بحث متقدم
الزيارة
6874
محدثة عن: 2011/06/11
خلاصة السؤال
اسعى للبحث عن مرجع متکامل الصفات اطمئن الیه للتلمذ فی مجال السیر و السلوک.
السؤال
ارغب کثیراً فی الوصول عن طریق فلسفی و منطقی الى نوع من العرفان الکامل و الواقعی نسبیا، و من المعلوم ان هناک الکثیر من الحلقات الدراسیة التی تدار فی سائر البلاد لکنی غیر مطمئن لها و لما یکمن وراءها من اهداف و نوایا و لخشیتی من مستقبل هذه القضیة، من هنا لا استطیع الاشتراک فیها، و لهنا اسعى للحصول على بعض المصادر و المرجع الغنی المتکامل نسبیا فی هذا المجال، ارجو ان آمل أن على مبتغای من خلال ارشادی الى المصادر و الاستاذ المناسب فی هذا المجال.
الجواب الإجمالي

صنف العرفاء الکبار من قبیل ابن عربی کتباً و مصنفات کثیرة فی مجال العرفان النظری تمثل قمة الدراسات العرفانیة للراغبین فی طی هذا الطریق و قد حظیت هذه الکتب باهتمام کبیر من قبل المفکرین و العلماء العارفین و شرحت مئات الشروح و دونت علیها الکثیر من التعلیقات، یمکن الرجوع الیها فی هذا المجال ، لکن الامر المهم هنا أن الدراسة النظریة المجردة عن السلوک العملی لاتجدی نفعا، بل عندما تتجرد عن تهذیب النفس و التلقی الباطنی للامور العرفانیة سوف تتحول هی بنفسها الى و سیلة للخداع و المکر.

الجواب التفصيلي

یقسم العرفان عادة الى العرفان النظری و العملی و من المتعارف أن اصحاب المیول الفلسفیة و الاستدلالات النظریة و الفلسفیة اکثر میلا نحو العرفان النظری. و ان کان العلم و المعرفة مقدم على العمل. و لکن الذی یطرح بعنوان العرفان النظری أو الفلسفة العرفانیة لا یمثل العرفان الواقعی دائما، فربما لا یتعدى الأمر حد دائرة الذهن و الذهنیات فقط. و على هذا الاساس تکون الفاصلة کبیرة بین تحصیل العرفان النظری و بین العرفان العملی الواقعی.

فالعرفان الخالص، له صلة قویة بطریق القلب لا بالتحصیل و دراسة الامور النظریة و المدرسیة، و کما یقول الامام الصادق (ع): " لَیْسَ الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ إِنَّمَا هُوَ نُورٌ یَقَعُ فِی قَلْبِ مَنْ یُرِیدُ اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى أَنْ یَهْدِیَهُ فَإِنْ أَرَدْتَ الْعِلْمَ فَاطْلُبْ أَوَّلًا فِی نَفْسِکَ حَقِیقَةَ الْعُبُودِیَّةِ وَ اطْلُبِ الْعِلْمَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَ اسْتَفْهِمِ اللَّهَ یُفْهِمْکَ" [1]

صنف العرفاء الکبار من قبیل ابن عربی کتباً  و مصنفات کثیرة فی مجال العرفان النظری تمثل قمة الدراسات العرفانیة للراغبین فی طی هذا الطریق و قد حظیت هذه الکتب باهتمام کبیر من قبل المفکرین و العلماء العارفین و شرحت مئات الشروح و دونت علیها الکثیر من التعلیقات، یمکن الرجوع الیها فی هذا المجال و هی متوفرة فی الاسواق، لکن الامر المهم هنا أن الدراسة النظریة المجردة عن السلوک العملی لاتجدی نفعا، بل عندما تتجرد عن تهذیب النفس و التلقی الباطنی للامور العرفانیة سوف تتحول هی بنفسها الى و سیلة للخداع، بل قد یترقى الأمر الى درجة اکثر خطورة عندما یجعل السالک - هذا الطریق خطأ- من نفسه استاذا و مرشدا لغیره مما یؤدی الى نتائج وخیمة و ضلالة کبیرة.

اضف الى ذلک أن الکتب العرفانیة لم تدون عادة بلغة سهلة یدرکها الجمیع مما یجعل الطالب للعرفان -من دون الاستعانة بالاستاذ و المرشد- بحاجة الى فترة طویلة و طی مقدمات کثیرة لعله یتمکن من ادراک مضامین تلک الکتب و حقائقها. و على فرض التوصل الى فهم المطالب و استیعاب المفاهیم استیعابا جیداً، لکن هذا الفهم النظری المجرد عن العمل هو الآخر لا یجدی نفعا فی تحصیل الثمرة المرجوة من و راء هذه المطالعات العرفانیة.

و الحال ان مدرسة النبی الاکرم (ص) الواردة عن طریق العترة الاطهار تؤکد على کون الخوض فی عالم العرفان و المعرفة أمراً فطریاً لا یتحقق من دون العشق و تحمل الصعاب و الصدق و الوفاء و لیس له مقدمات دراسیة و علمیة معقدة، و العرفاء الکبار من مدرسة النبی الاکرم (ص) و مدرسة الامامة قد نالوا هذا المقام بصورة مباشرة عن طریق النبی و الامام علیهم السلام، و ما هذا الا بسبب الاستفادة بلا واسطة من مصدر العلم و العرفان و الثبات على العش و ارادة الطاعة و الانقیاد لهم. کذلک نقرأ فی القرآن الکریم قوله تعالى: " قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونی‏ یُحْبِبْکُمُ اللَّهُ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحیمٌ ". [2] و هذا هو سر العشق و الارادة نحو اصحاب العلم اللدنی و مظاهر العلم و الحکمة و العرفان الذین تخلقوا باخلاق الله تعالى و هم التجلیات الواضحة لاسماء الله تعالى وصفاته.

ان هذا الطریق هو أیسر الطرق و اسلم الطرق و أحقها فی العرفان و الذی یمثل فی الواقع جوهر التشیع و الامامة أیضاً.

واما فی عصر الغیبة (علما ان الامام لم یغب بمعنى الغیبة المتعارف ظاهرا) فلم یغلق هذا الطریق أیضا بل هناک من العرفاء الکاملین یعیشون فی اوساط الناس على الدوام و هم یستقون علمهم و عرفانهم من تلک العین الصافیة و على اتصال دائم بمنبع الامامة الثر فی زمن الغیبة و الحضور. و من هنا تظهر فلسفة التأکید على الاستاذ فی التدرج فی مسار العرفان.

بناء على ما مر، فاذا کان الفرد قد وصل الى الکمال فی مقام الشریعة الذی هو الباب و الممر الى الطریقة و وصل عن طریق العمل و التقید بالشریعة و تحصیل التقوى الى التقلیل بالحد المطلوب من التعلقات الدنیویة فحینئذ سیوفر له الله تعالى الاستاذ الکامل و العارف الواصل لهدایته و ارشاده. و هذه النعمة الالهیة الکبرى تمثل مرتبة خاصة من مراتب الهدایة، و لاریب أن مدارج العرفان الاصیل و الحقیقی تکمن فی هذا الطریق و لا مجال لتحصیلها الا من خلاله. و الا فان احتمال الانحراف موجود دائما، و مما لاریب فیه ان الدعوات الشبیهة بالعرفان هذه الایام کثیرة جدا حیث تظهر باسالیب مختلفة لتجرف معها بعض الافراد و تحرفهم عن الطریق المستقیم، أو أن الفرد یصرف الکثیر من عمره فی تحصیل العرفان النظری من دون أن یحرک ساکنا فی الاتجاه الآخر المتمثل فی العرفان العملی و السلوکی.

لمزید الاطلاع انظر:

لزوم وجود الاستاذ فی مسیر التزکیة و الاعداد الروحی 1983 (الرقم فی الموقع: 2062) .

حدیث عنوان البصری 7961 (الرقم فی الموقع: 8135).

الحاجة الی الاستاذ فی العرفان. 12697 (الرقم فی الموقع: 12444)

کذلک یمکن الاستفادة من کتب الأعلام الکبار الشهید مرتضى المطهری و آیة الله جوادی الآملی، و آیة الله حسن زادة آملی فانها تحتوی على علوم مفیدة فی هذا المجال.


[1] المجلسی، بحار الانوار، ج1، ص 224، موسسه الوفاء، بیروت.

[2] آل عمران، 31.

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...