بحث متقدم
الزيارة
6162
محدثة عن: 2010/05/22
خلاصة السؤال
هل أن قدرة تأثیر الشیطان أکبر أم قدرة الله؟
السؤال
هل أن قدرة تأثیر کلام الشیطان أکبر من قدرة الله، و ذلک لأن الله تعالی قال للإنسان: "لا تأکل من هذه الثمرة، و لکن الإنسان خالف ذلک و أکل، فی حین إن الشیطان أمره بالأکل فأکل منها، فکلام أی منهما کان أشد تأثیراً و نفوذاً؟
الجواب الإجمالي

لا شک أن قدرة الله الذی هو خالق الجمیع أکبر من قدرة الشیطان فی جمیع الامور. و أما کون النبی آدم(ع) کان قد اتبع قول الشیطان و تمرّد علی أمر الله فلیس سببه هو قدرة نفوذ کلام الشیطان بل لأجل وسوسة الشیطان، لأن الإنسان موجود مختار و إنه یتأثّر فی اختیاره بمجموعة من العوامل المختلفة.

و أن تناول النبی آدم(ع) من الثمرة التی نهاه الله عن الأکل منها لا یقدح بعصمة الأنبیاء لأن ذلک کان من ترک الاولی، و أن النهی کان نهیاً ارشادیاً و لیس نهیاً مولویاً، و بناء علی هذا فإذا کان لله أمر و نهی مولوی فإن الأنبیاء لا یتخلّفون عن ذلک أبداً.

الجواب التفصيلي

قبل التعرّض لأصل الجواب ینبغی الالتفات الی ملاحظات ثلاث:

1- إن الشیطان فی وساوسه لآدم کان قد تلبّس بلباس النصح و المحبة، و بناء علی هذا فلا ینبغی أن نتصوّر أن وساوس الشیطان و مهما کانت قویة تسلب الاختیار من الإنسان بل یمکن للإنسان –مع ذلک- أن یقف أمامها بقوة العقل و الإیمان و بعبارة اخری: أن وساوس الشیطان لا تجبر الإنسان علی ارتکاب المخالفة، بل تبقی قوة الاختیار قائمة، و إن کانت المقاومة فی قبالها بحاجة الی صمود و استقامة و تتطلّب أحیاناً تحمّل الاذی و الألم، و علی أیة حال فإن مثل هذه الوساوس لا تعفی أحداً من المسؤولیة کما إنها لم تعف آدم عنها، و لذا نلاحظ إنه مع وجود جمیع العوامل التی وضعها الشیطان لترغیب آدم فی مخالفة الأمر الإلهی، فإن الله قد اعتبره مسؤولاً عن عمله.[1]

2- طبقاً لرأی الشیعة فإن النبی لا یرتکب الذنب أبداً، و نعلم أن آدم کان من الأنبیاء و بناء علی هذا فما ورد فی القرآن عن الأنبیاء من نسبة العصیان الیهم، کل ذلک بمعنی "العصیان النسبی" و "ترک الاولی" و لیس العصیان المطلق.

و العصیان المطلق هو مخالفة النهی التحریمی و مخالفة الأمر الإلهی القطعی، و یشمل ترک الواجب و فعل الحرام، و أما العصیان النسبی فهو أن یصدر عمل غیر محرم من شخص عظیم، لا یلیق بمقامه و منزلته و شأنه، فربما کان فعل عمل مباح أحیاناً، بل حتی عمل مستحب، لا یتناسب مع مقام الشخصیات الکبیرة، ففی هذه الحالة یعتبر القیام بذلک العمل "عصیاناً نسبیاً". فمثلاً لو أن شخصاً مؤمناً ثریاً قام بمساعدة فقیر بمبلغ زهید جداً، فلا شک أن هذه المساعدة و رغم کونها قلیلة لیست عملاً محرماً بل هی مستحبة و لکن کل من یعلم بذلک فإنه یذمّه و کأنّه قد قام بارتکاب ذنب، و ذلک بسبب إنه کان المتوقّع منه أکثر من ذلک بکثیر.

و علی هذا القیاس فإن الأعمال التی تصدر من المقرّبین الی الله تقاس الی منزلتهم الممتازة، فیطلق علیها أحیاناً کلمة "العصیان" و "الذنب"، فمثلاً الصلاة التی قد تعتبر صلاة ممتازة من الشخص العادی، تعتبر ذنباً بالنسبة لأولیاء الله، لأنه لا یلیق بهم أن یغفلوا و لو للحظة فی حال العبادة، بل یجب أن یکونوا مستغرقین فی صفات الجلال و الجمال الإلهیة فی عبادتهم، نظراً لعلمهم و تقواهم و منزلتهم.

و أعمالهم الأخری غیر العبادیة هی أیضاً کذلک، فإنها تقایس و تقارن مع منزلتهم، و لهذا السبب فإذا صدر منهم "ترک الاولی" فإنهم یعاتبون و یؤنّبون من قبل الله.[2]

و بناء علی هذا فإن نهی آدم عن "الشجرة الممنوعة" أیضاً لم یکن نهیاً تحریمیاً، بل کان من باب النهی عن ترک الاولی. و لکنه و بالنظر الی منزلة آدم قد اعتبر أمراً مهماً فقد أوجب ارتکاب هذا النهی "و إن کان نهیاً تنزیهیّاً" مثل هذه العقوبة و المؤاخذة من قبل الله.

و یحتمل أیضاً أن یکون نهی آدم عن الشجرة الممنوعة "نهیاً ارشادیاً" و لیس نهیاً مولویاً، و توضیح ذلک: إن الله قد ینهی عن شیء أحیاناً باعتباره مالکاً للإنسان و مولی له و تجب طاعته علی کل إنسان، فمثل هذا النهی یسمّی "نهیاً مولویاً". و لکن قد ینهی الله عن شیء أحیاناً و لیس الغرض من ذلک سوی إرشاد الإنسان الی أن ارتکاب هذا العمل له آثار تضر به، و ذلک تماماً مثل نهی الطبیب مریضه عن الأطعمة المضرّة و المؤذیة له، و لا شک فی أن المریض إذا خالف أمر الطبیب فلا یعتبر ذلک إهانة له و لا مخالفة لشخصه، بل إهمال لارشادات الطبیب و تعلیماته، و ایقاع للنفس فی المشقّة.

و فیما یختصّ بقصّة آدم أیضاً فإن الله أخبره بأن الأکل من الشجرة الممنوعة نتیجته الخروج الجنة و الوقوع فی المشقة و الأذی، و هذا إرشاد و لیس أمراً، و لهذا فإن آدم قد خالف النهی الارشادی فحسب و لم یرتکب معصیة و ذنباً حقیقیاً.[3]

3- و إضافة الی ذلک فقد ورد فی آیات أخری أن الشیطان قد نسب الذنب و الظلم الی الإنسان نفسه و سلبه عن نفسه و أعتبر نفسه حیادیاً بکل معنی الکلمة[4]، فالشیطان یخاطب الناس یوم القیامة بقوله: "إن الله وعدکم وعد الحق و وعدتکم فاخلفتم و ما کان لی علیکم من سلطان الا أن دعوتکم فاستجبتم فلا تلومونی و لوموا أنفسکم".[5]

و یقول فی آیة اخری "إن عبادی لیس لک علیهم من سلطان الا من اتبعک من الغاوین"[6].

و النتیجة: أنه بعد التأمل فیما تقدّم یمکننا القول: لا شک أن قدرة الله أکبر من قدرة الشیطان، لأن الشیطان مخلوق لله و لا تکون قدرة المخلوق أکبر من قدرة الخالق. و بناء علی هذا فإذا رأینا آدم(ع) قد أکل من الشجرة الممنوعة فلیس ذلک بسبب تفوق قدرته على قدرة الله تعالى، بل بسبب ما قام به من وساوس استطاع أن ینجح فی عمله.

و بالطبع فکما ذکرنا فإن ذلک کان من ترک الاولی، و فی یوم القیامة فإن الناس یعذّبون بسبب تمرّدهم و عصیانهم بارادتهم و اختیارهم. و بناء علی هذا فلا ینبغی لنا أن نعقد مقارنة بین تأثیر کلام الله و کلام الشیطان، بل یجب أن نعلم بأن قدرة الله أعلی من کل قدرة، و لکن الإنسان هو الذی یفعل ما یرید باختیاره.



[1] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج ‏4، ص 595، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1374 ش.

[2] المراد بترک الاولی هو أن یترک الإنسان الفعل الأفضل و یقوم بفعل حسن أو مباح.

[3] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏4، ص: 598، 599 و 560.

[4] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج ‏8، ص 41 ، طباعة جامعة المدرسین، قم1417 ق.

[5] إبراهیم، 22.

[6] الحجر، 24.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279471 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257339 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113315 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89031 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59883 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59591 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56883 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49823 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47192 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...