Please Wait
8699
لعدة مرات فی الحیاة نجد أنفسنا غرباء منفردین، و الطریق الذی لا نجد بداً من السیر علیه، هو الطریق الثابت المعین من قبل لحیاتنا، و ذلک فی عدة أمور من أمثال الأصل الذی ننحدر منه، القومیة ، العائلة التی نولد فیها، القوام الذی نتمتع به، الهیئة التی نکون علیها، اللغة، و غیر ذلک من الأمور. و فی مقابل ذلک طالما وجدنا أنفسنا مرات و مرات، امام مجموعة من الطرق التی لاندری ایها نسلک وایها نترک ونبقى فی حیرة و تردد و ضیاع امامها. و أوّل سؤال یتبادر إلى أذهاننا فی مثل هذه الحالة هو: ماذا نفعل؟ و أی طریق نسلک؟
نعم إن ألفاظاً من أمثال: أیّ، و لماذا، و أیّ شیء، تدل جیداً على الاختیار و الانتخاب.
أما فیما یخص اختیار الإنسان فلابد من القول: لسنا علةً تامة فی تحقیق أعمالنا الاختیاریة، و لسنا مضطرین و مجبرین فی القیام بها دون أن یکون لنا أی دور یذکر، بل نحن علة ناقصة لأفعالنا من بین العدید من العلل و الشروط و المقدمات، و إذا لم توجد هذه العلة الناقصة و هی إرادتنا و اختیارنا، فلا یصدر الفعل ابداً.
الفعل الذی یقوم به الإنسان یمثل ظاهرة من ظواهر عالم الخلق، و إن وجوده مثل سائر الظواهر فی العالم، أی أنه یرتبط ارتباطاً کاملاً بالعلة،[1] و بما أن الإنسان جزء من أجزاء عالم الخلق، و له ارتباط وجودی بأجزاء العالم الأخرى، فلا یمکن أن تکون الأجزاء الأخرى غیر مؤثرة فی أفعاله، فمثلاً إن قطعة الخبز التی یتناولها الإنسان تتطلب وجود العدید من العوامل و الوسائل حتى یتمکن الإنسان من الاستفادة منها کالعلم و الإرادة و القدرة و وجود الفم و الید و الرجل و غیر ذلک من العوامل، کوجود الخبز فی الخارج، و إمکانیة الوصول إلیه، و عدم وجود المانع فی ذلک، و کثیر من العوامل و الشروط الأخرى المکانیة و الزمانیة التی تدخل فی وجود العمل. و عندما لا یتحقق أحد العوامل أو بعضها فلا یتحقق الفعل و لا یکون مقدوراً علیه، و عندما تتوفر جمیع العوامل، و معنى ذلک تحقق (العلة التامة) یکون تحقق الفعل ضروریاً.[2] (و العلة التامة تعنی تحقق جمیع العلل و العوامل ذات المدخلیة فی القیام بأی فعل، أو إیجاد أی شیء).
و إن الله الذی یملکنا جمیعاً تعلقت إرادته أن یکون الإنسان ذا إرادة فی أعماله الاختیاریة، و أنه منشأ هذه الآثار، فمثلاً لو تطلب تحقق عمل ما إلى خمسة عوامل و علل فإن إحدى هذه العلل و العوامل هی إرادة الإنسان و اختیاره. فلو فرضنا أن إضاءة المصباح الکهربائی تتطلب تهیئة و سلامة عدة عوامل و وسائل منها: المفتاح الکهربائی، السلک الناقل للتیار، المصباح نفسه، جهاز السیطرة، الاتصال بالمصدر المولد للطاقة الکهربائیة، و سریان التیار فی السلک الناقل، و إن أحد هذه العلل المتعددة حصول الضغط على المفتاح لإیصال التیار الکهربائی و فی هذا المثال یمکن أن یقال إذا کانت کل العلل و الوسائل و الشروط مهیأة فإن الضغط على المفتاح یمثل اختیارنا و إرادتنا، و قد أراد الله سبحانه أنه لو لم یرد الإنسان الضغط على المفتاح باختیاره، فإن المصباح لا یمکن أن یضیء. و إن ضرورة نسبة الفعل إلى مجموع الأجزاء کعلة تامة لا ینافی نسبة العمل إلى الإنسان کجزء من أجزاء العلة التامة.
و صحیح أن فی المثال المذکور إذا تحققت جمیع العلل، فإن المصباح یضیء و لکن هل أن ضغط المفتاح من قبل الإنسان ضروری أم ممکن؟
و الجواب الواضح لهذا السؤال هو: فی حالة میل الشخص إلى الضغط على المفتاح، فإن جمیع العلل تجتمع و ذلک ما یسبب إضاءة المصباح على نحو الضرورة. و إن وجود المیل أو عدمه لدى الفرد بالنسبة إلى العمل یعبر عن نسبة الإمکان بوضوح.
و لذا فإن إمکان الإنسان؛ یعنی أن له اختیار الفعل و إن ضرورة نسبة الفعل إلى مجموع أجزاء العلة لا یوجب کون نسبة العمل إلى جزء من أجزاء العلة - و هو الإنسان - نسبة ضروریة.
و إن الإدراک الساذج للإنسان و البدیهی یؤید ذلک، فالناس بطبیعتهم یفرقون بین نوعین من العطاء الإلهی، فلیست النظرة واحدة، مثلاً إلى الأکل و الشرب و الذهاب و المجیء من جهة، و الصحة و المرض و الکبر و الصغر و الطول و القصر من جهة أخرى. فهم یدرکون الفرق بین النوعین من هذه الأمور، فالقسم الأوّل له علاقة مباشرة بإرادة الإنسان، و إنه ضمن دائرة اختیاره، و إنه یقع مورداً للأمر و النهی و السؤال و المدح و الذم. خلافاً للقسم الثانی، فلا یتوجه التکلیف فیه إلى الإنسان بأی وجه.
و قد ظهر فی صدر الإسلام مذهبان مشهوران لدى أهل السنة فیما یتعلق بأفعال الإنسان، فقد اعتقد البعض أن أفعال الإنسان تتعلق بالإرادة الإلهیة الغیر قابلة للتخلف، فالإنسان عندهم مجبور على أعماله، و لم یروا أی قیمة لاختیار الإنسان و إرادته.
بینما ذهب البعض الآخر إلى أن الإنسان مستقل فی أفعاله، و لیس لها أی علاقة بالإرادة الإلهیة، فهی خارجة عن حکم القدر. و لکن بحسب تعالیم أهل البیت (ع) التی تطابق ظاهر آیات القرآن الکریم، فإن الإنسان مختار فی أفعاله، و لکنه لیس مستقلاً، و إنما تعلقت إرادة الله سبحانه و تعالى بالفعل عن طریق الاختیار. و بعبارة أخرى، فإن إرادة الله جل جلاله تعلقت بالفعل من خلال مجموع أجزاء العلة التامة التی تکون إرادة الإنسان و اختیاره جزءاً منها، و بذلک یکون الفعل مراداً و ضروریاً فی نفس الوقت. و نتیجة القول: إن الفعل ضروری و لکن الإنسان مختار فیه؛ یعنی أن الفعل بالنسبة إلى مجموع أجزاء علته التامة ضروری، و أما بالنسبة إلى أحد أجزاء علته - و هو الإنسان - فهو اختیاری و ممکن.[3]
الکتب النافعة فی الموضوع:
أ- انسانشناسى "معرفة الإنسان"، محمود رجبی، الفصل 5، 6.
ب- المنهج الجدید فی تعلم الفلسفة، مصباح الیزدی، ج2، الدرس 69.
ج- العدل الإلهی، مرتضى المطهری.
[1] إما أن تکون العلة کافیة لتحقق المعلول، و لا یتوقف وجود المعلول على شیء آخر غیر وجود العلة، و بعبارة أخرى فإن وجود المعلول ضروری بعد وجود العلة و فی هذا الفرض تسمى العلة بـ (العلة التامة).
و أما الفرض الثانی، فعلى الرغم من کون العلة فیه ضروریة لوجود المعلول، إلاّ أنها غیر کافیة لتحقق هذا الوجود، و إنما تبقى الحاجة قائمة لأمور أخرى و علة أو علل إضافیة لیکون وجود المعلول ضروریاً، و فی هذا الفرض یطلقون على العلة اسم (العلة الناقصة).
[2] الطباطبائی، السید محمد حسین، شیعه در اسلام" الشیعة فی الإسلام"، ص78، شرکة المنشورات.
[3] نفس المصدر، ص79.