Please Wait
8430
الهبوط یأتی بمعنی النزول من الاعلى و هو ضد الصعود، و تارة یستعمل بمعنى الحلول فی المکان.
اما بالنسبة الى بیان المراد من هبوط آدم (ع)، ینبغی الاشارة الى ان هذا البحث یرتبط للوهلة الاولى ببیان المراد من الجنة التی کان یسکنها آدم (ع)، ثم هبط منها، فهل هی جنة دنیویة؟ او انها جنة اخرویة؟ فمن المسلم انها لم تکن جنة الخلد، على هذا الاساس یکون الهبوط هبوطا مقامیا؛ یعنی انه اخرج من الجنة الدنیویة و اسکن دار الدنیا التی هی قرینة بالتعب و العناء و العنت و المصاعب و المشاق، و لقد اشارت آیات القرآن الکریم الى هذا المعنى.
الهبوط لغة بمعنى السقوط من الاعلى الى محل ادنى، قال فی اللسان: الهُبُوطُ: نقِیضُ الصُّعُود. [1]
و لقد استعملت بعض الآیات القرآنیة مصطلح الهبوط للتعبیر عن اخراج آدم (ع) من الجنة، منها:
1- قوله تعالى: «وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حین». [2]
2- قوله تعالی: «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمیعاً فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدایَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُون». [3]
3- قوله تعالی: «قالَ اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حینٍ». [4]
و ق د استعمل الهبوط فی القرآن الکریم بمعنى الحلول و الاستقرار فی المکان، جاء ذلک فی قصة النبی موسى (ع) و بنی اسرائیل: «قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذی هُوَ أَدْنى بِالَّذی هُوَ خَیْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَکُمْ ما سَأَلْتُم». [5]
ان بحث معنى هبوط آدم و المراد منه یرتبط للوهلة الاولى ببیان المراد من الجنة التی کان یسکنها آدم (ع) قبل الامر بالهبوط، هل هی من جنان الدنیا؟ ام انها جنة اخرویة؟ ان من المسلم به انها لم تکن جنة الخلد، من هنا یکون الهبوط هبوطا مقامیا، و على کل حال فان هذا القضیة بحثت من قبل المفسرین تارة و من قبل الفلاسفة تارة اخرى، و ذهب کل من الفریقین الى مجموعة من النظریات و الافتراضات، و نحن هنا نکتفی بذکر النظریات و الآراء التی طرحها المفسرون:
قال الطبرسی (ره) فی تفسیر مجمع البیان: «الهبوط و النزول و الوقوع نظائر و هو التحرک من علو إلى سفل و یقال هبطته و أهبطته، و الهبوط کالحدور و هو الموضع الذی یهبطک من أعلى إلى أسفل و قد یستعمل الهبوط بمعنى الحلول فی المکان و النزول به قال الله تعالى: (اهْبِطُوا مِصْراً). و یقول القائل هبطنا بلد کذا یرید حللنا». [6]
و یقول العلام ة الطباطبائی فی هذا المجال: أکل الشجرة أوجب حکمه تعالى و قضاءه بالهبوط و الاستقرار فی الأرض و الحیاة فیها تلک الحیاةٍ الشقیة..... و أن ظاهر قوله تعالى: «وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِینٍ»، و قوله تعالى: «قالَ فِیها تَحْیَوْنَ وَ فِیها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ»، أن نحوة هذه الحیاة بعد الهبوط تغایر نحوها فی الجنة قبل الهبوط، و أن هذه حیاة ممتزجة حقیقتها بحقیقة الأرض ذات عناء و شقاء یلزمها أن یتکون الإنسان فی الأرض ثم یعاد بالموت إلیها ثم یخرج بالبعث منها. فالحیاة الأرضیة تغایر حیاة الجنة فحیاتها حیاة سماویة غیر أرضیة.
و من هنا یمکن أن یجزم أن جنة آدم کانت فی السماء، و إن لم تکن جنة الآخرة جنة الخلد التی لا یخرج منها من دخل فیها.
نعم، یبقى الکلام فی معنى السماء؟ و معنى الجنة السماویة؟ [7]
ثم یضیف السید الطباطبائی فی مکان آخر: « و المراد بکونها من جنان الدنیا کونها برزخیة فی مقابل جنان الخلد ». [8]
و ف ی معرض کلامه حول هبوط الشیطان و خروجه من جمع الملائکة بعد عصیانه الامر بالسجود «قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیها فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصَّاغِرِینَ»، [9] قال العلام ة الطباطبائی: و قوله: «فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصَّاغِرِینَ» تفسیر و تأکید لقوله «فَاهْبِطْ مِنْها»، لأن الهبوط هو خروج الشیء من مستقره نازلا، فیدل ذلک على أن الهبوط المذکور إنما کان هبوطا معنویا لا نزولا من مکان جسمانی إلى مکان آخر، و یتأید به ما تقدم أن مرجع الضمیر فی قوله: «مِنْها» و قوله: «فِیها» هو المنزلة دون السماء أو الجنة، إلا أن یرجعا إلى المنزلة بوجه.
و المعنى قال الله تعالى: فتنزل عن منزلتک حیث لم تسجد لما أمرتک، فإن هذه المنزلة منزلة التذلل و الانقیاد لی فما یحق لک أن تتکبر فیها فاخرج إنک من الصاغرین أهل الهوان، و إنما أخذ بالصغار لیقابل به التکبر. [10]
و فی مکان آخر اشار (قدس) الى مسألة مهمة حیث قال: من الواضح أن الأمر بالهبوط أمر تکوینی متأخر عن الکون فی الجنة و اقتراف الخطیئة، فلم یکن حین مخالفة النهی و اقتراب الشجرة لا دین مشروع و لا تکلیف مولوی فلم یتحقق عند ذلک ذنب عبودی، و لا معصیة مولویة. [11]
و لتوضیح کلام صاحب المیزان ینبغی القول: ان النهی عن الاقتراب من الشجرة المخصوصة کان نهیاً ارشادیاً مثله مثل ما اذا قال الطبیب لشخص ما: ان ّ تناول الطعام الفلانی یؤدی بک الى المرض. و الله تعالى هنا ایضاً نهى عن الأکل من الشجرة نهیاً ارشادیاً، بمعنى انه اخبر آدم (ع) بانه اذا تناول من تلک الشجرة الممنوعة سوف یؤدی هذا الأکل الى الخروج من الجنة، فما فهمه العلامة من معنى الهبوط و علته یعتبر فهما جیدا و دقیقا للآیة.
اما الشیخ آیة الله جوادی آملی فانه بعد ان قبل ان جنة آدم و حواء کانت جنة برزخیة، قال: ان آدم انتقل من نشأت ما وراء الطبیعة الى النشأة المحدودة للطبیعة، و هکذا انتقال یعد من قبیل التنزل الوجودی و المکانتی، شأنه شأن تنزل القرآن من الله تعالى الى هدایة البشر، لا انه من قبیل التنزل البدنی و المکانی، اضف الى ذلک ان هذا الهبوط لما اقترن بالتوبة و الاجتباء قیل انه هبوط الولایة و الخلافة. [12]
ان هبوط ابلیس کان هبوطا فی المنزلة و المقام و لکن هبوط آدم کان قرینا بحفظ الکرامة، و کان فی الارض بمعنى الاستقرار فی الارض المشترکة بین ابلیس و آدم، و لکن ابلیس هبط فاقداً لمنزلته السابقة و مقامه القدیم، و اما آدم فقد هبط الى الارض مع احتفاظه بمرتبته السابقة. [13]
اذاً، کان لابلیس نحوان من الهبوط:
1- هبوط من مقام و منزلة الملائکة و الذی حصل بعد تمر ّ ده و عصیانه للامر الالهی فی السجود لآدم، و لازمه الهبوط من الجنة بعنوان المنزلة و الشأن الرفیع، و لقد اشارت الى ذلک الآیة المبارکة «قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فیها فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصَّاغِرین». [14]
2- الهبوط من الجنة کمکان سکنه مؤقتا لاغواء آدم و حواء، و ان هذا الهبوط حصل بعد اغوائه لآدم و حواء فهبط معهما الى الارض. [15]
اما تفسیر الامثل فبعد ان طرح السؤال القائل: ما هی جنّة آدم (ع)؟
قال: یبدو أن الجنّة التی مکث فیها آدم قبل هبوطه إلى الأرض، لم تکن الجنّة التی وعد بها المتقون. بل کانت من جنان الدنیا، و صقعا منعّما خلاّبا من أصقاع الأرض. و دلیلنا على ذلک:
أوّلا: الجنّة الموعودة فی القیامة نعمة خالدة، و القرآن ذکر مرارا خلودها، فلا یمکن إذن الخروج منها.
ثانیا: إبلیس الملعون لیس له طریق للجنّة، و لیس لوسوسته مکان هناک.
ثالثا: وردت عن أهل البیت (ع) روایات تصرّح بذلک.
منها ما روی عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (ع) أنه سئل عن جنّة آدم، فقال: «جنّة من جنّات الدّنیا، یطلع فیها. الشّمس و القمر، و لو کان من جنان الاخرة ما خرج منها أبدا». [16]
من هذا یتضح أن هبوط آدم و نزوله إلى الأرض لم یکن مکانیا بل مقامیا. أی أنه هبط من مکانته السامیة و من تلک الجنّة المزدانة.
من المحتمل أیضا أن تکون هذه الجنّة غیر الخالدة فی إحدى الکواکب السماویة، و فی بعض الرّوایات إشارة إلى أن هذه الجنّة فی السماء. غیر أنّ من الممکن أن یکون المقصود بالسماء فی هذه الرّوایات «المقام الرفیع» لا «المکان المرتفع».
على کل حال، توجد شواهد کثیرة على أن هذه الجنّة هی غیر جنّة الخلد الموعودة. لأن جنّة آدم بدایة مسیر الإنسان و جنّة الخلد نهایتها. و هذه مقدمة لأعمال الإنسان و مراحل حیاته، و تلک نتیجة أعمال الإنسان و مسیرته. [17]
کما جاء فی مکان اخر من هذا التفسیر القیم:
«الهبوط» فی اللغة بمعنى النّزول الإجباری، کسقوط الصخرة من مرتفع ما، و عند ما تستعمل فی حقّ الإنسان فإنّها تعنی الإبعاد و الإنزال عقابا له.
و بملاحظة أنّ أدم قد خلق للحیاة على وجه الأرض، و کانت الجنّة أیضا بقعة خضراء وفیرة النعمة من هذا العالم، فإنّ هبوط و نزول آدم هنا؛ یعنی النّزول المقامی لا المکانی، أی إنّ اللّه سبحانه قد نزّل مقامه لترکه الأولى، و حرمه من کلّ نعم الجنّة تلک، و ابتلاه بمصائب هذه الدنیا و متاعبها. [18]
لمزید الاطلاع انظر موضوع: جنة آدم (ع)، رقم السؤال 1243 (الموقع: ۱۳۴۸) .
[1] لسان العرب، ج7، ص421.
[2] البقرة، 36.
[3] البقرة، 38.
[4] الاعراف، 24.
[5] البقرة،61 .
[6] مجمع البیان، ج1، ص196- 197. و الج دیر بالذکر ان اخراج آدم و حواء من الجنة و نزولهما الى الارض لایعتبر عقوبة الهیة لهما بای ّ وجه من الوجوه، و ذلک لان الادلة اثبتت ان الانبیاء الالهیین منزهون عن ارتکاب الاعمال القبیحة، و من جوز وقوع العقوبة علیهم فقد قال شططا من القول و ارتکب بحقهم جفاء کبیرا و وجه الى الله تعالى تهمة قبیحة تعالى عن ذلک علوا کبیرا.
[7] المیزان فی تفسیر القرآن، ج1، ص 135-136.
[8] المیزان فی تفسیر القرآن، ج1، ص140.
[9] طه،117.
[10] المیزان فی تفسیر القرآن، ج8، ص30.
[11] المیزان فی تفسیر القرآن،ج1، ص137.
[12] تفسیر تسنیم، ج3، ص383.
[13] تفسیر تسنیم، ج3، ص384،و408و466.
[14] الاعراف،13.
[15] تفسیر تسنیم، ج3، ص371- 375 .
[16] کتاب الکافی، نقلا عن تفسیر نور الثقلین، ج1، ص62.
[17] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج1، ص168.
[18] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج10، ص104.