Please Wait
8860
یمکن الإشارة إلى عدة عوامل و أسباب فیما یخص نشوء الفرق و المذاهب المختلفة، و نستطیع إجمالها فی ما یلی: عدم التفات و اعتناء البعض بالنسبة الی اوامر الرسول و ارشاداته، و تسلل أتباع الأدیان الأخرى إلى داخل الوسط الإسلامی واختلاطهم الثقافی مع المسلمین، الابتعاد عن تعالیم الدین الأصیلة و تعالیم أهل البیت(ع) و علومهم، المنع من کتابة الحدیث النبوی لمدة قرن کامل، تبنی و تشجیع الخلفاء الأمویین لوضع الحدیث فی مدح بعض الصحابة و فی موضوعات أخرى، الدور الذی لعبه خلفاء بنی أمیة و بنی العباس فی إیجاد و استغلال الاختلافات فیما بین المذاهب و الفرق الإسلامیة و ذلک لیتصیدوا فی الماء العکر من أجل تثبیت دعائم حکوماتهم و إدامة أمدها، جهل العامة و تأثرهم بالدعایة و الإعلام.
و من المسلم أن بعضاً من هذه العوامل نشأت عن عمد و قصد، وذلک لتحریف الإسلام و القضاء علیه، و خصوصاً ما کان یقوم به الیهود من تحرکات و ما ابتدعوا من تحریفات و ما وضعوا من أحادیث سمیت فیما بعد بـ"الإسرائیلیات" و أما البعض الآخر من هذه العوامل فکان الدافع إلیه حب الدنیا و حالة التحاسد و التباغض، و على کل حال فقد تمکنوا بکل طریقة و من خلال الألاعیب السیاسیة من إبعاد بعض الناس عن أهل بیت العصمة و الطهارة الذین یمثلون صراط الهدایة المستقیم، فکان تشکیل الفرق المختلفة، التی انتهى الکثیر منها إلى الانقراض فی الزمن الغابر، فیما أعید بناء و تشکیل البعض الآخر فی القرون المتأخرة.
وعلى الرغم من کل هذه الجهود فإن الإسلام المحمدی الأصیل و منبع الوحی العظیم حفظ و انتقل إلى الأجیال المتأخرة بفضل الجهود الجبارة و المستمرة التی بذلها أئمة أهل البیت الأطهار(ع) هم و شیعتهم الأطهار المخلصون الواعون الذین تربوا على ایدیهم المبارکة.
احتفظ المسلمون بوحدتهم ـ و لو ظاهریاً ـ ما دام النبی الأکرم(ص) بین ظهرانیهم، و کان یمثل المحور الذی یدورون فی فلکه.
النبی الأکرم(ص) و منذ أن دعا القوم یوم الدار و حدثهم بحدیث الإنذار ثم خبرهم بأنه عیّن علیاً(ع) ـ و هو ابن الثالثة عشرة ـ خلیفة و وصیاً له، استمر على هذا النهج فی کل مناسبة و موقع یراه مناسباً لیؤکد هذا الأمر و یأمر الناس و یحثهم على اتباع الإمام. حتى جاء العام العاشر من الهجرة فکانت حجة الوداع و فی ختامها و فی الیوم الثامن عشر من ذی الحجة و فی غدیر خم أعلن النبی(ص) وبشکل رسمی أن علیاً(ع) هو الإمام و القائد من بعده ثم بادر لأخذ البیعة له من الناس، و أن ولایته کانت "إتماماً للدین و إکمالاً للنعمة الإلهیة".[1]
لکن الذی حدث فی السقیفة فی وقت کان فیه جثمان الرسول لم یدفن بعد، اخرج خلافة المسلمین و زعامتهم عن اهل البیت (ع).
و إزاء هذا الواقع انقسم الناس إلى قسمین، فالجماعة التی أنکرت نقض العهد النبوی و إبعاد وصیه الحقیقی عن موقع الخلافة و ذمت هذا الفعل الشنیع عرفت و اشتهرت بشیعة علی بن أبی طالب(ع).
و أما المجموعة الثانیة فأذعنت ظاهریاً و قالت أنه لا فرق لدینا بین صهر النبی وأبی زوجته، و هکذا اکتسب من وصل إلى الخلافة (بالعصبیة القبلیة) الشرعیة لدى هؤلاء و صارت طاعته واجبة و إن عصیانه و الخروج علیه أمر محرم. حتى بلغ الأمر أن قالوا: إن دم الحسین(ع) ذهب هدراً لأنه أعلن الثورة على أمیر المؤمنین یزید بن معاویة، و أن یزیداً قد أخطأ فی اجتهاده ثم أعلن التوبة عن ذلک الخطأ!!!.
ومن هنا انقسم المسلمون إلى فرقتین الشیعة و السنة، وظهرت فرقة الخوارج بعد حرب صفین التی دارت بین الإمام علی(ع) و معاویة.
و بعد سقوط الدولة الأمویة على ید بنی العباس و تلاشی حکومة بنی مروان فقد فتح أثر ذلک باب الکلام و التعلیم و ترجمة کتب الیونان و الکتب العربیة و دخول الیهود و النصارى فی المجتمع الإسلامی و تبوء هؤلاء مواقع مقربة من الخلافة و تعریفهم على أنهم علماء و محدثون إسلامیون فأفرز هذا الواقع آراءً مختلفة خضعت لقاعدة العرض و الطلب.
هذا فی الوقت الذی شدد الحکام من ضغطهم على أبناء رسول الله (ص) فسلبوا منهم فرصة تبلیغ الدین الصحیح و نشره بین الناس. و فی مقابل ذلک فتح الباب على مصراعیه أمام وضاع الحدیث فکان میدانهم واسعاً.
و من هنا ابتعد الناس عن عصر الرسالة، و أشبعت أفکارهم بالآراء المضطربة لبنی امیة، فأصغوا لما یقوله علماء السوء فیما یخص بنی العباس، و العباسیون هم ایضا فتحوا باب الفرق و المذاهب من أجل دوام حکومتهم واستحکام تسلطهم.
و کذلک فتح الباب لبعض تلامیذ الأئمة(ع) للوعظ و التعلیم، و لکن لأولئک الذین باعوا دینهم للخلفاء و تسابقوا لکسب متاع الدنیا وقد ألقوا حظهم من الآخرة خلف ظهورهم. و لهذا لم یکن المذهب الجعفری معترفاً به و لمدة طویلة حتى على مستوى کونه أحد المذاهب الإسلامیة الأخرى.
فوجود الاختلاف و التحزب و التفرق إلى 72 فرقة کان نتیجة لعمل المجتمعین فی السقیفة و الذین تخلفوا عن جیش أسامة، فقد نسی هؤلاء کل وصایا النبی(ص) بخصوص الإمام علی(ع) و بیعته إیاه یوم الغدیر، فحرموا الأمة الإسلامیة من کثیر من تعالیم الدین الأصیلة.
و قد عد البعض نفسه من أتباع سنة الرسول(ص) و لکنه عمد إلى تعطیل أحکام الإسلام.، حین تسلمه لزمام السلطة و عمل باجتهاده مقابل النص. و بعض أعلن صراحة: متعتان کانت على عهد رسول الله (ص) و أنا أحرمهما متعة النساء (الزواج المؤقت) و متعة الحج،- و هی الحل بین عمرة التمتع و الحج التمتع-[2]، ثم لم یمض زمان حتى حذف حی على خیر العمل من الأذان بحجة ان یتوجه الناس إلى جهاد الروم و الفرس بدلاً من الصلاة.!
و استحدث الجماعة فی الصلاة المستحبة ، و غیر الوضوء النبوی حتى لا یحرم الوضوء من هذا التغییر للسنة.
و بعض استبدل سنة الرسول بسنة الخلفاء، و من أجل معرفة وتشخیص الشیعة والعلویین أصروا على الوضوء العثمانی و ذلک من أجل تلاشی و انقراض نسل أبناء علی (ع) و فاطمة (س) و شیعتهم.
فأهل الشام مثلاً ـ و بعد فتحها ـ لم یعرفوا مثلاً و رمزاً للإسلام غیر بنی أمیة، فمعاویة بن ابی سفیان هو خلیفة رسول الله(ص) بالنسبة لأهل الشام، و قد کانت نیته أن یمحو کل ذکر لرسول الله(ص)، و کان یسعى إلى أن لا یبقى اسم و لا رسم لذریة علی(ع) و فاطمة(س)، و من هنا أحدث سنته السیئة فی سب الإمام علی(ع) فی خطب الجمعة و جمیع الخطب الرسمیة حتى خلافة عمر بن عبد العزیز، و من هنا کان أئمة الهدى قد وضعوا فی الزاویة و على الهامش حتى النهایة.
و قد حصل بعض الانفراج فی نهایة العصر الأموی و بدایة العصر العباسی و ما کان فیهما من صراع بین الطرفین حیث تظاهر بنو العباس بانحیازهم لأبناء علی(ع) و الدفاع عنهم، فسنحت الفرصة إلى حد ما لبعض الأئمة العظام کالإمام الباقر و الإمام الصادق(علیهما السلام) فبادرا إلى کتابة و تدوین أحادیث الرسول التی لم تدون ولم تکتب، و قاما(ع) بشرحها و إیضاحها من وجهة نظرهم فأظهرت بطون القرآن و کنوز الإسلام و تعالیمه الصریحة و انتقلت إلى الأجیال اللاحقة عن طریق تلامیذ الأئمة و طلابهم، و لکن استقرار الحکومة العباسیة أدى إلى نوع آخر من الضغط على الأئمة(ع) فکانوا إما فی السجون و الزنزانات، و إما فی زوایا الإبعاد و التشرید، و إما فی المعسکرات مجبوراً على التقیة.
و من جهة أخرى ازدهرت أسواق العیارین و المتاجرین بالعلم و الوعظ والخطابة، و أضفی على الکثیر لقب العالم و المحدث و المجتهد الإسلامی، مما ادى الى ان یجتمع حوله الکثیر من الطلاب و المریدین الامر الذی أخاف خلفاء بنی العباس، و لذلک عمدوا إلى تحدید المذاهب إلى أربعة هی الشافعی و الحنبلی و المالکی و الحنفی، اما الآخرون فأسکتوا أصواتهم.
و فی النهایة یمکننا أن نلاحظ مجامیع مختلفة و أهداف متباینة فی أوساط الخلفاء و العاملین لهم.
1- من کان یحمل الحسد و البغض لعلی و الزهراء(ع) وقد ظهر هذا الأمر ـ و لو بشکل ضعیف ـ فی عهد رسول الله(ص) و بأشکال مختلفة و هو مثبت فی مصادر السنة و الشیعة.
2- الذین مالوا إلى الإسلام و انتموا إلیه بقصد کسب الشهرة و احتلال المواقع، فکانوا یتربصون و ینتظرون الفرص، فاغتنموا الفرصة برحیل الرسول(ص) و انشغال الإمام علی(ع) بتجهیزه و دفنه.
3- الذین دخلوا الإسلام خوفاً على أنفسهم بعد فتح مکة ولکنهم کانوا فی تفکیر و سعی دائبین لتحطیم الدین الإسلامی و محوه، و الأمویون هم أبناء هؤلاء.
4- المنافقون من العرب و الیهود الذین کانوا فی فکر دائم لتحریف دین المسلمین و کسر شوکتهم.
5- علماء الیهود الذین اتبعوا الأمویین، و قد دخلوا الساحة الإسلامیة بعنوان المبلغ و الخطیب و المحدث الإسلامی و اشتهروا بذلک.
6- الجهال و الوعاظ و وضاع الحدیث الذین یتسابقون للوصول إلى المواقع و الشهرة و المال.
7- العلماء و أهل الفکر اللامسئولین من الذین اتخذوا القرآن و الحدیث رأس مالٍ لکسب المال و الشهرة و الموقع، وقد ابتعدوا عن أهل بیت الرسالة الذین کانوا اساتذتهم و سندهم.
و قد عمدوا إلى تفسیر القرآن و بیان أحکام الدین من دون أی اطلاع و وعی للقرآن و السنة النبویة و من دون أی معرفة فی تعقیدات علوم اللغة العربیة و آدابها، فکانت کل فرقة تابعة لرجل من هؤلاء و ملتزمة رأیه.
8- الناس العادیون الذین لم یکونوا طرفاً فی تلک الحوادث و الابتلاءات و قد اتخذوا منحىً غیر منحى الأئمة و ابتعدوا عن نهجهم، و اعتنقوا بعض العقائد غیر الصحیحة مثل بقاء زید بن علی(ع) حیاً بالرغم من ان جسده بقى مصلوباً لمدة زمنیة، أو اعتقادهم بحیاة اسماعیل بن الإمام جعفر الصادق(ع) بعد أن دفنه أبوه بیده، و قد رجعوا إلى هؤلاء و اعتقدوا بإمامتهم.
9- و أخیراً تحرکات الاستکبار العالمی و الصهیونیة لتفریق الأمة الإسلامیة و تفکیک بنیتها، فأشاعوا البابیة، البهائیة، الوهابیة، طالبان و......
و من هنا یمکننا أن نقسم عوامل التفرقة فی الأمة الإسلامیة إلى قسمین: عوامل داخلیة، و عوامل خارجیة.
العوامل الداخلیة من أمثال الضغینة و الحسد و البخل على أهل البیت(ع)[3] من جانب الأمویین و العباسیین و جهل الناس و بساطتهم،.... و المیل إلى کسب المقام و المال.
العوامل الخارجیة مثل منع کتابة الحدیث النبوی و سیرة النبی(ص) لمدة مائة سنة.
عدم المعرفة الکافیة بآداب اللغة العربیة و کلام العرب، و ظهور اختلاف القراءات و التفاوت فی فهم القرآن و دخول الإحادیث الموضوعة بکثرة فی المصادر الإسلامیة، الابتعاد عن أهل بیت العصمة والطهارة، و هم العلماء بالغیب و القرآن، و الاجتهاد والاستبداد بالرأی مقابل السنة النبویة من قبل الخلفاء، دعم الخلفاء لبعض الفرق و المذاهب، وضع الأئمة(ع) و شیعتهم تحت الضغط الشدید و إجبارهم على الانطواء و تحجیم دورهم، فسح المجال أمام بعض الیهود و النصارى فی الساحة الإسلامیة، و الضغط المسلط علی الناس.
و إذا لم نقل أن جمیع هذه العوامل فمن المتیقن أن بعضها یکشف عن سعی لتحریف الإسلام لدى البعض، و قد استدرج البعض الآخر بشکل لا إرادی.
و الأمر المسلم هو أن طریقاً واحداً من بین هذه الطرق یمثل الحق لا غیر، و أما الآخرون فإنهم یستفیدون من الحقیقة بالقدر الذین یتفقون به مع طریق الحق، و لکنهم خلطوا ذلک بالانحراف و الخطایا فإنهم معدودون من أهل الباطل.
و تأتی معرفة الطریق الصحیح من خلال القرآن الکریم الذی یتفق الفریقان على أنه مصون و محفوظ بالإعجاز الإلهی،و من خلال السنة النبویة الصحیحة و المتواترة بین السنة و الشیعة، و بالإضافة إلى سنة و سیرة الأئمة المعصومین(ع) المندرجة ضمن هذا السیاق.
مصادر البحث:
1- الطباطبائی، محمد حسین، المیزان ج 4، اصدار مؤسسة"انتشارات إسلامی"، قم ص 365 - 364.
2- القمی المشهدی، محمد بن محمد رضا، کنز الدقائق، مؤسسة الطباعة و النشر فی وزارة الإرشاد، سنة الطبع 1411، طهران، ج 3، ص 417، و ج 4، ص 117.
3- الموسوی، شرف الدین، ترجمة: إمامی محمد جعفر، حق جو و حق شناس"المراجعات"، مؤسسة المعارف الإسلامیة، طبعة 1373، قم.
4- جوادی آملی، عبد الله، تفسیر تسنیم "تفسیر التسنیم"، ج 1، الإسراء طبعة عام 1378 هـ.ق، قم ص 98-99.
5- جوادی آملی، عبد الله، قرآن در قرآن" القرآن فی القرآن"، الإسراء، طبعة 1378 قم ص 315 - 350.
6- خسروپناه، عبد الحسین،کلام جدید" الکلام الجدید"، مرکز التحقیق فی الحوزة العلمیة فی قم طبعة 1379، قم 150-239.
7- الشهرستانی، السید علی، وضوء پیامبر "وضوء النبی"، طبعة 1377، مشهد.
8- أصغری، سید محمد، قیاس و.... ، کیهان، طبعة 1370، طهران.
9- القمی، الشیخ عباس، تتمة المنتهى، بیان الحریة طبعة 1379 طهران.
10- التیجانی، محمد، اهل سنت واقعی "الشیعة هم اهل السنة"، ج 1 و ج 2 مؤسسة المعارف الإسلامیة، طبعة 1374، قم.
11- النقوی، سید محمد تقی، شرح و تفسیر خطبة غدیر "شرح و تفسیر خطبة الغدیر" مرکز التحقیق الثقافیة جلیل طبعة 1347، طهران.