Please Wait
7960
التکامل البرزخی غیر مقبول بنظر الروایات و کذلک القرآن الکریم، و قد توقش فلسفیاً و کتبت بشأنه عدة أبحاث.
و فی البدء لابد من التذکیر أن التکامل العملی فی البرزخ بلحاظ أداء الواجبات و ترک المحرمات أمر غیر ممکن بالنسبة للإنسان، لأن عالم البرزخ لیس بعالم تکلیف و علیه فمن الواضح أن أی کلام بخصوص التکامل البرزخی فالمراد بة هو التکامل العلمی و هذا ما ورد التصریح به فی الروایات.
و أما فی مقام البیان الفلسفی لهذا التکامل فلابد من القول: إذا ألقینا نظرة إجمالیة فإن الروح المجردة و النفس الناطقة للإنسان هی من روح الله، و قد طوت منازل و مراتب مختلفة حتى وصلت إلى المادة و البدن المادی، و کذلک فی طریق عودتها لابد و أن تطوی عدة منازل و مراتب مختلفة، و یمکن التعبیر عن هذا السیر الصعودی بالتکامل. فالموت و الإنتقال إلى عالم البرزخ هو منزل من منازل الحرکة إلى الله، و لیس هو نهایة التکامل الإنسانی، و إنما توجد منازل عدیدة أمام النفس علیها ان تقطعها حتى تصل إلى مرتبة التجرد التام و لکن بالتوجه إلى التعریف الفلسفی للحرکة یمکن أن یطرح الاشکال التالی: إن الحرکة خروج تدریجی للشیء من القوة إلى الفعل، و ان المادة هی الحاملة للقوة و الإستعداد، و على هذا الأساس فالحرکة مشروطة بالمادة و کون الحالة بالقوة، و أما فی البرزخ فلا وجود للمادة، فلا وجود للحرکة و بالتبع لا وجود للتکامل.
و للإجابة عن هذا الاشکال لا بد من القول: صحیح أن النفس الإنسانیة تترک المادة و البدن الدنیوی بعد الموت و إنها و صلت إلى الفعلیة بلحاظ الحرکة المادیة و لکن بالنسبة إلى حالتها الأصلیة (التجرد المحض) فإنها ما زالت فی حجب متعددة ومختلفة، أی انها لم تصل بعد الى التجرد التام. و بلحاظ معین یمکن القول: إن النفس فی هذه المرحلة وبهذه الشرائط وبالنسبة إلى حالاتها القادمة التی تکون حجبها أقل ما زالت هی بالقوة، فلابد لها من التکامل حتى تصل إلى حالتها (التجرد المحض) و الفعلیة التامة.
و لذلک فإن الکثیر من العلماء الکبار یعبرون عن هذا التکامل بعبارات مختلفة بدلاً عن الحرکة مثل: إلقاء الحجب و الأغراب و الکدورات أو ازدیاد الحب و غیر ذلک، و لا تتنافى هذه التسمیات مع کون عالم البرزخ غیر مادی.
التکامل البرزخی من الأمور المسلمة التی أشیر إلیها فی الروایات المختلفة، کما أن ظاهر بعض الآیات یدل علیه، و فی العرفان نقلت الکثیر من الأدلة الشهودیة فیما یتعلق بوقوع التکامل البرزخی. و کذلک نوقش هذا البحث فی الکثیر من الفلسفات المتداولة، و بالإجمال هناک توافق فی مورد أصل وقوع التکامل فی عالم البرزخ، و لا یمکن الإدعاء بحسب الأسس و المبانی لأی فلسفة بأن التکامل البرزخی لا یمکن حدوثه.
ومن الجدیر بالذکر أن التکامل العملی بمعنى اتیان الإنسان بالواجبات و ترک المحرمات یرتقی فی سلم التکامل، أمر لا یمکن قبوله، لأن عالم البرزخ لیس بعالم تکلیف و أن قوانین و أحکام هذا العالم تختلف عن شرائط و قوانین و أحکام عالم الدنیا و على هذا الأساس فإن البحث فی التکامل فی عالم البرزخ تختص بالتکامل الذی جاء التصریح به فی بعض الروایات. و أما بالنسبة للباقیات الصالحات و ما یرد روح المیت لیست من الأعمال البرزخیة، و إنما هی من آثار الأعمال التی عملها الإنسان فی عالم الدنیا و ظهرت ثمارها فی ذلک العالم.
و أما فیما یخص کیفیة التکامل البرزخی، یمکن أن یکون من قبیل التعریف الفلسفی للحرکة، أم أنه نحو آخر من التکامل و الترقی. فهناک عدة اشکالات و تساؤلات یمکن التعرف لها:
و منشأ الاشکال فی مورد إمکان التکامل البرزخی وکیفیة تبیینه فلسفیاً فمرده إلى بحث القوة و الفعل و تعریف المادة و الحرکة فی الفلسفة و تقریر الاشکال المطروح على الوجه التالی: إن الحرکة حسب التفسیر الفلسفی هی خروج تدریجی من القوة إلى الفعل، و أن المادة تحمل هذه القوة و الإستعداد و على هذا الأساس فالحرکة مشروطة بالمادة و حالة الـ "بالقوة". و لا معنى للحرکة بدون هذا.
و بعبارة أخرى: إذا لم تکن المادة موجودة فی عالم من العوالم فلا وجود للحرکة فی ذلک العالم و بالتبع لا وجود للتکامل.
وحقیقة الأمر أن هذا الاشکال ناشئ من تصور محدود جداً بالنسبة لمفهوم التکامل حیث لوحظت حدود المادة الدنیویة فی مسیر التکامل فقط، و لکن لو نظرنا إلى التکامل بنظرة کلیة و عرفنا قوس النزول و الصعود فی مراتب الوجود بعنوان المدى الواسع لحرکة الوجود، و مع الأخذ بنظر الإعتبار منشأ النفس الناطقة الإنسانیة و إلى أین تنزلت فی مسیر هبوطها، و أی مسیر تسلک فی طریق عودتها إلى مبدأها الأعلى. فسوف نرى أن هذه الشبهة و هذا الاشکال لا یمکن أن ینقض القانون الکلی للتکامل فی عالم البرزخ أو بعد خروج النفس من البدن المادی.
أما بالنسبة إلى القول أن الحرکة مشروطة بالمادة فهو کلام صحیح فی محله، لأنه مع عدم وجود القوة و الإستعداد، فلا یمکن وجود فعلیة جدیدة و لا معنى للحرکة فی مثل هذه الحالة.
و من الضروری التذکیر بهذه المسألة و هی أن النفس الإنسانیة على الرغم من أنها تترک البدن المادی و تهجر المادة، و لا یمکن أن تکون متحرکة بالمعنى الفلسفی المعهود للحرکة. و لکن لا یکون للنفس تجرد محض و تام بمجرد ترد البدن المادی و مغادرته، حتى یقال بانتهاء الطریق و عدم إمکانیة أی نوع من أنواع التکامل و الترقی، و ذلک لأن الحجب ما زالت تصاحب النفس، و أن رفع هذه الحجب فی عالم البرزخ یعد من التکامل على الأقل.
و بعبارة أخرى: صحیح أن النفس وصلت إلى الفعلیة بلحاظ حرکتها المادیة بعد الموت، و لکنها ما زالت فی حجب مختلفة بالنسبة لحالتها الأصلیة و علیه فالنفس تعتبر بالقوة بالنسبة إلى المراتب التی هی أقل حجباً من المرحلة التی هی فیها، و لا بد لها من التکامل حتى تصل إلى حالتها الأصلیة و هی التجرد المحض.
و على هذا الأساس فالتکامل البرزخی لا یتنافى مع خروج النفس من المادة. لأنه مع عدم وجود المادة الدنیویة فی عالم البرزخ، و لکن النفس بعد هجران البدن المادی ما زالت لها حالة بـ(القوة) بسبب الحجب التی تحیط بعا.
و بعد أن تستکمل أمرها و تزیل حجبها الحاصلة من اقامتها فی الدنیا فسوف تصل إلى الفعلیة التامة، فالنفس لا بد لها من طی مسیر التجرد الکامل مروراً بعالم البرزخ و عوالم أخرى أعلى و مراتب أسمى لترد فی نهایة الأمر إلى القیامة التی تصل فیها إلى الفعلیة التامة و نهایة طریقها التکاملی.
ومن هنا قیل:أن البرزخ و الحاجة إلى التکامل البرزخی لیست على حد سواء بالنسبة لجمیع النفوس، فکم من أناس سعوا فی هذه الدنیا لإزالت حجب الظلمة و النور و لذلک سوف یکون لهم توقف قصیر فی عالم البرزخ. کالمعصومین الذین یلحقون بمواقعهم القدسیة التی جاءوا منها بعد موتهم و کذلک بعض العرفاء الذین قطعوا مراحل التکامل فی البرزخ و فی النهایة سوف یصلون إلى عوالم أعلى. و لکن الکثیر من النفوس لم توفق لذلک فی عالم الدنیا من هنا تحتاج الى التخلص من تلک الحجب فتسعى إلى التجرد التام والفعلیة التامة فی عالم البرزخ حتى ترد یوم القیامة.
و بحسب هذا البیان لا وجود للتنافی بین المبانی الفلسفیة التی طرحت فی بحث القوة و الفعل و بین التکامل البرزخی، و قصارى ما تدل علیه هذه المبانی أن الحرکة بمعناها المادی الذی یجری وفق النظام الدنیوی منتفیة فی عالم البرزخ. لأن هذه المرحلة من مراحل الحرکة وصلت إلى غایتها حیث ترکت النفس البدن المادی. و لکنّ نوعاً آخراً من التکامل سوف یتحقق فی عالم البرزخ له ماهیة غیر ماهیة التکامل المادی، و ان النفس تستمر فی سیرها التکاملی حتى تتخلص من جمیع الکدورات و الأغراب و الحجب العارضة علیها، و هنا لا یکون التکامل البرزخی ممکناً و حسب. بل إن مسیر النفس باتجاه غایتها للتجرد المحض الذی هو أبعد من التجرد البرزخی یکون أمراً ضروریاً.
و على هذا الأساس فالاشکال مبنی على أن التکامل مشروط بالمادة و البدن الدنیوی فقط. لأن البعض یتوهم أن النفس الناطقة تحصل على التجرد التام بمجرد ترکها البدن المادی، و لیس لها تکامل بعد ذلک، فی حین هذا التصور غیر صحیح و باطل، لأن مجرد وقوع حادثة الموت لا یعنی أن النفس بلغت مرتبة التجرد التام و أن حرکتها وصلت إلى نهایتها، و لکن الأمر لیس کذلک، فمع أن الموت یعد مرحلة هامة من مراحل ترک النفس لعالم المادة و تجاوز أحد الموانع التی تعترض سیرها التکاملی و هو البدن الفیزیائی. و لکن ذلک لا یعنی نهایة الحرکة، وکما یقول الملا صدرا فإن ذلک یعد ابتداء فی مسیر الرجوع إلى الله.[1]
و علیه نجد الکثیر من العلماء الکبار و على الرغم من إقرارهم و قبولهم لمبانی الحرکة و القوة و الفعل، فإن الحرکة بهذا المعنى مستحیلة فی عالم البرزخ. و لکنهم یؤکدون على وجود التکامل فی عالم البرزخ، و من أجل بیان أن هذا التکامل و هذه الحرکة لیست من قبیل المعنى الاصطلاحی عبروا عن هذا التکامل بعده تعابیر منها: القاء الحجب، أو ازدیاد الحب و غیرها من المصطلحات و العبارات المشابهة.
ومن جملة العلماء یمکن أن نذکر الإمام الخمینی (ره) حیث أشار إلى مسألة التکامل البرزخی فی تعلیقاته على شرح فصوص الحکم[2] و قد أسبغ على التکامل و الترقی فی هذا العالم البرزخی و الأخروی عدة أسماء و مصطلحات کإلقاء الاغراب و الحجب و الکدورات و الهیئات الظلمانیة، و هذا النوع من الترقی لیس من جنس الحرکة فی الدنیا و الاستعداد و المادة.
و کذلک طرح العلامة الطباطبائی التکامل البرزخی من باب ارتقاء درجات الحب التی تلقى بذورها فی عالم الدنیا.[3]
و من المسائل التی طرحها الملا صدرا فی فلسفته هی أن النفس فی عالم البرزخ لها قالب مثالی و فی بعض الموارد یکون لهذا البدن مادة لطیفة[4] و هذا البدن المثالی یحمل جمیع خواص البدن المادی و لکن بلطافة و شدة أعلى حامل بالقوة للنفس فی عالم البرزخ، و هذا البدن البرزخی یصل الکمال و التزکیة و النورانیة بواسطة التکامل البرزخی، و إنه سوف یتخلص من الاغراب و العوارض الحاصلة من الهیئات الظلمانیة.
و على هذا الأساس، فإن البدن البرزخی و التزکیة و النورانیة فی البرزخ بسبب الضغوطات البرزخیة أو تلقی الإفاضات، یمکن أن یوضح لنا المعنى الأدق للتکامل البرزخی.
و فی الختام یمکن الإشارة إلى بعض المفاهیم الأکثر حسیةً لتبسیط فکرة و فهم معنى التکامل البرزخی و من جملتها أن النفس فی عالم الرؤیا، و فی عین کونها فارغة من تدبیر البدن المادی فإنها تصل إلى إدراکات أعلى، و هذا نوع من التکامل البرزخی، و کذلک مکاشفات العرفاء فإنها من هذه المقولة، فلیست هی من مقولة الحرکة المادیة، و إنما تتجلى فی حالة الفراغ من البدن المادی، و تکون باعثاً للتکامل النفسی فی ذات الوقت.
فعالم النوم و المکاشفات کالموت، و لکن فی حدود أقل، و فی ذات الوقت فراغ من المادة و خلع البدن المصاحب لخفة الروح، و ذلک أمر قابل للإدراک، و کذلک ارتقاء الحالات الذوقیة و العلمیة الشهودیة، و هذا هو التکامل البرزخی، و لا یوجد أی تنافٍ بین الأمرین. وکما یقول الملا صدرا: إن نهایة نوع من أنواع الحرکة و بلوغ غایة ما، هو موت بلحاظ معین، و لکنه ولادة فی عالم أعلى و بدایة لحرکة ثانیة.[5]
[1] صدر الدین محمد شیرازی (ملاصدرا)، الشواهد الربوبیة فی المناهج السلوکیة، ص ۳۵۵، الطبعة الاولی، موسسة حکمت اسلامی صدرا، طهران، ۱۳۸۲.
[2] الخمینی، روح الله، تعلیقات علی شرح فصوص الحکم، ص ۱۷۰- ۱۷۱، مرکز تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی (ره)؛ معاد از دیدگاه ا مام خمینی (تبیان آثار موضوعی) الدفتر الثلاثون، ص ۳۷۱، موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی (ره)، الطبعة الاولی، ۱۳۷۸.
[3] رخ شاد، محمد حسین، در محضر علامه طباطبائی، پرسشها و پاسخها، ص ۱۶۰، الطبعة الاولی، آل علی علیه السلام، قم، ۱۳۸۱.
[4] الشواهد الربوبیة فی المناهج السلوکیة، ص ۱۱۲.
[5] نفس المصدر، ص ۱۱۳.