Please Wait
5491
أحدى أحکام الحج و العمرة حرمة الصید حال الاحرام و الذی تعرضت له الآیات94-96 من سورة المائدة، و قبل بیان معنى الآیة نشیر الى فلسفة و حکمة تحریم الصید.
حکمة تحریم الصّید حال الإحرام:
معلوم أنّ الحج و العمرة من العبادات التی تفصل الإنسان عن عالم المادة و تنقله إلى محیط ملیء بالمعنویات، فخصوصیات الحیاة المادیة، و الجدال الخصام، و الرغبات الجنسیة، و اللذائذ المادیة کلّها تنفصل عن الإنسان فی مناسک الحج و العمرة، و یبدأ الإنسان ضربا من الریاضة الإلهیة المشروعة، و یبدو أن تحریم صید البرّ فی حال الإحرام یرمی إلى الهدف نفسه.
ثمّ لو أحل الصید لزائری بیت اللّه الحرام، مع الأخذ بنظر الإعتبار کثرة الزوار و کثرة ترددهم فی کلّ سنة على هذه الأرض المقدسة، لقضی على وجود الکثیر من الحیوانات القلیلة أصلا فی تلک الأرض القاحلة الخالیة من الماء و الزرع، فجاء هذا التشریع لضمان بقاء حیوانات تلک المنطقة و الحفاظ علیها من الانقراض.
و إذا أخذنا بنظر الإعتبار أنّه حتى فی غیر حال الإحرام یمنع صید الحرم، و کذلک قطع أشجاره و حشائشه، تبیّن لنا أنّ لهذا التشریع ارتباطا وثیقا بقضیة الحفاظ على البیئة و على النبات و الحیوان فی تلک المنطقة، و صیانتها من الإبادة.
إنّ هذا التشریع من الدّقة و الإحکام بحیث أنّه یمنع فیه حتى هدایة الصیاد إلى مکان الصید، فقد جاء فی بعض الرّوایات من طرق أهل البیت علیهم السّلام أنّ الإمام الصادق (ع) قال لأحد أصحابه: «لا تستحلن شیئا من الصید و أنت حرام و لا أنت حلال فی الحرم و لا تدلن محلا و لا محرما فیصطاده، و لا تشر إلیه فیستحل من أجلک، فإنّ فیه فداء لمن تعمّده» [1] و[2]
من هنا اتضح المراد من کلمة "اعتدى" الواردة فی الآیة، أی من تجاوز حد الله بمخالفة أمره و ارتکاب نهیه بالصید فی الحرم و فی حال الإحرام فله عذاب النار فی القیامة و یجوز أن یکون غیر ذلک من الآلام و العقوبات فی الدنیا فقد قال "لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِیداً" حکایة عن سلیمان فی حق الهدهد و لم یرد عذاب النار.[3] من هنا یکون الاصرار على الذنب و تکراره ذا مردودات سلبیة وخیمة جداً.