Please Wait
3166
معنی المشورة
إن کلمات "التشاور والمشاورة والمشورة" من مادة الشور و بمعنی استخراج الرّأي بمراجعة البعض إلى البعض.[1] بتعبیر آخر: إن الانسان في بعض الاحيان لا یصل إلی الرأی و النظر الصحیح فی شان من شؤونه من خلال التفکیر، فعند ذلک یراجع غیره و یطلب الرای الصحیح منه. و الشوری هو الأمر الذي یتشاور فیه.[2]
المشاورة فی القرآن
إن للمشاورة و الاستشارة مکانة خاصة فی الاسلام. لذلک تناول القرآن الکریم هذه الاهمیه فی بعض آیاته حیث یقول: «وَ الَّذينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ...»؛[3]
بالنظر إلی معنی المشاورة فإن معنی الآیة هو: المؤمنون هم الذین يتشاورون بشأن كل ما يريدون القيام به؛ إنهم یدققون غاية التدقیق من أجل الحصول على الرأي الصحيح واستخراجه ، ولهذا الغرض یراجعون ذوي العقول.
وحسب رأي بعض المفسرين فإن كلمة "الشورى" مصدر، ومعنى الآية هو: أن أمور المؤمنين شوری فيما بينهم.[4]
النقطة الجدیرة بالالتفات أنه بناء علی هذا المعنی يعتبر التشاور برنامج مستمر بين المؤمنين، وليس مهمة مؤقتة وعابرة. إن القرآن الکریم يصف المؤمنین بأن كل أعمالهم بالتشاور مع بعضهم البعض. والملفت للنظر أن النبي الأکرم(ص)، رغم أنه كان مظهر العقل الكل ومرتبطًا بمبدا الوحي، كان يجلس للتشاور مع أصحابه في مختلف القضايا الاجتماعية و التنفیذیة؛ مثل الحرب و الصلح و سایر الشؤون المهمة لکي یکون أسوة للناس؛ لأن فوائد الاستشارة تفوق بكثير الأضرار المحتملة. إنه(ص)كان يقدّر خاصة رأِي بعض الأشخاص لدرجة أنه كان يتخلى أحيانًا عن رأيه احترامًا لهم كما رأينا ذلک في معركة أحد.
لذلك يمكن القول: أن هذا الأمر هو أحد أسباب نجاح رسول(ص) في النهوض بالأهداف الإسلامية وتحقيقها.
وفي آية أخرى، يخاطب القرآن الكريم نبي الإسلام(ص) فيقول: استشر الناس في أمور تتعلق بالمجتمع الإسلامي، واغفر لمن ارتكب منهم خطأ في الماضي، واستغفر لهم، واستشرهم في الأمور: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر»؛[5]
في الأساس، إن الأشخاص الذين يقومون بالتشاور مع بعضهم البعض في أعمالهم المهمة، والذين یستشیرون خبراءهم، هم أقل عرضة للانزلاق.
على العكس، الأشخاص الذین وقعوا في استبداد الراي ويجدون أنفسهم غير محتاجين لآراء الآخرين- على الرغم من أنهم متفوقین من الناحية الفكرية – لکنهم غالبًا يرتكبون أخطاء كبيرة. هذا مضافا الی أن استبداد في الرأي يقضي على شخصية الانسان، و یوقف حرکة الفکر، ويدمر المواهب المعدّة، و بهذا الطريق تهدر أعظم طاقات الأمة الإنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشخص الذي يشاور الآخرين في أموره و أعماله إذا حقق نجاحا قل أن يتعرض لحسد الحاسدين، لأن الآخرين يرون أنفسهم شركاء في تحقيق ذلك النجاح، و ليس من المتعارف أن يحسد الإنسان نفسه على نجاح حققه، وإذا فشل، لم تلمه ألسن الناس، و لم يتعرض لسهام نقدهم و اعتراضهم، بل سيشاطرونه الألم، و يتعاطفون معه، و يشاركونه في التبعات؛ لأن الإنسان لا يعترض على نتیجة عمل نفسه.
ومن الفوائد الأخری للمشورة هي أن الإنسان سيفهم قيمة شخصية الأفراد ومدى صداقتهم وعداوتهم معه ، وهذه المعرفة ستمهد له طريق النجاح، و لعلّ استشارات النبي الأكرم(ص)- مع ما كان يتمتع به من قوة فكرية و عقلية جبارة- كانت لجمیع هذه الأسباب .[6]
لذلك، إن من أهم القضايا الاجتماعية من منظور القرآن الکریم مبدأ "الشوری" و "المشاورة"، والتي بدونها یصبح كل شيء ناقصًا. لان الانسان مهما کانت له قدرات فکریة، مع ذلک فانه ينظر إلى القضايا المختلفة من جهة واحدة أو بعض الجهات؛ لذلك تبقى جهات أخرى مجهولة له، ولكن عندما تطرح القضايا في الشوری وتندفع العقول والتجارب والآراء المختلفة للمساعدة، تصبح القضايا ناضجة بالكامل وأقل عيبًا، وتکون بعيدة عن الخطأ. ولهذا يقول النبي الأكرم (ص): « ما من رجل يشاور أحدا إلا هدي إلى الرشد».[7]
المشورة فی الروایات
لقد تم التركيز بشكل كبير على المشورة في روایات المعصومین(ع). نذكر هذا المقال بعضًا منها:
- جاء فی حدیث عن النبي(ص) أنه قال: «ما شقي عبد قطّ بمشورة و ما سعد باستغناء برأي»،[8]
2.و قال أیضا(ص): «إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا وَ إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ وَ أَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ وَ أُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا».[9]
3.يقول الامام علي(ع): «مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ وَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا».[10]
4-قال الإمام الصادق (ع):.... ومثل المشورة مع أهلها مثل التفكر في خلق السماوات و الارض وفنائهما، وهما عينان من العبد، لأنه كلما تفكر فيهما غاص في بحار نور المعرفة، وازداد بهما اعتبارا ويقينا.[11]
صفات المستشارین و خصائصهم
تحدث الإمام الصادق(ع) عن شروط وخصائص المستشارین فقال: شاور في امورك مما يقتضى الدين من فيه خمس خصال:1-عقل 2-وعلم 3-وتجربة 4-ونصح 5-وتقوى.[12]
من الواضح أنه لا يمكن أن یستشار کل شخص و ایضا من لیست له أهلیة وصلاحية لهذا الأمر؛ لأن في بعض الأحيان قد تکون لديهم نقاط ضعف، فتسبب مشورتهم فساد الامر و الفشل و التخلف، كما کتب علي (ع) في ميثاقه لمالك الاشتر ، عندما تم تعيينه والیا لمصر ، یذکره ان یتجنب التشاور في الأمور والشؤون المتعلقة بالمجتمع والشعب.ثلاث طوائف:
- البخلاء «وَلَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ»؛[13]
2.الجبناء: «وَلَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ»؛[14]
- الحرصاء: «وَلَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْر»؛[15]
يقول الامام الصادق(ع) : «وَلَا تُشَاوِرْ مَنْ لَا يُصَدِّقُهُ عَقْلُكَ وَإِنْ كَانَ مَشْهُوراً بِالْعَقْلِ وَ الْوَرَعِ »[16]طبعا، إن الامام الصادق(ع) یلفت النظر إلی هذه النقطة وهي. أنه أذا استشرت شخصًا لديه صلاحیة التشاور ؛ فلا تخالف رایه، حتى لو أبدى رأيا مخالفا لرأيك ونظرک. لأن نفس الانسان تمتنع من قبول الحق ولا ترغب في الاذعان بالحقیقة ؛ لذلك، فإن مخالفة النفس أفضل من مخالفة الحق.
واجب المستشار
ومثلما يؤكد الإسلام على موضوع التشاور، فإنه يؤكد أيضًا علی المشیرین بأن لا یألوا جهدا في النصح عند المشورة، لأن الخيانة في المشورة من كبائر الذنوب. إن هذا الحكم ثابت حتى بالنسبة الی غير المسلمين. يعني أنه لا يحق لمن قبل تقديم النصح و المشورة لغیر المسلم أن يخونه، فلا يدله على ما هو الصحيح في نظره.
وجاء في رسالة الحقوق عن الامام السجاد(ع): «وَأَمَّا حَقُّ الْمُسْتَشِيرِ فَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّ لَهُ رَأْياً حَسَناً أَشَرْتَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ لَهُ أَرْشَدْتَهُ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ وَحَقُّ الْمُشِيرِ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَتَّهِمَهُ فِيمَا لَا يُوَافِقُكَ مِنْ رَأْيِه»؛[17]
[1]. الراغب الاصفهانی، المفردات في غريب القرآن، ص 469، کلمة «شور».
[2]. الطباطبائی، السید محمد حسین، الميزان في تفسير القرآن، ج 18، ص 63، مکتب النشر الاسلامی، قم، 1417ق.
[3]. الشوری، 38.
[4]. الزمخشرى، محمود، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج 4، ص 228، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407ق.
[5]. آل عمران، 159.
[6]. راجع: مکارم الشیرازی، ناصر، تفسير نمونه، ج 3، ص 144- 146، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1374ش.
[7]. الطبرسی، الفضل بن حسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 9، ص 51، ناصر خسرو، طهران، 1372ش.
[8]. باينده، ابو القاسم، نهج الفصاحة (مجموعه كلمات قصار حضرت رسول صلى الله عليه و آله)، ص 687، دنياى دانش، طهران، الطبعة الرابعة، 1382ش.
[9] ابن شعبه الحرانى، الحسن بن على، تحف العقول، المحقق، المصحح، الغفارى، على اكبر، النص، ص 36، جامعه المدرسين، الطبعة الثانیة، 1404،ق 1363ش.
[10]. الشريف الرضى، محمد بن الحسين نهج البلاغة، (لصبحي صالح)، ص 500، هجرت، قم، الطبعة الاولی، 1414 ق.
[11]. المنسوب إلی جعفربن محمد عليه السلام، مصباح الشريعة، ص 152، الأعلمی، بیروت، الطبعة الأولی، 1400ق.
[12]. نفس المصدر، ص 125.
[13]. نهج البلاغة، ص 430.
[14]. نفس المصدر.
[15]. نفس المصدر.
[16]. مصباح الشريعة، ص 152.
[17]. شیخ صدوق، من لا یحضره الفقیه، المحقق، المصحح، الغفاری، علی اکبر، ج 2، ص 624، مکتب النشر الاسلامي، قم، الطبعة الثانیة، 1413ق.