بحث متقدم
الزيارة
5610
محدثة عن: 2011/10/06
خلاصة السؤال
متى نحکم على العقل بأنه أخطأ فی تفسیر القرآن الکریم؟
السؤال
متى نحکم على العقل بأنه أخطأ فی تفسیر القرآن الکریم؟
الجواب الإجمالي

لو قدر للانسان أن یعتمد عقله بطریقة موضوعیة بعیداً عن المیول و الاهواء و بلا احکام و فرضیات مسبقة، فحینئذ یتمکن من تحلیل آیات الذکر الحکیم و تفسیرها تفسیراً صحیحاً و لا یقترف حینئذ خطأً فاحشاً فی التفسیر.

نعم، هناک آیات قرآنیة متشابهة یسعى اصحاب القلوب المریضة أو الجهلة من الناس بصورة إرادیة أو لا إرادیة، لاعتماد المعنى المتشابه منها فیقعون فی الخطأ، و لا مجال للخلاص من هذه المشکلة الا بالتعقل و اعتماد المنهج الصحیح فی التفسیر، فمن هنا لابد من دعم العقل و تصحیح مساره للاستفادة من آیات الذکر الحکیم، بالاضافة الى الاستعانة بأولیاء الله الذین هم عدل القرآن الکریم کما ورد فی حدیث الثقلین، لا کما یتصور البعض بأن الحل یکمن فی اقصاء العقل عن ساحة التفسیر القرآنی.

الجواب التفصيلي

یمکن النظر الى آیات الذکر الحکیم من زاویتین أو من رؤیتین:

الرؤیة الاولى هی التی تقسم الموضوعات المطروحة الى محکمة و متشابهة، و هذا التفکیک ینطلق من الآیة السابعة من سورة آل عمران حیث صرحت بأن القرآن الکریم "مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهات‏".

التفکیک الآخر الموجود هو فی معانی القرآن الکریم المختلفة فبالاضافة الى المعانی الظاهریة و الأولیة للقرآن هناک - حسب التعبیر الروائی- طبقات أخرى من المعانی یدرکها الافراد کل بحسب قدراته العلمیة و الفکریة.

و مع الاخذ بنظر الاعتبار هذه المقدمة، یمکن دراسة دور العقل فی فهم القرآن الکریم ضمن أربعة اقسام، هی:

1. المعنى الظاهری للآیات المحکمة: تأخذ الآیات المحکمة حیزاً کبیراً من القرآن الکریم و تشمل الادعة، و الوقائع التاریخیة و...، و هی قابلة للادراک و الفهم العقلی من قبل کافة أفراد البشر، فعلى سبیل المثال عندما نقرأ قوله تعالى "لا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها"[1] نشاهد أنها قابلة للفهم و الهضم لدى کل انسان مفکر یفهم المعنى الکلی للآیة و بانه لا تکلیف الا مع القدرة و الوسع و مع عدم القدرة ینتفی التکلیف عن الانسان.

فعندما یدرک جمیع المخاطبین معنى واحداً للآیة القرآنیة فهذا یکشف عن کون العقل البشری عنده القدرة على ادراک المفاهیم القرآنیة و لا یصح التذرع بحال من الاحوال بذریعة عجز العقل عن فهم القرآن الکریم. و الحال أن أکثر آیات الذکر الحکیم نزلت بصورة قابلة على اقل تقدیر لفهم معناها الظاهری من قبل عموم الناس.

2. باطن المعانی المحکمة: تشیر الروایات الشریفة الى اشتمال آیات الذکر على معان باطنیة بالاضافة الى معانیها الظاهریة، و لکن لیس من المتیسر إدراک تلک المعانی من قبل جمیع البشر بل القضیة منحصرة حسب تعبیر الروایات فی ثلة قلیلة من المتقین الصالحین.[2] فلو افترضان أن الانسان عجز عن الوصول الى المعانی الباطنیة لتلک الآیات لا یعد ذلک مبرراً لتعطیل القدرة العقلیة فی فهم ظواهر الآیات و معانیها الاولیة و الاستفادة منها.

3. المعنى الظاهری للآیات المتشابة: یظهر من بعض کلمات القرآن الکریم أن معانیها لا تنسجم مع التعالیم و العقائد الدینیة، کقوله تعالى " یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدیهِم‏"[3] التی لو حلمناها على المعنى الظاهری لها ستکون النتیجة أن الله تعالى ذو ید، شأنه شأن سائر الموجودات المادیة، و هذا ما یخالف اصول الاعتقاد الاولیة، و من هنا لابد من غض النظر عنها. فالعقل حتى لو عجز عن ادراک المعنى الواقعی للآیات لکنه على أقل تقدیر یستطیع مع التفکیر فی الآیات المحکمة، التوصل الى کون الآیة المذکورة من المتشابهات التی لا یمکن الاستناد الى ظاهرها، و لابد من طلب حقیقتها من أولیاء الله تعالى و الراسخین فی العلم.

4. المعنى الواقعی للآیات المتشابهة: حصرت الآیة السابعة من سورة آل عمران فهم المعنى الواقعی لهذه الطائفة من الآیات، فی الله سبحانه و تعالى و الراسخین فی العلم فقط. و من الطبیعی کلما تعزز علم الانسان ازدادت القدرة لدیه فی إدراک تلک المعانی و الوصول الى حقائق الآیات المتشابهة.

بطبیعة الحال نجد الجاهلین و الذین فی قلوبهم مرض و المغرضین یخوضون فی تلک الآیات و یستنبطوا منها بعض التفسیرات الخاطئة، مع فارق واضح و هو کون الطائفة الاولى تخوض فی ذلک من دون خبث سریرة أو نوایا سیئة، خلافا للطائفة الثانیة التی تخوض فی ذلک عن عمد و سبق اصرار لاستغلال ذلک لاغراض غبیثة.

و من البدیهی ان الأخطاء العمدیة أو السهویة لهؤلاء الافراد، لا ینبغی أن تخلق عندنا حالة من سوء الظن بقدرات العقل فی فهم آیات الذکر الحکیم، بل الصحیح السماح للعقل فی الخوض فی ذلک المضمار استجابة لنداء القرآن الکریم الذی خاطب العقلاء جمیعا و دعاهم للتفکیر و التأمل و التدبر فی آیات الذکر الحکیم.[4]



[1] البقرة، 286.

[2] انظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 89، ص 78، باب 8 (أن للقرآن ظهرا و بطنا و أن علم کل شی‏ء فی القرآن و أن علم ذلک کله عند الأئمة علیهم السلام و لا یعلمه غیرهم إلا بتعلیمهم)، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.

[3] الفتح، 10.

[4] انظر: البقرة، 242؛ آل عمران، 118؛ محمد، 24 و...

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...