بحث متقدم
الزيارة
11163
محدثة عن: 2009/07/23
خلاصة السؤال
هل هناک سند دینی لإحراق الحرمل من أجل الوقایة من الحسد؟
السؤال
هل هناک سند دینی لإحراق الحرمل من أجل الوقایة من الحسد؟
الجواب الإجمالي

لا یمکن للعلم و العقل البشری إدراک بعض الحقائق و الواقعیّات، و الحسد هو من تلک الظواهر اللتی لم یستطع العقل و العلم البشری اثباتها علی الأقل و کذلک لم یجد دلیلاً علی نفیها و رفضها.

و بالرجوع الی النصوص الدینیة من القرآن و الأحادیث یمکننا أن نجد شواهد علی إثباته. و من المتیقّن ان العلم و العقل البشری حیث انه لم یتوصّل الی الآن الی حقیقة الحسد، فإنه لا یمکنه أن یضع العلاج له. إذن فللعلاج و الوقایة من الحسد یجب الاستعانة بالنصوص الدینیة.

و لم یذکر فی التعالیم الدینیة أی علاج مادی للحسد، و لهذا فلا یوجد سند دینی لإستعمال الحرمل لدفع الحسد، رغم انه ورد فی الروایات الإسلامیة ذکر الحرمل کعلاج لبعض الأمراض الروحیة و الجسمیة. و قد ورد فی الروایات الأمر بذکر الله و أدعیة خاصة للوقایة من الحسد. کذلک جاء فی احدی الروایات ان اصل الحرمل نُّشْرة

 من السِّحْر کما فی الروایة المنقولة عن امیر المؤمنین (ع):" فی أصل الحرمل نشرة و فی فرعه شفاء من اثنین و سبعین داء". الا ان الروایة لیست معتبرة سندا.

الجواب التفصيلي

لا شک ان الناس یتعاملون مع الحقائق و مع الخرافات التی ألبسوها لباس الحقائق أیضاً. و الإنسان العاقل یسعی للوصول الی الحقائق و أن یعیش علی أساس الحقائق و ان یبتعد عن الخرافات ما أمکنه ذلک، رغم انه عمل شاق للغایة. فان بعض الحقائق یظن انها خرافات، و بعض الخرافات تعد عند الناس أکثر واقعیة من الواقعیّات.

و بعض الأمور خلیط من الخرافة و الواقعیة فتحتاج الی تنقیة أساسیة. و من تلک الأمور الموجودة فی ثقافة الناس و الشائعة و التی نالت نصیبها من الخرافة هو الحسد، الذی یعنی ان الشخص یؤذی الآخر عن طریق نظرة خاصة من دون أن یقوم بأی عمل آخر. و یلزم فی تحقق الحسد النظر و أعجاب الناظر بالحسن فی الطرف المقابل.

ان نظر الإسلام و رؤیته فی هذا المجال یمکنه أن یکون نافعاً و مزیلاً للإبهام.

الحسد من نظر القرآن:

ربط الکثیر من المفسّرین آیتین من القرآن بالحسد:

1. سورة یوسف الآیة 67: و فی هذه الآیة یقول الله تعالی:"و قال یا بنی لا تدخلوا من باب واحد، و ادخلوا من أبواب متفرقة و ما أغنی عنکم من الله من شیء ان الحکم الا لله علیه توکّلت و علیه فلیتوکل المؤمنون".[1]

و أحد الإحتمالات التی ذکرت فی تفسیر هذه الآیة هو الحسد. حیث ان أخوة یوسف کانوا علی حسن هیئة و جمال صورة و کان عددهم کبیراً أیضاً فخاف النبی یعقوب(ع) أن یحسدهم أهل مصر فأوصاهم بأن لا یدخلوا من باب واحدة بل یتفرّقوا و یدخلوا من أبواب متعددة لکی لا یحسدوا.[2]

2. سورة القلم، الآیة 51: و اشتهرت هذه الآیة فی ثقافة عامة الناس بآیة (و ان یکاد) و هی ملجأهم للوقایة من الحسد، و یقول الله فی هذه الآیة :"و ان یکاد الذین کفروا لیزلقونک بأبصارهم لما سمعوا الذکر و یقولون إنه لمجنون..."[3]

و یقول العلامة الطباطبائی فی تفسیره:"و المراد بازلاقه بالأبصار و صرعه بها- علی ما علیه عامة المفسرین- الاصابة بالأعین، و هو نوع من التأثیر النفسانی لا دلیل علی نفیه عقلاً و ربّما شوهد من الموارد ما یقبل الانطباق علیه و قد وردت فیه الروایات فلا موجب لإنکاره".[4]

و قد ورد فی التفاسیر فی شأن نزول هذه الآیة انه کان العین فی بنی اسد فکان الرجل منهم یتجّع ثلاثة أیام فلا یمرّ به شیء یقول فیه "لم أر کالیوم مثله" الا عابه. فالتمس الکفار من بعض من کانت له هذه الصنعة أن یقول فی رسول الله (ص) ذلک فعصمه الله تعالی.[5]

الحسد من منظر الروایات:

الروایات فی الحسد لیست قلیلة، و یمکن تقسیم هذه الروایات الی قسمین:

1. الروایات التی هی بصدد إثبات کون الحسد حقیقة: یقول الرسول الأکرم (ص):" أن العین حق تستنزل الحالق".[6]

و هذه الروایة اضافة الی تأکیدها علی کون الحسد حقیقة فإنها تشیر بالکنایة الی شدة تأثیرة أیضاً. و فی کثیر من هذه الروایات إضافة الی ورود التأکید علی کون الحسد حقیقةً اشیر فیها الی تأثیره الشدید أیضاً.

و یقول رسول الله (ص) فی حدیث آخر:"إن العین لیدخل الرجل القبر و تدخل الجمل القدر"[7]

و سیرة النبی الأکرم (ص) أیضاً تدلّ علی أنه (ص) کان یعتبر الحسد أمراً واقعیّاً و انه ذکر بعض الحلول لمواجهته و انه قد عمل بهذه الحلول أیضاً. فقد روی ان الإمامین الحسن و الحسین(ع) قد مرضا علی أثر الحسد و ان نبی الله(ص) قد استعمل حرزاً و دعاً خاصاً بتعلیم جبرئیل(ع) لأجل شفائهما.[8]

2. الروایات التی ذکرت طرق المواجهة مع الحسد. لیس فی الروایات اشارة الی أی علاج مادی لإزالة الحسد و الوقایة منه. بل اشیر فیها الی ذکر الله و انه نافع فی ذلک حیث یقول رسول الله(ص):" العین حق فمن أعجبه من أخیه شیء فلیذکر الله فی ذلک فإنه إذا ذکر الله لم یضره".[9]

و فی حدیث عن الإمام الصادق (ع):"یوصی فیه للأمن من الحسد أن یقال ثلاث مرّات ما شاء الله لاحول و لاقوّة الا بالله العلی العظیم".[10]

و کان رسول الله (ص) یستعمل هذه الحرز بتعلیم من جبرئیل (ع) فی مداواة الحسن و الحسین(ع) اللذین مرضا علی أثر الحسد)اللهم یاذا السلطان العظیم و المن القدیم و الوجه الکریم ذا الکلمات التامّات و الدعوات المستجابات عاف الحسن و الحسین من أنفس الجن و أعین الإنس).[11]

و قد أوصت أحادیث اخری بقول (تبارک الله أحسن الخالقین اللهم بارک فیه) و تلاوة سور الحمد و التوحید و الناس و آیة الکرسی.[12]

الحرمل و الحسد:

الحرمل نبات طبیعی ینمو غالباً فی المناطق الصحراویة و یعدّ من الأعشاب الطبیّة. کان منذ القدم یستخدم فی الأغراض الطبیّة.[13]

و قد روی فی الروایات الأمر بإستعمال الحرمل لعلاج بعض الأمراض الروحیة و الجسمیة و لکن لم یرد بشکل خاص استعماله للعلاج و الوقایة من الحسد. و الروایات التی نقلت حول الحرمل تعرّضت الی کونه دواءً و انه ینفع فی علاج بعض الأمراض الروحیة مثل الخوف.[14]

و کذلک ذکر فی الروایات انه نافع فی علاج أمراض جسمیة مثل الجذام[15] و تقطیر البول.[16]

نعم جاء فی احدی الروایات ان اصل الحرمل نُشْرة من السِّحْر کما فی الروایة المنقولة عن امیر المؤمنین (ع):" فی أصل الحرمل نشرة و فی فرعه شفاء من اثنین و سبعین داء"[17]. الا ان الروایة لیست معتبرة سندا.

و النتیجة هی انه لا توجد روایة تدل علی ان الحرمل مؤثّر بشکل مباشر فی الوقایة أو فی علاج الحسد.



[1] یوسف، 67.

[2] الطبرسی، الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج3، ص 248، دار إحیاء التراث العربی، بیروت 1379 ق.

[3] القلم، 51.

[4] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج20، ص50، الطبعة الخامسة، دار الکتب الإسلامیة، طهران 1372 ش.

[5] الکاشانی، فتح الله، منهج الصادقین فی الزام المخالفین، ج9، ص390، الطبعة الثانیة، المکتبة الإسلامیة، طهران 1344 ش؛ القمی، عباس، سفینة البحار، ج6، ص590، الطبعة الثانیة، دار الاسوة، إیران 1416 ق.

[6] الشریف الرضی، المجازات النبویة، ص367، منشورات مکتبة بصیرتی، قم، بی تا.

[7] المجیدی، غلام حسین، بهج الفصاحة، ج2، ص704، الطبعة الأولی، مؤسسة انصاریان، قم1379 ش؛ المجلسی، محمدباقر، بحارالانوار، ج6، ص39، الطبعة الاولی، مؤسسة الوفاء بیروت 1404 ه.ق.

[8] بحارالانوار، ج 92، ص132، و ج60، ص18.

[9] بحارالانوار، ج60، ص25.

[10] نهج الفصاحة، ج2، ص701؛ النسائی، السنن الکبری، ج6، ص256، الطبعة الاولی، دار الکتب العلمیة، بیروت 1411 ق.

[11] بحارالانوار، 92، 132.

[12] بحارالانوار، ج60،؛ ص 25.

[13] لاحظ: المکتبة الدیجیتالیة، مرکز دائرة المعارف الإسلامیة الکبری.

[14] بحارالانوار، ج59، ص234.

[15] بحارالانوار، ج59، ص234.

[16] بحارالانوار، ج59، ص188؛ النوری، حسین، مستدرک الوسائل، ج16، ص446، طبع مؤسسة آل البیت، قم 1408 ه.ق.

[17] الکوفی، محمد بن محمد، الجعفریات، ص244، مکتبة نینوی الحدیثة، طهران؛ التمیمی، المغربی، النعمان بن محمد، دعائم الإسلام، ج2، ص150، دار المعارف، مصر 1385 ه.ق؛ مستدرک الوسائل، ج16، ص460.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280255 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258831 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129627 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115643 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61038 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60364 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57374 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51615 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47713 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...