينية، فلن يوافق عليه الإسلام والقرآن و لن يدعمه.
ستزودك دراسة رسالة الإمام الخميني(ره) للفنانين بنقاط جدیرة بالملاحظة حول وجهة نظر الإسلام في الفن. [25]
[1]. لقمان، 6. "و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله".
[2]. یوسف، 3. "نحن نقص علیک احسن القصص ...".
[3]. آل عمران، 185؛ الحدید 20؛ غافر 39؛ و آیات کثیرة اخری.
[4]. لقمان، 20؛ الشعراء، 7؛ السجده، 27؛ الغاشیه 20 – 17 و ... .
[5]. لقمان، 31.
[6]. الانعام، 141، النحل، 11، و ... .
[7]. طه، 69؛ الانبیاء، 98.
[8]. البقرة، 127؛ آل عمران، 96؛ التوبه، 18؛ الکهف، 21.
[9]. النحل، 80. "و الله جعل لکم من بیوتکم سکنا".
[10]. النمل، 44. "قال انه صرح ممرد من قواریر".
[11]. القصص، 38؛ غافر، 36. "و قال فرعون یا هامان ابن لی صرحا".
[12]. الشعراء، 130 – 128. "ا تبنون بکل ریع آیة تعبثون".
[13]. التوبه، 107. "و الذین اتخذوا مسجدا ضرارا و کفرا و...".
[14]. الفجر، 9 – 5؛ الاعراف، 74.
[15]. فصلت، 15.
[16]. الكلينی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 24، ح 20، طهران، دار الکتب الاسلامیة، 1365ش.
[17]. المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 89، ص 14، ح 6، و ص 15، ح 8، بیروت، مؤسسة الوفاء، 1404ق.
[18]. نفس المصدر، ص 16، ح 15، مستندا بآیه 88 من سورۀ الاسراء،
[19]. الاعراف، 32. "قل من حرم زینة الله ...".
[20]. الروم، 7. "یعلمون ظاهرا من الحیاة الدنیا و هم عن الآخرة غافلون".
[21]. القصص، 83 – 76.
[22]. المؤمنون، 3، "و الذین هم عن اللغو معرضون"؛ الفرقان، 72.
[23]. صحیفه الامام الخمیني، ج 3، ص 229.
[24]. نفس المصدر، ج 18، ص 215.
[25]. نفس المصدر، ج 21، ص 145.