ورد في المصادر الروائیة: "إنه لمکتوب علی یمین عرش الله إن الحسین مصباح هادٍ و سفینة نجاة".[1]
في جواب السؤال القائل: لماذا اختص الإمام الحسین (ع) من بین ائمة الهدی بهذا اللقب؟ یجب القول: صحیح أن الأئمة (ع) کلهم مصابیح الهدی و سفن النجاة، لکن قد تقتضي شروط الزمان و ظروفه أن تتجلی جنبة معینة من شخصیة کل واحد منهم حسب زمانه و مقتضیاته و تصل الی حد الفعلیة و في النتیجة یکون مظهراً لإسم من الأسماء الإلهیة.
و یُمکن توضیح هذا المطلب بمثالین:
المثال الأول: الإمام الخامس هو الوحید من بین الائمة یلقّب بباقر العلوم، مع أن کل الأئمة (ع) حائزون علی العلم اللدني و هذا الأمر لیس إلا ان الظروف الزمنیة للفترة التي عاشها الإمام الباقر (ع) کانت مؤهلة لهذه التسمیة، فمن جهة کانت هناک عدد کبیر من التیارات و الأفکار الجدیدة، و من جهة أخری أن دولة بني أمیة کانت ضعیفة لأنها في هذه الفترة کانت في طریقها الی الزوال. ففي هذا الجو و الظرف المهيّء کان من الضروري علی الإمام (ع) أن یبیّن اصول المذهب الشیعي. لذلک فقد أسّس (ع) حوزة علمیة و قد وصلت في زمن الإمام الصادق (ع) الی حد الإزدهار الکامل. و قد تمّ في هذه الفترة تبیین مذهب أهل البیت (ع) و تخرّج من هذه المدرسة عدد کبیر من التلامیذ جاءوا من أبعد نقاط العالم الإسلامي فأوصلوا صوت الإسلام الی مناطقهم. و ظهور هذا الدور في الإمام الخامس (ع) هو الذي أدی إلی أن یلقّب الإمام الباقر بهذا اللقب، و هذا لا یدل علی ان الائمة الباقین (ع) لم یکونوا علماء، بل ان علم الإمام الباقر (ع) کان له دور وحید و خاص في تبیین الخطوط العریضة و المؤشّرات لمذهب أهل البیت (ع).
المثال الثاني: الإمام علي (ع) و الإمام الحسین (ع) هما الوحیدان من بین الائمة المعصومین (ع) یلقّبان بثار الله (أي الشخص الذي یکون ولي دمّه الله سبحانه) مع أن الجمیع لم یموتوا حتف أنفهم بل کان موتهم شهادة في سبیل الله. و دلیل هذا الأمر هو إنهما الوحیدان اللذان سفک دمهما من بین الجمیع، و هذه الشهادة لها دور أکبر في إحیاء الإسلام، في الوقت الذي نری عدم ظهور هذه الخصوصیات في الائمة الباقین. و بعبارة أخری: مع أن کل الائمة المعصومین (ع) یعتبرون المظهر الکامل للصفات و الاسماء الإلهیة، لکن قد تقتضي شروط الزمان و ظروف ان تتجلی جنبة معینة من شخصیة کل واحد منهم حسب مقتضیات زمانه تصل الی حد الفعلیة و في النتیجة یکون مظهراً لإسم معین من الأسماءالإلهیة، و في کل وقت یظهر و یبرز و یتجلی بعد من أبعادهم الوجودیة حسب ذلک الوقت، أما ما یلزم قوله في الجواب عن السؤال المذکور و هو لماذا اختصّ الإمام الحسین (ع) بلقب مصباح الهدی و سفینة النجاة هو: أن ظروف الإمام الحسین (ع) و شروطه کانت خاصة و متمیزة، ففي هذه الظروف استطاع بنو أمیة بتبلیغاتهم المسمومة أن یمسخوا صورة الإسلام و یُغیّروا وجهه، و من الواضح لا یُمکن للإسلام الممسوخ أن یکون هادیاً للبشریة، فالإسلام الذي یسمح أن یکون خلیفته شارب الخمر و لاعب القمار، و الذي یسمح للتمییز العنصري و الطبقاتي بأن یظهر و بأوضح صورة، و الذي یسمح لقادته أن یأموا صلاة الجماعة في حال السکر، کیف یُمکنه أن یکون نوراً یهدي الناس للحق و الصواب.
فالإمام الحسین (ع) عندما قام و نهض بیّن السبب في ذلک بقوله: "إني لم اخرج اشراً و لا بطراً و لا مفسداً و لا ظالماً بل خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي"[2] فبعد أن بیّن (ع) الوضع الاجتماعي لزمانه بقوله: "ألا ترون إلی الحق لا یعمل به و إلی الباطل لا یتناهی عنه لیرغب المؤمن في لقاء الله فإني لا أری الموت إلا سعادة و الحیاة مع الظالمین إلا برما"[3] و عندما سمع بخلافة یزید قال: "و علی الإسلام السلام إذ قد بلیت الامة براعٍ مثل یزید".[4]
فالإمام الحسین (ع) استطاع في مثل هذه الظروف الصعبة أن ینقذ الإسلام من الضیاع و کذلک أن یبیّن و یرسم بعمله کل أبعاد الإسلام الحقیقیة للعالم، لذلک فنحن شاهدنا ظهور کل الفضائل و المکارم من الإمام الحسین (ع) و أصحابه في حادثة کربلا و علی الخصوص في یوم عاشوراء، و یُمکن لنا إلادعاء بأن کل أبعاد الإسلام قد رُسمت بلون الدم في عرصات الطف علی لوحة التاریخ الخالدة، و لم تتوفر مثل هذه الشروط لباقي الأئمة (ع) بحیث یمکن لهم أن یجعلوا کل فضائلهم و خصائصهم و صفاتهم في مسیر طلاب الحقیقة و أمام عیونهم و أن یعرضوا للعالم کل أبعاد الهدایة الإسلامیة، و هذا الأمر کان بمقتضی وظیفتهم التي کانت علی عاتقهم، فکل ظرف عمل و لکل مقام مقال و قد کانوا مکلّفین بأن یتصرّفوا التصرف المناسب لظرفهم و یبدوه للبشریة فالمحدودیة في العمل و التحرّک کانت موافقة لظرفهم و ولیدته. فلذلک و بسبب الجامعیة و الکلیة التي کانت تتصف بها واقعة عاشوراء صارت و کذلک الإمام الحسین (ع) مصباح هدایة لا یضل من سار علی هدیه و ارتبط به و لا یغرق في بحر الضلال المتلاطم أبداً من رکب سفینته. و بعبارة أخری: فالإمام الحسین (ع) مصباح هدایة لمن اطبقت علیه ظلمات الجهل و سفینة النجاة لمن یتقلب في دوامة الدنیا، لذلک فنحن نقرأ في زیارة الإمام الحسین في یوم الأربعین: "و بذل مهجته فیک لیستنقذ عبادک من الجهالة و حیرة الضلالة و قد توازر علیه من غرّته الدنیا...".[5]
لمزید من الاطلاع راجعوا : ترخان، قاسم، التفکر العرفاني و الفلسفي و الکلامي في شخصیة و ثورة الإمام الحسین (ع)، نشر چلچراغ، 1388 هـ .ش.
الموضوع المرتبط:
الإمام الحسین (ع) و معنی ثار الله، السؤال 7124 (الموقع: 7258).
[1] الطبرسي، أمین الإسلام فضل بن حسن، أعلام الوری، ص400، الطبعة الثالثة، الناشر: الإسلامیة، طهران، 1390 هـ.ق.
[2] الشریف القرشي، باقر، حیاة الإمام الحسین بن علي (ع)، ج2، ص264، دار الکتب العلمیة، قمريال 1396 هـ.ق. یقول الإمام في جملة اخری: "اللهم إني أحب المعروف و أنکر المنکر"؛ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج43، ص328، 110 جلد، مؤسسة الوفاء، بیروت، لبنان، 1404 هـ.ق.
[3] أعیان الشیعة، ج4، القسم الأول، ص234-235، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، 1406 هـ.ق. یقول الإمام بخطابه لجیش الکوفة: "إنا لله و إنا إلیه راجعون، هؤلاء قوم کفروا بعد إیمانهم فبعداً للقوم الظالمین"، قسم الحدیث في معهد باقر العلوم للدراسات؛ موسوعة کلمات الإمام الحسین، ص416-417، الطبعة الثالثة، درا المعروف للطباعة و النشر، 1416-1995 م.
[4] "و علی الإسلام السلام إذ قد بلیت الامة براعٍ مثل یزید" إبن طاووس، اللهوف علی قتلی الطفوف، ص11، إنتشارات جهان، طهران، 1348 هـ.ش.
[5] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج98، ص331.