بحث متقدم
الزيارة
6867
خلاصة السؤال
ما المراد من الآیات 85 و87 من سورة الحجر؟
السؤال
ما هو وجه الربط بین هذه الآیات و ماذا تعنی "وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَیْنهَمَا إِلَّا بِالْحَقّ‏ِ وَ إِنَّ السَّاعَةَ لاَتِیَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجْمِیل" إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الخْلَّاقُ الْعَلِیم" وَ لَقَدْ ءَاتَیْنَاکَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانىِ وَ الْقُرْءَانَ الْعَظِیم؟
الجواب الإجمالي
لقد أشار الله سبحانه و تعالى فی الآیات المذکورة فی السؤال إلى أن السماوات و الأرض خلقت لهدفٍ و بحق لا عبثاً، کما یوصی الله سبحانه فی هذه الآیات النبی الأکرم (ص) بمقابلة عناد الأعداء و جهلهم و تعصّبهم و إخلالهم بالأمور و مخالفتهم الشدیدة بالمرونة و المحبة و أن یصفح عنهم و یتجاوب معهم.
و الآیة الأخیرة بعنوان مواساة و تصبیر و تفاؤل للنبی (ص) حتى لا یقلق و یضطرب من خشونة الأعداء و کثرتهم و امکاناتهم العالیة التی یمتلکونها، فقد جعل الله سبحانه و تعالى تحت اختیاره کل المواهب و دلائل النبوة فلا یمکن لأیّ من البشر أن یقف أمامه.
الجواب التفصيلي
یقول الله سبحانه فی الآیات المذکورة "وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَیْنهَمَا إِلَّا بِالْحَقّ‏ِ  وَ إِنَّ السَّاعَةَ لاَتِیَةٌ  فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجْمِیل إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الخْلَّاقُ الْعَلِیم وَ لَقَدْ ءَاتَیْنَاکَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانی وَ الْقُرْءَانَ الْعَظِیم".[1]
المراد من "الحق" فی الآیة الشریفة "وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَیْنهَمَا إِلَّا بِالْحَقّ‏ِ" مهعنىً مقابل الباطل و اللعب، بمعنى إن خلقه السموات و الأرضین لا ینفک عن الحق، بل یلازمه کله، فلهذا الخلق غایة یرجع إلیها سریعاً، و لو لم یکن له غایة کان لعباً.[2] و تذییل الکلام بـقوله "وَ إِنَّ السَّاعَةَ لاَتِیَةٌ" دلیل ظاهر على المدّعى، لبیان الهدف لهذا الخلق.[3]
 و بعد ذلک یأمر الله تعالى نبیّه الکریم (ص) أن یقابل عناد قومه و جهلهم و تعصّبهم و عداءهم بالمحبة و العفو و غضّ النظر عن الذنوب و الصفح عنهم الصفح الجمیل[4] "فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجْمِیل"، لأن النبی (ص) یملک الدلیل الواضح على ما أمر بالدعوة إلیه فلا یحتاج و إیاهم إلى الخشونة لتثبیت عقیدة المبدأ و المعاد فی قلوب الناس فالعقل و المنطق السلیم معه، بالإضافة إلى إن الخشونة مع الجهلة غالباً ما تؤدی بهم إلى الردّ بالمثل بل و بأشدّ من ذلک.[5]
"الصفح" فی الأصل، بمعنى وجه الشیء و جانبه،[6] کصفحة الوجه و لهذا فقد جاءت کلمة فاصفح بمعنى "أدر وجهک و غضّ النظر عنهم" و بما أن إدارة الوجه و صرفه عن الشیء قد تعطی معنى عدم الإهتمام و النفرة و ما شابه ذلک بالإضافة لمعنى العفو و الصفح، فقد ذکرت الآیة کلمة "الجمیل" بعد الصفح لکی تحدّد المعنى الثانی.[7] و فی الروایة عن الإمام الرضا فی تفسیر لهذه الآیة: "العفو من غیر عتاب".[8]
و جملة "فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجْمِیل" تفریع على السابق أی إذا کانت الخلقة بالحق و هناک یوم فیه یحاسبون و یجازون لاریب فیه فلا تشغل نفسک بما ترى منهم من التکذیب و الإستهزاء و اعف عنهم من غیر أن تقع فیهم بعتاب أو مناقشة و جدال.[9]
و الآیة التالیة "إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الخْلَّاقُ الْعَلِیم" هی ـ کما یقول جمع من المفسّرین ـ بمنزلة الدلیل على وجوب العفو و الصفح الجمیل،[10] فالذی یأمر بالعفو هو الله المربّی و الخلّاق و العلیم. فهو الذی یعرف مدى أثر العفو و الصفح فی روح الفرد و المجتمع و کذلک على رشد الأمة و إصلاحها، فلا یثقل علیکم العمل بأمر الصفح.[11]
ثم یواسی الله تعالى نبیه الکریم (ص) أن لا تقلق من وحشیة الأعداء و کثرتهم و ما یملکونه من امکانات مادیة واسعة لأن الله أعطاک ما لا یقف أمامه شیء:[12] "وَ لَقَدْ ءَاتَیْنَاکَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانی وَ الْقُرْءَانَ الْعَظِیم".
 

[1]  الحجر، 85ـ87.
[2]  الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 12، ص 188، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبع الخامس، 1417 ق.
[3]  نفس المصدر.
[4]  مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 8 ص 106، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، قم، 1421 ق.
[5]  نفس المصدر.
[6] ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، ج 2، ص 512، کلمة "الصفح"، دار الصادر، الطبع الثالث، بیروت، سنة 1414 ق، الراغب الاصفهانی ، حسین بن محمد المفردات فی غریب القرآن، تحقیق: صفوان عدنان الداودی، ص 486، دار العلم دار الشامیة، الطبع الاول، دمشق، بیروت، 1412 ق، القرشی، سید علی اکبر، قاموس القرآن، ج 4، ص 131، دار الکتب الإسلامیة، طهران، الطبع السادس، 1371 ش.
[7]  تفسیر الامثل.
[8]الشیخ الصدوق،  عیون‏أخبارالرضا(ع) ج : 1 ص : 294، انتشارات جهان، 1378 هجری قمری.
[9]  المیزان فی تفسیر القرآن، ج 12، ص 190.
[10]  تفسیر الامثل، ج 8، ص 107.
[11]  قرائتی، محسن، تفسیر النور، ج 6، ص 352، مرکز فرهنگی درسهایی از قرآن، طهران، الطبع الواحد عشر، 1383 ش.
[12]  تفسیر الامثل، ج 8، ص 108.
 
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280484 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259137 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129827 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116255 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89706 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61328 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60583 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57477 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52131 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48217 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...