Please Wait
5603
أولاً: إن عودة الإنسان إلى الدنیا ثانیة على أساس رغبة الناس و مشتهیاتهم موجب لعبثیة نظام الخلق و بعثة الأنبیاء.
ثانیاً: و على فرض تحقق المحال فلو أمکن عودة هؤلاء الراغبین بالعودة، فلیس من المعلوم أن یأتوا بالأعمال الصالحة، لأن الدنیا هی الدنیا و هم أیضاً هم بکل ما تنطوی علیه نفوسهم من أهواء و میول، کما کانوا فی الدنیا یقتنعون بتفاهة أعمالهم و ضرورة ترکها إلا أنهم یعاودون العمل بها إشباعاً لرغباتهم و إرضاءً لشهواتهم.
إن السنة الإلهیة تقتضی أن کل شیء یسیر باتجاه الکمال، و أن الله خلق الإنسان فی هذه الدنیا و زوده بحجتین حجة باطنة «العقل» و حجة ظاهرة «الوحی» حتى یتمکن من الحرکة باتجاه التکامل، فإذا فرضنا إمکانیة عودة الإنسان بحسب رغبته إلى الدنیا بعد موته، فإن ذلک یوجب عبثیة الخلق و بعثة الأنبیاء من قبل الله تعالى، و هذا مخالف لسنة الله.
و إذا فرضنا تحقق المحال و أن هؤلاء الأفراد عادوا إلى الدنیا فلیس من المعلوم أن تکون أعمالهم صالحة، و سیرتهم حسنة، لأن الدنیا هی الدنیا، و أن الإنسان یتمتع فیها بالإرادة و الاختیار و تنطوی نفسه على نفس الأهواء و الرغبات إضافة إلى وساوس الشیطان و العناد و التکبر و الطغیان، و نتیجة القول أن نفس العوامل التی حملته فی المرة الأولى على ارتکاب المعاصی و الذنوب و عمل السوء موجودة بعینها و سوف تعمل عملها حینما نفترض العودة إلى الحیاة الدنیا مرة أخرى[1].
و على هذا الأساس نفهم ما ورد فی القرآن الکریم فی قوله تعالى: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّی أَعْمَلُ صَالِحًا فِیمَا تَرَکْتُ کَلاَّ إِنَّهَا کَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا»[2].
و من اللافت أن جواب الخالق لهؤلاء کان من خلال لفظة «کلا» و هذا اللفظ یدل على رفض الطلب إضافة إلى إبطال المدعى. و معنى ذلک أن طلب العودة مرفوض بالنسبة لهم، و کذلک لم یکن إدعائهم صادقاً و صحیحاً فی قولهم إننا سوف نعمل صالحاً و نتلافى ما فرط من أعمالنا، و إن الله سبحانه یؤکد أن اجعائهم فارغ، و أنهم إن قدر لهم العودة فسوف یستأنفون أعمالهم السیئة و ممارساتهم الشاذة[3].
کما أنه یفهم من قولهم «لعل» عدم الاطمئنان و الثقة بالنفس فی المستقبل. و یعلمون إن هذا الندم و الأسف ناتج للأوضاع و الظروف الحرجة التی یمرون بها. و علیه فإنهم سوف یعودون الى سیرتهم الأولى حال تحررهم من هذه الظروف فی حالة افتراض عودتهم إلى الدنیا[4] و المهم فی نهایة المطاف أن العودة لا فائدة فیها و أن الله سبحانه یصرح بذلک فی موضع آخر من القرآن الکریم فی قوله: «و َلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ»[5]. فیقظتهم مؤقتة و لیست ثابتة[6]. و مثل هؤلاء کمثل الکفار و العصاة الذین یتعرضون للعواصف فی أعماق البحر فیلجأون إلى الله عند ما تضغط علیهم الظروف السیئة و یحیط بهم خطر الموج و الموت و لکنهم بمجرد أن یعودوا إلى حیاتهم العادیة ینسون کل شیء و یعاودوا ممارساتهم و معاصیهم.