Please Wait
7668
وان الذی یقوی هذا الإشکال هو فتوى المرجع آیة الله فاضل لنکرانی بخصوص مسألة رویة الهلال، و الذی یقول فیها انه إذا حکم مرجع من المراجع برؤیة الهلال فیتوجب على بقیة المراجع الالتزام بهذا الحکم، ماذا نفهم من هذه الجملة؟ هل نفهم منها إن ولایة الفقیه لا تختص بالسید الخامنئی؟
تعتقد الشیعة بان ولایة الفقیه فی زمن الغیبة هو استمرار لولایة الأئمة المعصومین (ع)؛ یعنی أن إدارة أمور المجتمع الإسلامی فی عصر غیبة الإمام (ع) تکون بعهدة الفقهاء. و ان هذه المنزلة ثابتة لجمیع الفقهاء، أما إذا تصدى احد الفقهاء لإقامة و تشکیل حکومة إسلامیة، فیجب على جمیع الفقهاء إطاعته و عدم التدخل بالأمور و المسائل التی تتعلق بالحکومة و عدم مزاحمته و التضییق علیه فی هذا المجال، هذا من جانب، و من جانب آخر یجب التمییز بین الاعلمیة فی" ولایة الفقیه" و الاعلمیة فی" المرجعیة"، و بتعبیر آخر، انه لیس المقصود بالأعلم فی" ولایة الفقیه" أن یکون الأعلم فی المرجعیة، بل المقصود من الأعلم فی مجال ولایة الفقیه؛ إضافة إلى حیازته على درجة الاجتهاد، أن یکون له معرفة کاملة بأوضاع البلد و العالم، و ان یشخص أعداء الإسلام و یشخص الذین یریدون أن یمکروا بالمسلمین، مع القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة، و على هذا الأساس تم اختیار آیة الله العظمى السید علی الخامنئی من قبل الأغلبیة الساحقة لمجلس الخبراء و ذلک لتوفر الشروط اللازمة فیه باعتباره الأقدر و الأجدر فی قیادة النظام الإسلامی.
إن مصطلح "الولایة" مشتق من مادة "ولی" فی اللغة العربیة و ان لهذه المادة معنى واحداً باعتراف کبار اللغویین العرب، و هو إن معنى مادة "ولی" هو القرب و الدنو.[1]
و قد ذکرت فی اللغة العربیة ثلاثة معان لکلمة "ولی": 1- الصدیق 2- المحب 3- الناصر، و للفظ "ولایة" إضافة إلى المعانی السابقة[2] ذکر معنیان آخران هما: 1- السلطان و الهیمنة، 2- الحکومة و القیادة.[3]
کما ذکرت فی اللغة الفارسیة للفظ ولیّ عدة معان منها، الصدیق، الصاحب، الناصر، الحافظ، کما اطلقت على الشخص الذی یتولى شؤون شخص آخر او بعضها، کما تدل لفظ "ولایة" على معنى الحکم فی اللغة الفارسیة ایضا.[4]
ترى الشیعة أن ولایة الفقیه هی امتداد و استمرار لولایة الأئمة المعصومین (ع) فی عصر الغیبة، فکما أن ولایة الأئمة المعصومین (ع) هی امتداد و استمرار لولایة النبی الأکرم (ص) و النتیجة الحاصلة من هذا الاعتقاد هی فی الواقع منطلقة من الاعتقاد بوجوب أن یکون هنالک شخص عالم بأمور الدین لیترأس المجتمع الإسلامی و یدیر شؤونه العامة، فإذا کان المعصوم (ع) موجوداً و حاضراً، فهو الذی یدیر شؤون المجتمع و یقوده و إذا لم یکن حاضراً، فتقع المسؤولیة فی هذه الحالة على عاتق الفقهاء. و ان هذه الرأی و هذه النظرة هی من نتاج الاعتقاد بالفکرة التی تقول إن الوظیفة و المسؤولیة الرئیسیة للحکومة فی رأی الإسلام تتمرکز حول دور هذه الحکومة فی نشر القیم الإسلامیة و توطید و ترسیخ الاحکام الإلهیة فی المجتمع، و تحقیق هذا الهدف یتطلب أن یکون هنالک شخص عالم بالدین على رأس السلطة و على رأس مصدر القرار،[5] فی مقابل هذا یجب أن یکون هذا الشخص عارفاً بظروف زمانه و له القدرة على إدارة المجتمع.[6]
روی الشیخ الصدوق و بسند معتبر عن إسحاق بن یعقوب حیث یقول سألت محمد بن عثمان العمری (النائب الخاص الثانی لإمام العصر (عج) فی الغیبة الصغرى) أن یوصل لی کتاباً قد سألت فیه عن مسائل أشکلت علیَّ، فورد التوقیع بخط مولانا صاحب الزمان (عج): أما ما سألت عنه أرشدک الله و ثبتک- إلى إن قال: "و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة حدیثنا، فأنهم حجتی علیکم و انا حجة الله...".[7]،[8]
یقول المحقق الکرکی: یتفق جمیع الشیعة على أن الفقیه العادل، الأمین الجامع للشرائط فی الفتوى و الذی یعبر عنه بالمجتهد فی الاحکام الشرعیة، له النیابة من قبل الأئمة المعصومین (ع) فی زمن الغیبة فی جمیع الأمور و المسائل التی تدخل ضمن إطار هذه النیابة.[9]
اما بالنسبة الى الشقین الثانی و الثالث من سؤالکم یوجب علینا الإشارة إلى عدة نقاط: إن المرجعیة فی الثقافة الشیعیة کانت عبارة عن مزیج من: موقع الإفتاء و الولایة، و ان المراجع العظام کانوا یرشدون الناس فی الاحکام الإلهیة و الشرعیة الکلیة و کذلک یتزعمون الناس فی المسائل الجزئیة و الاجتماعیة، و کانوا فی بعض الأحیان یتصدون إلى القضاء أیضا.[10]
و أما بخصوص موضوع التمییز بین المرجعیة و القیادة، فیجب أن یکون من الواضح لدینا أن الفقیه یتصدى لمرکز القیادة لیدیر المجتمع الإسلامی بالاستناد على المثُل و القیم الدینیة، و لکن "المرجعیة" - و التی تعنی الإفتاء و اکتشاف الاحکام- هی شیء آخر.
و بالاستناد إلى هذا الوصف؛ فان میزة مرجعیة الفقیه، هی تخصصه فی الفقه و قدرته على استنباط الاحکام الإلهیة من المصادر الشرعیة، فی حین أن میزة القائد هی: إضافة إلى القدرة على الاستنباط، لابد أن تکون له القدرة و الکفاءة على إدارة المجتمع استناد إلى المعاییر و القیم و المثل الإسلامیة.
و لذلک، یمکن ترجیح فقیه على آخر فی "المرجعیة" بسبب قدرته فی مجال الفقه،[11] و لکن بسبب قدرة هذا الآخر على إدارة المجتمع، فانه یرجح فی مسألة القیادة على الفقیه الأول.[12]
یوجد هنالک تصوران للقیادة و لولایة الفقیه فی النظام الإسلامی: التصور الأول: أن تکون الولایة و القیادة للمجتمع الإسلامی من قبل مجموعة من الفقهاء عن طریق الشورى، و تفعّل هذه الحالة فیما لو لم یکن هنالک فقیه تتوفر فیه جمیع شروط القیادة.
و أما فی الحالة الثانیة، إذا توفرت جمیع الشروط فی فقیه معین یعنی إضافة إلى الفقاهة، أن تتوفر فیه جمیع شروط القیادة و الولایة، ففی هذه الحالة سوف تکون القیادة و الولایة بصورة فردیة.
و بما أن مسألة القیادة و إدارة المجتمع الإسلامی ترتبط بشکل مباشر بنظام المجتمع و ان کثرة و تعدد مراکز القرار یؤدی إلى حالة من الفوضى و حالة من الاضطراب، هذا من جانب، و من جانب آخر بما أن إطاعة القائد تکون واجبة على الجمیع، من ضمنهم بقیة الفقهاء، فان القاعدة تقتضی أن تکون القیادة متمثلة فی شخص واحد، و خصوصاً انه لا یوجد هنالک تعددیة و تجزئة للمناطق الإسلامیة فی نظر الإسلام و ان (البلاد الإسلامیة) تعتبر کدولة واحدة و وطن واحد.[13]
کذلک یجب الالتفات إلى أن منصب الحکومة، و الذی هو حکم و إدارة البلد و تطبیق لقوانین الشرع المقدس، هو حق ثابت لجمیع الفقهاء بشکل عام، و لکن إذا تصدى احد هؤلاء الفقهاء إلى تشکیل حکومة إسلامیة، فیجب فی هذه الحالة على جمیع الفقهاء الآخرین إطاعته و لا یجوز لهم بعد ذلک التدخل بالمسائل و الأمور التی تتعلق بالحکومة و لا یجوز لهم أن یزاحموه فی هذا المجال.
و الدلیل على ذلک إن الحاکم الإسلامی هو الله و قوانینه، و ان الرسول (ص) نفسه هو مأمور و مکلف بتطبیق القوانین الإلهیة، کما یقول تعالى فی کتابه العزیز مخاطبا الرسول) ص): "لتحکم بین الناس بما اریک الله".[14]
لقد بُعثت لکی تحکم بین الناس، و لکن لیس کما ترغب أنت، بل بالذی أراک الله عن طریق الوحی.
و على هذا الأساس، فانه لیس للناس فی النظام الإسلامی أکثر من ولیّ، واحد و هو الله سبحانه و دینه، و لیس لأحد أن ینقص شیئاً من الدین أو یزید علیه، و إذا کان هنالک فقیه عادل و قادر و عارف بزمانه یحکم البلاد، فهذا لایعنی ان" شخص الفقیه" هو الحاکم للبلاد، و إنما الحاکم" شخصیة الفقیه"، التی هی عبارة عن الفقاهة و العدالة و الإدارة و التدبیر و الشروط الرئیسیة الأخرى للقیادة.[15]
أما الجواب عن الجزء الآخر من السؤال الذی تقولون فیه: بالرغم من وجود العدید من المراجع فلماذا اختیر آیة الله السید علی الخامنئی (دام ظله) لولایة الفقیه؟
فیجب التمییز و التفریق بین مفهوم الاعلمیة فی" القیادة" و الاعلمیة فی" المرجعیة"، و بتعبیر آخر، انه لیس المقصود من الأعلم فی " ولایة الفقیه" أن یکون الأعلم فی المرجعیة، یقول الإمام علی (ع): " أیها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر، أقواهم علیه و أعلمهم بأمر الله فیه".[16]
و بالاستناد إلى ذلک، فانه لیس المقصود بالأعلم هو، الأعلم من الناحیة الفقهیة، بل الأعلم فی هذا الأمر، أی الأعلم بأوضاع البلد و العالم و یکون له اطلاع و معرفة کاملة فی هذا المجال، و عن طریق الإحاطة الکاملة بهذه الأمور و هذه الأوضاع یتسنى له استنباط الأحکام الشرعیة و الإلهیة و تحدید المواقف التی تتناسب و هذه الأوضاع بشکل اکبر، و ان یشخص أعداء الإسلام و المنافقین، و ان یتخذ القرارات فی الوقت المناسب و ان یثبت جدارته فی هذا المجال.
بالاستناد إلى البند 107 من القانون الأساسی: "بعد المرجع الکبیر و قائد الثورة الإسلام العالمیة و مؤسس الجمهوریة الإسلامیة فی إیران الإمام آیة الله العظمى الخمینی (قدس) و الذی اختیر من قبل الأغلبیة الساحقة من الناس کقائد و مرجع، فان اختیار و تعیین القائد یکون بعهدة الخبراء المنتخبین من قبل الناس". و یتشکل مجلس الخبراء من أشخاص عارفین بالإسلام و منتخبین من قبل الناس، و یتحمل هذا المجلس مسؤولیة تشخیص الفقیه الجامع للشرائط لیتحمل مسؤولیة قیادة الأمة.[17]
و من مهام أعضاء مجلس الخبراء تشخیص توفر الشروط اللازمة للقیادة فی الشخص المرشح للقیادة بعد رحیل القائد الفعلی، و قد رأى اعضاء المجلس و بالاغلبیة الساحقة ان الشروط متوفرة - بعد رحیل الامام الخمینی- فی السید الخامنئی (دام ظله)، فتم اختیاره و تعریفه للناس، لما یمتلک من مقومات القیادة و الکفاءة و باعتباره الشخص الأجدر و الأفضل لقیادة النظام الإسلامی.
إضافة إلى تأکید الإمام الخمینی (ره) على جدارة آیة الله العظمى الخامنئی لقیادة النظام الإسلامی، فان حجة الإسلام الهاشمی رفسنجانی فی مجلس الخبراء نقل عن الإمام (ره)، قوله: یوجد بینکم من هو جدیر بالقیادة و أنکم سوف لا تصلون إلى طریق مسدود فی هذا المجال.[18]
و نقل المرحوم حجة الإسلام السید احمد الخمینی حدیثاً عن الإمام یقول فیه: هو (السید الخامنئی) جدیر بالقیادة. و لا یمکن غض النظر عن هذا الکلام.
و لغرض رفع الإبهام الذی لدیکم بخصوص فتوى المرجع آیة الله العظمى فاضل اللنکرانی (ره)، سوف نوضح لکم و بشکل مختصر الاختلاف بین (الفتوى) و (الحکم):
"الفتوى": هی عبارة استنباط الحکم الشرعی الکلی من مصادرة الشرعیة و یکون هذا الحکم ثابتا و حجة على المرجع نفسه و على مقلدیه.
أما "الحکم" : فهو ما یصدره الولی - بالاستناد إلى الاحکام الإلهیة الکلیة و نظم الإسلام و بالالتفات إلى الظروف الموجودة و الدقة فیها- من الوظیفة و الواجب على الجمیع أو على مجموعة أو شخص معین بخصوص مسألة معینة.
فی رأی الشارع المقدس، إن الالتزام بفتوى الفقیه الجامع للشرائط کإتباع إحکام القائد و ولی الأمر هو واجب شرعی، مع فارق واضح و هو أن فتوى الفقیه تکون واجبة على نفس الفقیه و على مقلدّیه، و الحال أن على الجمیع إطاعة حکم القائد.[19]
للاطلاع أکثر یرجى مراجعة المصادر التالیة:
1. ولایة الفقیه، الإمام الخمینی.
2. ولایة الفقیه فی الحکومة الإسلامیة، الطهرانی، السید محمد حسین.
3. ولایة الفقیه، معرفة، محمد هادی.
4. الحکمة من حکومة الفقیه، ممدوحی، حسن.
5. الولایة و الدیانة، الطهرانی، هادوی.
1- لاحظ: مقاییس اللغة، ج 6، ص 141؛ القاموس المحیط، ص 1732؛ المصباح المنیر، ج 2، ص 396؛ الصحاح، ج 6، ص 2528؛ تاج العروس، ج 10، ص 398.
2 - لقد أنکر بعض المحققین وجود معنى للولایة یدل على الحب و النصرة، و قد عرفوه على انه یدل على معنى واحد و هو السلطة أو القیادة، راجع: دراسات فی ولایة الفقیه و فقه الدولة الإسلامیة، المنتظری، حسینعلی، ج 1، ص 55.
3- راجع: القاموس المحیط، ص 1732؛ تاج العروس، ج 10، ص 398؛ المصباح المنیر، ج2 ، ص 396.
4- هادوی الطهرانی، مهدی، الولایة و الدیانة، ص 64.
5- راجع: الولایة و الدیانة، مبحث أدلة و لایة الفقیه، الدلیل العقلی.
6- راجع، الولایة و الدیانة، بحث شروط ولی الفقیه.
7- وسائل الشیعة، ج 27، ص140.
8- للاطلاع على بعض البحوث التی تخص هذه الروایة راجع: هادوی الطهرانی، مهدی، الولایة و الدیانة، ص 94- 102.
9- نقلا عن کتاب أسس المشروعیة فی نظام ولایة الفقهیة، کواکبیان، مصطفى، ص 68.
10- هادوی الطهرانی، مهدی، الولایة و الدیانة، ص 138.
11- الولایة و الدیانة، ص 141.
12- الولایة و الدیانة، ص 141و 140.
13- هادوی الطهرانی، مهدی، الولایة و الدیانة، ص 142.
14- النساء، 105.
15- جوادی آملی، عبد الله، ولایة الفقیه، ص 256و 257.
16- بحار الأنوار، جلد 34، ص249.
17- جوادی آملی، عبد الله، ولایة الفقیه، ص 231.
18- هاشمی رفسنجانی، علی أکبر( لقاء) جریدة کیهان، (الاثنین 20/11/82).
19- هادوی الطهرانی، مهدی، الولایة و الدیانة، ص139و140.