Please Wait
7386
(الإسلام) فی اللغة بمعنى التسلیم المطلق من دون نقاش او اعتراض او قول لماذا ولای شیء.
(الدین) کاشف عما یریده الله من البشر على مستوى الأفکار و الحالات و الأفعال الفردیة و الاجتماعیة، و کذلک کیفیة ارتباطه و علاقاته بنفسه و بالآخرین و بربه.
و على هذا الأساس، فإن اللازم من قبول أی دین ـ فی کل عصر ـ هو التسلیم المطلق لنبی ذلک العصر، و للدین الذی یأتی به.
و علیه فعندما یأتی دین جدید (و هو بمثابة الخطاب و المنشور الجدید) فإن العباد ملزمون ـ طبقاً لتعالیم الدین السابق و ما یلزم به ـ أن یتبعوا الدین الجدید و یسلموا لتعالیمه، إذن من الممکن القول أن أنبیاء الله الکرام و على مدى التاریخ البشری کانوا یبشرون و یبلغون بدین واحد و هو (الإسلام) الذی تختلف فیه جنبة الشرائع زیادة و نقصاناً بالنسبة إلى الأنبیاء السابق منهم و اللاحق. و لا فرق بینهم من هذه الجهة، و إن کانوا یتفاوتون فی الفضیلة و المرتبة عند الله.[i]
و لا یمکن البقاء على الشریعة السابقة عندما تنزل شریعة جدیدة.
و على هذا الأساس فعندما یکون النبی الأکرم صلى الله علیه و آله هو خاتم الأنبیاء و إن الدین الإسلامی هو خاتم الأدیان، و إنه هو الدین العالمی الخالد، فإن واجب کل متدین و مطیع و مسلّم لأمر الله سبحانه، سواء کان من الیهود أو النصارى أو المشرکین أو ... هو قبول الدین الإسلامی الأصیل الذی جاء به محمد صلى الله علیه و آله، و بذلک فقط یکون دینه مرضیاً و مقبولاً لدى الحق تعالى، و ینال الثواب على أفکاره و تصوراته و أعماله الصالحة، و ینال الدرجات الرفیعة فی الجنة.
و على هذا الأساس، فلا یقبل أی دین آخر من أحدٍ بعد نزول الإسلام و اکتمال تعالیمه و تشریعاته و لا یرضى الله سبحانه أی دین سوى الإسلام.
التسلیم لله تعالى له مراتب و درجات متفاوتة:
1ـ تسلیم الموجودات التکوینی لله تعالى، و من جملتها الإنسان، و معنى ذلک هو أن خلقها و التغییرات التی تطرأ علیها و التحولات و المراحل التی تمر بها، و الانتماء العرقی و القومی و فی نهایة المطاف موتها و خاتمة أمرها کل ذلک بید الله وحده, و لیس للموجودات من الأمر شیء فی هذا المجال. و إنما هی مجبورة و مستسلمة تسلیم خلق و تقدیر و تدبیر و ملک و ربوبیة.[1]
و هذا المعنى من التسلیم یشمل الجمیع حتى المعاندین و المشرکین و الکفار و المنافقین مشمولین بهذا الأمر التکوینی، أرادوا أم لم یریدوا، علموا أم لم یعلموا، فإنهم فی حالة تسلیم محض و مطلق لله تعالى، و لیس بإمکان أحد أن یخرج من هذه القدرة أو یفلت من هذه القبضة.[2]
2ـ الإسلام (التسلیم الفطری) بمعنى أن فطرة الإنسان إذا لم تتعرض للتربیة و التعلیم الخاطئین فإنها تبحث عن الله، و إنها تخضع و تنقاد و تسلم مقابل خالقها و رازقها و مدبر أمرها و مالکها المطلق، و من الطبیعی أن تمیل إلى التوحید و تتمسک به، و تبتعد و تتحرر من الشرک و آصاره، و هذا هو الإسلام الباطنی الذی بلغ بإبراهیم علیه السلام ملکوت السماوات و الأرض، فکان ینادی من أعمق أعماقه: {إِنِّی وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضَ حَنِیفًا وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ}.[3]
3 ـ الإسلام، بمعنى التسلیم الدینی، أی الانقیاد و التسلیم للتشریعات الإلهیة المتمثلة بالأوامر و النواهی الدینیة على مستوى المعتقدات و الحالات و الأعمال و ... و من دون أی تردد أو تساؤل و لا تفریق و تمییز بین المعارف النظریة و العملیة الأخلاقیة، أو العمل ببعض و ترک البعض الآخر، و هذا النوع من التسلیم من لوازم ادعاء (التدین) بمعنى أن کل من یجد نفسه متدیناً ملتزماً حافظاً لدینه لا بد له من التسلیم المطلق لأوامر الله و نواهیه حتى و إن کانت لا تنسجم و طباعه و لا تتفق مع میوله و رغباته، فما علیه إلا التسلیم المحض المطلق.[4]
و على هذا الأساس فإذا قال النبی ـ الذی یحبه و یؤمن به ـ علیک أن تترک هذه الشریعة بعد مدة و أن تتبع شریعةً جدیدةً یأتی بها نبی من بعدی، فإذا کان صادقاً فی إیمانه و حبه لنبیه و واقعیاً فی تدینه فما علیه إلا أن یترک الشریعة السابقة و یلتحق بالشریعة الجدیدة و یلتزم بأحکامها و تعالیمها، فلو أن الیهود مثلاً کانوا صادقین باتباع موسى علیه السلام و مخلصین له فمن اللازم علیهم أن یتبعوا عیسى علیه السلام حینما بعث بین ظهرانیهم، و علیه فینبغی ألا یکون وجود للیهود فی هذا الوقت. و کذلک الأمر بالنسبة إلى النصارى فلو أنهم کانوا صادقین باتباع عیسى المسیح علیه السلام، لرأوا أنفسهم ملزمین بأمره و وصایاه باتباع محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (علیه و على آله أفضل التحیات و الصلوات و التسلیم) و لنفضوا أیدیهم مما فیها من التحریف و لتمسکوا برسول الله و أصبحوا مسلمین.
4ـ (الإسلام) هو آخر الشرائع الإلهیة و أکملها و أتمها، و هو ناسخ لکل الشرائع التی کانت قبله، و لم تأت بعده شریعة لیکون ناسخاً لها.[5]
و على هذا الأساس فبعد بعثة النبی صلى الله علیه و آله و تمام شریعته و کمال دینه فلا یمکن قبول أی دین أو أی شریعة من أی أحد، لأنه لا وجود لشریعة أو دین یرتضیه الله سبحانه غیر الإسلام.
لأن الإیمان بهذا النبی صلى الله علیه و آله و التسلیم لهذا الدین یستلزم الإیمان بسائر الشرائع و التصدیق بکل الأنبیاء، إضافة إلى ما جاء به مکملاً و متمماً لها (المعارف و الأحکام الجدیدة التی تتناسب و مقتضیات العصر).
أما الإیمان بالشرائع الأخرى فإنه إیمان بدین لا یمکن أن یلبی حاجات الإنسان ـ بعد الآن ـ فی طریق سیره لنیل سعادة الدنیا و الآخرة بشکل کامل غیر منقوص. فهو من هذه الناحیة قاصر و ناقص لا یفی بالغرض، و لهذا فلا یمکن أن تکون الأدیان الأخرى مرضیة عند الله و مقبولة لدیه حتى یکون أتباعها مستحقین للأجر و الثواب، خصوصاً إذا علمنا أن هذه الأدیان اعتراها التحریف فابتعدت بذلک عن مسارها الإلهی.[6]
الإسلام الوارد فی الآیة الکریمة یمکن أن یستوعب ـ وبشیء من العنایة ـ أقسام التسلیم المتقدمة الأربعة و ذلک لأن الإنسان ـ تکویناً ـ هو الذی یختار طریقه، و هو الذی یحدد مصیره بنفسه، و باختیاره الدین الإسلامی یکون قد لبى نداء فطرته، لأن هذا الدین مطابق للفطرة و العقل السلیم، و قبول هذا الدین هو بمثابة التصدیق و الاعتراف بجمیع الأنبیاء و الأدیان التی جاءوا بها، و إنهم کانوا أنبیاء الله بالفعل و مبلغی رسالاته و هداة للناس باتجاه الکمال، و إن ما جاءوا به لم یکن دیناً محرفاً، و لا وجود لدین یعکس الصورة الأتم و الأکمل بالنسبة للأدیان السابقة إلا الإسلام، و لم یتمتع غیره بهذه الخصوصیة. و لهذا فإن اتباع هذا الدین، الذی یعد تسلیماً محضاً لله تعالى، و هو ترک لکل السبل المتفرقة و تمسک و ثبات على الصراط المستقیم و نقل الخطى باطمئنان علیه.[7]
و لکن قبول هذا الدین و التمسک به له مراتب و درجات أیضاً:
1ـ قبول الإسلام ظاهریاً من خلال النطق بالشهادتین و تقبل الأوامر و النواهی بشکل ظاهری، و من الممکن لهذا النوع من الإسلام أن لا یکون مصحوباً بالاعتقاد و الإیمان القلبی، و لکن صاحبه یتمتع بکل حقوق المسلم و آثار الإسلام مثل أحکام النکاح و المعاملة و طهارة البدن و اللباس و حرمة النفس و المال...[8]
2ـ الإسلام المصحوب بالإیمان القلبی و الیقین و التصدیق و التسلیم بکل المعارف الإلهیة الحقة قلباً و روحاً. مع أنه من الممکن و فی بعض الموارد أن یحصل تجاوز عملی أو شک و تردد علمی.[9] أو الإتیان بعمل أو عبادة مع الکراهة القلبیة.
3ـ الإسلام النابع من رضا القلب و الإیمان الراسخ بالدین و بالله سبحانه و النبی صلى الله علیه و آله، الذی یستتبع خضوع الجوارح و الجوانح و خشوعها فی مقابل الخالق العظیم و نبیه الکریم صلى الله علیه و آله و الإمام علیه السلام، و إطاعة الأوامر و النواهی من دون أی إحساس قلبی بالحرج أو الإکراه بالنسبة إلى قبولها أو تنفیذها.[10]
و فی هذه الحالة یرى الإنسان نفسه عبداً مملوکاً للحق تعالى، و إن الحق هو المالک له بتمام معنى الملک، فیقدم رضا الله على رضا نفسه، و یقبل بما یقسمه و یقبله له الباری عز و جل.
4ـ التسلیم للحق تسلیم لا یرى معه لنفسه أی استقلال أو إرادة، فلا یرید شیئاً إلا ما یریده الله و یأمر به. و کل همه و همته مسخرة لجلب رضا ربه لا غیر، و على أی نحو یکون و فی أی طریق یسیر و على أی کیفیة یمسی، فإنه یرقى إلى مقام أولیاء الله الذین {لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ}[11]، فلا یأسف على ما فات و لا یغتم لما یذهب من یده، و لا یخاف مما یأتی به المستقبل،[12] لأنه بلغ مرتبة الاطمئنان، و لا ینتظر إلا تلبیة نداء الحق لیصل إلى لقاء الله.[13] و لیأت کل ما یمکن أن یأتی، حتى لو کان بمنزلة ما حدث فی کربلاء من بلاء.
إذن (الإسلام الواقعی) هو الذی یکون جامعاً لکل تلک المراتب و هذه المراتب،[14] فلا یمکن أن یقاس إسلام النبی صلى الله علیه و آله بإسلام أحد، و کذلک إسلام الأئمة الهداة علیهم السلام لا یمکن أن یقاس بإسلام الآخرین, و إن الأدلة و القرائن و الشواهد التی تثبت هذا المدعى لا یمکن الإحاطة بها فی هذا البحث المختصر، و یمکن للمحقق و طالب الحقیقة أن یتابع ذلک فی کتب السیر و التواریخ الخاصة بهم.
و خلاصة القول هی: أن التسلیم المطلق لله سبحانه یستلزم قبول الإسلام، و قبول الدین الإسلامی یستلزم التسلیم المطلق لله تعالى، و فی هذا من الظرافة ما لا یخفى حیث نرى هذه الخصوصیة و ما یکمن فیها من سر، فکل معنى یستلزم المعنى الآخر و لا ینفک عنه، فلا یقال إما هذا و إما هذا!
و من جانب آخر فحیث أن هذا الدین بلغ الإکمال و الإتمام (بالولایة) أی بتنصیب الإمام علی علیه السلام لمنصب الإمامة فی غدیر خم.[15] فلا یصل منکر الولایة إلى مرتبة (التسلیم المحض) لله تعالى، لأنه لم یتقبل الإسلام الواقعی (الدین بشکل کامل)، و إنه سلک طریق التبعیض فی اتباع الشریعة، أی یعمل ببعضها و یترک البعض الآخر، و الله سبحانه یقول: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ قَالُوا سَمِعْنَا وَ هُمْ لا یَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ}[16] فالإنسان الذی یصم سمعه عن الحق، و یتمنع و یأبى أن یلتزم الحق و یعمل به، و یتحول إلى أصم أبکم إزاءه هو خائن للأمانة، قال تعالى: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَمَانَاتِکُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[17] و کذلک قال سبحانه: {وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شَاءَ فَلْیَکْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِینَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَ إِنْ یَسْتَغِیثُوا یُغَاثُوا بِمَاءٍ کَالْمُهْلِ یَشْوِی الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَ سَاءَتْ مُرْتَفَقًا}.[18]
فلیس هناک من شک فی أن (القرآن و العترة) هما أمانتان ثمینتان أوصى النبی صلى الله علیه و آله و سلم بالتمسک بهما، و التمسک بکل واحدة منهما إلى یوم القیامة، و ذلک لأن حدیث الثقلین المعروف متواتر لدى السنة و الشیعة، فالإسلام من دون ولایة لا یکون إسلاماً واقعیاً، و لا یکون مرضیاً عند الحق تبارک و تعالى.
المصادر:
1ـ الشیرازی، المیرزا أبو طالب، أسرار العقائد، مکتب الإسلام الطبعة 1، 1377، قم، کل الکتاب و تفاسیر الآیات مذکورة فی الهوامش.
2ـ الطباطبائی، محمد حسین، المیزان، المنشورات الإسلامیة، قم، ج1، ص 300 ـ 308، ج7، ص 342 ـ 347، ج3 ص 120 ـ 123، و 331 ـ 339.
3ـ القمی المشهدی، محمد بن محمد رضا، کنز الدقائق، مؤسسة الطباعة و النشر فی وزارة الإرشاد، الطبعة الأولى، 1411 طهران، ج4، ص 123، و 442، و ج3 ص 56 ـ 58.
[1] آل عمران: 83، الرعد: 15، فصلت: 11.
[2] موضوع ذو صلة: الاختیار و المشیئة الإلهیة، السؤال 153، العنکبوت: 98.
[3] الأنعام: 79.
[4] الأحزاب 36، الأنعام: 122 ـ 127، النساء: 60 ـ 70.
[5] الأحزاب: 40، انظر المطهری، مرتضى، الخاتمیة.
[6] آل عمران: 79 ـ 95.
[7] الأنعام: 153، المائدة : 15 ـ 19.
[8] الحجرات: 144.
[9] الزخرف: 69، البقرة: 208، الحجرات: 15.
[10] النساء: 65، المؤمنون: 1ـ 3.
[11] یونس: 62.
[12] الحدید: 23، آل عمران: 153.
[13] الفجر: 27 ـ 30.
[14] انظر المیزان، ج1، ص 300 ـ 303.
[15] موضوع ذو صلة: التحریف و المذاهب غیر الشیعة، السؤال: 260، المائدة: 3 ، 67.
[16] الانفال:20-32.
[17] الأنفال: 27.
[18] الکهف: 29.