بحث متقدم
الزيارة
5283
محدثة عن: 2011/05/16
خلاصة السؤال
هل تبلیغ القیم و نشر المعارف الثقافیة القومیة یعد من قبیل الهجوم الثقافی أم هو من قبیل التبادل الثقافی؟
السؤال
من الواضح أن لکل أمة عقائدها و سلوکیاتها الخاصة؛ و بما أنها تؤمن بحقانیتها و صحتها من هنا نراها تسعى جاهدة لنشرها بشتّى السبل و لو قدر لها أن تنشرها على جمیع ربوع العالم لفعلت ذلک و عولمتها، فعلى سبیل المثال نحن المسلمین نسعى لنشر معارفنا و عقائدنا فی جمیع بقاع المعمورة؛ و فی المقابل نرى الأمر یصدق بالنسبة الى سائر الاقوام و الدیانات الأخرى، و لکن الملفت للنظر أننا نعتبر سعی غیرنا مخالفا للقیم و قبیحا؟! و لذلک نسمه بعناوین من قبیل الهجوم الثقافی الحرب الناعمة و... و لا نستفید من مصطلحات من قبیل التبادل الثقافی أو حوار الحضارات و ما شابه ذلک؟
الجواب الإجمالي

تصنّف القیم الى قسمین:

1. القیم العامة، و هی التی تعد قیماً و مثلاً لدى جمیع الشعور و المذاهب و تحظى بأهمیة خاصة؛ کالعدالة، الانسانیة، الحریة و.....

2. القیم و المثل القومیة و المذهبیة، فربما تعد قیما و مثلا لدى قوم و لکنها تعتبر من الامور المضادة للقیم عند قوم آخرین.

و بعد هذه المقدمة نثیر بعض التساؤلات التی یتضح من خلالها الاجابة عن السؤال المطروح:

الاول، هل ما تقوم به بعض الدولة -فی وسائل إعلامها الموجه للشعوب الأخرى- من تحریف لمفهوم الحریة و تصویره بأنه یعنی الاباحیة و التهور و المثلیة الجنسیة و... هل یعد ذلک من مصادیق التبادل الحضاری و التلاقح الثقافی؟!

الثانی، هل یؤمن انسان عاقل بان ما تقوم بعض الدول من نشر للاقراص المدبجة و الکتب المنحرفة فی اوساط شباب الدول الأخرى، أنها تبغی من وراء ذلک صلاحهم و خیرهم؟ و هل یعد ذلک من مصادیق التبادل الثقافی؟

الثالث. هل ما تقوم به بعض الدول من حرف بوصلة شباب الدول الأخرى من التوجه نحو العلم و المعرفة و الاکتشافات و التطور التکنلوجی و الأخلاقی و تمیل بهم نحور الاعتیاد و البطالة و الکسل، هل یعد عملها هذا تبادلا ثقافیاً و حضاریاً؟!

و من الواضح أن التأمل فی هذه التساؤلات یکشف لنا بوضوح لا لبس فیه الاجابة عن السؤال المطروح و ان القضیة لیست مجرد تلاعب بالالفاظ أو تزویق للمفاهیم و انما هی أعمق مما نتصوره.

نعم، لو کان التبادل الثقافی و حوار الحضارات یدور حول إشاعة القیم و الاخلاق، الکمال، المعرفة، بث روح الانسانیة و تبادل الخبرات فی إعمار الارض و سائر القیم التی یرتضیها العقل و الفطرة، فنحن على أتم الاستعداد لتلقی ذلک بالقبول و الرضا؛ لکن لن نقبل بحال من الاحوال إشاعة روح التهاون و الکسل و بث الفوضى و الاعتیاد و... بل نعد ذلک من أقبیح صور الهجوم الثقافی و تدمیر قیم الشعوب.
الجواب التفصيلي

تصنّف القیم الى قسمین:

1. القیم العامة،  و هی التی تعد قیما و مثلا لدى جمیع الشعور و المذاهب و تحظى بأهمیة خاصة؛ کالعدالة، الانسانیة، الحریة و.....

2. القیم و المثل القومیة و المذهبیة، فربما تعد قیما و مثلا لدى قوم و لکنها تعتبر من الامور المضادة للقیم عند قوم آخرین.

و یعتمد المستعمرون فی هجومهم الثقافی على الصنفین معا لاجل إغفال الآخرین و خداعهم و حرفهم عن قیمهم الخاصة. و لکن تختلف طریقة التصدی فی الحالتین فلکل من الصنفین أسلوب خاص به.

ففی القسم الاول، بما ان تلک القیم عقلیة و فطریة و انها مقبولة لدى جمیع الاقوام و الشعوب، من هنا لا یتم التصدی لها و مواجهتها بصورة مباشرة، بل یسعون لتحریفها؛ فعلى سبیل المثال یلقون فی روع الناس بان العدالة تعنی المساواة و بما أن بلادکم لا توجد فیها المساواة إذن هی تفتقد العدالة، بل تعیش الظلم بعینه؛ کذلک یتم تلقین الشعوب بان الانسانیة تقتضی الدفاع عن الجمیع حتى المجرمین و المفسدین منهم؛ او أن الحریة تعنی الانفلات لتشمل الهرج و المرج و... و فی الحقیقة أن محور التحرک هنا یکمن فی الاستفادة من القیم و استغلالها للوصول الى اللاقیم.

اما القسم الثانی، فلابد من العلم بان لکل أمة، قوم، جماعة، مذهب و... قیماً قد تعد لدى غیرهم من الامور المضادة للقیم.[1]

نشیر على سبل المثال الى نموذجین:

الف: نجد هناک الکثیر من الدول الغربیة تعد العری النسبی للمرأة و الرجل فی الاماکن العامة أمراً طبیعیا! و الحال أن هذه الامور تعد فی الوسط الاسلامی و بعض الشعوب غیر الاسلامیة أمراً مستهجنا و قبیحاً.[2]

ب. لشدید الأسف نرى فی هذ الایام بعض الدول التی تدعی التحضر و المدنیة تشرّع بعض الاعمال من قبیل اللواط و الزنا بنحو صارخ بحیث یتصدى بعض رؤساء تلک الدول للدفاع عن هذه القضیة تحت ذریعة الدیمقراطیة و القیم تارة، و البعض الآخر یتخذ من حقوق الانسان ذریعة للدفاع عنها تارة أخرى؛ و الحال أن مثل هذه الاعمال تعد لدى المسلمین و غیرهم من الشعوب الاخرى، من الأمور المضادة للقیم و المخالفة لفسلفة الخلقة.

والجدیر بالذکر أن بعض الدول المعادیة تقوم بالاستفادة من المواد المخدرة و أقراص الهلوسة لاغفال بعض الناس و خاصة شریحة الشباب منهم، و العجب فی الأمر أنها تعد الاعتیاد و الهلوسة عملا منافیا للقیم و التحضر و مضادا للاخلاق لکنها فی نفس الوقت و من أجل تحقیق أهدافها لا تتورع عن نشر تلک الظاهرة بین شباب الشعوب الأخرى!!

و فی ختام البحث نثیر بعض التساؤلات و نترک لکم الاجابة عنها لتصلوا من خلالها الى جواب السؤال المطروح.

الاول: هل یعد نشر ثقافة الجنس المخالف و المثلیة و الاختلاط و الانحراف، المیوعة، اللواط، التخنث و... من مصادیق التلاقح الثقافی و حوار الحضارات؟!

الثانی: هل الدول التی تقوم بنشر الاقراص المدبجة و الکتب المنحرفة فی اوساط الشباب تبغی من وراء ذلک صلاحهم و خیرهم؟ و هل یعد ذلک من مصادیق التبادل الثقافی؟

الثالث. ما تقوم به بعض الدول من حرف بوصلة شباب الدول الأخرى من التوجه نحو العلم و المعرفة و الاکتشافات و التطور التکنلوجی و الاخلاقی و تمیل بهم نحور الاعتیاد و البطالة و الکسل، هل یعد عملها هذا تبادلا ثقافیا و حضاریاً؟!

نعم، لو کان التبادل الثقافی و حوار الحضارات یدور حول اشاعة القیم و الاخلاق، الکمال، المعرفة، بث روح الانسانیة و تبادل الخبرات فی اعمار الارض و سائر القیم التی یرتضیها العقل و الفطرة، فنحن على أتم الاستعداد لتلقی ذلک بالقبول و الرضا؛ لکن لن نقبل بحال من الاحوال إشاعة روح التهاون و الکسل و بث الفوضى و الاعتیاد و... بل نعد ذلک من اقبیح صور الهجوم الثقافی و تدمیر قیم الشعوب.



[1] عادة ما یلقی الاعداء فی هذا المجال عدة من الاتهامات الواهیة للسعی من اجل تصویر قیمنا بالامور الساذجة و السفیه، یمکن الرجوع فی هذا المجال الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏16، ص: 33، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، الطبعة الاولى، 1421هـ، قم المقدسة.

[2] انظر: "تفسیر هدایت، ج ‏17، ص 34، محمد تقی المدرسی، ناشر: مرکز الدراسات الإسلامیة فی الروضة الرضویة المقدسة، 1419 هـ، الطبعة الأولى، مشهد.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280274 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258855 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129655 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115714 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89578 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61080 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60391 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57383 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51662 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47726 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...