بحث متقدم
الزيارة
6233
محدثة عن: 2008/07/03
خلاصة السؤال
لماذا تختلف المراسم و الأعراف و الآداب لدى الإیرانیین فی المراسم و التعازی و الاحتفالات و الأعیاد الدینیة عن سائر المسلمین، بل و عن الشیعة الآخرین؟
السؤال
لماذا نختلف نحن الإیرانیون فی المراسم و العزاء و الأعیاد و الاحتفالات عن غیرنا من المسلمین، بل و حتى سائر الشیعة، و نعمل بشکلٍ مختلف؟
الجواب الإجمالي

مع أن المراسم و إقامة الاحتفالات الدینیة لها أصولها و أطرها العامة، و لکن فی المواطن التی لم یُبد فیها الشرع المقدس رأیاً فی کیفیة إقامتها فإنها تقام طبقاً للأعراف و الآداب و الرسوم المتبعة فی مکان إقامتها، و بعبارة أخرى، إن ما أکد علیه الدین و أراده هو إقامة العزاء أیام شهادة الإمام الحسین (ع)، و لکن کیفیة إقامة العزاء و طرق تأدیة مراسمه متروکة للناس أنفسهم. و لذلک نجد أن إقامة الاحتفالات و المراسم تختلف من مکانٍ لآخر بحسب خصوصیات و أعراف و عادات القائمین بها، و إذا لم تتعارض هذه العادات و الأعراف مع الشرع الحنیف و خطوطه العامة فإنها تکون مورد تأیید الدین و قبوله.

الجواب التفصيلي

إن ظاهرة الاحتفالات و المراسم موجودة فی کل الأدیان، و ذلک بهدف تعظیم الشعائر و التأکید على الأهداف و القیم التی ینطوی علیها کل دین و مذهب، و مثل هذه الاحتفالات و المراسم موجودة فی الدین الإسلامی الحنیف و خصوصاً فی مذهب التشیع، و قد أراد الله کما فی القرآن الکریم أن تعظم شعائره و قد جاء الثناء و المدح لمثل هذا العمل، و اعتبر التقوى منشأ هذا العمل و أساسه حیث قال: «و من یعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب».[1]

و إقامة الشعائر من الأمور المطلوبة و المحمودة إذاً، و لکن من البدیهی أن یکون لکل أمةٍ و قوم طرقهم الخاصة و أعرافهم و آدابهم فی کیفیة إقامة هذه المراسم و الاحتفالات، و هذه الأعراف مقبولة و لا إشکال فیها ما دامت لا تتنافى مع أحکام الإسلام و تعالیمه، و أنها تقع فی دائرة المقبولیة لدى الدین الإسلامی، و على سبیل المثال ما یقام من مراسم العزاء و الحزن فی أیام شهادة الإمام الحسین (ع)، و البکاء و الإبکاء فإنها من الأمور المؤکد علیها فی المذهب الشیعی[2]، و لکن کیفیة إقامة هذه المراسم تختلف من بلدٍ إلى آخر، و حتى فی المدن الإیرانیة لا تکون إقامة هذه المراسم متطابقة تماماً، بل لکل منطقة خصوصیاتها و طریقتها فی إقامة العزاء.

إن المهم فی الدرجة الأولى هو أن یقام العزاء و الاحتفال من أجل احیاء ذکرى الإمام الحسین (ع) و ثورته المبارکة، و بالدرجة الثانیة ألا تکون هذه المراسم مخالفة لتعالیم الإسلام و آدابه و أحکامه العامة، فقد کان من العرف فی إیران و منذ القدم أن تخرج المواکب و تؤدی العزاء فی شوارع المدن و القرى، و هذا الأسلوب کان مورد تأیید و تأکید العلماء و قبولهم، و قد أکد على ذلک الإمام الخمینی (ره) حیث یقول: «یجب أن نحافظ على هذه السنة الإسلامیة، و أن نحافظ على هذه المجموعات الإسلامیة المبارکة التی تخرج فی أیام عاشوراء و صفر إلى الشوارع، کما نؤکد على الوقوف خلفها و دعمها و تقویتها».[3]

ینقل المرحوم الشیخ الطوسی حدیثاً عن الإمام الصادق (ع) یبین کیفیة إقامة الفاطمیات لهذه المراسم، یقول الإمام الصادق (ع): ِ وَ قَدْ شَقَقْنَ الْجُیُوبَ وَ لَطَمْنَ الْخُدُودَ الْفَاطِمِیَّاتُ عَلَى الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ (ع)، و یؤید الإمام الصادق مثل هذه الأعمال و یقول: « وَ عَلَى مِثْلِهِ تُلْطَمُ الْخُدُودُ وَ تُشَقُّ الْجُیُوبُ ».[4] و لکن المؤسف أنه لابد من القول أن بعض التحریفات و المبالغات و الخروج عن الشرع قد وقع فی مثل هذه الممارسات و ذلک من قبل عدد من المغفلین الذین لا یفقهون شیئاً، و قد اتخذ علماء الشیعة مواقف معلنة و واضحة إزاء هذه الأعمال، و بینوا تکلیف الجمیع و واجبهم فی مثل هذه التصرفات، فمثلاً إن ضرب الرؤوس بالمدى " التطبیر" أمرٌ کان یحمل إظهار الإرادة و التصمیم فی السابق، و لکن بحسب مصالح العالم الإسلامی کان الإمام الخمینی (ره) یقول: «لا تضربوا الرؤوس بالمدى فی الوقت الحاضر و فی الظروف الراهنة». و قال آیة الله الخامنئی (حفظه الله): «إن ضرب الرؤوس علناً و مع التظاهر أمرٌ محرم موضوع».[5]

و الخلاصة: إن الاختلاف فی أداء المراسم التی لم یرد فی أدائها تحدید من الشرع ترک للناس الحریة فی کیفیة أدائها[6]، و ذلک بسبب اختلاف الثقافات و الأعراف و الآداب فی المجتمعات المختلفة، و هذا أمرٌ طبیعی و مقبول، الا ان تکون مخالفة لثوابت الدین و قیمه و احکامه او کانت موهنة للدین و المذهب فلا یجوز القیام بها.



[1] الحج، 32.

[2] مقتل المقرّم، ص96.

[3] فرهنگ عاشورا، (ثقافة عاشوراء)، جواد، محدثی، ص341، نقلاً عن صحیفه نور (صحیفة النور)، ج 15، ص 2041.

[4] مقتل المقرّم، ص97؛ تهذیب‏الأحکام، ج 8 ، ص 325. (نهایة بحث الکفارات).

[5] ثقافة عاشوراء، جواد محدثی، ص 386 و 387.

[6] خلافاً للعبادات مثل الصلاة و ... التی حدد الشارع المقدس کیفیة إقامتها و لم یعط ترخیصاً لأحد أن یقیم الصلاة و فقاً للغته و عاداته و أعرافه الخاصة.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...