Please Wait
14936
تؤكد الروايات الواردة عن طريق الفريقين بأن النبي الأكرم (ص) جمع بين الصلاتين من دون عذر، منها ما رواه البخاري عن ابن عباس: انّ النبي (ص) جمع بين الظهر و العصر و بين المغرب و العشاء بالمدينة من غير خوف و لا سفر و لا مطر، قيل لابن عباس: ما أراد بذلك، قال: أراد أن لا يحرج أمّته. و هذا المعنى وارد في المصادر الشيعية أيضاً عن الامامين الباقر و الصادق (ع).
و قد استدل علماء المذاهب الأخرى على القول بالتفريق بالتأسي بعمل النبي الاكرم (ص) حيث يؤكدون أنه (ص) كان يفرق بين الصلاتين. الا أن الشيعة ترى أن النبي الاكرم (ص) في الوقت الذي فرق فيه بين الصلاتين جمع بينهما في مواطن أخرى أيضا، هذا من جهة، و من جهة ثانية أن السنة العملية – كما هو ثابت في اصول الفقه- التي يستدل بها علماء المذاهب الأخرى لا تدل على الوجوب، فقد يراد بها الاستحباب أو الإباحة، فمن هنا لا يمكن حملها على الوجوب الا اذا كان هناك دليل خاصة يثبت ذلك.
و الجدير بالذكر أن فقهاء الشيعة عندما أفتوا بجواز الجمع لا يعنون وجوب ذلك بل يرون أن الانسان مخير بين الجمع و التفريق و إن كان التفريق أفضل.
أما ما جاء في نهج البلاغة من تشبيه الصلوات الخمس بِالنهر يكون على باب الرَّجُلِ فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَ...
فلا يستفاد منه بحال من الاحوال وجوب التفريق بين الصلوات الخمس، بل الإمام (ع) كان بصدد الحديث عن آثار الصلاة و النتائج الإيجابية المترتبة على الاتيان بها و إقامتها على الوجه الصحيح، و ليس بصدد بيان شروطها و أجزائها.
قبل الخوض في الاجابة عن السؤال المطروح نرى من المناسب الاشارة الى أوقات الصلاة المختصة و المشتركة، و التي حدده الفقهاء بالنحو التالي:
وقت الظهرين من الزوال الى المغرب، و يختص الظهر بأوله بمقدار أدائها بحسب حال المصلي، و العصر بآخره كذلك (أي بحسب حال المصلي)، و ما بينهما مشترك بينهما، و وقت العشاءين للمختار من المغرب الى نصف الليل، و يختص المغرب بأوله بمقدار أدائها، و العشاء بآخره كذلك (بمقدار أدائها) بحسب حال المصلي، و ما بينهما مشترك بينهما، و ما بين طلوع الفجر الصادق الى طلوع الشمس وقت الصبح.[1]
و قد صدع الأئمة من آل محمد (ص) بجواز الجمع بين الصلاتين مطلقا، غير ان التفريق أفضل. و تبعهم في هذا شيعتهم في كل عصر و مصر فاذا هم يجمعون غالبا بين الظهر و العصر و بين المغرب و العشاء سفرا و حضرا لعذر أو لغير عذر. و جمع التقديم و جمع التأخير عندهم في الجواز سواء.[2]
أما المذاهب السنية فقد اختلفت كلمتهم بنحو ما حيث: منعت الحنفية الجمعَ فيما عدا جمعي عرفة و المزدلفة بقول مطلق.
و أما الشافعية و المالكية و الحنبلية فأجازوه في السفر على خلاف بينهم فيما عداه من الأعذار كالمطر و الطين و المرض و الخوف و على تنازع في شروط السفر[3] المبيح له.[4]
دليل المذاهب الأخرى على القول بالتفريق التأسي بعمل النبي الاكرم (ص) حيث يؤكدون أنه كان يفرق بين الصلاتين. الا أن الشيعة ترى أن النبي (ص) في الوقت الذي فرق فيه بين الصلاتين كان يجمع بينهما أيضا في مواطن أخرى من دون علّة او اضطرار، و من جهة ثانية أن السنة العملية – كما هو ثابت في اصول الفقه- التي يستدل بها علماء المذاهب الاخرى لا تدل على الوجوب، فقد يراد بها الاستحباب أو الاباحة، فمن هنا لا يمكن حملها على الوجوب الا اذا كان هناك دليل خاصة يثبت ذلك.[5]
ثم ان فقهاء الشيعة بالاضافة الى مناقشتهم و ردهم لمستند اصحاب المذاهب الاخرى، أقاموا الدليل على الجمع و المتمثل بمجموعة من الروايات التي تؤكد جمع النبي الاكرم (ص) بين صلاتي الظهر و العصر و المغرب و العشاء.[6]
بعض روايات الجمع في كتب أهل السنة:
أخرج البخاري عن ابن عباس (رض) انّ النبي (ص) صلّى بالمدينة سبعا و ثمانيا الظهر و العصر، المغرب و العشاء.[7]
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس (رض) انّ النبي (ص) جمع بين الظهر و العصر و بين المغرب و العشاء بالمدينة من غير خوف و لا سفر و لا مطر، قيل لابن عباس: ما أراد بذلك، قال: أراد أن لا يحرج أمّته.[8] و التعليل في الرواية واضح "أراد ان لا يحرج أمته" حيث كان المقصود من الجمع التخفيف عن كاهل الأمة و تسهيل الأمر عليهم.[9] و قد نقل تلك الروايات الامامان مالك و أحمد بن حنبل في مصنفاتهم.
و الروايات في هذا المجال كثيرة يمكن الرجوع اليها في مصادرها.[10] و لو كان الجمع ممنوعاً لما سمح النبي الاكرم (ص) لنفسه بارتكابه و لو مرّة واحدة.
أما المدرسة الإمامية فقد ورد في مصادرها الحديثية الكثير من الروايات عن الأئمة المعصومين (ع) في خصوص الجمع بين الصلاتين، منها:
1. عن عبيد بن زُرارةَ قال: سأَلْتُ أَبا عبد اللَّهِ (ع) عن وقت الظّهر و العصرِ؟ فقال: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ جَمِيعاً، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ ثُمَّ أَنْتَ فِي وَقْتٍ مِنْهُمَا جَمِيعاً حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْس.[11]
و مما لاشك فيه أن النبي الاكرم (ص) كان يؤدي الصلاة احيانا في ثلاثة اوقات وقد علل ذلك بانه يريد رفع الحرج عن أمته و تخفيف الامر عليهم.
2. عن زُرارةَ عن (أَبِي جعفَر الباقر –ع- ) قال: صلَّى رسولُ اللَّهِ (ص) بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ عِلَّة.[12]
3. عن أَبي عبد اللَّه الصادق (ع) قال: إِنَّ رسول اللَّه (ص) صلَّى الظُّهْر و العصرَ في مكان واحدٍ من غير علَّةٍ و لا سببٍ. فقال لهُ عمرُ - و كان أَجْرَأَ الْقَوْمِ عليه- أَ حدث في الصَّلاةِ شيءٌ؟ قال: لا، و لكنْ أَردتُ أَن أُوسِّعَ على أُمَّتِي.[13]
و الجدير بالذكر أن فقهاء الشيعة عندما افتوا بجواز الجمع لا يريدون وجوب ذلك بل الانسان مخير بين الجمع و التفريق و ان كان التفريق أفضل.
أما ما جاء في نهج البلاغة فقد ورد بالنحو التالي: ان رسول الله (ص) شبه الصلاة " بِالْحَمَّةِ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَن؟!!".[14]
و هذا المقطع لا يستفاد منه بحال من الاحوال وجوب أداء الصلاة خمس مرات في اليوم، بل يشمل الاتيان بالصلوات الخمس في ثلاثة اوقات أيضاً، و ان المقطع المذكور يريد التركيز على دور الصلاة في تطهير النفس الانسانية من الآثام و المعاصي و الدرن المادي و المعنوي، فالامام عليه السلام كان بصدد البحث عن القضية من الزاوية الاخلاقية و الروحية و المعنوية، و لم يكن بصدد البحث عن القضية من الزاوية الفقهية و تحديد اوقات الصلاة، فمجرد ذكر العدد خمسة لايدل على وجوب التفريق قطعاً. و بعبارة أخرى: أن الامام (ع) كان بصدد الحديث عن آثار الصلاة و النتائج الايجابية المترتبة على الاتيان بها و اقامتها على الوجه الصحيح، لا بصدد بيان شروطها و أجزائها.
[1] الامام الخميني، تحرير الوسيلة، ج1، ص: 137- 138.
[2] شرف الدین الموسوي، عبدالحسین، مسائل فقهیة، ص 9، مؤسسه انصاریان للطباعة و النشر، قم، الطبعة الثالثة، 1382ش.
[3] و ذلك أن منهم من اشترط سفر القربة كالحج و العمرة و الغزو و نحو ذلك دون غيره و منهم من اشترط الإباحة دون سفر المعصية و منهم من اشترط ضربا خاصا من السير و منهم من لم يشترط شيئا فأي سفر كان و بأي صفة كان يراه مبيحا للجمع، و التفصيل في فقههم.
[4] انظر: شرف الدین الموسوي، عبدالحسین، مسائل فقهیة، ص 8- 9.
[5] فريق من المؤلفين، إعداد و تنظيم پورامیني، محمد باقر، پیامبر اعظم (ص) ، سیره و تاریخ، ص 172، ممثلية السيد القائد في الجامعة، دفتر نشر معارف، الطبعة الاولى، 1385ش.
[6] لمزيد الاطلاع انظر: پالسؤال رقم 2334 من الموقع.
[7] البخاري، ابو عبدالله محمد بن اسماعیل، صحیح البخاري، ص 206، حدیث 537، دار المعرفة، بیروت.
[8] القشیري النیشابوري، مسلم بن الحجاج، صحیح مسلم، ج 1، ص 490.
[9] انظر: نفس المصدر، ج 2، ص 152 ، دار الکتاب العربی، بیروت.
[10] انظر: جعفر السبحاني، الانصاف في مسائل دام فيها الخلاف، ص: 273 – 320، الجمع بين الصلاتين.
[11] شیخ حرّ عاملی، وسائل الشیعه، ج 4، ص126، مؤسسه آل البیت لاحیاء التراث، 1414ق.
[12] وسائل الشيعة، ج4، ص: 127.
[13] وسائل الشيعة، ج4، ص: 221.
[14] نهج البلاغه، خطبه 199.