بحث متقدم

 «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومات...‏»؛[1] والمراد بهذه الأشهر: هي شوال، وذي القعدة، وذي الحجة. وهذه الأشهر تسمّى (أشهر الحج) لأن قسماً من أعمال الحج والعمرة لا يمكن الإتيان بها في غير هذه الأشهر وقسماً آخر يجب الإتيان به في اليوم التاسع إلى الثاني عشر من شهر ذي الحجة، والسبب في أن القرآن الكريم لم يصرّح بأسماء هذه الأشهر لأنها معلومة للجميع وقد أكد عليها القرآن الكريم بهذه الاية.[2]

ثم إن جملة «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومات» تستبطن نفياً لأحد التقاليد الخرافية في الجاهلية حيث كانوا يستبدلون هذه الأشهر بغيرها في حالة حدوث حرب بيهنم فيقدموا ويؤخروا منها كيف ماشاؤا،[3] فالقرآن يقول: إن هذه الأشهر معلومة ومعينة فلا يصح تقديمها وتأخيرها.[4]

والمراد من كلمة «حج» في الآية، أعمال الحج والعمرة فعمرة التمتع تؤدى في أشهر شوال، وذي القعدة، وذي الحجة، والزمان الخاص بالحج هو شهر ذي الحجة؛ فالعمرة وقتها في اليوم الأول من شهر شوال حتى اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، ووقت أداء حج التمتع يبدأ من اليوم التاسع حتى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة الحرام، ويمكن أن يمتد وقتها إلى نهاية شهر ذي الحجة في حال وجود بعض الموانع من أدائها في وقتها.[5]

فالإحرام لأداء عمرة التمتع أيضا لايمكن أن يصح على مذهب أهل البيت(ع) إلا في هذه الأشهر.[6] نعم يمكن أداء العمرة المفردة في الأشهر الآخر وعلى طول أيام السنة.

والإشكال الآخر الذي يرد على هذه العبارة حتى على التفسير المتقدّم، هو أن أشهر الحج لم تكن إلا شهري شوال وذي القعدة والعشر أيام الاولي من شهر ذي الحجة فلماذا ورد تعبير (الأشهر) الذي لايطلق إلا على ثلاثة أشهر فصاعداً؟ ما قيل في الجواب على هذا الاشكال:

أولاً: أن الإثنين قد يقع عليه -عند العرب- لفظ الجمع.

ثانياً: قد يضاف الفعل إلى الوقت وإن وقع في بعضه ويضاف الوقت إليه كذلك، تقول صليت «صلاة الجمعة» و«صلاة العيد» وإن كانت الصلاة في بعضه، لا في كله.[7]

وعليه فمن قال أن جميع شهر ذي الحجة من أشهر الحج، قال؛ لأنه يصح أن يقع فيها بعض أفعال الحج –كالوقوف في المشعر- في الحادي عشر والثاني عشر منه، ومثل -صوم الأيام الثلاثة وذبح الهدي- الذي يمكن أن يؤتى به إلى آخر شهر ذي الحجة للمعذور.[8] إذن يكون عندئذ جميع شهر ذي الحجة شهر الحج.

 

 

 

[1]. البقرة، 197.

[2]. مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، ج2، ص 50، قم، مطبعة أميرالمؤمنين، الطبعة الاولى، 1379ش

[3]. التوبة، 37. «إِنَّمَا النَّسي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرين‏».

  1. الطبرسي، فضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، المقدمة، البلاغي، محمد جواد، ج2، ص523، طهران، ناصر خسرو، الطبعة الثالثة، 1372ش

[5]. المصطفوي، حسن، تفسير روشن، ج3، ص35، طهران، مركز نشر الكتاب، طهران، الطبعة الاولى، 1380ش.

[6]. مجمع البيان في تفسير القران، ج2، ص524.

[7]. راجع نفس المصدر.

[8]. راجع نفس المصدر؛ محمودي، محمد رضا، مناسك الحج (المحشى)، ص 509 و 543 و 557، طهران، نشر مشعر، 1429ق.

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...