Please Wait
8182
الأخلاق التکاملیة: نطریة فی الأخلاق تعتقد أن الاختیار الطبیعی هو المنشأ الحی للأخلاق، و أول من طرح هذه النظریة جارلز دارون ثم جاء من بعده هربرت سبنسر ودافع عن النظریة بشکل جاد.
و قد واجهت هذه النظریة عدة إشکالات و تساؤلات و عقبات غیر قابلة للدفاع من قبل العلماء الفلاسفة. فمثلاً لیس بإمکان هذه النظریة الإجابة عن بعض التساؤلات مثل: 1ـ کیف یمکن التمییز بین الخیر و الشر؟ 2ـ لماذا یجب علینا أن نکون طیبین و أطهاراً؟ إضافة إلى ذلک علیها أن تقبل: 1ـ أن العنصریة نوع أخلاق؟ 2ـ أن منطق القوة منطق علمی، و أن ینظر للدکتاتوریة على أنها نظام طبیعی، و..
«الأخلاق التکاملیة» نظریة فی الأخلاق، یرى أصحاب هذه النظریة أن حریة الاختیار و المیل الحسی یولد أخلاقاً لدى الإنسان.
و بحسب هذه النظریة فإن الأخلاق ظاهرة تنشأ بشکلٍ تلقائی فی سیاق تکامل الموجودات الاجتماعیة العاقلة، لا کما یقول الإلهیون و الفلاسفة من أنها نتیجة لتعالیم الوحی الإلهی أو استعمال القوى الناطقة.
إن نظریة الأخلاق التکاملیة تحاول بناء الجسور بین الفلسفة و العلوم الطبیعیة، و هذه النظریة عرضت عام 1871م من خلال انتشار کتاب «أصل الإنسان» لجارلز دارون. فبعد أن أعلن دارون نظریته تحت عنوان «أصل الأنواع» فیما یخص التکوین التکاملی، طبق نظریته المشار إلیها على الإنسان و ادعى أن الإنسان متولد من موجودات أقل تطوراً تنتمی إلى الحیوانات رباعیة الأرجل و ذات ذنبٍ وشعرٍ طویل تعیش فی العالم القدیم، و أهم المشاکل التی واجهها دارون هو ثبات الحالات الأخلاقیة العالیة المشهودة لدى الإنسان. و قد بذل دارون جهداً کبیراً لحل هذه المشکلة من خلال تخصیص فصلٍ کبیر من کتابه لبیان تکامل الحس الأخلاقی، و جاءت الأدلة على أن الحس الأخلاقی لابد و أن یتکامل على أساس خطوتین أساسیتین:
الأولى: إن أساس أخلاق الإنسان تکمن فی غرائزه الإجتماعیة.
الثانیة: عندما تتسع قوى الإنسان العقلیة یتمکن من التفکیر، بأعماله الماضیة و مقاصدها، و کذلک بالنسبة لأعمال الآخرین و أهدافهم، و عندها یحکم بمخالفتها أو موافقتها، و هذه العملیة تفضی إلى وجود وجدان یراقب جمیع الأعمال و یصدر الأحکام علیها.
ویعتقد دارون تحت تأثیر مذهب «المنفعة» اصل اکثر السعادة تنطلق من موجود اجتماعی متکامل الابعاد الفکریة ذی وجدان، فلابد من اتخاذه معیاراً للجدارة و عدمها.
و أهم العقبات و المشاکل التی تواجه دارون فی نظریته هذه هی الإجابة عن بعض التساؤلات مثل:
1ـ کیف یمکن التمییز بین الخیر و الشر؟
2ـ لماذا یجب علینا أن نکون صالحین و طیبین؟
و لو کانت ادعاءاته صادقة فهل بإمکانه أن یجیب عن الأسئلة المتقدمة؟ وجاء هربرنت سبنسر[1] بعد دارون فلعب دوراً هاماً ومؤثراً و أبدى حماساً و اندفاعاً فی الدفاع عن نظریة الأخلاق التکاملیة، و مؤسس نظریة الداروینیة الإجتماعیة.
و یمکن أن نجمل نظریة سبنسر فی ثلاث مراحل:
أولاً: یعتقد سبنسر کما هو داروین بنظریة «المنفعة» و«اللذة» کما هی رؤیة جرمی بنتام[2]، و جان ستوارت[3]، حیث یعتقد أن مبدأ «کسب اللذة و اجتناب الألم» توجّه جمیع أعمال الإنسان و نشاطه.
ثانیاً: یمکن اکتساب اللذة عن طریقین، أحدهما عن طریق الحصول على المنفعة الشخصیة و الآخر إیصال المنفعة إلى الآخرین. بمعنى أن تناول الغذاء المرغوب فیه و إعطاء الغذاء للآخرین یشکلان عاملین من عوامل الحصول على اللذة.
ثالثاً: التعاون المتبادل بین الناس للحصول على اللذة و إیصال اللذة للآخرین أمرٌ لازم و ضروری، و من هنا تنشأ أصول الإنصاف لدى الإنسان حتى یحصل التوازن بین صفاته المتضادة فی الأنانیة و الإیثار.
و الخلاصة أن سبنسر ارتقى بالواقعیة المتمثلة «بتنازع البقاء، و الاختیار الطبیعی، و بقاء الأصلح» إلى مرتبة الفعل الأخلاقی الجائز[4].
و للمثال فإن العقیدة و الحیاة بالنسبة للإنسان هی ساحة صراع «تنازع» و البقاء للأفضل و الأصلح، و لا یلزم اتخاذ سیاسة أو إیجاد وسیلة للدفاع عن الضعفاء، و قد کتب سبنسر: «علینا أن نساعد على تکثیر السیء بشکلٍ عملی، کأن نوجد لأبنائنا الکثیر من الأعداء».
وقد لقیت فلسفة سبنسر محبوبیة و رواجاً کبیراً فی أمریکا الشمالیة فی القرن التاسع عشر، و لکنها تراجعت بشکلٍ ملحوظ فی القرن العشرین. و لکن کیف یمکن له أن یجیب عن السؤالین الأخلاقیین الأساسیین المتقدمین؟ کیف لنا أن نمیز بین الخیر و الشر؟، و لماذا یجب علینا أن نکون صالحین؟ و قد جاء جواب سبنسر عن السؤال الأول مطابقاً لجواب دارون، لأن کلیهما یدافع عن مبدأ المنفعة و اللذة، و أما جوابه عن السؤال الثانی فیتلخص بالقول: إن التکامل یساوی التطور نحو الأفضل «بالمفهوم الأخلاقی للکلمة» و علیه فکل شیءٍ یساعد و یؤید قوى التکامل فهو جید و حسن.
و حاول الاستدلال على هذا المدعى بانه اذا تحرکنا نحو الطبعیة و استرشدنا بها، فانها سترشدنا الى ما هو حسن و ما هو قبیح و الى الخیر و الشر؛ و من هنا قال بان"التکامل ظاهرة تولد من باطنها القیم" فاذا کان التکامل مبینا للخیر الاخلاقی فعلینا ان ندعمه بعیدا عن المنفعة. و الحال ان سبنسر ربط بین الخیر الاخلاقی و بین اللذة و المنفعة العامة و قال باتحادهما. و على هذا التصور اذا کانت عملیة التکامل تسوقنا نحو تلک اللذة العامة و ترشدنا الیها فستضع تحت ایدینا دلیلا أنانیا للاخلاق.
ویعد دافید هیوم أول فلیسوف استدل على استحالة استنباط القوانین الاخلاقیة من الواقعیات التجریبیة، حیث کتب فی رسالة له حول طبیعة الانسان: لقد شاهدنا من کل الانظمة الاخلاقیة التی واجهتنا حتى الساعة، ان الکاتب یستدل علیها بالطریقة المتعارفة و یحاول اثبات وجود الله من خلال المشاهدات حول الامور الانسانیة، و فجأة نکتشف بصورة عجیبة أنه و بدل العلاقات الاعتیادیة بین مقولات "موجود" و "معدوم" بان کل مقولة نواجهها یحدث عندنا نوع ارتباط بین " ینبغی" و " لاینبغی"و هذا التحول غیر مرئی و لکنه مؤثر.
و قد سجل توماس هاکسلی[5] فی کتابه "التکامل و الاخلاق" اعتراضه على نظریة الاخلاق التکاملیة، بان القاتل و اللص یسیرنا مع الطبیعة و یسترشدان بها بنفس الدرجة التی یسیر معها الانسان الصالح و یسترشد بها الرجل القویم! فما هو المعیار الذی جعل الخیر عند هذه الطائفة یختلف عن الطائفة الاولى؟ الا ان هاکسلی هو الآخر عجز عن تعلیل هذا التمایز بین ملاکی الخیر و الشر بصورة علمیة.
و قد حاول الفیلسوف الانجلیزی جورج ادوارد مور[6] فی کتاب نشره سنة 1903 م تحت عنوان "مبادئ الاخلاق" الاشارة الى الخلل فی نظری الاخلاق التکاملیة فقال انها تنطلق من " مغالطة التصدیق بالطبیعة" اضافة الى ذلک ان سبنسر نفسه ذهب الى القول باتحاد الخیر مع مفهوم " التکامل العالی" و بهذا ارتکب مرة اخرى مغالطة " التصدیق بالطبیعة"؟[7]
و على کل حال لما کانت الاخلاق التکاملیة نوعا من الاخلاق العملیة شأنها شأن سائر النماذج الاخرى، جعلت من السیر مع الطبیعة و الاسترشاد بها الملاک فی عمل الانسان و هی التی ترشده الى ما ینبغی فعله و الى السبل للخروج من مرحلة الوجود و الطبیعة، فلما کانت الطبیعة تسیر بصورة تکاملیة على مر العصور و الازمان من جهة، و من جهة اخرى نحن کافراد و مجتمعات من المفترض ان نسیر فی نفس الاتجاه التکاملی، فلابد ان نقتدی بالطبعیة فی حرکتنا التکاملیة. و بعبارة أخرى: ان الحرکة التکاملیة للطبیعیة لا ترشدنا الى الطریق الذی نسلکه فحسب، بل تأمرنا بالطریق الذی یجب سلوکه.
ثم ان الاخلاق التکاملیة تعتمد الظاهر السلوکی و تمنح الانتصار فی السلوک الخارجی المعیاریة التامة و تجعله الملاک و المیزان للحسن و الصحة و تضفی الشرعیة و الصحة على کل ما یساعد فی هذا الانتصار الخارجی.
کذلک الاخلاق التکاملیة اخلاق تنازعیة تدعو الى التنازع انطلاق من المبدأ الطبیعی الذی آمنت به "النزاع من اجل البقاء".
و من هنا سجل على هذه النظریة الکثیر من الباحثین مجموعة من الملاحظات التی لایمکن دفعها، من قبیل ان القول بهذه النظریة یستلزم:
1. اعتبار العنصریة نوعا من الاخلاق العلمیة.
2.اعتماد منطق القوة کمنطق علمی ایضا و اعتبار الدکتاتوریة نظاما طبیعیا.[8]
و حتى لو سلمنا بامکانیة دفع بعض الاعتراض المسجلة على النظریة الا ننا لا نستطیع التغاضی عن باقی الملاحظات المسجلة علیها و التی لم تتمکن النظریة من الاجابة عنها.