Please Wait
6433
القضاء و القدر الإلهی على نوعین، أحدهما القضاء الحتمی المرتبط باللوح المحفوط، و الثانی القضاء المعلق أو التعلیقی و هو مرتبط بلوح المحور و الإثبات. و لوح المحو و الإثبات قابل للتغییر أی أن الله تعالی جعل القضاء و القدر المکتوب فیه قابلاً للتغییر.
و من جملة العوامل التی تؤثر فی تغییر القضاء الإلهی: الأعمال الصالحة کالخلق الحسن و صلة الرحم، الدعاء، الصدقة و کذلک الأعمال السیئة و الذنوب، فکلا الأمرین یترک أثراً بالنسبة لمصیر الإنسان و السعة و الضیق و طول العمر و قصره.
ینقل عن أمیر المؤمنین (ع) أنه سأل النبی (ص) عن قوله تعالى: (یمحو الله ما یشاء ویثبت وعنده أم الکتاب) فقال له رسول الله (ص): " لأقرن عینیک بتفسیرها، و لأقرن عین أمتی بعدی بتفسیرها: الصدقة على وجهها و بر الوالدین و اصطناع المعروف یحول الشقاء سعادة و یزید فی العمر و یقی مصارع السوء".
و روری عن رسول الله (ص) قوله: (لا یرد القضاء إلا الدعاء).
و أما فیما یخص النذر و هل أنه من عوامل رَدّ البلاء و تغییر القضاء أم لا؟ فلا بد من القول: أن النذر یکون بالصیغة التالیة مثلا: للّه علیّ 100 دینار أعطیها الفقیر إن شفانی اللَّه من المرض، و هذا النذر إضافة إلى کونه عملاً جیداً فإنه یمکن أن یکون له أثر فی تغییر مصیر الإنسان، فهو نوع دعاء و توسل و لذلک یمکن أن یکون له أثر فی تغییر القضاء الإلهی من هذه الناحیة.
و إذا کان المنذور من مصادیق عوامل تغییر القضاء کالصدقة و صلة الرحم فإنه سیکون مؤثراً فی رد القضاء الإلهی أیضاً.
یکون الجواب عن هذا السؤال میسراً فی إطار إیضاح عدّة نقاط.
1ـ ما معنى التقدیر و القضاء و القدر الإلهی؟
القضاء یعنی حتمیة الحدوث، و هذه الحتمیة من جهة العلل و الأسباب. و القدر یعنی اکتساب الحدود و المشخصات و الخصوصیات، و یعتمد هو الآخر على علل و أسباب الحادثة. و القضاء و القدر الإلهی فی الواقع عبارة عن رجوع جمیع العلل و الأسباب إلى إرادة و مشیئة و علم الحق تعالى و هو علة العلل و مسبب الأسباب، و معنى ذلک أن کل عامل یظهر و یتجلى فی العالم یعتبر تجلیاً لعلم الحق و إرادته و مظهراً للإرادة الإلهیة و آلة لإجراء القضاء و القدر. و من الممکن أن یکون القضاء و القدر غیر حتمی، و هذا أیضاً من مظاهر القضاء و القدر الإلهی و حلقة من حلقات العلیة، و إن هذا العامل المغیر و المبدل للمصیر هو أیضاً من قضاء الله و قدره، و إن القضاء و القدر الإلهی اقتضى ذلک. فمثلاً لو أن أحداً ابتلی بمرضٍ معین و هذا هو قدره و هو ناشئ من علّة خاصّة، و لکن لو تناول هذا المریض دواءً، فالدواء تصاحبه علّة أخرى قدر آخر، و هو ذهاب المرض. أی أن قدر المریض و مصیره السابق تغیّر بسبب عامل الدواء، و هذا من القضاء و القدر الإلهی، و إذا فرضنا أنه لم یتناول الدواء و بقی یتألم أو أنه تناول دواءً مضراً تسبب فی موته فإن هذا أیضاً بمقتضى القضاء و القدر، فکل عمل یعمله الإنسان لا یخرج عن دائرة القضاء و القدر. و خلاصة القول أن القضاء و القدر لیست بعامل فی عرض عوامل العالم الأخرى، و إنما هو مبدأ و منشأ کل عوامل العالم، فکل عامل یظهر و یترک أثراً معیناً إنما هو مظهر من مظاهر القضاء و القدر و ینضوی تحت قانون العلیة العام، و أی مقدار من العلل و الأسباب المختلفة التی تؤثر فی حادثة معینة فبالإمکان تصور أصلها من أنواع القضاء و القدر المختلفة، و ما یجری من حوادث بقضاء و قدر إلهی و ما یتوقف منها بقضاء و قدر إلهی أیضاً. و هکذا فإن قضاء الله و قدره یستوعب کل ما یجری فی هذا العالم.
2ـ ما المراد باللوح المحفوظ و لوح المحو و الإثبات؟
کل الظواهر التی تظهر فی هذا العالم صغیرها و کبیرها إنما هی تجلیات لقدرة الله و علمه المطلق، و جمیع هذه الظواهر مکتوبة فی الکتاب التکوینی الإلهی، و تجری وفق الإرادة الإلهیة و طبقاً لبرنامج معین محسوب.
و قد ورد فی النصوص الإسلامیة المسطرة فی العدید من الکتب المختصة بعالم الخلق و عالم التکوین أن مصیر الإنسان و العالم و کل ما یجری علیهما منذ الولادة و حتى الزوال من شقاوة و سعادة و ما یناله من رزق و ما یواجهه من أحداث کل ذلک مسطور فی کتاب مخطوط بقلم التقدیر، و مقابل کتاب التکوین هذا، جاء القرآن الکریم باعتباره کتاب تشریع منزل من الله تعالى.
و طبقاً للآیات القرآنیة و الروایات الموجودة فإن جمیع الظواهر فی العالم صغیرها و کبیرها تکتب فی کتابین أو لوحین تکوینیین لکل منهما مشخصاته الخاصة و هما: ألف: اللوح المحفوظ، و یعبّر عنه فی بعض الأحیان بـ (أم الکتاب) أو (کتاب مسطور) أو (رق منشور)، أو (کتاب مکنون) أو (کتاب حفیظ) و ما یکتب و یثبت فی هذا الکتاب غیر قابل للتغییر، و لیس فیه تبدیل أو تحویل.
ب: لوح المحو و الإثبات، و هو محل إثبات الحوادث التی سوف تصل إلى مرحلة الفعلیة، و کما هو واضح من اسمه فإن ما یکتب فیه قابل للتغییر و التبدیل، و قد جاء فی الآیة المبارکة الإشارة لکلا اللوحین فی قوله تعالى: (یمحو الله ما یشاء و یثبت و عنده أم الکتاب)[1].
فبحسب هذه الآیة إن لدى الحق کتابین فی عالم التکوین، أحدها کتاب یمکن أن یمحو الله ما کتب فیه فی أی وقت یشاء او یثبت أی شیء لم یکتب فیه، أی أنه متعلق بالتغیرات الحاصلة فی قضاء الله، و الکتاب الآخر هو أصل و أساس کل الظواهر و الحوادث الموجودة فی العالم ولم یکن قابلاً للتغییر و التبدیل.
و بعبارة أخرى إن لوح المحو و الإثبات مظهر لقدرة الله المطلقة و إن ما یکتب فیه له نوع تعلیق و مناط بشروط، و على نحو الجملة الشرطیة، إذا حدث کذا سیکون کذا و إذا لم یحدث لم یکن، و قد مثل العلامة المجلسی لذلک بالمثال التالی: لو کتب لزید عمرٌ مقداره خمسون سنة، و لکن بهذه الشاکلة إنه إذا وصل رَحِمَه سیکون عمره مائة عام وإذا قطعها سیکون عمره 40 عاماً، فإذا وصل رحمه یمحى کتاب الخمسین عاماً و یثبت المائة[2].
3ـ القضاء و القدر غیر الحتمی مرتبط بلوح المحو و الإثبات و توضیح ذلک: إن لله نوعین من القضاء و التقدیر أحدهما قضاء حتمی و آخر معلق أو تعلیقی، ففی المثال المتقدم فإن موت زید أمر حتمی لا یقبل التغییر، و لکن زمان موته أمر معلق و قابل للتغییر، و أحیاناً یعبر عن ذلک بالأجل المسمّى و الأجل المعلّق، و فی الآیة المتعلقة بلوح المحو و الإثبات فی قوله تعالى (یمحو الله ما یشاء و یثبت) دلالة واضحة أن قضاء الله قابل للتغییر، و هذا لا یعنی أن هذا القضاء الإلهی یحدد قدرة الله و أنه لا یمکن أن یأتی بعمل یخالف قضاءه، فإن الله دائماً و أبداً فی حالة إحداث عمل جدید، خلافاً لما یعتقده الیهود[3] و بعض الفلاسفة من أنه تعالى أشبه بالحاکم المعزول الواقع تحت أسر قوانینه!. بل هو قادر سبحانه على تغییر ما هو مکتوب من قضاء و قدر، و إن لوح المحو و الإثبات هو محل هذه التغییرات.
و هذه الحقیقة مبینة فی القرآن الکریم بصورة أخرى، فقد أخبر القرآن فی آیاته عن تغییر مصیر بعض الأشخاص و الأمم، و نبّه أیضاً على أن القضاء الإلهی یتعلق بعض الأحیان بشیءٍ و لکن هذا القضاء یتغیر على إثر عوامل خاصّة.
مسألة البداء:
إن الحقیقة المشار إلیها المتمثلة بأن یغیر الله متى ما شاء هی عینها مسألة (البداء) التی یعتقد بها الشیعة و ینفیها أهل السنة، فالشیعة یعتقدون أن البداء هو ذات المحو و الإثبات الذی یفعله الله متى ما أراد فی لوح المحو و الإثبات، و لیس هناک من شیء وراء ذلک، و لیس معنى البداء أن الشیء لم یکن معلوماً لله ثم ظهر له و علمه، و إنما معناه أن الشیء الذی کان خافیاً على العباد اظهره و أبداه[4].
5ـ العوامل المؤثرة فی تغییر القضاء الإلهی:
من الموارد التی غیر الله فیها القضاء ما جرى فی قصة یونس، فقد أشار القرآن إلى تغییر القضاء فیما یخص شخصه و کذلک قومه[5]. و إضافة إلى ما ذکر من تغییر القضاء فی العدید من الآیات القرآنیة بحسب ما یصدر من أعمال الخیر و الشر من الناس[6], هناک العدید من الروایات التی تؤکد على أن تأثیر أعمال الخیر و الشر لها علاقة بتغییر المصیر کحسن الخلق و صلة الرحم، و التصدق[7]، و کذلک الأعمال السیئة تؤثر فی مصیر الإنسان و حالاته مثل طول العمر و قصره و...
و کما تقدم فإن محل هذه التغییرات فی القضاء الإلهی هو لوح المحو و الإثبات، و قد نقل عن أمیر المؤمنین (ع) أنه سأل رسول الله (ص) عن هذه الآیة (یمحو الله ما یشاء...) فقال له رسول الله(ص): «لأقرن عینیک بتفسیرها، و لأقرن عین أمتی بعدی بتفسیرها: الصدقة على وجهها و بر الوالدین و اصطناع المعروف یحول الشقاء سعادة و یزید فی العمر و یقی مصارع السوء»[8].
و کذلک ورد فی الروایات: «الدعاء یردّ القضاء بعد ما أبرم إبراماً، فأکثر من الدعاء فإنّه مفتاح کل رحمة ونجاح کل حاجة، ولا ینال ما عند الله عز وجل إلا بالدعاء، وإنّه لیس باب یکثر قرعه إلا یوشک أن یفتح لصاحبه».[9]
و روی فی بحار الأنوار عن رسول الله (ص) أنه قال: لا یرد القضاء إلا الدعاء[10].
6ـ النذر یرد البلاء و یغیر القضاء:
النذر هو أن یتلفظ الإنسان صیغة و عبارة محددة کأن یقول مثلاً: للّه علیّ 100 دینار أعطیها الفقیر إن شفانی اللَّه من المرض[11]، و هذا النذر إضافة إلى کونه عملاً جیداً، و أنه یمکن أن یغیر مصیر الإنسان بهذا اللحاظ، فإنه یعتبر نوع دعاء و توسل بلحاظ آخر، و من هذه الناحیة یمکن أن یکون له أثر فی تغییر القضاء الإلهی أیضاً. و یضاف إلى ذلک إذا کان متعلق النذر (المنذور) من مصادیق العوامل المؤثرة فی التغییر کالصدقة و صلة الرحم فإنها تکون مؤثرة فی رد القضاء الإلهی.
انظر موقع الاستفتاءات (کد 592).
[1]الرعد، 39.
[2] بحار الأنوار، ج4، ص 130،بتصرف یسیر.
[3] رد القرآن الکریم على العقیدة الباطلة هذه للیهود و المقتبسة من کلمات بعض فلاسفة الیونان و بین أن قدرة لله تعالى لایحد حد و أکد على هذا المعنى الکبیر کما فی قوله تعالى: «وَ قالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتانِ یُنْفِقُ کَیْفَ یَشاءُ وَ لَیَزیدَنَّ کَثیرًا مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ طُغْیانًا وَ کُفْرًا وَ أَلْقَیْنا بَیْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى یَوْمِ الْقِیامَةِ کُلَّما أَوْقَدُوا نارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی اْلأَرْضِ فَسادًا وَ اللّهُ لا یُحِبُّ الْمُفْسِدینَ». المائدة، 64.
[4]للاطلاع الأکثر، انظر: ترخان، قاسم، نگرشی عرفانی، فلسفی وکلامی به شخصیت وقیام إمام حسین(ع)، ص255 ـ 278، الطبعة الأولى، منشورات چلچراغ، 1388 هـ ش؛ جعفری، یعقوب، الکوثر، ج5، ص556 ـ 571، برنامج جامع التفاسیر.
[5]«فلولا أنه کان من المسبحین للبث فی بطنه إلى یوم یبعثون» الصافات: 143 ـ 144.
[6]«له معقبات من بین یدیه ومن خلفه یحفظونه من أمر الله إن إن الله لا یغیر ما بقوم حتى یغیروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال» (الرعد، 11). «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا علیهم برکات من السماء والأرض ولکن کذبوا فأخذناهم بما کانوا یکسبون» (الأعراف، 96).
[7]«الصدقة ترد القضاء الذی قد أبرم إبراماً» من لا یحضره الفقیه، ج4، ص368.
[8]الدر المنثور، ج4، ص66.
[9]الکافی، ج2، ص470.
[10] عن أبی الحسن موسى (ع): علیکم بالدعاء فإن الدعاء و الطلب إلى الله عز و جل یرد البلاء، و قد قدر و قضى فلم یبق إلا إمضاؤه- فإذا دعی الله و سئل صرف البلاء صرفا. و عن الصادق (ع): أن الدعاء یرد القضاء المبرم و قد أبرم إبراما فأکثر من الدعاء فإنه مفتاح کل رحمة و نجاح کل حاجة و لا ینال ما عند الله إلا بالدعاء فإنه لیس من باب یکثر قرعه إلا أوشک أن یفتح لصاحبه.( المیزان فی تفسیر القرآن، ج2، ص: 40؛ وانظر: بحار الانوار، ج90، ص295).
[11]للاطلاع الأکثر انظر: الموضوع: النذر الأفضل، سؤال 873 (الموقع: 1023).