Please Wait
7186
ماذا یقصد الناس عندما یقولون: کان هذا نصیبک؟ و لو أخذنا بنظر الإعتبار ان کل شیء بید الله سبحانه فلماذا هذا الإختلاف الفاحش بین الناس فی هذا الزمان؟
إن الحظ و النصیب من المصطلحات التی یتداولها الناس فی بعض الأحیان و إن لها جذوراً فی الأدب و الشعر على الأکثر.
إن هذا المصطلح یمکن أن یستخدم لیدل على معنیین:
1. حدوث ظاهرة بدون علّة:
إن هذا المعنى مرفوض و مردود من الناحیة الفلسفیة، و قد تم إثبات هذا الأمر فی محله و هو إن لکل شیء علة و سبباً معیناً، و بالطبع فإنه من المحتمل أن لا یکون هذا السبب مستحسن أو جید، و هذا یعنی أن هنالک عامل ظلم و مخالف للعدالة کان له تأثیر فی وجود ظاهرة معینة.
إن بعض الأسباب التی تؤدی الى إستخدام هکذا مصطلحات ـ والتی تدل على اعتقاد معین ـ هی کالآتی:
أ. الظلم و عدم وجود العدالة الإجتماعیة و عدم وجود التناسب بین الإستحقاق و المناصب و المواهب.
ب. وجود میول الى الراحة فی المجتمع و تبریر إستفادة أشخاص معینین بمسألة الحظ و النصیب.
ج. الترویج من قبل الحکومات الظالمة و الجبارة لهکذا نوع من الإصطلاحات لکی یبرروا وجودهم على سدة الحکم على انه نصیب و مصیر قد قدّر لهم، لکی یواجهوا اعتراض الناس علیهم.
فی الآیات و الروایات الإسلامیة لم یتم الإشارة الى موضوع الحظ و النصیب و لم یکن مورداً للقبول من قبلهما.
2. المصیر و التقدیر الالهی:
هذا هو المعنى الذی یکون مورداً للقبول، و یدل هذا المعنى على إن التوفیق للانسان یکون عن طریق العنایة الالهیة و السعی الذی یبذله الانسان نفسه، و توجد هنالک أمورٌ لها دور مهم و مؤثر فی هذا السعی کالقابلیات و الظروف الاجتماعیة و البیئیة للانسان، و هذا هو سر الاختلاف الموجود فی المجتمع.
إن الاصل لکلمة " chance " هو فرنسی و هو بمعنى الفرصة، و یعبر عن الحظ عند الناس بشکل عام عن الحادثة و الواقعة التی لایعرف سببها، لذا تنسب وقوع هکذا حادثة الى الحظ، لذلک إذا کان المقصود من الحظ هو تحقق ظاهرة بدون علة أو سبب، فان هذا الامر و على أساس الأدلة القطعیة مردود و غیر مقبول بلاشک فی الفلسفة الاسلامیة. [1]
رغم إننا لانعرف الأسباب و العلل لبعض الحوادث و لکن إذا أزیح الستار عنها فسوف یتبین لنا إنه لایوجد شیء هنالک اسمه صدفة.
إن حسن و سوء الحظ یکون نتیجة أفکار و اعتقادات الشخص بخصوص نفسه، و إن کل شخص یعتبر نفسه سیء الحظ لأی سببٍ کان، فمن الطبیعی أن یصدر منه عمل یتناسب مع هذا الاعتقاد.
نلاحظ أنه فی بعض الاحیان تطلق لفظة (الحظ)عند بعض الناس على التقدیر الالهی، کمثال على ذلک یطلق على الشخص الغنی و الذی یربح عادةً فی المعاملات التجاریة بأنه شخصٌ جید الحظ.
لغرض تحلیل هذه المسألة یجب أن تکون هنالک نظرة أوسع للعوامل المؤثرة فی حدوث الظواهر المختلفة، بالاضافة الى النشاطات الظاهریة للفرد، یجب الأخذ بنظر الإعتبار الظروف الروحیة و المعنویة و حتى تأثیرات الأجیال السابقة للفرد و کذلک تأثیر دعاء الخیر أو اللعن من قبل الآخرین و عوامل أخرى ظاهرة و باطنة مؤثرة فی إنسجام أو عدم إنسجام الحیاة. فإذا کان هذا هو المقصود من الحظ، فإن ذلک له جذور فی الآیات القرآنیة و الروایات و کذلک تکون هذه المسألة مقبولة من الناحیة الدینیة. [2]
یقول سبحانه: "و الله فضّل بعضکم على بعض فی الرزق...". [3]
یقول الإمام علی (ع): "و قدر الأرزاق فکثرها و قللها، و قسمها على الضیق و السعة فعدل فیها لیبتلی من أراد بمیسورها و معسورها. و لیختبر بذلک الشکر و الصبر من غنیها و فقیرها". [4]
الآن إذا اخذنا الحظ بالمعنى السلبی له (یعنی بدون وجود علّة و سبب لحصول الحوادث)، فنستطیع أن نقول: إن بعض الأسباب لإنجرار الناس الى إستخدام مثل هذه المصطلحات هی:
1. هو الظلم و عدم وجود العدالة الإجتماعیة و عدم وجود التناسب بین المناصب و المواهب و الإستحقاق لها.
و عندما یرى الناس عدم وجود أسباب و علل واقعیة لهذه الحالات فانهم ینسبونها الى الحظ و النصیب.
2. وجود روحیة التقاعس فی المجتمع و تبریر إستفادة إشخاص معینین بمسألة الحظ و النصیب. و إن بعض الناس الذین هم أقل مثابرة للوصول الى أهدافهم و یستعجلون فی الحصول على نتائج سریعة لأعمالهم عندما یرون أنهم لا یستفیدون خلال فترة قصیرة، فانهم یوعزون إستفادة غیرهم من المناصب و المواهب الى حسن الحظ و النصیب.
3. للحکومات الطاغیة المتجبرة دور فی شیوع هکذا نوع من الأفکار فی وسط المجتمعات، حیث انهم بإشاعة هذه الأفکار و التبریرات یصلون الى الحکم و یستمرون بهذا الحکم و یربطون بین النصیب و المصیر و حکمهم للناس لکی یواجهوا إعتراضات و ثورة الناس علیهم. [5] و لکن نرى منطق القرآن الکریم یؤکد على السعی و المثابرة من قبل الإنسان للوصول الى الأهداف و النعم الالهیة و المادیة.
یقول سبحانه: "...إن الله لایغیر ما بقومٍ حتى یغیروا ما بأنفسهم ". [6]
و إن الإختلاف الفاحش الموجود عند الناس فی المواهب یرتبط بالتوفیق الالهی و القابلیات المختلفة و الخلقیات الروحیة و الإجتماعیة المختلفة للأفراد و غیرها من العوامل المؤثرة.
بالطبع فإنه لیس کل من حاز على نعمة من نِعم الدنیا فهو نتیجة لإستحقاقه أو نتیجة سعیه و مثابرته أو نتیجة للتوفیق الالهی، حیث من الممکن أن یکون قد حصل علیها عن طریق الظلم و مخالفة العدالة، و فی هذه الحالة یکون من الناحیة الدینیة مرفوضاً و غیر مقبول. [7]
[1] . المطهری، مرتضى، العشرون حدیثاً، ص80- 83 .
[2] . للأطلاع أکثر، لاحظ: دورالانسان فی الحصول على الرزق، سؤال رقم 884 (الموقع: ۹۶۸).
[3] . النحل،71
[4] . نهج البلاغة، الخطبة91 .
[5] . المطهری، مرتضى، الملحمة الحسینیة، ج1، ص362.
[6] . الرعد،11، لاحظ: ترجمة المیزان، ج11، ص27 4 - 426 .
[7] . للأطلاع اکثر، لاحظ: فلسفة وجود الاختلاف، القبح و الجمال و الهدایة و الضلال، سؤال رقم 205.