Please Wait
19180
الاستكبار: الامتناع عن قبول الحق مُعاندة و تَكَبُّراً. و الاستكبار أن يرى الفرد نفسه كبيراً و يظهر التكبر و لم يكن كذلك حقيقة. و قد اشار القرآن الكريم الى مجموعة من الخلال و السجايا التي يتصف بها المستكبرون من قبيل: الغرور، العناد، نكث العهد، الاغواء و الاضلال، الوقوف بوجه الحق، قتل الانبياء و...
تعد صفة الاستعلاء و التكبر و العجب و الانبهار بالذات، من اقبح الخصال البشرية و من الرذائل التي لا ينبغي للانسان الاتصاف بها. و قد تصدت تعاليم الدين الحنيف لتلك الخاصية بشدة و عنف حيث ورد في ذمها في القرآن الكريم الكثير من آيات الذكر الحكيم و كذلك في كلمات المعصومين (ع) حيث تم التحذير من عواقب التكبر، و من فكر و عقائد و خصال المستكبرين.
فقد حذر القرآن من حالة الاستعلاء و الاحساس بالعلو التي يعيش هؤلاء الناس اتجاه الآخرين مما تؤدي بهم في نهاية المطاف الى الاستنكاف عن الخضوع لله تعالى و عبادته الامر الذي يؤدي الى مردودات سلبية على مستوى الافراد و الجماعة.
و سنحاول هنا الاشارة الى علامات المستكبرين باختصار بعد التعرض أولا الى الحديث عن معنى و مفهوم الاستكبار و المستكبرين.
الاستكبار لغة
و الاستكبار: الامتناع عن قبول الحق مُعاندة و تَكَبُّراً.[1] و الاستكبار أن يرى الفرد نفسه كبيراً و يظهر التكبر و لم يكن كذلك حقيقة.[2] فالاستكبار صفة يرى صاحبها نفسه كبيراً و مستعليا فيتمرد على القوانين و الشرائع العقلية و الاجتماعية.
ثم ان مفردة الاستكبار و مشتقاتها وردت في القرآن الكريم 48 مرة، كلها ذامة لتلك الخصلة القبيحة.
المستكبرون في القرآن الكريم
1. الغرور وحب الهيمنة: يعيش المستكبر صفة الغرور و الشعور بالتسامي و الرفعة على الآخرين مما ينجر به في نهاية المطاف الى السعي للتصدر و التربع على رأس الهرم و ان على سائر الناس الانحناء أمامه و الخضوع لسلطانه و التسليم له. و ان الشعور بالغرور و القوة يخلقان منه موجودا متمردا على القيم فلا يرى نفسه بحال من الاحوال بمستوى سائر الناس قطعا، "فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُون".[3]
2. عدم الاذعان للحق: اشار القرآن الى هذه الحقيقة على لسان نبيه نوح (ع) حينما قال: " وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبارا".[4]
3. نكث العهود: من الصفات التي يتصف بها المتكبرون صفة نكث العهد فلا تجد لهم عهدا و لا التزاما بوعد قطعوه على أنفسهم، و هذا ما اشارت اليه الآيات المباركة: "وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً * اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَ مَكْرَ السَّيِّئِ وَ لا يَحيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْديلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْويلاً ".[5] و قد صرح القرآن بان السبب الاساسي وراء نكث اليهود لعهودهم و عد التزامهم بالمواثيق يكمن في صفة الاستكبار و التكبر التي يتصفون بها.
4. تكذيب الآخرين: من الخصال التي يتصف بها هؤلاء أنهم يرون الصدق و الامانة حليفين لهم دون سائر الناس لانهم كاذبون بعيدون عن الصدق و الامانة، و قد رصد القرآن الكريم تلك الصفة الذميمة عندهم كما في قوله تعالى: "وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ آتَيْنا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَريقاً تَقْتُلُون".[6]
5. قتل الانبياء و المعارضين: و هذه خصلة اتصف بها كافة المستكبرين على مر التأريخ، فلا تجد مستكبرا و طاغيا الا و قد اعتمد منهج التصفية الجسدية مع معارضية و من لم يذعنوا لكبريائه و علوه، و هذا ما تجده صريحا في نفس الآية السابقة " أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَريقاً تَقْتُلُون".[7]
6. الوقوف بوجه الحق: يؤكد القرآن الكريم هذه الخصلة عندهم و انهم يتصدون للحق و يقفون بوجهه و يمنعون من انتشاره بكل ما أوتوا من قوة "إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَ يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ".[8]
7. اللجاج و العناد: النتيجة الطبيعة لصفة الاستكبار و التعالي على الآخرين، الاتصاف بالعناد و اللجاج و الابتعاد عن طريق الحق و الحقيقة، فمن لا يرى للآخرين أهمية تذكر على المستوى الاجتماعي و الانساني و ينظر اليهم كموجودات حقيرة لا تستحق الاهتمام، لا يمكن بحال من الاحوال أن يسمع لقولهم و يخضع لإرادتهم و يسير على نهجهم؛ لانه يرى الارجحية العقلية له و لما يصدر عنه من افعال و ما يعتقده به من رؤى و تصورات للحياة " وَ إِذا قيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهاد".[9]
8. الاغواء و الاضلال: قال تعالى مشيرا الى صفة المستكبرين هذه: " وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصيباً مِنَ النَّارِ * قالَ الَّذينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ".[10]
9. الحرمان من الحب الالهي: لاريب أن الله تعالى يبغض المسكبرين و المستعلين، و قد أكد تلك الحقيقة قوله تعالى: " لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرين".[11]
10. مصير المستكبرين النار: لاشك أن من يستكبر على الآخرين و يتمرد على القيم و لا يذعن للحق و الحقيقة، و لا يلين أمام كلمة الانبياء و السفراء الالهيين، بل يتمادى في غيّه الى درجة التصدي لهم و تصفيتهم جسدياً و انزال انواع العذاب بهم، أن مصيره النار هي أولى به، و قد اشار القرآن الكريم الى تلك الحقيقة في قوله تعالى: "إِنَّ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمين".[12]
[1] انظر: لسان العرب؛ مجمع البحرين، مادة "کبر".
[2] القرشي، سید علي اکبر، قاموس القرآن، ج 6، ص 74، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1371ش.
[3] فصلت، 15؛ الجاثية، 6 - 8.
[4] نوح، 7.
[5] فاطر، 42-43.
[6] البقرة، 87.
[7] نفس الآية.
[8] الصافات، 35 – 36؛ النساء، 172؛ غافر، 60.
[9] النساء، 206.
[10] غافر، 47-48.
[11] النحل، 23.
[12] الاعراف، 40.