Please Wait
6704
المشهور أن الاعتقاد بالبداء من اختصاص المذهب الشیعی، و لکن لو إطلعنا على حقیقة مفهوم البداء و المعنى المراد منه فحینئذ یتضح لنا بجلاء أن هذا المعتقد لیس من مختصات الشیعة بل یشارکهم فیه سائر المسلمین. و الحقیقة أن الفهم الخاطئ لهذه القضیة متأثر بالمعنى اللغوی لکلمة البداء، الأمر الذی جعل بعض علماء أهل السنة یتخذون موقفاً مخالفاً و رافضاً لعقیدة البداء، و الحال أن الشیعة لا تقول بالمعنى اللغوی للبداء قطعاً، بل لها تصوّر خاص فی هذه القضیة یختلف اختلافاً جوهریاً مع المعنى اللغوی!!
فالبداء لغة یعنی الظهور بعد الخفاء. فاذا لم یعلم الانسان بشیء ما ثم علم به و اطلع علیه و تغیّر موقفه و رأیه نتیجة لهذا التحول فی العلم یقال: حصل له بداء فی المسالة أو بدا له. و هذا المعنى للبداء – الذی رفضه علماء الشیعة قاطبة- مستحیل فی حقه تعالى، و لا یجوز نسبته الیه سبحانه؛ لان لازمه تغیّر إرادة الله و علمه، و التغیّر محال فی ذاته تعالى. و من هنا تصدى الائمة (ع) لهذا النوع من البداء بشدة و فی روایات کثیرة منها ما جاء عن الامام الصادق (ع): "ان الله لم یبد له من جهل".
و اما المعنى الذی تقصده الشیعة من البداء فهو: أن التقدیر الالهی فی حق الانسان قد یتغیر بسبب الاعمال الحسنة أو القبیحة التی یقوم بها الانسان، و هو بمعنى الاظهار بعد الاخفاء، أی ظهور الشیء الخافی على الناس لا أن الله تعالى کان لا یعلم بقضیة کانت خافیة علیه ثم علم بها.
و هذا المعنى الدقیق للبداء یتفق علیه علماء الفریقین السنة و الشیعة معاً و هناک روایات نقلها الفریقان استعمل فیه مصطلح البداء و قد فهم منها علماء المسلمین معنى واحداً.
1. عقیدة البداء فی اوساط المذاهب الاسلامیة
البداء من الامور المتفق علیها بین المسلمین و لکن المشهور فی اوساط مدرسة أهل البیت التأکید علیه بصورة أکثر. ثم إن المعنى اللغوی للبداء و المستحیل على الله تعالى هو الذی جعل بعض علماء المسلمین یستوحش من هذه الکلمة و لکنه فی الوقت نفسه یقر بالمحتوى الاعتقادی للکلمة الذی یختلف اختلافاً جوهریاً مع المعنى اللغوی.
ثم من الواضح جداً أن مذهب الشیعة یرفض رفضا قاطعاً المعنى اللغوی للبداء.
من هنا، صحیح أن المشهور على الالسن أن الاعتقاد بالبداء من مختصات مذهب الشیعة و لکن فی حقیقة الأمر أن القضیة من المشترکات بین المسلمین و لم یختلف فی محتواها الحقیقی انسان یفهم القرآن الکریم و السنة المطهرة.
2. معنى البداء
البداء لغة یعنی "الظهور بعد خفاء"، فاذا لم یعلم الانسان بشیء ما ثم علم به و اطلع علیه و تغیّر موقفه و رأیه نتیجة لهذا التحول فی العلم یقال: حصل له بداء فی المسالة أو بدا له. و هذا المعنى للبداء – الذی رفضه علماء الشیعة قاطبة- مستحیل فی حقه تعالى، و لا یجوز نسبته الیه سبحانه؛ لان لازمه تغیّر إرادة الله و علمه، و التغیّر محال فی ذاته تعالى. و من هنا تصدى الائمة (ع) لهذا النوع من البداء بشدة و فی روایات کثیرة، منها ما جاء عن الامام الصادق (ع): " ان الله لم یبد له من جهل ". [1]
و اما المعنى الذی تقصده الشیعة من البداء فهو: أن التقدیر الالهی فی حق الانسان قد یتغیر بسبب الاعمال الحسنة أو القبیحة التی یقوم بها الانسان، و هو بمعنى الاظهار بعد الاخفاء، أی ظهور الشیء الخافی على الناس لا أن الله تعالى کان لا یعلم بقضیة کانت خافیة علیه ثم علم بها.
و بعبارة أخرى: إن الله تعالى یعلم ما کان و ما هو موجود و ما سیکون و لم یخف علیه شیء فی الارض و لا فی السماء حتى یعلم به بعد حین و یرفع بعلمه الجدید جهله السابق (نعوذ بالله تعالى من هذا القول)، بل المراد من البداء هو أن الله تعالى لم یترک أمر عباده سدى، بل عالم الامر و الخلق و التدبیر بیده تعالى حیث یدبر العالم وفقا لمشیئته عز وجل. فالبداء لا یعنی التغیر فی علم الله تعالى، بل المراد منه الاعتراف بالتقدیم و التأخیر و المحو و الاثبات فی عالم التکوین.
و هذا المعنى للبداء من الامور التی یتفق علیها سائر المسلمین، نعم، المعنى اللغوی للبداء فیه إبهام، و من هنا تصوّر البعض أن علماء الشیعة یقولون بالبداء بمعناه اللغوی!! و على أثر ذلک وقف بعض علماء السنة موقف المخالف لهذه القضیة؛ و الحال أن الشیعة نفسها ترفض هذا المعنى رفضاً قاطعاً!!
انطلاقاً من ذلک، لو رجعنا الى مصادر أهل السنة سواء الحدیثیة منها أو الکلامیة نجدهم یؤمنون بنفس مضمون البداء الذی تؤمن به الشیعة لا المعنى اللغوی المرفوض من الفریقین. نعم، فی المصادر الشیعیة هناک تأکید على هذه القضیة اکثر من سائر المذاهب الاخرى لما یراه الشیعة من أهمیة لهذا المعتقد.
3. الدلیل على عقیدة البداء
یقول الشیخ الطوسی (ره) فی هذا المجال: " و الوجه فی هذه الأخبار [أی أخبار البداء] ما قدمنا ذکره من تغییر المصلحة فیه و اقتضائها تأخیر الأمر إلى وقت آخر على ما بیناه، دون ظهور الأمر له تعالى، فإنا لا نقول به و لا نجوزه، تعالى الله عن ذلک علواً کبیراً ". [2]
اما الشیخ الصدوق (ره) فاشار الى القضیة بقوله: " و عندنا من زعم أن الله عز وجل یبدو له الیوم فی شیء لم یعلمه أمس فهو کافر و البراءة منه واجبة" [3] و أضاف :" لیس البداء کما یظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلک ... و البداء هو رد على الیهود لأنهم قالوا: إن الله قد فرغ من الأمر فقلنا: إن الله کل یوم فی شأن، یحیی و یمیت و یرزق و یفعل ما یشاء. و البداء لیس من ندامة، و هو ظهور أمر، یقول العرب: بدا لی شخص فی طریقی أی ظهر ، قال الله عز وجل: (و بدا لهم من الله ما لم یکونوا یحتسبون). أی ظهر لهم، و متى ظهر لله تعالى ذکره من عبد صلة لرحمه زاد فی عمره، و متى ظهر له منه قطیعة لرحمه نقص من عمره، و متى ظهر له من عبد إتیان الزنا نقص من رزقه و عمره، و متى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد فی رزقه و عمره". [4]
ب. الب داء فی مصادر أهل السنة
لقد ورد مصطلح البداء - بنفس هذا المضمون الذی ذکرناه- فی مصادر أهل السنة.
روى البخاری فی صحیحه عن أبی هریرة عن رسول الله (ص) أنه قال:" إنّ ثلاثة فی بنی إسرائیل: أبرص و أقرع و أعمى بدا للَّه أن یبتلیهم، فبعث إلیهم ملکاً، فأتى الأبرص فقال: أی شیء أحب إلیک؟ قال: لَون حسنٌ و جلدٌ حسنٌ، قد قذرنی الناس، قال: فمسحه فذهب عنه فأُعطی لوناً حسناً وجلداً حسناً...إلى آخر الحدیث" [5]
و یتضح من خلال الرجوع الى شروح البخاری أن علماء السنة یفسرون البداء بنفس المعنى الذی ذهبت الیه الشیعة.
و من تلک الشروح ما اشار الیه ابن حجر بقوله: " قوله: (بدا لله) بتخفیف الدال المهملة بغیر همز، أی سبق فی علم الله فأراد إظهاره، ولیس المراد أنه ظهر له بعد أن کان خافیاً؛ لأن ذلک محال فی حق الله تعالى". [6]
و أما ابن أبی حاتم فقد نقل فی تفسیر قوله تعالى: "الله یتوفى الانفس" عن ابن عباس إنه قال: "(اللَّهُ یتَوَفَّى الأَنفُسَ) قال: «فإن بدا لله أن یقبضه قبض الروح، فمات، أو اُخر أجله رد النفس إلى مکانها من جوفه" [7]
و روی الهیثم ی فی مجمع الزوائد فی باب "طلوع الشمس من مغربها" عن عبد الله بن عمر: " أنها [الشمس] کلما غربت أتت تحت العرش فسجدت و استأذنت فی الرجوع فأذن لها فی الرجوع حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت کما کانت تفعل أتت تحت العرش فسجدت و استأذنت فی الرجوع فلم یرد علیها شیء، ثم تستأذن فی الرجوع فلا یرد علیها شیء...الحدیث". [8]
فاتضح من خلال تلک العبارات المستفادة من تلک الروایات أنها تتطابق مع الفهم الشیعی و العبارات الواردة فی مصادرنا فلا اختلاف بین الفریقین فی محتوى البداء.
انظر: العلاقة بین البداء و اللوح المحفوظ، الکتاب المبین و لوح المحو و الاثبات، السؤال رقم 642 (الرقم فی الموقع: 700) .
[1] الکلینی،الکافی، ج 1، ص 148، طبع دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365.
[2] الشیخ الطوسی، الغیبة، ص 431، مؤسسة المعارف الاسلامیة، قم، 1411هـ ق.
3 الشیخ الصدوق، کمال الدین و تمام النعمة، ص 69، نشر مؤسسة النشر الاسلامی.
4 الاسلامی. الشیخ صدوق، التوحید، ص 335.
5 صحیح البخاری، ج 2، ص 384، کتاب احادیث الانبیاء.
6 فتح الباری، ج 6، ص364.
7 تفسیر ابن حاتم، ج10، ص 3252، المکتبة العصریة.
8 هیثمی، مجمع الزوائد، ج 8، ص 8.