Please Wait
9004
قبل ان نستعرض طرق نفود الشیطان فی الانسان یلزم ان نتعرف و لو اجمالاً علی موجود اسمه الشیطان. و فی مبدأ اشتقاق کلمة الشیطان وقع اختلاف بین اصحاب النظر، و لکن الأصح ان یقال بانّ هذه الکلمة مأخوذة من مادة شطن أی بعد، و لذا یمکن ان یکون لها مصادیق متعددة و لکن أبرزها، و رئیسها هو ابلیس. انه موجود من جنس الجن و لهذا یمکنه أن یتمثل بأشکال مختلفة و یظهر نفسه بصورة انسان أو حیوان أو أیّ شیء آخر غیر المعصوم (ع).
اذن فانّ احد الطرق الاساسیة للاغواء هو هذا الطریق. حیث انّه یظهر نفسه بشکل انسان ظاهر الصلاح وذلک خلال اللحظات الحساسة المصیریة للانسان فیؤدی الى انخداع الانسان به. و لکنه لا یستخدم هذا الاسلوب دائماً. انّه موجود مثالی؛ یعنی ان له حالة بین التجرّد و التجسم و لهذا فهو لا یستطیع النفوذ مباشرة الی الروح المجردة للانسان التی هی قوام الانسان و انسانیة، و لهذا فهو یحقق مآربه و یدخل فی نفوسنا عن طریق مجری یعرف باسم النفس الامارة، فانّ النفس الأمارة هی البعد الحیوانی للنفس الانسانیة و التی تتبدل فی حالة التکامل و الرقی الی النفس المطمئنة أو الروح العالیة.
اذن فالشیطان بتزیینه و تحسینه للانحرافات التی تمیل الیها النفس الامارة او الاهواء النفسیة للانسان، یحقق موجبات ضلال الانسان و انخداعه. و علیه فینبغی القول بانّ الشیطان جزء العلة او انّه علّة معدة للاضلال، لا أنّه علّة تامّة.
و للاغواءات الشیطانیة مظاهر مختلفة تتناغم مع میولنا الحیوانیة و هی عبارة عن:
الف- تزیین الأعمال القبیحة:
فالشیطان بتزیینه للقبائح یؤدی الی زوال قبح الظلم و الذنوب و یقلل الموانع الاجتماعیة من العمل بالمحرمات لکی یسهل علی الانسان السقوط فی أحضان الذنوب،و ذلک هو ما نقوم به من توجیهات لارتکاب الذنوب.
ب- الوعود الکاذبة:
ان الشیطان بوعوده الکاذبة و أمانیه البعیدة الخیالیة، یسبب غفلة الانسان عن المعاد و الموت و عن الله سبحانه، فتتجاذبه الأهواء النفسانیة، فهو من أجل ان یصل الی امنیته مستعد لان یرتکب الکبائر من الذنوب أیضاً.
ج- الخوف و القلق:
فالشیطان عن طریق إثارته الرعب و الخوف من المستقبل و حوادثه یحرض الانسان علی تجمیع الثروة و الفرار من الجهاد و مماشاة الطاغوت و ... و یدعوه الی ارتکاب الاعمال القبیحة و الذنوب الناشئة من الخوف من المستقبل.
للحصول علی جواب صحیح عن السؤال المذکور ینبغی اوّلاً ان یکون لدینا معرفة و لو اجمالیة عن موجود اسمه الشیطان. و توجد عدة مبان بین العلماء فی مبدأ اشتقاق کلمة الشیطان. و لکن الأنسب برأینا هو انّ کلمة الشیطان مأخوذة من شطن بمعنى بعد [1]. و برأی کثیر من المفسرین فانّ الشیطان؛ یعنی الموجود المؤذی و الطاغی و الذی خرج عن الطریق. و علی هذا الافتراض فالشیطان اسم عام و له مصادیق متعددة، و انّه یشمل کل موجود طاغٍ من الانس و الجن[2]. اما ابلیس فهو الشیطان الذی أبى السجود لآدم أبی البشر[3].
و کما ورد فی القرآن صریحاً؛ فان ابلیس لیس إنسیاً بل هو من جنس الجن[4] و هو مخلوق من النار. و من خصائص هذا النوع من المخلوقات انّ لها حالة وسطیّة بین الجسم المادی و المجرّد، و یمکنها ان تتمثل بأشکال مختلفة؛ یعنی ان تظهر بقوالب خارجیة و عینیة. و یظهر انّ المقصود من السؤال عن الشیطان هو السؤال عن إبلیس. و نحن نجیب عن السؤال بناءً علی هذا الافتراض:
و کما قلنا فانّ الشیطان موجود مثالی و نحن نعلم بانّ الانسان موجود ذو بعدین؛ یعنی انّ له جنبة جسمانیة و له جنبة روحانیة أیضاً. و علیه فاذا أراد الشیطان اغواء انسانٍ ما، فلابد له من ایجاد ارتباط مع روحه التی تمثل انسانیة الانسان و قوامه و ذلک عن طریق منفذ خاص.
ان نفس الانسان لها حالتان مختلفتان أحداهما روحانیة و یعبّر عنها بالروح او النفس المطمئنة، و الاخری النفس الشیطانیة و التی یعبّر عنها بالنفس الامارة او الاهواء النفسانیة.
و لکی یتسلط الشیطان علی الانسان لابد له ان یستخدم منفذ النفس الامارة[5] و یستفید منها؛ و من ناحیة اخری ان الموجود المثالی لا یمکنه الارتباط المباشر بالموجودات الجسمانیة و هذا الارتباط المشبوه للشیطان مع النفس الامارة هو الذی یعبّر عنه بالالقاء او الوسوسة.
یقول العلامة الطباطبائی بهذا الصدد: انّ الشیطان یخدع الانسان عن طریق القاء الوسوسة فی قلبه[6]
فالشیطان اذن هو جزء العلّة و لا یمکنه بمفرده ان یضل الانسان، بل هو یدعو الانسان الی ما تمیل الیه نفسه. أو بعبارة اخری، هو علّة معدّة و لیس علّة تامّة.
و الانسان أیضاً فی قباله هو مختار، فیمکنه ان یتبّع طریقه، و یمکنه ان یتبّع أوامر الحق و العقل. و لهذا یقول الله تعالی فی نهی الانسان عن العمل بأوامر الشیطان:
«و لا تتبعوا خطوات الشیطان انه لکم عدو مبین».[7]
و السؤال الآن هو، انه کیف یحرک الشیطان الاحساسات غیر العقلانیة و یثیر الأهواء النفسانیة للانسان و یبعثه علی ارتکاب الأعمال القبیحة؟
انّ الشیطان یستخدم طرقاً مختلفة من أجل الوصول الی هذا الهدف سنشیر الی بعضها: و کما قلنا فانّ الشیطان یمکنه ان یتمثل بصورة موجود عینی و خارجی، و هذا أحد طرق اغواء الشیطان؛ یعنی انّه و فی اللحظات التاریخیة الحساسة یظهر بصورة انسان ظاهر الصلاح فیضل الناس عن طرق الحق و قد سجل التاریخ نماذج لهذه القضیة و ربما یکون ذلک قد وقع لبعضنا.[8]
لکنه یستعمل أسالیب اخری أیضاً و قد اشیر الیها فی الآیات القرآنیة:
الف- تزیین الأعمال القبیحة:
یعنی ان الشیطان یزیّن الأعمال المنکرة و یحسنها حتى یبدو العمل بها مقبولاً و لائقاً و هذا هو ما عبّر عنه القرآن بتلبیس الحق بالباطل و الباطل بالحق[9]، و الذی هو أحد اسالیب الیهود.
ان تزیین الأعمال طریق سهل و موافق للمیول النفسانیة للانسان،و لذا ورد فی القرآن قوله تعالی: «وزین لهم الشیطان أعمالهم فصدهم عن السبیل».[10]
ب- الوعود الکاذبة:
انّ الشیطان باعطائه الوعود الکاذبة و ترویجه للامانی البعیدة یجعل الانسان فی غفلة عن الواقعیات و التحدیات المحیطة به، و یشغله بالاوهام البعیدة فتکون النتیجة هی الغفلة و نیسان الله. و لهذا یقول الله تعالى: «یعدهم و یمنیهم و ما یعدهم الشیطان الاغرواً».[11]
ج- الخوف و القلق:
ان أحد أسلحة الشیطان الاخری هو التمسّک بتخویف الانسان و قلقه بالنسبة للمستقبل. ان حالة الخوف هذه هی علّة لمعالیل فاسدة کثیرة کالیأس و سوء الظن بالله و عدم التوکل، و بالتالی امتناع الانسان عن الأعمال الحسنة و ذلک مثل ان یخوف الشیطان الانسان من الفقر و الحاجة فی المستقبل مما یوجوب البخل و منع الانسان من الانفاق و قد نبّه القرآن علی هذا الموضوع بقوله: «الشیطان یعدکم الفقر و یأمرکم بالفحشاء».[12]
المصادر:
1. التفسیر الأمثل، ناصر مکارم الشیرازی.
2. المیزان، محمد حسین الطباطبائی.
3. الاخلاق فی القرآن،محمد تقی مصباح الیزدی.
[1] لسان العرب، ج13، مادة شطن.
[2] تفسیر الأمثل، ج1، ص 191.
[3] «و اذ قلنا للملائکة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابلیس ابى و استکبر و کان من الکافرین»، البقرة، 34.
[4] الکهف، 50.
[5] الاخلاق فی القرآن، ج1، ص 234.
[6] المیزان، ج1، ص 210.
[7] البقرة، 208.
[8] انظر: اسرار آل محمد (کتاب سلیم بن قیس الهلالی)، ص 80.
[9] البقرة، 2.
[10] النحل، 24.
[11] النساء، 120.
[12] البقرة، 268.