بحث متقدم
الزيارة
5965
محدثة عن: 2011/10/06
خلاصة السؤال
متى نحکم على العقل بأنه أخطأ فی تفسیر القرآن الکریم؟
السؤال
متى نحکم على العقل بأنه أخطأ فی تفسیر القرآن الکریم؟
الجواب الإجمالي

لو قدر للانسان أن یعتمد عقله بطریقة موضوعیة بعیداً عن المیول و الاهواء و بلا احکام و فرضیات مسبقة، فحینئذ یتمکن من تحلیل آیات الذکر الحکیم و تفسیرها تفسیراً صحیحاً و لا یقترف حینئذ خطأً فاحشاً فی التفسیر.

نعم، هناک آیات قرآنیة متشابهة یسعى اصحاب القلوب المریضة أو الجهلة من الناس بصورة إرادیة أو لا إرادیة، لاعتماد المعنى المتشابه منها فیقعون فی الخطأ، و لا مجال للخلاص من هذه المشکلة الا بالتعقل و اعتماد المنهج الصحیح فی التفسیر، فمن هنا لابد من دعم العقل و تصحیح مساره للاستفادة من آیات الذکر الحکیم، بالاضافة الى الاستعانة بأولیاء الله الذین هم عدل القرآن الکریم کما ورد فی حدیث الثقلین، لا کما یتصور البعض بأن الحل یکمن فی اقصاء العقل عن ساحة التفسیر القرآنی.

الجواب التفصيلي

یمکن النظر الى آیات الذکر الحکیم من زاویتین أو من رؤیتین:

الرؤیة الاولى هی التی تقسم الموضوعات المطروحة الى محکمة و متشابهة، و هذا التفکیک ینطلق من الآیة السابعة من سورة آل عمران حیث صرحت بأن القرآن الکریم "مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهات‏".

التفکیک الآخر الموجود هو فی معانی القرآن الکریم المختلفة فبالاضافة الى المعانی الظاهریة و الأولیة للقرآن هناک - حسب التعبیر الروائی- طبقات أخرى من المعانی یدرکها الافراد کل بحسب قدراته العلمیة و الفکریة.

و مع الاخذ بنظر الاعتبار هذه المقدمة، یمکن دراسة دور العقل فی فهم القرآن الکریم ضمن أربعة اقسام، هی:

1. المعنى الظاهری للآیات المحکمة: تأخذ الآیات المحکمة حیزاً کبیراً من القرآن الکریم و تشمل الادعة، و الوقائع التاریخیة و...، و هی قابلة للادراک و الفهم العقلی من قبل کافة أفراد البشر، فعلى سبیل المثال عندما نقرأ قوله تعالى "لا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها"[1] نشاهد أنها قابلة للفهم و الهضم لدى کل انسان مفکر یفهم المعنى الکلی للآیة و بانه لا تکلیف الا مع القدرة و الوسع و مع عدم القدرة ینتفی التکلیف عن الانسان.

فعندما یدرک جمیع المخاطبین معنى واحداً للآیة القرآنیة فهذا یکشف عن کون العقل البشری عنده القدرة على ادراک المفاهیم القرآنیة و لا یصح التذرع بحال من الاحوال بذریعة عجز العقل عن فهم القرآن الکریم. و الحال أن أکثر آیات الذکر الحکیم نزلت بصورة قابلة على اقل تقدیر لفهم معناها الظاهری من قبل عموم الناس.

2. باطن المعانی المحکمة: تشیر الروایات الشریفة الى اشتمال آیات الذکر على معان باطنیة بالاضافة الى معانیها الظاهریة، و لکن لیس من المتیسر إدراک تلک المعانی من قبل جمیع البشر بل القضیة منحصرة حسب تعبیر الروایات فی ثلة قلیلة من المتقین الصالحین.[2] فلو افترضان أن الانسان عجز عن الوصول الى المعانی الباطنیة لتلک الآیات لا یعد ذلک مبرراً لتعطیل القدرة العقلیة فی فهم ظواهر الآیات و معانیها الاولیة و الاستفادة منها.

3. المعنى الظاهری للآیات المتشابة: یظهر من بعض کلمات القرآن الکریم أن معانیها لا تنسجم مع التعالیم و العقائد الدینیة، کقوله تعالى " یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدیهِم‏"[3] التی لو حلمناها على المعنى الظاهری لها ستکون النتیجة أن الله تعالى ذو ید، شأنه شأن سائر الموجودات المادیة، و هذا ما یخالف اصول الاعتقاد الاولیة، و من هنا لابد من غض النظر عنها. فالعقل حتى لو عجز عن ادراک المعنى الواقعی للآیات لکنه على أقل تقدیر یستطیع مع التفکیر فی الآیات المحکمة، التوصل الى کون الآیة المذکورة من المتشابهات التی لا یمکن الاستناد الى ظاهرها، و لابد من طلب حقیقتها من أولیاء الله تعالى و الراسخین فی العلم.

4. المعنى الواقعی للآیات المتشابهة: حصرت الآیة السابعة من سورة آل عمران فهم المعنى الواقعی لهذه الطائفة من الآیات، فی الله سبحانه و تعالى و الراسخین فی العلم فقط. و من الطبیعی کلما تعزز علم الانسان ازدادت القدرة لدیه فی إدراک تلک المعانی و الوصول الى حقائق الآیات المتشابهة.

بطبیعة الحال نجد الجاهلین و الذین فی قلوبهم مرض و المغرضین یخوضون فی تلک الآیات و یستنبطوا منها بعض التفسیرات الخاطئة، مع فارق واضح و هو کون الطائفة الاولى تخوض فی ذلک من دون خبث سریرة أو نوایا سیئة، خلافا للطائفة الثانیة التی تخوض فی ذلک عن عمد و سبق اصرار لاستغلال ذلک لاغراض غبیثة.

و من البدیهی ان الأخطاء العمدیة أو السهویة لهؤلاء الافراد، لا ینبغی أن تخلق عندنا حالة من سوء الظن بقدرات العقل فی فهم آیات الذکر الحکیم، بل الصحیح السماح للعقل فی الخوض فی ذلک المضمار استجابة لنداء القرآن الکریم الذی خاطب العقلاء جمیعا و دعاهم للتفکیر و التأمل و التدبر فی آیات الذکر الحکیم.[4]



[1] البقرة، 286.

[2] انظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 89، ص 78، باب 8 (أن للقرآن ظهرا و بطنا و أن علم کل شی‏ء فی القرآن و أن علم ذلک کله عند الأئمة علیهم السلام و لا یعلمه غیرهم إلا بتعلیمهم)، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.

[3] الفتح، 10.

[4] انظر: البقرة، 242؛ آل عمران، 118؛ محمد، 24 و...

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما الذی تعده التعالیم الدینیة سببا للبرکة فی الحیاة؟
    3110 الحدیث 2021/02/14
    بعض عوامل الخیر والبرکة فی حیاة الفرد والمجتمع هی: الإیمان والتقوى، والعدالة، وصلة الرحم، وإطعام الفقراء، والصدق فی التعامل، والقناعة، إلخ. ...
  • ما هی طرق تعزیز غریزة البحث عن الله؟
    7581 العملیة 2009/10/12
    المراد من غریزة البحث عن الله تعالى هی الفطرة الباطنیة التی اودعها الله تعالى فی الانسان. إن هذا الشعور نداء باطنی لامحرک له الا الفطرة.ثم ان وجود غریزة البحث عن الله تعالى بلا معلم أو مرشد علامة على فطریته. لکن بطبیعة الحال ان هذا الشعور الفطری شأنه شأن سائر ...
  • ارجو بیان ادلة حرمة و حلیة الموسیقی.
    10006 الفلسفة الاحکام والحقوق 2008/05/03
    تختلف الموسیقی عن الغناء فی المصطلح الفقهی, فالغناء عبارة عن الصوت الخارج من الحنجرة بترجیع و الذی یُوجد فی مُستمعه حالة السرور و الوجد و یناسب مجالس اللهو و الباطل، اما الموسیقی فهی الصوت المنبعث من الآلات الموسیقیة.و بالالتفات الی بعض الآیات و الروایات و کلام بعض علماء النفس ...
  • ما هو الحکم الشرعی للتصاویر المنسوبة إلى الأئمة؟
    7824 الحقوق والاحکام 2008/07/22
    فیما یلی أجوبة مراجع التقلید العظام:حضرة آیة الله العظمى الخامنئی (مد ظله العالی):لیس فی هذا العمل بحد ذاته ـ إشکال من جهة الشرع، شریطة ألا یتضمن ما یوحی بالإهانة فی نظر العرف أو عدم الاحترام و لیس فیه ما ...
  • ما هو الفرق بین العقل (المدبر) و القلب (الإیمان و العشق).
    11438 النظری 2007/05/23
    توجد قوتان عظیمتان فی ترکیب الإنسان (العقل و العشق) و لکل واحدة من هذه القوى دور کبیر و فعال فی حیاة الإنسان، فالعقل مثله کالمصباح الشدید النور الذی یشع بنوره لیکشف الانحناءات و الانعطافات التی توجد فی الطریق الذی یسلکه الإنسان فی حیاته و هو بمثابة الآلة الحاسبة حیث یهتم ...
  • کیف نهتدی؟
    5679 النظریة 2011/11/20
    جواب آیة الله الشیخ هادوی الطهرانی (دامت برکاته) کالآتی:1- اصلاح النفس یتطلّب صبراً و تحملاً. و بدونهما لا یمکن ذلک.2- البرنامج العملی (الوصفة العامة) لإصلاح النفس قائمة علی عدة أمور:الف: الالتفات إلی النعم الإلهیة للإنسان و معرفتها. (إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).ب: الالتفات إلی ان ...
  • ما هی طبیعة الموقف الاسلامی من علم الجینات و العلاج الجینی؟
    5465 الحقوق والاحکام 2011/04/17
    کما تعلمون ان هذه القضیة یمکن النظر الیها من زوایا مختلفة، و یمکن دراستها من خلال نوع التحولات و التغیرات الجینیة التی تحصل عن طریق هذا العلاج؛ و ذلک:1. هناک معالجات تحصل قبل ولادة الانسان و بعضها الآخر یحصل بعد الولادة.
  • ما هی أهم خصائص المواطن فی المجتمع الاسلامی؟
    11715 العملیة 2008/04/23
    ان الدین الاسلامی باعتباره آخر شریعة إلهیة هو دین جامع و کامل و علی هذا فقد اهتم الاسلام بالاحکام و القوانین الاجتماعیة کاهتمامه بالاحکام الفردیة، فمن وجهة نظر الاسلام فان الحیاة الاجتماعیة و علاقات الافراد فی المجتمع و مسؤولیات المواطن فی قبال الناس و المجتمع الذی یعیش فیه، لها اصول ...
  • هل الإنسان مختار؟ وما هی حدود اختیاره؟
    8968 الکلام القدیم 2007/09/12
    لعدة مرات فی الحیاة نجد أنفسنا غرباء منفردین، و الطریق الذی لا نجد بداً من السیر علیه، هو الطریق الثابت المعین من قبل لحیاتنا، و ذلک فی عدة أمور من أمثال الأصل الذی ننحدر منه، القومیة ، العائلة التی نولد فیها، القوام الذی نتمتع به، الهیئة التی ...
  • هل مجرد سوء الظن بالآخرين و الذي لم يقارنه شيء آخر يستوجب طلب البراءة منهم؟
    6737 العملیة 2012/05/31
    لا شك أن التعاليم الاسلامية قد حثت على اشاعة ظاهرة حسن الظن بين المؤمنين و وثوق بعضهم بالبعض الآخر و إجتناب سوء الظن، و بينت أن سوء الظن في حد نفسه، أمر غير محبذ، سواء اقترن بما يظهره للملأ أم لا، و سواء انعكس على سلوكيات صاحبه أم ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281235 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    261019 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130348 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    118268 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90162 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61908 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    61674 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57866 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    53353 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    49713 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...