Please Wait
8769
مع اعتقاد الشیعة بأن فاطمة (ع) هی بضعة رسول الله (ص) و سیدة نساء أهل الجنة، و هذا الاعتقاد تؤیده الروایات الموجودة فی أصح کتب أهل السنة و أکثرها اعتباراً، إلا أنهم یحترمون زینب و رقیة و أم کلثوم أیضاً. و إذا کان بعض العلماء یرى أنهن لسن بنات للنبی (ص) فذلک لا یعنی البغض و الکراهیة و العداوة. و لکن کما نعتقد جمیعاً و أنتم معنا أن زید بن حارثة کان یدعی زمناً أنه ابن محمد، فی حین لا یشک أحدٌ أنه لیس ولداً واقعیاً للنبی و إنما کان فی کنفه و رعایته و لا یوجد أحدٌ یکن مشاعر الکراهیة لزید، و إنما نرى أنه من الشهداء العظماء. و أن جمیع المسلمین متفقون بشأنه.
یمکن أن یعالج هذا السؤال و یدرس من خلال ثلاثة محاور:
1ـ هل أن الشیعة یعتقدون أنه لا توجد بنتٌ للنبی (ص) سوى فاطمة؟
2ـ إذا توصل أحد العلماء سواءً من الشیعة أم السنة إلى أن النبی لیس له بنت سوى فاطمة(س). فهل یعنی هذا کرهاً أو نفرةً من الأشخاص الذین یتبین أنهم لیسوا أبناءً واقعیین للنبی (ص)؟
3ـ هل أن أفضلیة فاطمة و مکانتها بحاجة إلى القول أن النبی لا ولد له سوى فاطمة (س)؟
بالنسبة إلى السؤال الأول، لا بد من القول: إن الأغلبیة من علماء الشیعة یعتقدون أن زینب و رقیة و أم کلثوم هن بنات النبی واقعاً، و قد نقلوا بهذا الصدد روایات عن المعصوم (ع) نشیر إلى إحدى هذه الروایات على سبیل المثال: «ینقل أبو بصیر عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «ولد لرسول الله (ص) من خدیجة القاسم و الطاهر و هو عبد الله و أم کلثوم و رقیة و زینب و فاطمة»[1]. و لکن ورد فی تألیفات البعض الآخر من الشیعة اعتماداً على ما نقلوه من روایات أهل السنة احتمال کون زینب و رقیة لیستا من بنات النبی واقعاً و إنما ربیبتاه و قد أشار البلاذری إلى ذلک[2].
و نلاحظ فی بعض کتب الشیعة تصریحاً أن للنبی(ص) عدداً من البنات غیر فاطمة (س). و لکن بعض علماء الشیعة، و اعتماداً على ما ورد من نصوص فی کتب السنة غالباً ـ طرحوا نظریة مفادها أنه لیس للنبی بنات من صلبه غیر فاطمة(س)، و أن البنات الثلاثة هن ربیبات فی حجره لا بناته، و نشیر إلى موردین من النصوص التی تؤید ذلک لیتضح الجواب أکثر:
الأول: ینقل البخاری فی ذیل قوله (وقاتلوهم حتی لاتکون فتنة) عن عبد الله بن عمر «أَمَّا عُثْمَانُ فَکَأَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَکَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ وَأَمَّا عَلِیٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ»[3].
فإن من یرى أنه لیس للنبی بنتٌ سوى فاطمة یقول: لو کانت زینب و رقیة و أم کلثوم بنات النبی لکان ینبغی على ابن عمر أن یقول أن عثمان کان صهر رسول الله، فی حین لم یقل ابن عمر ذلک!
الثانی: الحاکم النیشابوری من مؤلفی أهل السنة المعتبرین، ینقل روایة عن أبی هریرة فیها: «دخلت على رقیة بنت رسول الله (ص) امرأة عثمان...» و بعد أن ینقل المؤلف الروایة یقول إن هذه الروایة صحیحة من جهة السند و لکن متنها و مضمونها لا ینسجم مع واقعیات التاریخ لأن رقیة توفیت فی السنة الثالثة للهجرة فی حین أن أبا هریرة أسلم بعد واقعة خیبر أی فی السنة الرابعة للهجرة»[4].
و نلاحظ أن روایة أبی هریرة ضعیفة المحتوى کما هو رأی هذا العالم من أهل السنة.
وعلى هذا الأساس، خطر فی ذهن البعض احتمال وجود هذه الروایات فی زمن بنی أمیة و ذلک للتقلیل من شأن علی و فاطمة (ع) و رفع شأن الخلیفة الثالث إلى موقع یناظر موقع علی.
بل أرید له أن یفوق علیاً من خلال مصاهرته النبی على اثنین من بناته فسمی بـ «ذی النورین».
و هکذا یکون الخلیفة الثالث صهراً للنبی أیضاً، فلا میزة لعلی من هذه الجهة!
و لا نرید فی هذا المختصر أن نصدر حکماً على مدى صحة مثل هذا المدعى أو سقمه[5]. و لکن ما نرید قوله کما سیأتی ـ أن صرف البحث فی کون فاطمة هی ابنة النبی الوحیدة و أن الأخریات ربیبات للنبی لا یحمل معنى الکراهیة و النفور. فإن الربائب و أبناء الحجور أمرٌ موجود على مر التاریخ، و هو موجود إلى الآن، و قد بین القرآن عدداً من الأحکام الخاصة بهذه المسألة[6]. و سؤالنا هو أولاً: هل التقیتم ـ إلى الآن ـ بشخص من الشیعة یتجاسر أو یتجاوز على السیدات الثلاث المحترمات کدلیل على کره الشیعة لهن؟
ثانیاً: إذا کان الاختلاف موجوداً بالنسبة إلى السیدات الثلاث، لکننا نعلم أن قضیة زید أمر مسلّم، حیث کان یدعى لزمن طویل زید بن محمد، مع أن الجمیع یسلم أنه لیس ابناً واقعیاً للنبی و إنما هو ابن حارثة إلا أنه عاش فی کنف النبی و تحت رعایته، فهل أن اعتقاد أهل السنة أن زیداً لیس ابناً للنبی بعد کراهیة و نفوراً من زید؟
و مع اعتقادنا المشترک أن زیداً لیس ابناً للنبی(ص) إلا أننا جمیعاً نکن له الحب و الاحترام و أنه فی مقدمة شهداء الإسلام الذین سقطوا فی معرکة مؤتة بعد جهادٍ طویل.
و کذلک الحال بالنسبة لزینب و رقیة و أم کلثوم اللواتی تربین فی حجر النبی (ص) و تحت رعایته، فإن الشیعة یکنون لهن الاحترام و المحبة سواء کن بنات واقعیات للرسول(ص) أم لم یکن کذلک و أن آخر ما نقوله فی الجواب هو: مع کل الاحترام الذی نقول به للسیدات الثلاث، حتى مع الاعتقاد أنهن بنات النبی واقعاً إلا أننا نعتقد أن لا أحد یضاهی أو یضارع المقام السامی الذی تبوءته فاطمة (س) دون أن یدنو من ذلک المقام و المکانة أحد و بأی حالٍ من الأحوال. بل نعتقد بوجود خصوصیات للزهراء لم تکن لغیرها من النساء نشیر إلى بعضها:
1ـ حتى لو کان للنبی أبناءٌ آخرون، و لکنه لا شک أن علاقته بفاطمة و ما یضمر لها من العواطف أکثر منها بالنسبة إلى الآخرین، و هذا الأمر لم یقع مورد إنکار أحدٍ من المسلمین، و لذلک کان الاهتمام بحیاة فاطمة أکثر من غیرها حتى فی کتب أهل السنة.
2ـ و یقول رسول الله (ص) فإن فاطمة سیدة نساء أهل الجنة «بما فی ذلک بناته»[7].
3ـ لقد صرح النبی (ص) بأن فاطمة بضعة منه، و قال من آذاها فقد آذانی[8]. فی حین لم نجده یعبر بمثل هذه العبارات بحق أبنائه الآخرین.
4ـ کان النبی ـ و مدة ستة أشهر ـ یقف فی کل صباح أمام باب فاطمة وقت الصلاة و یقول: "الصلاة یا أهل البیت، { إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا}»[9]. فهو فی خطابه هذا یعلن محبته لفاطمة(س) من جانب، و یؤکد على سبب نزول الآیة من جانبٍ آخر.
5ـ عندما خرج النبی لمباهلة نصارى نجران جاء بفاطمة و أبنائها معه[10].
و طبقاً للنص القرآنی فقد أعطى الرسول (ص) وعداً للمسیحیین بأن ندعو نساءنا و نخرجهن معنا[11]. و من المعلوم لدى الجمیع أن النبی لم یخرج معه من النساء سوى فاطمة بمن فی ذلک نساءه، و باتفاق جمیع المفسرین و المؤرخین أن فاطمة هی المرأة الوحیدة التی حضرت فی أحداث المباهلة.
6ـ لقد آثرت فاطمة (س) المسکین و الیتیم و الأسیر على نفسها و أبنائها لمدة ثلاثة أیام، فنزل القرآن الکریم لیشید بهذا العمل و یثنی علیه و ذلک فی الآیات الأولى من سورة الدهر[12].
7ـ لا یشک أحد فی أن نسل رسول الله ما یزال ممتداً إلى یومنا هذا عن طریق فاطمة فقط، و لم یبقَ له نسل من طرف أبنائه الآخرین. و کما تلاحظون فإن الأدلة کثیرة على أفضلیة فاطمة و تقدمها على سائر بناته.
و مع کل هذه الشواهد و القرائن على أفضلیة الزهراء، فهل نحن بحاجة إلى القول أنه لیس للنبی سوى فاطمة (س) حتى نثبت أفضلیتها برأیکم. و هل نحتاج إلى إثبات محبة یعقوب لولده یوسف إلى نفی وجود أبنائه الأحد عشر الآخرین؟ و هل أن السبیل الوحید لمحبة الأفراد هو علاقتهم برسول الله، و أن نفی مثل هذه العلاقة دلیلٌ على الکراهیة و النفور؟!
لا یوجد شک لدینا أن قابیل هو ابن آدم (ع) و أن زید بن حارثة لم یکن من أولاد النبی، و مع ذلک فنحن نکره الأول و نحب الثانی! إن معیار المحبة لدینا هو الإیمان و العمل الصالح لا العلاقات النسبیة، لأننا نعلم أن هذه العلاقة لا فائدة لها بمفردها و لذلک یهدد القرآن الکریم بعض نساء النبی فیذکرهن بعاقبة امرأة نوح و لوط (ع). و یلفت النظر إلى أن هذه العلاقات العائلیة لا تجلب نفعاً للإنسان[13].
و لا نطلب منکم أن تجیبوا عن تساؤل نطرحه علیکم:
بحسب ما ورد فی أصح کتب أهل السنة فإن فاطمة (س) لم تکن راضیة عن الخلیفة الأول و الثانی حتى یوم وفاتها[14]، و قد وردت دعوتها بشأن فدک من قبل الخلیفة الأول و أنه أعلن أن ادعاءها لم یکن صحیحاً و لم یکن فی محله، و على إثر ذلک اتخذت فاطمة (س) موقفاً بقیت ثابتة علیه إلى آخر عمرها القصیر، فلم تکلم الخلیفة بحرفٍ واحد[15]. و ذلک مما حمل علیا(ع) أن یمتنع من البیعة ما دامت فاطمة موجودة[16].
فکیف لا ترون مثل هذه المواقف دلیلاً على کره فاطمة (س) بینما یکون البحث العلمی من جانب بعض العلماء فی مسألة سائر بنات النبی (ص) دلیلاً على البغض و الکراهیة لبنات النبی من قبل جمیع أبناء الطائفة الشیعیة؟! أ لیس هذا من قبیل ما جاء فی القرآن الکریم «أتؤمنون ببعض الکتاب و تکفرون ببعض»[17]؟!
نسأل الله سبحانه أن یجنبنا التعصب و الانحیاز الواقع فی غیر محله.
[1] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404هـ ق، ج22، ص 152ـ 151.
[2] ابن شهرآشوب، محمد، مناقب آل أبی طالب، مطبوعات علامة، قم، 1379 هـ ق، ج1، ص162.
[3] صحیح البخاری، دار الفکر، بیروت، 1401 هـ ق، ج5، ص 157.
[4] الحاکم النیشابوری، المستدرک على الصحیحین، دار المعرفة، بیروت، 1406 هـ ق، ج4، ص48.
[5] یمکن مراجعة السؤال 2552، للاطلاع الأکثر.
[6] النساء، 23، و الأحزاب، 37.
[7] صحیح البخاری، ج4، ص 183 و 209 و 219، ج7، ص 142.
[8] المصدر نفسه، ج4، ص 219.
[9] ابن کثیر الدمشقی، تفسیر القرآن العظیم، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1419 هـ ق، ج6، ص 365، نقلاً عن صحیح الترمذی، آیة التطهیر الأحزاب، 33.
[10] الطبری، أبو جعفر، جامع البیان فی تفسیر القرآن، دار المعرفة، بیروت، 1412 هـ ق، ج3، ص 212.
[11] آل عمران، 61. «قل تعالوا ندعُ أبنائنا و أبنائکم و نسائنا و نسائکم....».
[12] البیضاوی، عبد الله بن عمر، أنوار التنزیل و أسرار التأویل، دار إحیاء التراث العربی، بیرت، 1418 هـ ق، ج5، ص270. «نقل هذا الموضوع کثیراً فی کتب التفسیر و التاریخ»
[13] التحریم، 10، و بالضمن ندعوکم إلى المطالعة الکاملة لهذه السورة و التفاسیر المتعلقة بها، للاطلاع و دراسة أعمال البعض من نساء النبی، فلعله یتضح تقصیرهن بإضمار العداوة للإمام علی و ذلک من خلال إشعال الحرب و تسییر الجیوش.
[14] صحیح البخاری، ج4، ص42، و ج5 ص 82 و 83.
[15] المصدر نفسه، ج8، ص3.
[16] المصدر نفسه، ج5، ص 82 و 83.
[17] النساء، 150.