بحث متقدم
الزيارة
6435
محدثة عن: 2011/08/21
خلاصة السؤال
مع وجود الکثیر من الناس اللادینیین و الناجحین جداً فی حیاتهم کیف نتصور الحاجة الى الدین حینئذ؟
السؤال
مع وجود الکثیر من الناس اللادینیین و الناجحین جداً فی حیاتهم کیف نتصور الحاجة الى الدین حینئذ؟
الجواب الإجمالي

عندما نلقی نظرة على حیاة هؤلاء الناس الناجحین فی حیاتهم جداً نجد أنهم سعداء لما هم فیه من حیاة مرفهة و نجاح فی العمل ظاهراً، لکن عندما یختلون مع انفسهم و یبتعدون عن ضجیج الحرکة المادیة یرون انفسهم من التائهین حقیقة و یتساؤلون ماذا یعنی کل هذه الشهرة و الثروة؟ و ما الفائدة من ذلک و نحن سنغادر هذا العالم یوما ما؟ و ما یجدی الثناء و المحدح بعد موتنا و ما هو مصیر تلک الثروة الطائلة التی بذلنا جل و قتنا و حیاتنا من أجلها و التی سیتنعم بها الاخرون من دون کد و تعبٍ؟ فنحن خزّان لغیرنا إذن!!!

فعلى سبل المثال عندما نتصفح الدول الغنیة و المرفهة نجد سویسرا تتربع على هرم الدول المرفهة مادیاً و لکنها فی الوقت نفسه تعیش أزمة حادة تتمثل بانتشار ظاهرة الانتحار فی اوساط الشعب السویسرى، لماذا؟

لان البعد الاساسی للانسان لم یشبع و المتمثل فی الجانب المعنوی و الروحی، فعندما یصل الانسان الى قمة الرفاه المادی و یتوفر له کلّ شیء حینئذ یصل الى حقیقة الفراغ الذی یعیش فیه و انه یدور فی حلقة مفرغة لا تؤمن له کل حاجاته و إن استطاعت تأمین البعد المادی لدیه بدرجة عالیة جداّ.

الجواب التفصيلي

نحاول فی هذه الاجابة المختصرة الاشارة الى البعد العینی للقضیة و نترک الجانب التنظیری الى فرصة أخرى.

ونحن اذا نظرنا الى هؤلاء الناس الناجحین فی حیاتهم جداً کما ورد فی متن السؤال و الذین عایشنا البعض منهم، نجد أنهم سعداء لما هم فیه من حیاة مرفهة و نجاح فی العمل ظاهراً، لکن عندما یختلون مع أنفسهم و یبتعدون عن ضجیج الحرکة المادیة یرون أنفسهم من التائهین حقیقة و یتساؤلون ماذا یعنی کل هذه الشهرة و الثروة؟ و ما الفائدة من ذلک و نحن سنغادر هذا العالم یوما ما؟ و ما یجدی الثناء و المحدح بعد موتنا و ما هو مصیر تلک الثروة الطائلة التی بذلنا جل و قتنا و حیاتنا من أجلها و التی سیتنعم بها الآخرون من دون کد و تعبٍ؟ فنحن خزّان لغیرنا إذن!!!

فعلى سبیل المثال عندما نتصفح الدول الغنیة و المرفهة نجد سویسرا تتربع على قمة الهرم ضمن عدد قلیل من الدول لا تتجاوز عدد الاصابع، و لکن فی الوقت نفسه نجدها تعیش أزمة حادة تتمثل فی ارتفاع نسبة الانتحار فی صفوف الشعب السویسری فهی فی هذا الجانب تقف ایضا فی المقدمة حیث ترتفع النسبة الى درجة عالیة فی اوساط الشعب السویسری!!

نعم، هذا الشعب الذی نتصور أنه یعیش قمة السعادة و الانشراح تکثر فیه ظاهرة الانتحار؛ و ذلک لانهم عندما یصلون الى قمة الرفاه المادی حینئذ یدرکون أن القضیة لا تعدوا عن کونها وهماً و سراباً، فالجائع یفکر لأول وهلة بسد رمقه و إزالة آلام الجوع، و الفقیر یفکر بتحصیل الثروة و المال، و الضائع یفکر بشیء یؤویه و یستظل به، لکنهم عندما یصلون الى ضالتهم یفکرون فی شیء آخر هو التنزه و الترویح عن النفس، و عندما تتوفر له الحاجة یتساءل عن المستقبل و عن المصیر الذی یواجهه، ما هی المحطة الاخیرة التی سترسو سفینته عندها؟! و کذلک یسائل نفسه عن هذه الحرکة المیکانیکیة الرتیبة التی تدور فی محیط ثابت و دائرة مفرغة قوامها جمع المال و الاکل و الاستراحة!! و من هنا یصل الى قناعة راسخة بانه یعیش الخواء التام و یدرک أن الحیاة التی یسعى لها لیست کل شیء و لا تستحق کل هذا العناء و التعب و لیست بالصدیق الذی یستحق مواصلة المشوار معه، من هنا یلجأ الى الانتحار لوضع حد للحرکة فی تلک الدائرة المفرغة.

یقول أحد السینمائیین الایرانیین: طلب منی السویسریون أن أعمل لهم فلماً سینمائیاً فقلت لهم: لماذا وقع الاختیار علیّ من بین عمالقة السینما فی العالم! فکان الجواب اننا نعیش فی أزمة کبیرة و مشکلة حادة هی مشکلة انتشار ظاهرة الانتحار عندنا، و عندما تصفحنا النتاجات السینمائیة و جدنا نتاجکم یتوفر على البعد المعنوی من هنا نرى فی ذلک معالجة مهمة للحد من ظاهرة الانتحار عندنا!

هذه نظرة عینیة سریعة على الواقع الذی نتصور أنه یعیش النجاح فی جمیع ابعاده.

و اما البحث التحلیلی للقضیة:

عندما نضع الانسان تحت مشرطة البحث و التحلیل نجده یتکون من بعدین أساسیین:

البعد المادی و هذا ما تتکفل المادة فی تأمینه؛ و البعد المعنوی و الالهی. و ما لم یشبع هذا البعد لدى الانسان یبقى یعیش الفراغ و الجوع، بل یمثل هذا الجانب البعد الاساسی لدى الانسان بحد لو أعطی الانسان جمیع ما یحتاج الیه فی بعده المادی و توفرت له کل متطلباته المادیة، یبقى یعیش التیه و الضلال و الخواء الروحی و المعنوی. و من هنا عندما نرجع الى تاریخ الانسان القریب و بالتحدید الى القرن التاسع عشر المیلادی حیث انبهر الانسان بنتاجه العلمی و ظن بانه فی غنى عن السماء و المعنویات و أنه استطاع أن یکتشف کل شیء و یضع الحلول لجمیع مشاکله فلا حاجة الى الدین حینئذ! لکن ما أن حل منتصف القرن العشرین حتى وجدنا منحنی الفکر یسیر فی اتجاه آخر، حیث ظهرت الازمات على السطح فتجلت أمامه الحقیقة بانه لا یمکن بحال من الاحول الاستغناء عن الدین، و ما ان اقتربنا من العقدین الاخیرین من ذلک القرن و التی تقارنت مع انتصار الثورة الاسلامیة  المبارکة حتى حصل التحول الکبیر الأمر الذی جعل هانتغتون یقول عام 2000 فی زیوریخ أن مسیر البشریة فی العقدین الاخیرین عاد باتجاه الدین و أنی أعلن أن الالفیة الثالثة هی ألفیة الولادة الجدیدة للأدیان!. و هذا ما وقع بالفعل، لماذا؟ لان البشریة توصلت الى حقیقة مهمة مفادها أن ما توصل الیه الانسان من علم و تقنیات عالیة إنما یؤمن البعد المادی للانسان فقط و یبقى هناک بعد اساسی بحاجة الى من یشبعه و هو البعد الروحی و المعنوی للانسان و هذا ما یتکفل بتأمینه الدین خاصّة.

لمزید الاطلاع انظر:

القرآن و التطور رقم 4078 (الرقم فی الموقع: 4534 ) ؛

تعارض العلم و الدین فی الغرب، رقم 1250 (الرقم فی الموقع: 1272)؛

عدم تعارض العلم و الدین، رقم 1251 (الرقم فی الموقع:1265)؛

دور الدین فی العالم المتطور، رقم 2399 (الرقم فی الموقع: 2874 ) ؛

الانسان و الدین، رقم 589 (الرقم فی الموقع: 642 ) ؛

الاسلام و متطلبات العصر، رقم 2174 (الرقم فی الموقع: 3019 ) ؛

الشعور بالحاجة الى الله، رقم9322 (الرقم فی الموقع: 9300)؛

دور الله فی حیاة البشریة، رقم 14100 (الرقم فی الموقع: 13899 ) .

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...