بحث متقدم
الزيارة
7440
محدثة عن: 2011/10/17
خلاصة السؤال
لماذا جملة "إن الحسین مصباح الهدی و سفینة النجاة" قیلت فی الإمام الحسین (ع) خاصةدون سائر الأئمة (ع)؟
السؤال
أرجوا أن تشرحوا لی حدیث "إن الحسین مصباح الهدی و سفینة النجاة" و لماذا ورد فی الإمام الحسین (ع) خاصة دون غیره من الأئمة (ع)؟ و إذا یوجد مصدر لشرح هذا الحدیث أرجو بیانه لی.
الجواب الإجمالي

الائمة کلهم مصابیح الهدایة و سفن النجاة، لکن قد تقتضی شروط الزمان و ظروفه أن تتجلی جنبة معینة من شخصیة کل واحد منهم حسب زمانه و مقتضیاته و تصل الی حد الفعلیة و فی النتیجة یکون مظهراً لإسم من الأسماء الإلهیة.

أما السبب الذی لأجله ورد هاذان الوصفان للإمام الحسین (ع) فقط و هما "مصباح الهدی و سفینة النجاة"، فیجب القول: ان ظروف و موقعیة الإمام الحسین (ع) کانت خاصة به و تختلف عن ظروف غیره من الائمة (ع)، فقد استطاع بنو أمیة فی ذلک الوقت و بتبلیغاتهم المسمومة أن یمسخوا الإسلام و یُغیّروا وجهه. فاستطاع لإمام (ع) بقیامه أن ینقذ الإسلام من الضیاع و أن یبیّن للعالم کل أبعاد الإسلام الواقعیة و کان ذلک علی شکل عملی و لم یکتف بالتبلیغ فقط، ففی الحقیقة أن الإمام الحسین (ع) بهذا القیام قد جسّد للإنسانیة طریق النجاة و الهدایة. فلتکامل هذه الواقعة من کل أبعادها صارت و اقعة کربلاء و الإمام الحسین (ع) مصباح هدایة استطاع طلاب الحق فی ظل شعاعه أن ینقذوا أنفسهم من حیرة الضلالة و ظلم الجهالة و من دوامة الأحداث لیرسوا بها علی ساحل النجاة و الخلاص.

الجواب التفصيلي

ورد فی المصادر الروائیة: "إنه لمکتوب علی یمین عرش الله إن الحسین مصباح هادٍ و سفینة نجاة". [1]

فی جواب السؤال القائل: لماذا اختص الإمام الحسین (ع) من بین ائمة الهدی بهذا اللقب؟ یجب القول: صحیح أن الأئمة (ع) کلهم مصابیح الهدی و سفن النجاة، لکن قد تقتضی شروط الزمان و ظروفه أن تتجلی جنبة معینة من شخصیة کل واحد منهم حسب زمانه و مقتضیاته و تصل الی حد الفعلیة و فی النتیجة یکون مظهراً لإسم من الأسماء الإلهیة.

و یُمکن توضیح هذا المطلب بمثالین:

المثال الأول: الإمام الخامس هو الوحید من بین الائمة یلقّب بباقر العلوم، مع أن کل الأئمة (ع) حائزون علی العلم اللدنی و هذا الأمر لیس إلا ان الظروف الزمنیة للفترة التی عاشها الإمام الباقر (ع) کانت مؤهلة لهذه التسمیة، فمن جهة کانت هناک عدد کبیر من التیارات و الأفکار الجدیدة، و من جهة أخری أن دولة بنی أمیة کانت ضعیفة لأنها فی هذه الفترة کانت فی طریقها الی الزوال. ففی هذا الجو و الظرف المهیّء کان من الضروری علی الإمام (ع) أن یبیّن اصول المذهب الشیعی. لذلک فقد أسّس (ع) حوزة علمیة و قد وصلت فی زمن الإمام الصادق (ع) الی حد الإزدهار الکامل. و قد تمّ فی هذه الفترة تبیین مذهب أهل البیت (ع) و تخرّج من هذه المدرسة عدد کبیر من التلامیذ جاءوا من أبعد نقاط العالم الإسلامی فأوصلوا صوت الإسلام الی مناطقهم. و ظهور هذا الدور فی الإمام الخامس (ع) هو الذی أدی إلی أن یلقّب الإمام الباقر بهذا اللقب، و هذا لا یدل علی ان الائمة الباقین (ع) لم یکونوا علماء، بل ان علم الإمام الباقر (ع) کان له دور وحید و خاص فی تبیین الخطوط العریضة و المؤشّرات لمذهب أهل البیت (ع).

المثال الثانی: الإمام علی (ع) و الإمام الحسین (ع) هما الوحیدان من بین الائمة المعصومین (ع) یلقّبان بثار الله (أی الشخص الذی یکون ولی دمّه الله سبحانه) مع أن الجمیع لم یموتوا حتف أنفهم بل کان موتهم شهادة فی سبیل الله. و دلیل هذا الأمر هو إنهما الوحیدان اللذان سفک دمهما من بین الجمیع، و هذه الشهادة لها دور أکبر فی إحیاء الإسلام، فی الوقت الذی نری عدم ظهور هذه الخصوصیات فی الائمة الباقین. و بعبارة أخری: مع أن کل الائمة المعصومین (ع) یعتبرون المظهر الکامل للصفات و الاسماء الإلهیة، لکن قد تقتضی شروط الزمان و ظروف ان تتجلی جنبة معینة من شخصیة کل واحد منهم حسب مقتضیات زمانه تصل الی حد الفعلیة و فی النتیجة یکون مظهراً لإسم معین من الأسماءالإلهیة، و فی کل وقت یظهر و یبرز و یتجلی بعد من أبعادهم الوجودیة حسب ذلک الوقت، أما ما یلزم قوله فی الجواب عن السؤال المذکور و هو لماذا اختصّ الإمام الحسین (ع) بلقب مصباح الهدی و سفینة النجاة هو: أن ظروف الإمام الحسین (ع) و شروطه کانت خاصة و متمیزة، ففی هذه الظروف استطاع بنو أمیة بتبلیغاتهم المسمومة أن یمسخوا صورة الإسلام و یُغیّروا وجهه، و من الواضح لا یُمکن للإسلام الممسوخ أن یکون هادیاً للبشریة، فالإسلام الذی یسمح أن یکون خلیفته شارب الخمر و لاعب القمار، و الذی یسمح للتمییز العنصری و الطبقاتی بأن یظهر و بأوضح صورة، و الذی یسمح لقادته أن یأموا صلاة الجماعة فی حال السکر، کیف یُمکنه أن یکون نوراً یهدی الناس للحق و الصواب.

فالإمام الحسین (ع) عندما قام و نهض بیّن السبب فی ذلک بقوله: "إنی لم اخرج اشراً و لا بطراً و لا مفسداً و لا ظالماً بل خرجت لطلب الاصلاح فی أمة جدی" [2] فبعد أن بیّن (ع) الوضع الاجتماعی لزمانه بقوله: "ألا ترون إلی الحق لا یعمل به و إلی الباطل لا یتناهی عنه لیرغب المؤمن فی لقاء الله فإنی لا أری الموت إلا سعادة و الحیاة مع الظالمین إلا برما" [3] و عندما سمع بخلافة یزید قال: "و علی الإسلام السلام إذ قد بلیت الامة براعٍ مثل یزید". [4]

فالإمام الحسین (ع) استطاع فی مثل هذه الظروف الصعبة أن ینقذ الإسلام من الضیاع و کذلک أن یبیّن و یرسم بعمله کل أبعاد الإسلام الحقیقیة للعالم، لذلک فنحن شاهدنا ظهور کل الفضائل و المکارم من الإمام الحسین (ع) و أصحابه فی حادثة کربلا و علی الخصوص فی یوم عاشوراء، و یُمکن لنا إلادعاء بأن کل أبعاد الإسلام قد رُسمت بلون الدم فی عرصات الطف علی لوحة التاریخ الخالدة، و لم تتوفر مثل هذه الشروط لباقی الأئمة (ع) بحیث یمکن لهم أن یجعلوا کل فضائلهم و خصائصهم و صفاتهم فی مسیر طلاب الحقیقة و أمام عیونهم و أن یعرضوا للعالم کل أبعاد الهدایة الإسلامیة، و هذا الأمر کان بمقتضی وظیفتهم التی کانت علی عاتقهم، فکل ظرف عمل و لکل مقام مقال و قد کانوا مکلّفین بأن یتصرّفوا التصرف المناسب لظرفهم و یبدوه للبشریة فالمحدودیة فی العمل و التحرّک کانت موافقة لظرفهم و ولیدته. فلذلک و بسبب الجامعیة و الکلیة التی کانت تتصف بها واقعة عاشوراء صارت و کذلک الإمام الحسین (ع) مصباح هدایة لا یضل من سار علی هدیه و ارتبط به و لا یغرق فی بحر الضلال المتلاطم أبداً من رکب سفینته. و بعبارة أخری: فالإمام الحسین (ع) مصباح هدایة لمن اطبقت علیه ظلمات الجهل و سفینة النجاة لمن یتقلب فی دوامة الدنیا، لذلک فنحن نقرأ فی زیارة الإمام الحسین فی یوم الأربعین: "و بذل مهجته فیک لیستنقذ عبادک من الجهالة و حیرة الضلالة و قد توازر علیه من غرّته الدنیا...". [5]

لمزید من الاطلاع راجعوا : ترخان، قاسم، التفکر العرفانی و الفلسفی و الکلامی فی شخصیة و ثورة الإمام الحسین (ع)، نشر چلچراغ، 1388 هـ .ش.

الموضوع المرتبط:

الإمام الحسین (ع) و معنی ثار الله، السؤال 12244 (الموقع: 11993).



[1]     الطبرسی، أمین الإسلام فضل بن حسن، أعلام الوری، ص400، الطبعة الثالثة، الناشر: الإسلامیة، طهران، 1390 هـ.ق.

[2]    الشریف القرشی، باقر، حیاة الإمام الحسین بن علی (ع)، ج2، ص264، دار الکتب العلمیة، قمریال 1396 هـ.ق. یقول الإمام فی جملة اخری: "اللهم إنی أحب المعروف و أنکر المنکر"؛ المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج43، ص328، 110 جلد، مؤسسة الوفاء، بیروت، لبنان، 1404 هـ.ق.

[3]     أعیان الشیعة، ج4، القسم الأول، ص234-235، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، 1406 هـ.ق. یقول الإمام بخطابه لجیش الکوفة: "إنا لله و إنا إلیه راجعون، هؤلاء قوم کفروا بعد إیمانهم فبعداً للقوم الظالمین"، قسم الحدیث فی معهد باقر العلوم للدراسات؛ موسوعة کلمات الإمام الحسین، ص416-417، الطبعة الثالثة، درا المعروف للطباعة و النشر، 1416-1995 م.

[4]     "و علی الإسلام السلام إذ قد بلیت الامة براعٍ مثل یزید" إبن طاووس، اللهوف علی قتلی الطفوف، ص11، إنتشارات جهان، طهران، 1348 هـ.ش.

[5]    المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج98، ص331.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280300 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258899 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129701 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115823 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89600 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61143 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60417 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57401 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51759 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47752 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...