Please Wait
11186
على أساس الآيات و الروايات، لم يحرم الإسلام القتال في الأشهر الحرم (ذي القعدة، ذي الحجة، محرم و رجب) و حسب، بل تصعّب في هذا الأمر حتى لا يفكر أحد في الحرب في هذه الأشهر، حيث قد عدّ القتال في الأشهر الحرام إثما كبيرا في هذه الآية و قد ضاعف فيها الديات في قتل غير العمد. كل هذا يدل على اهتمام الإسلام و احترامه لحرمة الأشهر الحرم. إن حرمة القتال في الأشهر الحرم بشرط احترام الجميع لهذه الأشهر، أما إذا انتهز البعض احترام المسلمين لهذه الأشهر و هتكوا حرمتها و شهروا السلاح، أمر الله المسلمين أن يواجهوهم و يردعوا ظلمهم و عدوانهم.
المراد من الأشهر الحرم هي الأشهر التي فرض الله على المؤمنين أن يراعوا حرمتها. لقد كان الحرب في هذه الأشهر أمرا منكرا منذ زمن النبي إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام). و قد بقيت هذه السنة في سيرة العرب إلى ظهور الإسلام. ثم أيدها القرآن الكريم و أمضى حرمة الأشهر الحرم. فقد قال الله سبحانه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً في كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ و الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ و قاتِلُوا الْمُشْرِكينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً و اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقين)[1] إن الأشهر الحرم عبارة عن ذي القعدة و ذي الحجة و محرم و رجب، و حرمتها ترتكز على أساس حكمة و فوائد منها احتمال انتهاء الحروب بسبب فراغ المقاتلين للتفكر و التعقل و الدعوة إلى الصلح و الهدنة و إمكان أداء مناسك الحج و التجارة و …
لم يحرم الإسلام القتال في الأشهر الحرام (ذي القعدة، ذي الحجة، محرم و رجب) و حسب، بل تصعب في هذا الأمر حتى لا يفكر أحد في الحرب في هذه الأشهر، حتى عدّ القتال في الأشهر الحرام إثما كبيرا[2] في هذه الآية و قد ضاعف فيها الديات في قتل غير العمد.[3]
ولكن أراد المشركون أن يستغلوا احترام المسلمين للأشهر الحرام و يهجموا عليهم في هذه الأشهر إذ زعموا أن المسلمين لن يردوا اعتداءهم. فأمر الله أن يرد المسلمون هجوم الكفار إن اعتدوا و شهروا السلاح. (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرام)[4] يعني إذا هتك الأعداء حرمة هذه الشهور و اعتدوا عليكم يحق لكم أن تقابلوهم بالمثل. لأن (الْحُرُماتُ قِصاص). [5]
إذن بالرغم من أن الإسلام قد أمضى سنة تحريم القتال في الأشهر الحرم التي كانت قائمة بين العرب منذ زمن النبي إبراهيم، و لكنه قد استثنى بعض الحالات التي أراد العدو أن يستغلها فقال: (قِتالٌ فيهِ كَبيرٌ و صَدٌّ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ و كُفْرٌ بِهِ و الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّه)[6]
ثم يقول: (وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْل)، إذ تلك جريمة على جسم الإنسان و هذه جريمة على روحه و إيمانه. ثم يحذر الله المسلمين أن لا ينبغي أن يتأثروا بدعايات المشركين لأنهم (وَ لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا). فقفوا أمامهم بكل حزم و صلابة و لا تبالوا بوساوسهم في الأشهر الحرم و غيرها. [7]
إن احترام الأشهر الحرم خاص بمن يحترم الأشهر الحرم و أما من يهتك حرمة المسجد الحرام و الأشهر الحرم، فلا حرمة له و يجب قتاله حتى في الأشهر الحرم و المسجد الحرام لكي لا يفكر بعد بهتك حرمة هذه الأشهر. [8]
[1]. التوبة، 36.
[2] بقره، 217.
[3] الطوسي، تهذيب الأحكام، ج 10، ص 215، طهران: دار الکتب الاسلامیة، 1365هـ . ش 16- بَابُ الْقَاتِلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ و الْحَرَمِ، 1- الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ مَنْ قَتَلَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ و ثُلُثٌ و ... .
[4] بقره، 194.:" يَسْألُونَكَ عَنِ الشهَّْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ و صَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ و كُفْرُ بِهِ و الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ و إِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبرَُ عِندَ اللَّهِ و الْفِتْنَةُ أَكْبرَُ مِنَ الْقَتْلِ و لَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ و مَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ و هُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فىِ الدُّنْيَا و الاَخِرَةِ و أُوْلَئكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُون
[5] تفسير نمونه، 31 و 32.
[6] بقره، 217
[7] تفسير نمونه، ج 2، ص 106 و 107 و 108.
[8] أنوار العرفان في تفسير القرآن، ج 3، ص 557.