Please Wait
5987
الإسلام دین حيّ و عالمي و یدعوا إلی قیادة و هدایة جمیع الناس و نجاتهم في الکرة الأرضیة و علی طول الأزمنة. لذلک قوبل بسخط و غضب الأعداء و حقدهم، فکان من اللازم علی المسلمین أن یتخذوا برنامجاً خاصاً للتصدي للأعداء لیأمنوا شرهم و یصلوا إلی أهدافهم السامیة بأمان. فلما كان الدین الإسلامي دین هدایة و ارشاد لجمیع البشر و الشامل للمشرکین و الکفّار أيضا، من هنا نراه یبتديء بتعامله مع الکفار باعتماد الإرشاد و النصیحة و الدعوة إلی العدل و الإیمان أولاً، فإذا قبلوا دعوته و آمنوا به لیس له قتالهم. بل حتی لو لم یؤمنوا به و بقوا علی دینهم لکنهم قبلوا شروط الإسلام و لم یقفوا حجر عثرة أمام تبلیغه و برامجة التوسّعیة و لم یتواطؤوا ضد المسلمین أیضاً فلیس للمسلمین قتالهم. فحرب الإسلام متوجه نحو الذین یحاربوه سرّاً و علانیة لا غیر و الذين هم يختاروا منطق المواجهة و الصدام مع الاسلام و المسلمين.
یری الإسلام إن الحرب بین الکفر و الإیمان و بین الحق و الباطل حرب طویلة مستمرة حتی إقتلاع جذور الشرک و النفاق و الوثنیة و الظلم و الفتنة و ... من الکرة الأرضیة.
و یمکن تقسیم أعداء الإسلام إلی ثلاثة أقسام، هي:
1- أهل الکتاب 2- المشرکون (الوثنیون) 3- المنافقون. و کل آیة من الآیات المشار إلیها في السؤال تشیر إلی قسم من هذا التقسیم.
فالآية 29 من سورة التوبة في مقام الحديث عن الموقف القرآني من الكافرين من أهل الكتاب.
والآیة الخامسة من سورة التوبة تتکلّم عن المشرکین الوثنیین الذین لم یتوبوا من شرکهم. أما مسألة حریة المذهب؛ فتعني عدم إجبار أتباع الأدیان الأخری علی الدخول تحت مظلة الإسلام، وان الحكم خاص بالأدیان السماویة من أهل الکتاب کالیهود و النصاری، و لا تشمل المشرکین الوثنیین.
أما الآیات 89 – 91 من سورة النساء فتتکلّم عن المنافقین و تشدید الإسلام في التحذیر منهم و شدة التعامل مع هذا القسم من الأعداء لیس إلا لأن نجاة المجتمع الحي من مخالب الأعداء المتلبّسین بلباس الأصدقاء و من خطر الجواسیس لا یتم الا من خلال التصدي لهم و فضح مخططاتهم و دسائسهم ضد المسلمين.
و الجدير بالذكر أن حروب الإسلام و معارکه مع الأعداء هي حروب مبدئیة باسلة تجسّدت فیها المروءة و الفتوة بحیث تراعی فیها جمیع الأصول الإنسانیة.
الإسلام دین حيّ و عالمي و یدعوا إلی قیادة و هدایة جمیع الناس و نجاتهم في الکرة الأرضیة و علی طول الأزمنة. لذلک قوبل بسخط و غضب الأعداء و حقدهم، ممن لم یمکنه الإنسجام مع الإسلام بأي نحوٍ کان و لم یمکنه تحمل وجوده کرسالة و دین حيّ و فاعل؛ لأنه یری أن منافعه في تضاد معه و دائماً تراه يخطط و يتحين الفرص للوقعیة به و لإزالته من صفحة الوجود. فماذا علی الإسلام أن یفعل في مقابل هكذا عدو شرس لا يرضى الا بالقضاء على الدين الجديد و التصدي له؟ فلابد لدفع خطر هذا العدو من وضع برنامج مناسب حتی یتآتی للإسلام المسیر و الوصول إلی أهدافه السامیة المتمثلة بنجاة البشریة و هدایتها؛ فهو کالشجرة تحتاج لنموها و رشدها إلی إبعاد الآفات عنها إضافة إلی توفير مقومات الحياة كالماء و الغذاء، و إلا فستواجه الضعف و الهزال بل قد يكون اصل وجودها و استمرارها في الحياة معرضا للخطر.
علی هذا الأساس حیث ان موقع الإسلام في قبال أعدائه خاصة في قبال الزعماء و العملاء الرئیسیین، موقع مدروس قد أعلن الإسلام عنه بکل صدق حتی یعرف القاصي و الداني و الصدیق و العدو تکلیفه أمامه. لذلک نجد الإسلام یدعوا أتباعه دوماً للتهیؤ و الاستعداد و إعداد العدة الکاملة للحرب و التفوّق المبدئي الباسل علیهم. الدین الإسلامي دین هدایة و ارشاد لجمیع البشر الشامل للمشرکین و الکفّار أيضا. یبتدئ الإسلام الکفار في تعامله معهم بالإرشاد و النصیحة و الدعوة إلی العدل و الإیمان أولاً، فإذا قبلوا دعوته و آمنوا به فلیس له قتالهم، بل ليس له قتالهم حتی لو لم یؤمنوا به و بقوا علی دینهم لکنهم قبلوا شروط التعايش مع الإسلام و لم یقفوا حجر عثرة أمام تبلیغه و برامجة التوسّعیة و لم یتواطؤوا ضد المسلمین. و هذه قضية يؤكدها الواقع التاريخي حيث نرى الكثير من غیر المسلمین الذین عاشوا سنین طویلة إلی جنب الرسول الأکرم (ص) و الخلفاء في دولة الإسلام بکل إطمئنان و استقرار تحت ذمة الإسلام و تمتّعوا بكل الخدمات التي وفرتها الشريعة الاسلامية لهم. فحرب الإسلام هي في واقع الامر متوجه ضد أعدائه الذین یحاربوه سرّاً و يتصدون له علانیة.
و من هنا یری الإسلام إن الحرب بین الکفر و الإیمان و بین الحق و الباطل حرب طویلة مستمرة حتی زوال جذور الشرک و النفاق و الوثنیة و الظلم و الفتنة و ... من على سطح الکرة الأرضیة.
إن للإسلام نوعین من المحاربة مع الکفر: أحدهما الحروب المرحلیة کالغزوات التي غزاها النبي (ص) حیث کانت السیوف تغمد بعد انتهاء کل غزوة؛ و الآخر هي الحرب المستمرة ضد الشرک و الکفر و الظلم و الفساد، و هذا النوع مستمر حتی زمن اتساع حکومة العدل العالمیة، و ظهورها علی الأرض جمیعاً علی ید المهدي –عج-. [1]
و یمکن تقسیم أعداء الإسلام إلی ثلاثة أقسام:
1- أهل الکتاب 2- المشرکون (الوثنیون) 3- المنافقون.
و کل آیة من الآیات المشار إلیها في السؤال تتحدّث عن قسم خاص من أعداء الإسلام. و قد بیّن الإسلام برنامجاً خاصاً للتصدي لکلٍ من هذه الأقسام حسب اطّلاعه التام علی ماهیته و الفروق التي تخصه، لذا أختلفت طريقة التصدّي لکل قسم منها شدة و ضعفاً.
1- أهل الکتاب: الآیة 29 من سورة التوبة تُبیّن تکلیف المسلمین و وظیفتهم إزاء أهل الکتاب. و في هذه الآیات جعل الإسلام لأهل الکتاب سلسلة من الأحکام تعدّ حدّاً وسطاً بین المسلمین و الکفّار، لأن أهل الکتاب من حیث أتباعهم لدینهم السماوي لهم شبه بالمسلمین، لأن الخطة تقضي بقلع جذور الشرک و الوثنیة من الکرة الأرضیة. غیر ان الإسلام یسمح بالعیش مع أهل الکتاب في صورة ما لو أحترم أهل الکتاب الإسلام، و لم یتآمروا عليه، أو یکون لهم أعلام مضاد يراد منه تشويه صورة التعاليم الاسلامية و المساس بشخصياتها الكبيرة التي يقف الرسول الاكرم (ص) على رأس الهرم فيها.
و العلامة الأخری لموافقتهم علی الحیاة المشترکة السلمیة مع المسلمین هي أن یوافقوا علی دفع الجزیة للمسلمین بأن یعطوا کل عام إلی الحکومة الإسلامیة مبلغاً قلیلاً من المال بحدود و شروط معینة (تبحث في محلها)، - و في المقابل تكون الحكومن الاسلامية مسؤولة عن توفير كل ما يؤمن لهم حرية المعتقد و العمل انطلاقا مما يفرضه عليهم الدين الذي يؤمنون به فاذا رفضوا كلا المقترحين يكون قد وضعوا انفسهم موضع المحارب و المعاند للدين الاسلامي- فحينئذ يكون للامام اصدار الأموامر بمقاتلتهم. [2]
2- المشرکون (الوثنیون): فالآیة الخامسة من سورة التوبة تتکلّم عن المشرکین الوثنیین الذین لم یتوبوا من شرکهم، و هذه الشدة المتّخذة ضدهم بسبب کون الإسلام یرید استئصال الوثنیة من الکرة الأرضیة؛ و أما مسألة حریة المذهب فهي تعني أن ترک إجبار أتباع الأدیان الأخری علی قبولهم الإسلام، خاص بالأدیان السماویة و أهل الکتاب کالیهود و النصاری، و لا یشمل المشرکین الوثنیین. لأن الوثنیة لیست دیناً و مذهباً حتی تُحترم، بل هي انحطاط و خرافة و انحراف و مرض، لذلک یجب أن تُستأصل بکل صورة و مهما کلّف الأمر.
و هذه الشدّة متناغمة و متوائمة مع منهج الإسلام و خطته في إزالة الوثنية و قلعها من جذورها، و كما أشرنا إلى ذلك سلفا، فإنّ حرية الإعتقاد «أي عدم إكراه أهل الأديان الأخرى على قبول الإسلام» تنحصر في أهل الكتاب من اليهود و النصارى، و لا تشمل عبدة الأوثان، لأنّ الوثنية ليست عقيدة صحيحة، و لا دينا كي تلحظ بعين الاحترام، بل هي تخلّف و خرافة و انحراف و جهل، و لا بدّ من استئصال جذورها بأي ثمن كان و كيف ما كان.
و هذه الشدّة و القوّة و الصرامة لا تعني سدّ الطريق،- طريق الرجوع نحو التوبة- بوجههم، بل لهم أن يثوبوا إلى رشدهم و يعودوا إلى سبيل الحق، و لذلك فإنّ الآية عقبت بالقول: فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ.
و في هذه الحال، أي عند رجوعهم نحو الإسلام، لن يكون هناك فرق بينهم و بين سائر المسلمين، و سيكونون سواء و إياهم في الحقوق و الأحكام.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. يتوب على عباده المنيبين إليه.
و تستكمل الآية التالية هذا الموضوع بأمر آخر، كما يتّضح بجلاء أن هدف الإسلام من هذا الأمر إنّما هو نشر التوحيد و الحق و العدالة، و ليس هو الاستثمار أو الاستعمار و امتصاص المال، أو الاستيلاء على أراضي الآخرين، إذ تقول الآية: "وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ".
أي عليك أن تعامل من يلجأ إليك من المشركين برفق و لطف، و امنحه المجال للتفكير حتى يبيّن له محتوى دعوتك في كمال الإرادة و الحرية، فإذا أشرقت أنوار الهداية في قلوبهم فسيؤمنون بدعوتك. [3]
3- المنافقون: نزلت الآیات 89-91 من سورة النساء في المنافقین، و تشدید الإسلام في التحذیر منهم و شدة التعامل مع هذا القسم من الدعداء لیس إلا لأن نجاة المجتمع الحي الذي یخطو في مسیر ثورة اصلاحیة من مخالب الأعداء المتلبّسین بلباس الأصدقاء و من خطر الجواسیس لا یکون إلا به.
و القرآن في هذا الحكم يؤكّد حقيقة مصيرية للمجتمع، هي أنّ حياة أي مجتمع تمرّ بمرحلة إصلاحية لا يمكن أن تستمر بصورة سليمة ما لم يتخلص من جراثيم الفساد المتمثلة بهؤلاء المنافقين أو الأعداء الذين يتظاهرون بالإخلاص، و هم في الحقيقة عناصر مخربة هدامة تعمل في التآمر و التجسس على المجتمع و مصالحه العامّة.
و الطريف هنا أنّ الإسلام- مع اهتمامه برعاية أهل الكتاب من اليهود و النصارى و غيرهم و منعه الظلم و العدوان عنهم- نراه يشدد كثيرا في التحذير من خطر المنافقين، و يرى ضرورة التعامل معهم بعنف و قسوة، و رغم تظاهرهم بالإسلام يصرح القرآن بأسرهم، بل حتى بقتلهم إن استلزم الأمر.
و ما هذا التشديد إلّا لأنّ هؤلاء يستطيعون ضرب الإسلام تحت ستار الإسلام، و هذا ما يعجز عن أدائه أي عدو آخر.[4]
المهم هنا إن حروب الإسلام و معارکه مع الأعداء هي حروب مبدئیة باسلة تجسّدت فیها کل المروءة و الفتوة بحیث تراعی فیها جمیع الأصول الإنسانیة کحقوق النساء و الأطفال و المرضی و المناطق السکنیة و الأسری و الحیوانات و المزارع و ....[5] إضافة إلی ان الإسلام و العقل یقرّان العنف و القساوة مقابل العدو المتواطئ، و مع ذلك نجد النبي الأکرم (ص) قد تنازل في موارد عدیدة عن حقه و حق المسلمین و غض الطرف عنهم بتمام القدرة و عفا عن العداوة و الظلم و الجنایات برحمته و عطفه، و کنموذج واحد عن هذا العفو في حال القدرة کان في قضیة انتصار المسلمین علی المشرکین و فتح مکة، حیث لم یألوا المشرکون جهداً في أذیة الرسول الأکرم (ص) و المسلمین و قد استشهد علی أیدیهم عدد کبیر من المسلمین و کانوا في حال انتظار و ترقب للفرصة المناسبة التي يتمكنوا خالا من الانتقام الشدید من المسلمین و توجيه الضربة القاصمة لهم، و مع ذلك كله نرى النبي الأکرم (ص) یصدر الأوامر بعد فتح مکة بالنداء "الیوم یوم المرحمة" [6]أي إن الیوم هو یوم العفو و المغفرة و الرحمة. و قد رأی المشرکون أجمعهم و بکل تعجب و حيره و ذهول کیف أن النبي محمد (ص) قد تجاوز عن کل ما فعلوه سابقاً.
لذلک نجد مشروع الإسلام في جهاده مع الأعداء و الکفار (غیر الوثنیین) لیس للتصدي لدینهم و عقیدتهم لأن ديانتهم تشبه الى حد ما الدين الاسلامي في الاصول العامة. بل واجهم كما واجه المنافقین، للحد من تواطئهم و القضاء على مخططاتهم التي رسموها للقضاء على الدين الحنيف و لرفع الموانع التي وضعوها أمام مسیر الإسلام و تطوّره. من جهة أخری نجد غیر المسلمین الذین یراعون شروط الإسلام یمکنهم العیش بحریة إلی جنب المسلمین و في کنف قدرة الإسلام مع الاحتفاظ على دینهم و عقیدتهم، و قد روی لنا التاریخ في مواقع کثیر، کیف أنهم کانوا یأتون إلی رسول الله (ص) أو إلی الأئمة (ع) و یسألونهم عن بعض ما یخص الإسلام أو عن أمور أخری و قد یخوضون معهم البحوث و المناظرات في المسائل الدینیة و هم علی دینهم.
و بما ان الوثنیة لیست دیناً و مذهباً؛ بل هي انحطاط و خرافة و انحراف و مرض لذلک کان جهاد الإسلام للقضاء علی أفکارهم المنحطة التي یجب أن تُستأصل مهما کلّف الأمر إضافة إلی القضاء علی تواطئهم و الموانع التي یحدثونها في مسیر تقدم الإسلام و تطوّرة.
لمزید من الاطلاع راجعوا:
1- السؤال 1116 (الموقع: ar1160)، الموضوع: الإیمان و الأمر بالمعروف و .... و الجهاد الإبتدائي.
2- السؤال 941 (الموقع: ar1346)، الموضوع: مسؤولیة الني (ص) في قبال إیمان الناس.
3- السؤال 891 (الموقع: ar1238)، الموضوع: الجبر و الاختیار
4- السؤال 1046 (الموقع: ar1115)، الموضوع: الدین و الإکراه.
[1] مکارم الشیرازي، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 16، ص 320، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.
[2] تفسیرالأمثل، ج 5، ص 583.
[3] تفسیر الأمثل، ج 5، ص 535.
[4] تفسیر الأمثل، ج 3، ص 371.
[5] التمیمي المغربي، نعمان بن محمد، دعائم الإسلام، ج 1، ص 375، دار المعارف، مصر، 1385 هـ ق، ذکر قتال المشرکین.
[6] المقریزي، امتاع الاسماع، ج 8، ص 386، دار الکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الأولی، 1999/1420 ق؛ إبن عبد البر، الاستیعاب، ج 2، ص 598، دار الجیل، بیروت، الطبعة الأولی، 1922/1412 ق.