بحث متقدم
الزيارة
8233
محدثة عن: 2011/03/06
خلاصة السؤال
هل ان النبی یوسف (ع) لم یرتکب ذنباً بوضعه الصواع فی متاع أخیه و اتهامه بالسرقة؟
السؤال
نظراً لکون الانبیاء الالهیین معصومین عن الذنوب، فکیف نوجه عمل النبی یوسف (ع) حینما وضع الصواع فی متاع أخیه و اتهمه بالسرقة أ لم یکن قد ارتکب ذنباً؟
الجواب الإجمالي

فی هذه القصة لم یتهم بنیامین ابداً بالسرقة من قبل النبی یوسف (ع)، بل کانت الخطاب موجها لأهل القافلة کلهم. اضافة الی ان هذه التهمة کانت من قبل احد المسؤولین فی الحکومة الذی یبدو انه لم یکن علی اطلاع باصل الموضوع . وبناء علی هذا فان النبی یوسف (ع) لیس فقط لم یتهم بنیامین بالسرقة بل کان ینزعج کثیراً حینما ینسب الیه ذلک کما فی الآیة 77 من سورة یوسف.

الجواب التفصيلي

ان قصة یوسف (ع) هی من القصص الجمیلة و الجذابة فی القرآن. واحد المقاطع فی هذه القصة –و کما ذکرتم فی سؤالکم – هو موضوع الاحتفاظ ببنیامین من قبل اخیه یوسف(ع). و فی هذا المقطع حصلت بعض الوقائع التی یمکن النظر الیها من عدة زوایا:

1.لماذا اخفی یوسف (ع) ذلک الاناء الخاص "الصواع" فی متاع بنیامین، و ما هی الحکمة فی هذا العمل؟

2.من الذی اتهم بالسرقة؟

3. من الذی ذکر هذا الاتهام؟

4. من هم الذین اتهموا بنیامین بالسرقة و ماذا کان رد فعل یوسف (ع) فی قبال ذلک؟

جواب السؤال الاول:

ان یوسف (ع) کان یرید ان یبقی لدیه اخاه الشقیق بطریقة لا یتنبه لها بقیة اخوته غیر الاشقاء، و کان من عادة الکنعانیین – و هم قوم یعقوب – انه اذا سرق الشخص فان علیه ان یبقی مدة عند صاحب المال المسروق و یقوم بخدمته. و قد کان یوسف (ع) وضع خطة بالهام من الله حیث وضع اناءً خاصاً ثمیناً –وکان هو مکیالهم – فی متاع اخیه بنیامین لکی یتمکن بمعونة القانون الذی کان سائداً حینذاک من ان یبقی اخاه عنده لفترة من الزمن. یقول الله تعالی "کذلک کدنا لیوسف ما کان لیاخذ اخاه فی دین الملک" [1] و تقول بعض الرّوایات: انّه عند ذاک اقترح یوسف على أخیه بنیامین و قال له: هل تودّ ان تبقى عندی و لا تعود معهم؟ قال بنیامین: نعم، و لکن اخوتی لا یوافقون على ذلک، لانّهم قد اعطوا أبی العهود و المواثیق المغلّظة بأن یرجعونی الیه سالما.

قال یوسف: لا تهتمّ بهذا الأمر فإنّی سوف أضع خطّة محکمة بحیث یضطرّون لترکک عندی و الرجوع دونک.

و بدا یوسف بتنفیذ الخطّة، و امر بأن یعطی لکلّ واحد منهم حصّة من الطعام و الحبوب ثمّ عند ذاک فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقایَةَ فِی رَحْلِ أَخِی [2] . اذن فلم تکن الغایة من هذا العمل هی الاتهام.

جواب السؤال الثانی :

کما ورد فی القرآن الکریم فان یوسف (ع) امر فقط بان یجعل الصواع فی رحل اخیه بنیامین، ثم توجه الخطاب الی القافلة لا الی شخص بنیامین بالخصوص. یقول القرآن متحدثاً عن هذه الحادثة : "و لما جهزهم بجهازهم جعل السقایة فی رحل اخیه ثم اذن مؤذن ایتها العیر انکم لسارقون" [3] و بناءً علی هذا فلم تنسب تهمة السرقة فی هذه القصة الی بنیامین من قبل یوسف (ع) ابداً، و ان کان اصبع الاتهام قد اتجه بعد التفتیش نحو بنیامین و لکن – و کما ذکرنا و کما یستفاد ایضاً من تفسیر المیزان فقد کان اخو یوسف علی اطلاع من هذا الموضوع و بناءً علی هذا فلم یکن بنیامین یشعر بالضیق من تلک التهمة [4] .

جواب السؤال الثالث: و من الطریف ان نعلم بان نسبة السرقة التی اتهم بها اهل القافلة کانت من

قبل شخص غیر یوسف (ع) و کما تقدم ذکره فان الله یسمی ذلک الشخص بانه مؤذن."ثم أذن  " فاولاً: لم تنسب السرقة فی القرآن الی بنیامین بل الی جمیع اهل القافلة.

و ثانیاً: ان هذه النسبة و التهمة کانت من قبل احد المسؤلین الحکومیین الذی یبدو انه لم یکن علی اطلاع باصل الموضوع [5] .

جواب السؤال الرابع : ورد فی الآیات التالیة لهذه الآیات انه حینما رأی اخوة بنیامین الصواع فی رحل بنیامین، صدقوا النسبة و نسبوا السرقة الیه و الی یوسف (ع) و هنا انزعج یوسف (ع) کثیراً و لکن حیث انه کان لا یرید انکشاف اصل الموضوع فانه اخفی اعتراضه علیهم و علی نسبتهم السرقة له و لاخیه و یرسم القرآن الکریم هذه الصورة بشکل رائع فی قوله تعالی : "قالوا (الاخوة) ان یسرق (فلا عجب ) فقد سرق اخ له من قبل فاسرها یوسف فی نفسه قال انتم شر مکاناً و الله اعلم بما تصفون" [6] أی انه لیس فقط لم ینسب السرقة الی بنیامین، بل انه ینزعج کثیراً حینما تنسب الیه مثل هذه النسبة.

و فی النتیجة: صحیح أن یوسف (ع) کان قد جعل الصواع فی رحل اخیه و لکنه لم یتهمه و لم یتهم ای شخص آخر بالسرقة. هذا کله مما یستفاد من ظاهر الآیات. و لکن مع ذلک یمکن ذکر احتمال آخر و هو: ان تکون نسبة السرقة الی القافلة کانت قد صدرت من قبل یوسف (ع) و تنسب جملة (ایتها العیر انکم لسارقون ) [7] الی یوسف (ع) نفسه. و بناءً علی هذا الاحتمال فان الجواب المناسب هو کما یلی:

ان ما یستفاد من روایات هذا الباب هو ان یوسف کان قد استعمل التوریة فی هذا الکلام. و معنی التوریة هو ان یقصد المتکلم بکلامه امراً و لکنه یلقی کلامه بطریقة بحیث یفهم المخاطب خلاف ما اراده المتکلم [8] . و استعمال هذا الاسلوب فی موارد الضرورة او اقتضاء المصلحة لا باس به [9] . و قد صرح الفقهاء بان التوریة لیست من مصادیق الکذب [10] . و فیما یتعلق بیوسف (ع) تقول الروایة ایضاً "والله ما سرقوا وما کذب [11] " و فی روایة اخری یقول الامام الصادق (ع) فی قول یوسف "ایتها العیر انکم لسارقون" قال :انهم سرقوا یوسف من ابیه [12] . و بناءً علی هذا فان یوسف (ع) و ان نسب الیهم السرقة بشکل مباشر او غیر مباشر و لکنه استعمل التوریة، و کان مراده من السرقة هو سرقة شیء آخر غیر الصواع.

و لکن ه ذا التوجیه یتم على فرض القبول بصحة الروایات و التوجیهات، و الا فیرد علیه ان التعبیر عن یوسف بالمؤذن "ثم اذن موذن" لایناسب شأنه هذا اولا و ثانیا من غیر المناسب لشخص مثل شخص یوسف (ع) بهذه المکانة و المنزلة الاجتماعیة و السیاسیة یتنزل لیتابع قضیة سرقة صواع مهما کانت قیمته.

انظر المواضیع التالیة فقد تکون مفیدة فی هذا الموضوع:

قتل الخضر (ع) للغلام، السؤال 945 (الموقع 1456) .

عصمة الانبیاء (ع) فی القرآن. السؤال رقم 1013 (الموقع 1070)  



[1] یوسف :76.

[2] القمی، علی بن ابراهیم، کتاب التفسیر ،1: 349 ،دار الکتاب ،قم ، 1376 ش. ،مکارم الشیرازی،ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏7، ص: 265،   نشر مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، 1421 ه، الطبعة الأولى، قم.

[3] یوسف :70.

[4] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، 11: 304، مکتب النشر الاسلامی، قم، 1374 ش.

[5] الطبرسی، الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، 12 :266 ، منشورات الفراهانی، طهران، 1360 ش.

[6] یوسف :77.

[7] یوسف :70.

[8] الانصاری، الشیخ مرتضی، المکاسب المحرمة، 1 : 197، دار الذخائر، قم،1411 ق.

[9] نفس المصدر.

[10] نفس المصدر ، و ذلک لان الکذب معناه القاء اللفظ و ارادة معنی مخالف للواقع، لاحظ: الشهیدی التبریزی، المیرزا فتاح، هدایة الطالب الی أسرار المکاسب، 1: 101.

[11] القمی المشهدی، محمد، کنز الدقائق و بحر الغرائب، 6 :342 ، طبعة وزارة الثقافة و الارشاد الاسلامی، طهران، 1368 ش.

[12] السید هاشم ، البحرانی، البرهان فی تفسیر القرآن، 3 :188 ، مؤسسة البعثة، طهران 1368 ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...