بحث متقدم
الزيارة
6731
محدثة عن: 2008/04/12
خلاصة السؤال
لماذا وردت فی سورة الصافات المبارکة کلمة المخلصین بصیغة اسم المفعول؟ فهل أن اسم المفعول أفضل من اسم الفاعل، بمعنى أن الذین أخلصهم الله بنفسه هم وحدهم الذین لایهلکون؟
السؤال
فی سورة الصافات المبارکة ذکر الله تعالى و لمرّات متعددة عبارة (الاّ عباد الله المخلَصین) فلماذا أستعملت هذه الکلمة بصیغة اسم المفعول و لم تستعمل بصیغة اسم الفاعل؟ فهل أن اسم المفعول أفضل من اسم الفاعل فیکون المعنى أن الذین أخلصهم الله بنفسه هم وحدهم لایهلکون؟
الجواب الإجمالي

تتعرض سیاق الآیات التی هی مورد البحث فی سورة الصافات الى بیان مصیر الامم الماضیة التی عاقب الله أکثرها بسبب الشرک الاّ القلیل ممن طهرهم و أخلصهم لنفسه.[i]

و لیس من اللازم أن یکون المقصود من المخلَصین الأنبیاء فحسب, بل یشمل غیر الانبیاء, حیث ذکر بعد ذلک فی نفس هذه السورة قصة نوح (ع)، و من المسلٌم به أن الذین التحقوا معه فی السفینة و نجوا کانوا أناسا عادیین و لکنهم کانوا موحٌدین.

و کذلک فان اسم المفعول لا یکون دائماً أفضل من اسم الفاعل بل یختلف ذلک بحسب اختلاف الموارد المستعملة فی هذه الصیغة؛ فمثلاً الرازق (و هو اسم فاعل و صفة لله تعالى) مفضٌل على المرزوق لأن المرزوق صفة المخلوق، و صفة الخالق أفضل من صفة المخلوقات، و من هذا القبیل الخالق و المخلوق و...، لکن المخلِص هنا هو بمعنى الذی یُخلص، و المخلَص هو الذی جعلهم الله مخلَصاً و طاهراً بعد أن تجاوز محن المخلِصین, و لأجل ذلک فأن للمخلَصین مقاماً أرفع من مقام المخلِصین.



[i] . "فانظر کیف کان عاقبة المنذرین الاّ عباد الله المخلَصین".

الجواب التفصيلي

یشیر سیاق الاّیات مورد البحث الى الشرک و تکذیب آّیات الله من قبل الکفار, و الى العذاب الالهی الذی یتهدّدهم. یقول العلامة الطباطبائی (ره) فی ذیل الاّیات 73 ـ 74 من سورة الصافات: کلام مسوق لأنذار مشرکی هذه الامة بتنظیرهم للامم الهالکین من قبلهم فقد ضلّ أکثرهم کما ضلّ هؤلاء و أرسل إلیهم رسل منذرون کما أرسل منذر الى هولاء فکذبوا فکان عاقبة أمرهم الهلاک الاّ المخلصین منهم.[1]

اذن فالمراد من المخلَصین فی هذه الآیة لیس هو الانبیاء فقط، بل تشمل عباد الله المخلَصین أیضاً. و أن الذین یهلکون هم الذین یکونون مشرکین, حیث ذکرت قصة نوح (ع) و ابراهیم (ع) بعد ذلک فی هذه السورة نفسها و أن ماعدا القلیل منهم کانوا مشرکین فهلکوا.

و یرجع الفرق بین المخلِص و المخلَص الى الفرق بین معانیها فی هذه المادة (خَلَصَ) و لیس الى صیغة اسم الفاعل و اسم المفعول, أی انه لیس کلما وردت صفة بصیغة اسم المفعول فهی أرقى أو أفضل مما لو وردت بصیغة اسم الفاعل أو بالعکس, بل یعتمد ذلک على مادة الفعل؛ فمثلاً: الرازق (و هو اسم فاعل) هو من صفات الله و یشیر الى صفة ایصال الرزق، و المرزوق (و هو اسم مفعول) و هو صفة مخلوقات الله التی یرزقها الله تعالى, و من المسلم أن صفة الله أفضل من صفة المخلوقات، و کذلک الامر فی الخالق و المخلوق و... .

أما فی مادة (خَلَصَ) فالمخلِص؛ یعنی الذی یتصف بالاخلاص و یستعمل غالباً فی الموارد التی یکون فیها الانسان فی المراحل الأولى للتکامل و بناء الذات، أما المُخَلص فهو یشیر الى المراحل العالیة و ما بعد جهاد النفس، و هی تلک المرحلة التی یکون الشیطان فیها یائساً من النفوذ و الوسواس فیهم،[2] فهی بمعنى أُخلِص ( من قبل الله).

یقول الله تعالى نقلاً عن کلام الشیطان: «...لأغوینهم أجمعین إلاّ عبادک منهم المخلَصین»؛[3] أی أن قدرة الشیطان لا یمکنها أبداً أن تصل الى مخاصی الامة, و مع ان باقی الامة لیس فی هذه الدرجة و لکن لا یجزم ان یکون الاخرون ـ غیر المخلَصین ـ هالکین،فکم من اناس مخلِصین کثیرین یصلون الى الدرجات العالیة عن طریق السعی و جهاد النفس و تطهیرها من الرذائل، و أن قسماً منهم و بحسب قابلیاتهم، الله تعالی یطهرهم من القذارات المتبقیة و یصلون الى مقام المطهرین، و بالطبع ان الوصول الى هذه المرتبة إنما یکون بسبب الجهود المتواصلة فی طریق الاخلاص, و من جانب آخر فان الحکمة الالهیة لها تأثیرها ایضاً.



[1] .تفسیر المیزان، ج 17، ص 145.

[2] . شرح و تفسیر مفردات القراّن، شریعت مداری، ج 1، ص 715.

[3] . الحجر،40.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...