بحث متقدم
الزيارة
7061
محدثة عن: 2010/12/21
خلاصة السؤال
هل فسد جسم النبی یوسف (ع) بسبب عدم احترامه لأبیه؟
السؤال
هل صحیح أن جسم النبی یوسف (ع) قد فسد بسبب عدم احترامه لأبیه؟
الجواب الإجمالي

إستناداً للآیات الدالة على مدى احترام یوسف (ع) لأبیه النبی یعقوب، فمن البعید أن یکون قد أساء لأبیه بسبب عدم نزوله من مرکبه. نعم، هناک روایتان نقلت هذا المعنى و لکنهما ضعیفتا السند و غیر موثوق بهما و لم یعتمد المفسرون علیهما فی اثبات ذلک. و کذلک لم یرد فی روایة موضوع فساد جسم النبی یوسف (ع)، إذن هو مرفوض. و على فرض التسلیم جدلا بوجود مثل هذه الإساءة، فلم تکن ذنبا، بل هی من قبیل ترک الأولى، إذ أن جمیع الأنبیاء معصومون، أضف الى ذلک أن فساد البدن فی القبر أمر طبیعی و لا علاقة له بارتکاب الذنوب. نعم یعد بقاء الجسم  طریاً فضیلة تکشف عن عظم منزلة صاحب الجسد و بما أن النبی یوسف (ع) من أولیاء الله فیحتمل قویاً أن یکون جسمه باقیاً.

الجواب التفصيلي

فی البدایة یجب أن نتأکد من صحة هذا الخبر و هل أن النبی یوسف (ع) لم ینزل من مرکبه أمام أبیه؟! ثم یجب أن یثبت أن هذا العمل یعتبر من الامور المنافیة للاحترام واقعا، ثم نعرج بعد ذلک على السؤال المذکور و الاجابة عنه.

جمیع آیات سورة یوسف تشهد بعلم النبی یوسف و حلمه و صبره و طهارته و عصمته. فالقرآن قد ذکر تاریخ حیاته باعتباره نموذجا فی الطهارة و مظهرا للعفة و العصمة. و مع هذا کله هناک روایتان تقولان: "إِنَّ یوسف (ع) لمَّا قدم علیه الشیخ یعقوب (ع) دخلهُ عزُّ الملک فلم ینزِل إِلیه فهبط جبرئیل (ع) فقال: یا یوسف ابسطْ راحتک فخرج منها نورٌ ساطعٌ فصار فی جوِ السَمَاءِ. فقال یوسفُ: یا جبرئیلُ ما هذا النُّورُ الذی خرج من راحتی؟ فقال: نزِعت النُّبُوَّةُ من عقبک عقوبة لما لمْ تنزِلْ إِلى الشیخِ یعقوب فلا یکونُ من عقبِکَ نَبِیٌّ [1] 

لکن  سندا هاتین الروایتین غیر معتبرین لأنهما بین المرسلة و المرفوعة[2] و قد ثبت فی علم الدرایة و الحدیث أن لا یؤخذ و لا یعمل بمثل هذه الروایات، إلا إذا کان لها مؤید، و لا مؤید هنا، بل یوجد ما یخالفهما. و لهذا اعتبر المفسرون أن هاتین الروایتین تخالفان الآیات التی تحکی عن إطاعة یوسف (ع) لأوامر الله. و إنه کان یقدم أقصى انواع الاحترام لأبیه، إذ یقول القرآن: "فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى‏ یُوسُفَ آوى‏ إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنینَ"[3] و قد اشار العلامة الطباطبائی الى هذا الاستقبال بقوله: قوله تعالى: «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى‏ یُوسُفَ آوى‏ إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ» فی الکلام حذف و التقدیر فخرج یعقوب و آله من أرضهم و ساروا إلى مصر و لما دخلوا «إلخ».

و قوله: «آوى‏ إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ» فسروه بضمهما إلیه، و قوله: «وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إلخ. ظاهر فی أن یوسف خرج من مصر لاستقبالهما و ضمهما إلیه هناک ثم عرض لهما دخول مصر إکراما و تأدبا.[4]

کذلک اشار صاحب تفسیر الامثل الى هذا اللقاء المثیر للمشاعر بقوله:

و کلمة «آوى»- کما یقول الراغب فی مفرداته- تعنی فی الأصل انضمام شی‏ء الى شی‏ء آخر، و ضمّ یوسف أبویه الیه کنایة عن احتضانهما و معانقتهما.

و أخیرا تحقّقت أحلى سویعات الحیاة لیعقوب، و فی هذا اللقاء و الوصال الذی تمّ بین یعقوب و یوسف بعد سنین من الفراق، مرّت على یعقوب و یوسف لحظات لا یعلم اللّه عواطفها فی تلک اللحظات الحلوة، و ایّة دموع انسکبت من عینیهما من الفرح.

و عندها التفت یوسف الى اخوته و أبویه و قالَ: "ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ" لانّ مصر أصبحت تحت حکم یوسف فی امن و أمان و اطمئنان.

و یستشفّ من هذه الجملة انّ یوسف کان قد خرج الى خارج بوّابة المدینة لاستقبال والدیه و اخوته، و لعلّ التعبیر بـ "دَخَلُوا عَلى‏ یُوسُفَ" یحتمل ان یکون یوسف قد أمر أن تنصب الخیام هناک «خارج المدینة» و ان تهیأ مقدّمات الاستقبال لأبویه و اخوته.

فلمّا دخلوا القصر أکرمهم یوسف علیه السّلام "وَ رَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَى الْعَرْشِ".

و کانت هذه العظمة من النعمة الالهیّة و اللطف و الموهبة التی منّ اللّه بها على یوسف قد ادهشت اخوة یوسف و أبویه فذهلوا جمیعا "وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً".[5]

و لو سلمنا بصحة هاتین الروایتین، مع ذلک لیس التأخر فی النزول أمام الأب عملا محرماً، لیعد ارتکابه ذنباً خارقاً للعصمة بحیث یوجب فساد جسم النبی یوسف، و إنما قد ترک الأولى و لا ینافی ذلک عصمته.

ثم إن موضوع عدم وجود نبی فی ذریة یوسف لیس أمراً ثابتاً مسلماً به. و إن کان ذلک واقعا، فلحکمة و مصلحة یعلمها الله، لا بسبب ترک الأولى. إذن موضوع عدم احترام النبی یوسف (ع) لأبیه أمر لا صحة له، و ذلک باعتبار عدم وجود سند صحیح یدل على عدم احترام النبی یوسف لأبیه یعقوب (ع) و إن آیات الذکر الحکیم تخبر بخلاف ذلک.

لکن هنا نود أن نشیر إلى عدة نقاط حول فساد جسم النبی یوسف (ع):

أ. باعتبار أن جسم الإنسان متکوّن من اللحم و الدم و العظم و… و کل هذه المواد، تتلاشى و تنعدم، إذن الأصل فی أجسام الناس هو أن تفسد و تنعدم فی التراب و لا یدل هذا على العذاب الإلهی.

ب. لا توجد هناک قاعدة تربط بین عدم احترام الأب و فساد الجسم بعد الموت.

ج. لم تنقل أیة روایة فی مصادرنا الروائیة حول فساد جسم النبی یوسف بسبب عدم احترامه لأبیه.

د. لا شک فی أن بقاء جسم الإنسان و عدم فساده، مزیة تختص ببعض أولیاء الله، و بما أن النبی یوسف (ع) من أولیاء الله فیحتمل قویاً أن یکون جسمه باقیاً على طراوته الى الآن.



[1]. الکلینی‏، الکافی، ج 2، ص 311، نشر دار الکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة الثانیة، 1362 شمسی‏؛ الصدوق، علل الشرایع، ج 1، ص 55، ناشر: داورى‏، قم، الطبعة الأولى.

[2]. المرفوع هو الذی سقط فی سلسلة رواته واحد أو أکثر و کذلک الذی ینسب فی آخر سنده إلى المعصوم؛ و المرسل هو الحدیث الذی لم یسمعه ناقله عن النبی أو الإمام، و مع ذلک ینقله بلا واسطة أی صحابی عن المعصوم. (مدیر شانه چی، کاظم، علم الحدیث، ص187 و 179، دفتر انتشارات اسلامی، الطبعة السادسة عشر، 1381 شمسی).

[3] . یوسف،. 99.

[4].الطباطبایی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 11، ص 246، ناشر:مؤسسة النشر

لإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة بقم، 1417 هـ،الطبعة:الخامسة.

[5].مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 7، ص 304، مدرسة الامام علی بن أبی طالب، قم، 1421ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...