Please Wait
5281
مع ملاحظة القرائن و الشواهد و دراسة التفاسیر لدى السنة و الشیعة یمکن الوصول الى نتجة مؤداها أن ماهیة (الأنفال) کانت معروفة قبل نزول الآیة، بل قبل ظهور الإسلام، و لذلک لا معنى للسؤال عنها، و إن السؤال عنها الوارد فی أول سورة الأنفال إنما هو عن کیفیة تقسیمها أو تملکها حتى جاء الجواب مناسباً لهذه الأمور.
الآیة الأولى من سورة الأنفال التی سألتم عن مدلولها تشتمل على سؤال من قبل المسلمین و جواب من الله تعالى، حیث ظننتم أن المسلمین سألوا عن الأنفال وطبیعتها، و ما هی الأشیاء التی یطلق علیها اسم (الأنفال)؟ و لکن الجواب لم یأت تعریفاً للأنفال و بیاناً لماهیتها، و إنما جاء إشارة إلى الأشخاص الذین تقسم الأنفال فیهم، إذا کنتم فهتم الآیة على هذا المنوال، فمن الطبیعی أن یقال أن الجواب لم یکن متناسباً مع السؤال، فالسؤال عن شیء، و الجواب عن شیء آخر.
و لکن الواقع هو أن سؤال المسلمین لم یکن عن ماهیة الأنفال و طبیعتها؛ لأنهم کانوا یعرفون ذلک بالإجمال.
و لکن سؤالهم کان عن شیء آخر کما تصرح بذلک تفاسیر أهل السنة و الشیعة و هو أنهم حصلوا على شیء من الأنفال و غنائم الحرب، فأرادوا أن یعلموا من له حق التصرف فی هذه الأنفال.
و فی معرض الجواب نستعرض بعض الروایات الواردة فی سبب نزول هذه الآیة، و من ثم بإمکانکم الرجوع إلى التفاسیر لمعرفة المزید:
1- نقرأ فی تفسیر ابن أبی حاتم أن المسلمین طلبوا أن تعطى لهم الأنفال.[1]
2- و نقرأ فی تفاسیر آخر انه لما کان یوم بدر، التقى الناس، فهزم اللّه تعالى العدو، فانطلقت طائفة فی آثارهم یهزمون و یقتلون، و أقبلت طائفة على العسکر یحوزونه و یجمعونه، و أحدقت طائفة برسول اللّه (ص) لا یصیب العدو منه غرة، حتى إذا کان اللیل وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذین جمعوا الغنائم: نحن حویناها فلیس لأحد فیها نصیب، و قال الذین خرجوا فی طلب العدو: لستم بأحق به منا، نحن منعنا عنه العدو و هزمناهم، و قال الذین أحدقوا برسول اللّه (ص): خفنا أن یصیب العدو منه غرة فاشتغلنا به، فنزلت "یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفال "[2]
3- و نقرأ فی بعض کتب الشیعة: إن أصحابه سألوه أن یقسم غنیمة بدر بینهم فأعلمه الله سبحانه أن ذلک لله و لرسوله دونهم و لیس لهم فی ذلک شیء.[3]
و خلاصة القول أن ما یتحصل مما ورد فی التفاسیر أن المسلمین لم یسألوا عن ماهیة الأنفال و کنهها، و لم یکن لدیهم توهم فی معرفتها، و أن أکثر التفاسیر التی تشیر إلى الآیة تنتهی إلى الإشارة إلى واحد من احتمالین یتلخصان بالآتی:
إما أن یکون المسلمین أرادوا امتلاک الأنفال، أو أرادوا معرفة ملکیتها، فجاء الجواب من الله تعالى لبیان ذلک، و على کلا الاحتمالین فإن الجواب القرآنی منسجم کل الانسجام مع طبیعة السؤال، و ذلک عندما بیّن أن الأنفال لله و للرسول؛ لأن السؤال متوجه إلى هذا الأمر.
[1] ابن أبی حاتم، تفسیر القرآن العظیم، ج5، ص1649، ح9486، مکتبة نزار مصطفى الباز، المملکة العربیة السعودیة، 1419 هـ.ق.
[2] ابن کثیر، تفسیر القرآن العظیم، ج4، ص6، دار الکتب العلمیة، منشورات محمد علی بیضون، بیروت، 1419 هـ.ق.
[3] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج19، ص211، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ.ق.