بحث متقدم
الزيارة
6898
محدثة عن: 2011/09/07
خلاصة السؤال
إذا کان للإنسان المؤمن الذی یسکن الجنة أقارب و متعلقین یعذبون فی جهنم، ألا یوجد تناف بین هذه المسألة و القول بعدم الحزن و السأم فی الجنة؟
السؤال
إذا کان أحد أقارب أو معارف الشخص الذی یسکن الجنة یتعذب فی جهنم ـ و العیاذ بالله ـ ، ألا یتنافى هذا مع القول أنه لا یوجد فی الجنة حزن و لا سأم؟
الجواب الإجمالي

نعلم أن جمیع الناس خلقوا من نفس واحدة، و أن جمیع البشریة تشکل جسماً واحداً، و أصحاب الدرجات المتسامیة من البشر هم أکثر اطلاعاً على هذه الوحدة من سائر الناس، و بهذا الامتیاز یکون لهم هدایة الناس و الشفاعة لهم.

و قد ورد فی بعض الروایات أن المؤمنین الطاهرین من أهل الجنة یشفعون لمن ینتسب إلیهم من أصحاب الذنوب والخطایا، و إن الروایات الواردة فی باب الشفاعة تبین نظر الإسلام والقرآن فی هذه المسألة، و ذلک فی إطار جمیع الشروط و الضوابط و التفاصیل المذکورة فی بحث شفاعة الأئمة، و... فلابد من مراعاتها فی هذه القضیة أیضاً.

و لمزیدٍ من الإیضاح یراجع الجواب التفصیلی.

الجواب التفصيلي

لقد طُرِح التعارض بین العلم بعذاب الإنسان و التمتع بنعیم الجنة فی موارد عدیدة، و بالتوجه إلى السؤال المطروح أعلاه نشرع بالبحث فی هذه المسألة.

نحن نعلم أن جمیع الناس خلقوا من نفسٍ واحدة، و أن جمیع البشریة تشکل جسماً واحداً، و أن أصحاب الدرجات و المراتب المتسامیة من البشر هم الأکثر احساساً و إدراکاً لهذه الوحدة.

و بهذا المقدار من الاطلاع والإحساس یتمتعون بامتیاز هدایة الناس و الشفاعة منهم، و ذلک لأنهم یشعرون بآلام الناس و کأنها آلامهم، و لا یتحملون عذاب الناس و ضلالهم.

و یمکن مشاهدة هذه الوحدة لدى الناس العادیین و المنسوبین إلیهم من الأقارب و الأصدقاء.

و قد وردت الإشارة فی بعض الروایات إلى العلاقة بین المؤمنین الطاهرین من أهل الجنة و المقربین إلیهم من أصحاب الذنوب والخطایا الذی انتهى مصیرهم إلى النار، و إن هؤلاء المؤمنین یتحسسون بعذاب المنسوبین إلیهم من أصحاب النار، و لیسوا غیر مبالین بمصیرهم وعذابهم، و لکن الله یحکم بینهم فی نهایة المطاف.

روی عن النبی (ص): «یجمع الله أطفال أمة محمد (ص) یوم القیامة فی حیاضٍ تحت العرش قال فیطلع الله علیهم اطلاعةً فیقول ما لی أراکم رافعی رؤوسکم إلی فیقولون یا ربنا الآباء و الأمهات فی عطش القیامة ونحن فی هذه الحیاض قال فیوحی الله إلیهم أن اغرفوا فی هذه الآنیة من الحیاض ثم تخللوا صفوف القیامة فاسقوا الآباء و الأمهات».[1]

و فی روایةٍ أخرى مشابهة للروایة المتقدمة أن الله یخاطب جبرئیل قائلاً: «عن أعلام الدین للدیلمی عن النبی(ص) قال تجیء یوم القیامة أطفال المؤمنین عند عرض الخلائق للحساب فیقول الله تعالى لجبرئیل (ع) اذهب بهؤلاء إلى الجنة فیقفون على أبواب الجنة و یسألون عن آبائهم وأمهاتهم فتقول لهم الخزنة آباؤکم و أمهاتکم لیسوا کأمثالکم لهم ذنوبٌ و سیئات یطالبون بها فیصیحون صیحةً باکین فیقول الله سبحانه وتعالى یا جبرئیل ما هذه الصیحة فیقول اللهم أنت أعلم هؤلاء أطفال المؤمنین یقولون لا ندخل الجنة حتى یدخل آباؤنا و أمهاتنا فیقول الله سبحانه و تعالى یا جبرئیل تخلل الجمع وخذ بید آبائهم و أمهاتهم فأدخلهم معهم الجنة برحمتی».[2]

و بالرجوع إلى هذه الروایة ودراسة الروایات الأخرى الواردة فی باب شفاعة المؤمنین یمکننا الحصول على نظرة الإسلام و القرآن العامة والکلیة فی مسألة رفع التعارض المزعوم من خلال الرجوع الی الکثیر من الروایات المتعلقة بالشفاعة التی تشیر إلى هذا المطلب وتعالج هذا المبحث و هی بمجموعها تشکل الجواب الذی یروی عطش الناس المتطلعین إلى نجاة أبناء جنسهم من العذاب و الضلال.

المسألة الأخرى الجدیرة بالذکر مسألة عدم وجود رابطة حقیقیة بین المؤمن والکافر المعاند مع ما یکون بینهما من الانتساب فی الظاهر، و لکن الحب والعداوة الاهم ما کان لله وفی الله فإن الحب و البغض فی الله یلقی بظلاله على کل علاقة و نسبة أخرى.

یقول تعالى فی القرآن الکریم: «لَا تَجِدُ قَوْمًا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ کَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ أُولَئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمَانَ وَ أَیَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ یُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولَئِکَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»[3].

وإن الانفکاک و عدم الارتباط له مراتب، و أن المؤمنین الکمل وصلوا فی محبة الله إلى مراتب أعرضوا معها عن کل محبوب: «یحبونهم کحب الله والذین آمنوا أشد حباً لله».[4]

و على هذا الأساس فکل مؤمن حقیقی لا یمکن أن یضمر الحب للمنتسبین إلیه من أعداء الله الذین ساروا خلافاً للارادة الإلهیة إلا ما کان منهم غیر مصر على ضلالته و عنده القابلیة على الهدایة و قد نقل فی التاریخ نماذج کثیرة من هذه القبیل، و إن قطع العلاقة مع هکذا أشخاص بمثابة الاستجابة للفطرة، و لیس فی ذلک ما یعارض الحیاة فی الجنة و التمتع بنعیمها.

فقد جاء فی قصة إبراهیم مع آزر فی القرآن الکریم فی قوله تعالى: «وَ مَا کَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِیمَ لَأَوَّاهٌ حَلِیمٌ»[5],

و على هذا الأساس فعلى الرغم من کل ما یضمره المؤمنون من محبة للناس، و مع ما یبذلونه من جهد إلا أنهم یصلون فی النهایة إلى نتیجة مؤداها أن هؤلاء الناس لا یریدون رحمة الله و هدایته بل یظهرون العداء لله، و یصرون على هذا النهج بکل غرور وتکبر و استعلاء، وبذلک یرى المؤمنون أنهم أدوا رسالتهم و بذلک یترکون هؤلاء و اختیارهم.

و کذلک فإن رضا الله فی عدم حب أعدائه، لأن إرادة الله تعلقت بأن یکون اختیار القید أساسی فی تکامله و هدایته، و لیس بالإمکان اجبار أحد على دخول الجنة، و أن دخول الجنة بالاجبار سیکون ذات دخول النار، و لذلک خاطب الله سبحانه نبیه (ص) عندما أبدى رأفته وأظهر تلهفه على الناس، قال تعالى: «إِنَّکَ لَا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَکِنَّ اللَّهَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ».[6]

 



[1] المحدث النوری، مستدرک الوسائل، ج2، ص401.

[2] المصدر نفسه، ج2، ص 390، مؤسسة آل البیت، 1408ق.

[3] المجادلة، 22.

[4] البقرة، 165.

[5] التوبة، 114.

[6]  القصص، 56.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...