Please Wait
8621
تشیر ادق النظریات العلمیة التی طرحها العلماء الطبیعیون حول المادة الاوّلیة التی تشکل منها الکون الى ان عالم المادة کان فی البدایة یتشکل من عنصر" السدیم" المتراکم فی الفضاء، ثم ان هذه المادة و فی عصور سحیقة تمتد الى مایقارب من 13 ملیارد سنة قد تفککت- بسبب انفجار کبیر وقع فیها- و تبعثرت الى اجزاء متفرقة فشکلت اجزاؤها المتبعثرة النجوم و الکواکب و الشمس و الارض و.... کل بحسب حجمه.
ثم ان مفسرو القرآن الکریم و شارحو نهج البلاغة و انطلاقا من القدرات و الامکانات المتوفرة فی القرآن الکریم و نهج البلاغة و استناداً الى معطیات العلوم الحدیثة شرعوا بتفسیر الایات و شرح الاحادیث فقالوا:
لاشک انه لیس المرد من کلمة "الدخان" فی القرآن الکریم هو الدخان الاصطلاحی، لان هذا الدخان هو ولید النار و الحال ان الدخان فی القرآن الکریم لیس من النار، بل المراد بها انه بخار ناشئ من الماء بسبب شدة الامواج.
من هنا یکون کلام الامام علی (ع) الذی قال فیه ان العالم خلق من الماء: «ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَ شَقَّ الْأَرْجَاءِ وَ سَکَائِکَ الْهَوَاءِ فَأَجْرَى فِیهَا مَاءً مُتَلَاطِماً تَیَّارُهُ مُتَرَاکِماً زَخَّارُه»، ان کلامه (ع) لا ینافی القرآن الکریم، لانه لا یوجد ای دلیل على ان مراده (ع) من الماء نفس الماء المتشکل من الاوکسجین و الهیدوجین، بل قد یکون مراده (ع) من الماء المادة المذابة، و لکن باعتبار ان عقول الناس فی تلک البرهة الزمنیة لاتطیق مثل تلک الاصطلاحات و لم تستأنس بها من هنا عبّر عنها بالماء، لوجود جهة المشابهة بین المادة المذابة و الماء فی خاصیة السیلان.
بالنتیجة، ان کلام امیر المؤمنین (ع) لا یتنافى مع النظریة الحدیثة التی تذهب الى ان الکون تشکل من المادة المذابة، لان أمیر المؤمنین (ع) یقول انه و بسبب حرکة الماء" المادة المذابة" الشدیدة حصلت کرغوة الزبد «فَمَخَضَتْهُ مَخْضَالسِّقَاء»، و مراده (ع) من الزبد و الرغوة هو الذرات المنطلقة من المادة المذابة و التی ارتفعت ثم انفصلت منه؛ یعنی انها فی الحقیقة قطع انفصلت من المادة الاوّلیة بصورة دخان فتکون منها السماء و الارض، فکل من الارض و السماء خلق من المادة المذابة.
هذا الکلام یمکن تطبیقه على نظریة الانفجار الکونی التی ترى ان العالم تشکل من ذرات انفصلت من المادة المذابة فتکونت الارض و السماء.
من هنا یمکن الجمع بین النظریة القرآنیة و ما ورد فی الاحادیث و ما توصل الیه العلماء من خلال حمل و تفسیر کلمة "الماء" و "الدخان" على "المادة المذابة" و "الغاز".
و لکن ینبغی الالتفات الى الامور التالیة:
1- صحیح ان ظاهر القرآن الکریم ینسجم مع النظریة الحدیثة فی کون العالم یتشکل من الغازات الحارة، و لکن القرآن الکریم لم یتحدث عن سائر عناصر نظریة الانفجار الکونی.
2- مع الاخذ بنظر الاعتبار تعدد النظریات المطروحة فی خصوص بدایة نشاة الکون من جهة و عدم اثبات تلک النظریات بصورة قطعیة من جهة اخرى، من هنا لایمکن لنا ان نسند ذلک الى القرآن الکریم و نقول ان هذه النظریة هی المرادة فی القرآن الکریم، و ذلک لان القرآن لیس کتاب فیزیاء و لا کیمیاء ، بل هو کتاب هدایة و ارشاد و قد یتعرض فی بعض الاحیان للاشارة الى تلک المطالب فی سیاق الهدف الاصلی له و هو الهدایة و الارشاد. من هنا نرى ان ما یذکر فی الآثار الاسلامیة، انما یمثل امثلة تشیر الى الاعجاز القرآنی و تمثل دعامة للتبلیغ و الارشاد.
3- اذا ما ثبت - یوما ما- ان نظریة المادة الاوّلیة و الانفجار الکونی نظریة علمیة قطعیة، فحینئذ یثبت ذلک الاعجاز العلمی فی القرآن الکریم و سبق القرآن فی طرح مثل تلک النظریات الدقیقة بعبارة موجزة.
ان الانسان موجود مفکر یسعى دائما للتعرف على حقیقة نفسه و کل ما یحیط به من عناصر الکون خاصة مع تطور العلوم و التقنیات فی شتى حقول الحیاة، فهو یسعى مثابراً للاستفادة من ذلک التطور العلمی لکشف زوایا و خفایا العالم و کل ما یحیط به من الکواکب و المجرات. ثم ان علماء الطبیعة و ان استطاعوا ان یکشفوا بعض زوایا العالم تلک و طرحوا بعض النظریات حول کیفیة تکونها و نشأتها، لکن ینبغی الاعتراف ان ما توصلوا الیه من الاکتشافات یقع فی بدایة الطریق و لایمثل شیئا یذکر مقابل ما خفی من هذا العالم المتراکم و المترامی الاطراف، من هنا طرحوا مجموعة من الفروض و النظریات العلمیة المختلفة لتفسیر و بیان المادة الاوّلیة للکون.
القرآن الکریم باعتبار معجزة الرسول الاکرم (ص) و المصدق لدعوته (ص) یتصف بالاعجاز العلمی فی بعض الموضوعات التی اشار الیها، لکن باعتبار ان القرآن الکریم نزل فی بیئة جاهلیة لاتدرک تلک المعانی الدقیقة و الالتفاتات العلمیة الرائعة و بسبب التخلف العلمی و التکنولوجی بقیت تلک الاشارات العلمیة مجهولة عندهم، الاّ انه کلما ازداد التطور العلمی و التحول التکنولوجی کلما کشفت بعضا من تلک الابداعات و الاعجاز العلمی القرآنی.
و من الواضح ان القرآن الکریم لم یکن کتاباً علمیاً یهدف الى کشف النظریات العلمیة و المعادلات المعقدة و انما ترک ذلک المضمار للعقل البشری هو الذی یبحث فیه و یستخرج ما خفی منها، نعم ان القرآن کتاب هدایة و ارشاد وضع الاسس و القواعد الاساسیة التی ترشد الانسان الى الهدایة فی مجال التوحید و المعاد و...، و اذا ما تعرض القرآن للاشارة لبعض المسائل العلمیة، فانما یأتی بها فی سیاق الهدف الکلی و العام و هو الارشاد و الهدایة و بمقدار یحقق الهدف القرآنی من دون الدخول فی التفاصیل و الجزئیات.
فان الهدف الاساسی للقرآن هو اعداد الانسان و ان رسالة القرآن الاساسیة هی بیان الاطر الاساسیة و المبانی الرئیسیة للرؤیة الکونیة و وضع الاسس الدقیقة للعلاقة بین الانسان و خالقه.
اما العلوم المادیة و التطورات الحدیثة فی عالم الطبیعة، فان وسائلها و آلیاتها المختلفة ترکت للعقل البشری هو الذی یتحرک فیها من خلال البحث و التجربة و الاکتشافات و الفرضیات لیتسنى للانسان کشف تلک الحقائق استناداً لما حباه الله به من قدرات عقلیة و امکانات مادیة.
من هنا یکون وضع تلک النظریات العلمیة و التجربیة على عاتق القرآن الکریم أمراً غیر صحیح. [1]
على کل حال ان الاجابة عن السؤال المطرح تقتضی الاشارة الى ما طرح من قبل الفلاسفة و علماء المادة اوّلا، ثم نعرج على ما جاء فی الآیات و الرویات المذکورة فی المصادر الاسلامیة، ثم نحاول الجمع بین تلک النظریات و الآراء.
نظریة تالس
و کان من مشاهیر الحکماء القدماء فإنّه نقل عنه، بعد أن وحّد الصانع الأوّل للعالم و نزّهه أنّه قال:
لکنّه أبدع العنصر الّذی فیه صور الموجودات و المعلومات کلّها و سمّاه المبدع الأوّل، ثمّ نقل عنه أنّ ذلک العنصر هو الماء، قال: و منه أنواع الجواهر کلّها من السّماء و الأرض و ما بینهما و هو علّة کلّ مبدع و علّة کلّ مرکب من العنصر الجسمانی، فذکر:
أن من جمود الماء تکوّنت الأرض، و من انحلاله تکوّن الهواء، و من صفوته تکوّنت النّار، و من الدّخان و الأبخرة تکوّنت السّماء.[2]
و اما علماء الطبیعة فقد ذهبوا الى ان الکون نشأ من مادة غازیة ساخنة متخلخلة کانت هی تملأ الفضاء فنشأت منها سائر الموجودات المادیة المتحرکة.
ثم اکثر الباحثین یذهبون الى ان الکون نشأ قبل ملیاردات السنین اثر انفجار کونی حصلت على اثره جمیع اجزاء العالم مادة و طاقة.
ان نظریة الانفجار الکونی تعتبر الیوم من اشهر النظریات المطرحة،[3] حیث تشیر تلک النظریة الى ان عالم المادة کان فی البدایة یتشکل من عنصر "السدیم" المتراکم فی الفضاء، ثم ان هذه المادة و فی عصور سحیقة تمتد الى ما یقارب من 13 ملیارد سنة قد تفککت- بسبب انفجار کبیر وقع فیها- و تبعثرت الى اجزاء متفرقة فشکلت اجزاؤها المتبعثرة النجوم و الکواکب و الشمس و الارض و.... کل بحسب حجمه.[4]
مادة العالم الاولیة فی القرآن الکریم
ذهب مفسرو القرآن الکریم استنادا الى الآیة السابعة من سورة هود[5] و الآیات الاخرى،[6] الى ان: المادة الاصلیة للکون هی الماء.
یقول السید قطب فی تفسیر الآیة السابعة من سورة هود: و الجدید هنا فی خلق السماوات و الأرض هو الجملة المعترضة: «وَ کانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ» و ما تفیده من أنه عند خلق السماوات و الأرض أی إبرازهما إلى الوجود فی شکلهما الذی انتهیا إلیه کان هناک الماء و کان عرش اللّه سبحانه على الماء.
أما کیف کان هذا الماء، و أین کان، و فی أیة حالة من حالاته کان. و أما کیف کان عرش اللّه على هذا الماء .. فزیادات لم یتعرض لها النص، و لیس لمفسر یدرک حدوده أن یزید شیئا على مدلول النص، فی هذا الغیب الذی لیس لنا من مصدر لعلمه، إلاّ هذا النص و فی حدوده.[7]
کما ذهب البعض الآخر الى ان الله تعالى خلق الماء اوّلاً، ثم بعد ذلک خلق السماوات و الارض و کل موجود مادی من الماء.[8]
القرآن الکریم یشیر الى ان خلق السماء کان من الدخان، قال تعالى: «ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِیَ دُخان».[9] فالآیة المبارکة تشیر الى ان خلق السماء کان من الدخان.
یقول الامام الباقر (ع): ان هذا الدخان لیس من نوع الدخان الناشئ من النار، «فخرج من الموج و الزبد دخان ساطع من وسطه من غیر نار، فخلق الله منه السماء».[10]
المادة الاوّلیة للکون عند الامام علی (ع)
اشار الامام (ع) الى خلق العالم فقال: «أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَ ابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً بِلَا رَوِیَّةٍ أَجَالَهَا وَ لَا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا وَ لَا حَرَکَةٍ أَحْدَثَهَا وَ لَا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِیهَا أَحَالَ الْأَشْیَاءَ لِأَوْقَاتِهَا وَ لَأَمَ بَیْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا وَ غَرَّزَ غَرَائِزَهَا وَ أَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا مُحِیطاً بِحُدُودِهَا وَ انْتِهَائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَ أَحْنَائِهَا ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَ شَقَّ الْأَرْجَاءِ وَ سَکَائِکَ الْهَوَاءِ فَأَجْرَى فِیهَا مَاءً مُتَلَاطِماً تَیَّارُهُ مُتَرَاکِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّیحِ الْعَاصِفَةِ وَ الزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَ سَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ وَ قَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِیقٌ وَ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِیقٌ ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِیحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا وَ أَدَامَ مُرَبَّهَا وَ أَعْصَفَ مَجْرَاهَا وَ أَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِیقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ وَ إِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَالسِّقَاءِ وَ عَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ تَرُدُّ أَوَّلَهُ إِلَى آخِرِهِ وَ سَاجِیَهُ إِلَى مَائِرِهِ حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ وَ رَمَى بِالزَّبَدِ رُکَامُهُ فَرَفَعَهُ فِی هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَ جَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَکْفُوفاً وَ عُلْیَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ سَمْکاً مَرْفُوعاً بِغَیْرِ عَمَدٍ یَدْعَمُهَا وَ لَا دِسَارٍ یَنْظِمُهَا ثُمَّ زَیَّنَهَا بِزِینَةِ الْکَوَاکِبِ وَ ضِیَاءِ الثَّوَاقِبِ وَ أَجْرَى فِیهَا سِرَاجاً مُسْتَطِیراً وَ قَمَراً مُنِیراً فِی فَلَکٍ دَائِرٍ وَ سَقْفٍ سَائِرٍ وَ رَقِیمٍ مَائِر».[11]
و فی بعض الروایات الاخرى التی وردت عنه (ع) انه قال: ان البخار الذی نشأ من الزبد کان بصورة الدخان.[12] لاتنافی مع کلامه الذی ذکرناه و ذلک لان البخار حینما یزداد و یتجمع فی مکان واحد ثم یرتفع یظهر بشکل الدخان.
و على کل حال اذا اردنا ان نجمع بین الروایتین و نعرف رأی الامام (ع) فی القضیة نقول: ان الامام یذهب الى ان خلق الکون کان من الماء.
الجمع بین الایات والروایات والنظریات الحدیثة
لاریب ان المراد من مصطلح "الدخان" الوارد فی القرآن الکریم لم یکن المقصود منه الدخان المصطلح، و ذلک لان الدخان ناشئ من النار، من هنا نرى المفسرین و استاندا الى روایة الامام الباقر (ع) متفقین على ان الدخان فی القرآن الکریم لیس هو الدخان الاصطلاحی الناشئ من النار، بل انه بسبب شدة الامواج المنبعثة من الماء و استعارة من البخار المنبعث من الماء، و کذلک یحتمل ان المراد من العرش المذکور فی الآیة السابعة من سورة هود، هو کنایة عن القدرة الالهیة، و انه فی الحقیقة بدء اعمال الله تعالى قدرته فی خلق العالم من الماء، و هذا هو مراد کلام الامام علی (ع) حیث اشار الى ان خلق العالم من الماء.
و من الواضح انه لایوجد عندنا ای دلیل على ان المقصود من الماء هو هذا الماء المتکون من الاوکسجین و الهیدوجین، بل قد یکون المراد هو نفس "المادة المذابة" و لکن باعتبار ان العرب لم یعرفوا ذلک المصطلح و لم یکن لم فی انس من هنا نرى الامام عبر عنه بالماء لتقریب الفکرة، کذلک لا یوجد دلیل على ان المراد بالریاح هی نفس الریاح المصطلحة، بل قد یکون مراده (ع) منه تلک القوة المحرکة التی حرکت تلک المادة المذابة حرکة سریعة.
کما اننا لانقطع بان المراد بالبحر الوارد فی کلام الامام الباقر (ع): «لما اراد الله سبحانه و تعالى ان یخلق السماء، امر الریح فضربن البحر حتى ازبد...»، هو البحار و المحیطات المتعارفة، و ذلک لان خلق تلک البحار و المحیطات فرع خلق الارض اوّلا، و الحال ان البحث فی خلق الارض و السماء فلیس من المعقول ان یکون المراد فی البحر الذی یأتی فی مرحلة متاخرة على خلق الارض.
على هذا الاساس و على اساس هذا التوجیه لا تنافی بین کلام امیر المؤمنین (ع) و بین النظریة الحدیثة، فان اصل الکون من الماء حسب رؤیة الامام (ع) و من المادة المذابة حسب النظریة الحدیثة. لان أمیر المؤمنین (ع) یقول انه و بسبب حرکة الماء "المادة المذابة" الشدیدة حصلت کرغوة الزبد «فَمَخَضَتْهُ مَخْضَالسِّقَاء»، و مراده (ع) من الزبد و الرغوة هو الذرات المنطلقة من المادة المذابة و التی ارتفعت على شکل بخار ثم انفصلت منه؛ یعنی انها فی الحقیقة قطع انفصلت من المادة الاوّلیة بصورة دخان فتکون منها السماء و الارض، و هذا ینطبق مع نظریة الانفجار الکونی التی تذهب الى ان کلا من الارض و السماء خلق من المادة المذابة.
و بالنتیجة لاتنافی بین الرؤیة القرآنیة و الحدیثیة من جهة و بین النظریة الحدیثة من جهة ثانیة، و ذلک لانه من الممکن حمل النظریة القرآنیة على ان المراد بها هو "السدیم"،[13] لان کلا من کلمة البخار و الماء قابلان للحمل على المادة المذابة.
و من الجدیر بالذکر ان المتکلمین حملوا الآیات القرآنیة و الروایات على ظواهرها و اخذوا بها من دون توجیه او تأویل و قالوا: انه من الممکن ان یخلق الله تعالى الماء اوّلاً ثم یخلق منه السماوات و الارض.
البعض الاخر استندوا الى قوله تعالى: «ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما کُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً».[14] فرفضوا تلک النظریات باعتبارها لا تتجاوز عن کونه فرضیات لا اکثر و لم تصل الى مستوى الحقیقة العلمیة و ذلک لانه لا یوجد انسان شهد النشاة الاولى للکون او لخلق الانسان،[15] و قبلوا بظاهر کون المادة الاوّلیة للکون هی الماء.[16]
هناک طائفة اخرى حاولت توجیه خلق السماوات و الارض من الماء بالنحو التالی:
العالم على نوعین:
1- عالم خلق المادة.
2- عالم الامر ای عالم المجردات، و ذلک استنادا الى قوله تعالى: «ألا له الخلق و الامر»، فالمراد من الخلق عالم المادة و من الامر عالم المجردات.
بناء على هذا الاصل یکون المراد من الماء الفیض الالهی، الفیض الذی یشمل جمیع العوالم من العقول و المجردات وصولا الى عالم الطبیعة، و منه یتضح ان المراد من تلاطم الامواج و شدة الریح فی خلق السماوات و الارض، هو ان عالم العقول حیمنا تلقى الفیض الالهی من الحق تعالى قام هو ایضا بالافاضة و من تلک الافاضة خلقت السماوات و الارض.[17]
و فی الختام ینبغی الالتفات الى الامور التالیة:
1- صحیح ان ظاهر القرآن الکریم ینسجم مع النظریة الحدیثة فی کون العالم یتشکل من الغازات الحارة، و لکن القرآن الکریم لم یتحدث عن سائر عناصر نظریة الانفجار الکونی.
2- مع الاخذ بنظر الاعتبار تعدد النظریات المطروحة فی خصوص بدایة نشاة الکون من جهة و عدم اثبات تلک النظریات بصورة قطعیة من جهة اخرى، من هنا لایمکن لنا ان نسند ذلک الى القرآن الکریم و نقول ان هذه النظریة هی المرادة فی القرآن الکریم، و ذلک لان القرآن لیس کتاب فیزیاء و لا کیمیاء، بل هو کتاب هدایة و ارشاد و قد یتعرض فی بعض الاحیان للاشارة الى تلک المطالب فی سیاق الهدف الاصلی له و هو الهدایة و الارشاد. من هنا نرى ان ما یذکر فی الآثار الاسلامیة انما یمثل امثلة تشیر الى الاعجاز القرآنی و تمثل دعامة للتبلیغ و الارشاد.
3- اذا ما ثبت - یوما ما- ان نظریة المادة الاوّلیة و الانفجار الکونی نظریة علمیة قطعیة، فحینئذ یثبت ذلک الاعجاز العلمی فی القرآن الکریم و سبق القرآن فی طرح مثل تلک النظریات الدقیقة بعبارة موجزة.[18]
[1] فی ظلال القرآن،ج 1،ص 181.
[2] تفسیر المحیط الأعظم و البحر الخضم، ج 2، ص 195؛ عبد الغنی الخطیب، القرآن و العلوم الحدیثة، ترجمة اسد الله مبشری، ص 69- 70.
[3] طرح هذه النظریة عام 1927 م الباحث البلجیکی جورج لوموتر.
[4] لمزید الاطلاع انظر: موقع باشکاه اندیشه؛پارسکار؛ مجله رشد.
[5] «وَ هُوَ الَّذی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ کانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء». هود، 7.
[6] کقوله تعالى "و حعلنا من الماء کل شیء حی". الانبیاء، 30.
[7] فی ظلال القرآن، ج 4، ص 1857.
[8] دائرة معارف القرآن الکریم، مادة ماء.
[9] فصلت، 11.
[10] ابن میثم البحرانی، شرح نهج البلاغة، ج 1،ص 138.
[11] نهجالبلاغة ص : 41
[12] ابن میثم البحرانی، شرح نهج البلاغة، ج1،ص138.
[13] السدیم، هو الغبار الکثیف.
[14] الکهف، 51.
[15] عبد الغنی الخطیب، القرآن والعلوم الحدیثة، ترجمة اسد الله مبشری، ص 85- 86.
[16] لمزید الاطلاع حول کیفیة نشاة الکون انظر: ابن میثم البحرانی، شرح نهج البلاغة،ج 1، ص 138.
[17] لمزید الاطلاع حول کیفیة خلق العالم والنظریات المطروحة، انظر: ابن میثم البحرانی، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 138- 155.
[18] لمزید الاطلاع انظر: محمدعلى، رضائی اصفهانی، پژوهشی در اعجاز قرآن، ج 1 ، ص 93- 105.